تصاعدت دعوات إنقاذ جبانات ومدافن القاهرة التاريخية مع استمرار نشاط معاول الهدم والجرافات، وجدد مهتمون وباحثون بتراث منطقة «الإمام الشافعي» ومقابرها الحديث عن قيمتها الأثرية والتاريخية، وطالبوا بحماية الأحواش التاريخية، سواء كانت مسجلة ضمن قائمة الآثار المحمية أو غير مسجلة، مشيرين إلى أن بعض ما تعرض للهدم مر على بنائه أكثر من مائتي عام.
ومن بين القرافات التي ثار حولها الجدل منذ أيام مدافن تم هدمها، وتعود للعصر العثماني، وتنتسب لعدد من البكوات بينهم «مصطفى بك قوللي» أميرالاي مجلس الحقانية الذي يعود تاريخ وفاته إلى 1270 هجرية زمن حكم محمد سعيد باشا حفيد محمد علي مؤسس الأسرة العلوية، فضلاً عن عدد آخر من البكوات، وتشير شواهد القبور المكتوبة باللغة التركية القديمة إلى تواريخ تزيد على مائة عام مما يدخلها في حكم الآثار التي تخضع للحماية بالقانون.
ولا تضع وزارة السياحة والآثار المصرية القبور التي تم هدمها للبكوات الثمانية ضمن قائمة آثارها المحمية، لكن الباحث إبراهيم طايع عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، والمهتم بدراسة الجبانات القديمة قال لـ«الشرق الأوسط» إنه فور هدم المدافن دعا للحفاظ على شواهدها لأنه خشي عليها من السرقة، وأضاف: «بعد أن نفذت الجرافات قرار الهدم، قبل أيام قليلة، تم ترك الشواهد في الخلاء، وقد تواصلت مع منطقة آثار الإمام الشافعي التابعة لها، ووعدوا بالعمل على حماية الشواهد، والحفاظ عليها». وتابع: «حددنا لهم مكان الشواهد بالضبط، للقيام باللازم، وجميعها مكتوبة باللغة التركية العثمانية القديمة وتعود لثمانية من البكوات، بينهم أميرالاي مجلس الحقانية، وعدد من أتباع أمراء أسرة محمد علي، تم عتقهم ومنحهم رتبة البكاوية».

وتقع المقبرة بالقرب من حوش الباشا بالإمام الشافعي، جوار مدافن الأسرة العلوية. ويصف طايع ما يحدث من عمليات هدم بأنها «عشوائية، لأن بعض المدافن التي تم هدمها تقع بعيداً عن مسار الجسر المزمع إنشاؤه، ومنها على سبيل المثال حوش عبد المجيد اللبان، وكان مدفنه بعيداً تماماً عن المسار المحدد للجسر، ولا أحد يعرف لماذا يتم هدم أحواش ومدافن لا صلة لها بمحور العمل الخاص بالجسر، هناك الكثير من العمليات تتم لأسباب مجهولة، وتحيط بها الكثير من علامات الاستفهام»، على حد تعبيره.
ويرى طايع أن «كل المدافن المواجهة لحوش الباشا بالإمام الشافعي تمت إزالتها بدواعي التطوير، وهو نوع من العبث، كان يمكن الإبقاء عليها وتحويلها لحديقة كبيرة أسوة بمناطق المقابر في أوروبا، وكل الإمكانات موجودة، ويزيد عليها هذا الكم من الكنوز الموجودة في الأحواش بطرزها المعمارية الفريدة»، وحذّر الباحث التاريخي من «وجود إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي لعدد من التجار يعلنون عما لديهم من شواهد قبور وقطع أثرية منزوعة من مقابر الإمام الشافعي».

كانت حلول إنقاذ منطقة الجبانات كثيرة، حسب قول الباحث في التاريخ الإسلامي عمر النعماني، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الحلول صدرت جميعها عن متخصصين في العمارة وتخطيط المدن، وكانت ضمن مبادرات كثيرة للحفاظ على منطقة الإمام الشافعي، لكن رغم ما أبداه البعض من مرونة إلا أن عمليات الهدم لم تتوقف، وقد نجم عنها تدمير ودفن مئات الشواهد، وتحول مساحات شاسعة من المقابر لفضاء رملي كبير وبلا معالم».

