تصميم غاليري توت عنخ آمون... درة التاج في المتحف المصري الكبير

أتيلييه بروكنر وسردية متحفية لكنوز الفرعون الذهبي

تانيا زولنر وخبراء مركز الترميم الخاص بالمتحف المصري الكبير (أتيلييه بروكنر)
تانيا زولنر وخبراء مركز الترميم الخاص بالمتحف المصري الكبير (أتيلييه بروكنر)
TT

تصميم غاليري توت عنخ آمون... درة التاج في المتحف المصري الكبير

تانيا زولنر وخبراء مركز الترميم الخاص بالمتحف المصري الكبير (أتيلييه بروكنر)
تانيا زولنر وخبراء مركز الترميم الخاص بالمتحف المصري الكبير (أتيلييه بروكنر)

​مع بدء العد التنازلي لافتتاح المتحف المصري الكبير تتجه أنظار العالم إلى صحراء الجيزة حيث تقبع الأهرامات وأبو الهول شهوداً على الزمن وأيضاً على المجهودات الضخمة الجارية حولها لإنهاء الأعمال في المتحف المصري الكبير الذي سيعرض للعالم كنوز الحضارة المصرية القديمة في مبنى يعد الأضخم في العالم من حيث الحجم، وأيضاً من حيث قيمة الآثار التي يحتضنها.

ورغم الافتتاح التجريبي للمتحف وإتاحة الفرصة للجمهور بزيارة قاعاته لا يزال جزء مهم من المتحف محجوباً عن النظر، وهو غاليري توت عنخ آمون الذي سيقدم وللمرة الأولى قطعاً لم تعرض من قبل من كنوز الفرعون الشاب، ما يجعل الغاليري بمكانة جوهرة التاج ضمن أقسام المتحف.

أتيحت لـ«الشرق الأوسط» فرصة الحديث مع رئيسة فريق تصميم الغاليري من مكتب أتيلييه بروكنر في شتوتغارت. ما الذي يمكن أن يفصح عنه فريق المصممين، وهل يمكننا تكوين صورة ذهنية عن غاليري توت عنخ آمون؟

رواية القصة

في الفترة الماضية نشر أتيلييه بروكنر عدداً من الفيديوهات على الصفحة الخاصة به على مواقع «لينكد إن» و«إنستغرام» و«يوتيوب» تحدث فيها بعض أعضاء فريق المكتب عن تجربتهم مع العمل على الغاليري، وأوردوا تفاصيل بسيطة عن تصميم العرض وطريقة السرد التي تقدم للزائر عالم الفرعون الشاب بطريقة حديثة ومبتكرة تختلف عن طرق العرض المتحفية التقليدية، يصفها الغاليري في منشور على «إنستغرام»: «تعاملنا مع كل عنصر - من الإضاءة إلى اختيار المواد - بهدف واحد: إتاحة المجال لسرد القصة على نحو طبيعي. تتناغم فيه ألوان الصحراء الدافئة، وإيقاع المكان، والانتقالات بين لحظات التركيز والهدوء، لاستحضار دورة الحياة والموت والبعث في مصر القديمة».

في مقطع آخر تقول شيرين فرانغول بروكنر مديرة أتيلييه بروكنر إن تصميم غاليري توت عنخ آمون كان «فرصة نادرة من ناحية المحتوى والتصميم»، تمضي في حديثها قائلة: «نروي هنا قصة الملك برواية مكانية، من الحياة إلى الموت، وصولاً إلى الآخرة. إن السماح لنا بتصميم عرض هذا الكنز بكامله لأول مرة يُعد إنجازاً عاطفياً ومهنياً بارزاً».

نعرف من المقاطع المتفرقة أن مساحة الغاليري تبلغ 7500 متر مربع في الطابق الثاني من المتحف، وقد كلف أتيلييه بروكنر بتصميم الغاليري في عام 2017، واعتمدت استراتيجية العرض التي نفذها المكتب على أن تكون سردية غامرة. وحيث إن المتحف يتوقع أن يزوره الآلاف في اليوم الواحد، (يقدر الخبراء العدد بـ15 ألف زائر في اليوم) فكان التحدي أمام المصممين بإنشاء نظام ذكي لتوجيه الزوار يُنظّم المساحات الأثرية، ويمنح حتى القطع الصغيرة حضوراً قوياً. في جناحين متوازيين - يبلغ طول كل منهما 180 متراً، ويصل ارتفاعه إلى 16 متراً - تُعرض نحو 5600 قطعة أثرية من مقبرة الفرعون، بما في ذلك قرابة 3000 قطعة لم تُعرض للجمهور من قبل.

قطعة عرضت في معرض «توت عنخ آمون» في لندن عام 2019 (الشرق الأوسط)

تُقدّم الجولة عبر المعرض رحلة درامية مكانية عبر حياة الملك الإله، وتتويجه، ووفاته، وما بعده، وتنتهي بنموذج تجريدي كامل الحجم للمقبرة، مُعدّ من خلال الوسائط. تتداخل الهندسة المعمارية، والسينوغرافيا، والإضاءة، والمواد، والرسومات، والوسائط التفاعلية لخلق تجربة عاطفية شاملة.

لكن ليس معرض توت عنخ آمون وحده ما يحمل بصمة أتيليه بروكنر، بل صمم الاستوديو الألماني أيضاً مساحات رئيسة في المتحف، مثل البهو الذي يضم تمثال رمسيس الثاني الذي يزيد ارتفاعه على أحد عشر متراً، والدرج الكبير المذهل، وساحة المتحف. كما كان متحف الأطفال، بمساحة عرض تبلغ 3465 متراً مربعاً، جزءاً من تكليفهم.

واجهات عرض مضادة للرصاص

في أحد المقاطع يتحدث بيرند مولر، مصمم ديكور داخلي والشريك المشارك في أتيلييه بروكنر: «كانت مهمتنا هي العثور على أفضل عرض وأفضل مفهوم مع اختيار الأشياء، كل شيء يتعلق بالقصة التي تريد إظهارها للزائر، أشياء توت عنخ آمون ثمينة للغاية، لذلك كان لا بدَّ أن تكون هذه الواجهة مضادة للرصاص، انتهى بنا الأمر بتصميم خزانة عرض مصنوعة من زجاج بسمك 40 ملليمتراً، لم يُسمح لنا بلمس الأشياء، فقط النظر إليها لتطوير أفكارنا، عندما ترى كيف يتعامل الأشخاص في مركز الترميم مع الأمر تكتشف مدى أهمية عملك في المشروع بأكمله».

تانيا زولنر في أثناء مرحلة التحضير لغاليري توت عنخ آمون (أتيلييه بروكنر)

أما يينغ لو مديرة المشروع فتقول إنَّ فريق العمل ضم ما يقارب 30 شخصاً يعملون على تصميم المعرض والـ100 واجهة عرض داخله. أما اللحظة الأهم بالنسبة إليها التي تسميها «لحظة الانبهار» فكانت عندما أدرك الفريق حجم المهمة الواقعة على عاتقهم، تقول لو: «عندما وضعنا لفافة ورقية تحمل تفاصيل كل القطع على الأرض والتففنا حولها وقتها أحسسنا بحجم المهمة، كل هذه المعلومات استخدمت لتصميم 100 خزانة عرض. كانت لدينا هذه المهمة الضخمة، ولهذا كونا فرق عمل للتصور الخلاق وأيضاً للتنظيم، حيث كان أمامنا مهمة عرض 5600 قطعة أثرية».

رحلة الزائر مع الفرعون الذهبي

تواصلت «الشرق الأوسط» مع تانيا زولنر، الشريك المشارك في أتيلييه بروكنر ورئيسة فريق التصميم لغاليري توت عنخ آمون للحديث عن تفاصيل المشروع وأهم المراحل فيه. تختار زولنر أن تؤكد الأسلوب الذي اعتمده الفريق: «عملنا تركز في الغالب حول تصميم تجربة رواية الحكايات والقصص المرتبطة بالمعروضات وبمنظور أوسع على قصة مصر القديمة». تعتز باختيار المكتب لتصميم غاليري توت عنخ آمون، وتقول: «بالنسبة إلينا لم يكن هناك تكليف أرفع من هذا». «وهو ما يقودنا للسؤال: هل كانت تجربة مهيبة أن تكون عليكم مسؤولية تصميم خزانات وأسلوب عرض كل هذه القطع الفائقة الأهمية والجمال؟ هل كان لديكم استراتيجية معينة للتعامل معها؟». تجيب: «أعتقد أن المسؤولية كانت مضاعفة فمن جانب كان علينا الاهتمام بالحفاظ على المعروضات وأمنها وسلامتها، حتى يستطيع الناس بعد مائة عام من الآن الاستمتاع برؤيتها، أعتقد أيضاً أن مسؤوليتنا تضمنت توفير تجربة ممتعة للزوار».

تضيف: «ما أعجبني جداً هو حديث مدير المتحف معنا فقد حرص على تأكيد أن المتحف يتجه إلى المصريين وضيوفهم، وأن طريقة العرض يجب أن تأخذ ذلك في الحسبان، أراد أيضاً أن تعرض القطع الأثرية بطريقة جديدة، فكما تعرفين في المتاحف العالمية تعرض مثل هذه القطع بوصفها أعمالاً فنية تنسق على نحو جمالي، ولكن من دون السياق اللازم، وقد تتفرق عن بعضها ما يفقدها السياق التاريخي والموضوعي. أعتقد أن الاختيار وقع علينا لأننا نهتم برواية القصص الكامنة في القطع، وهو بالفعل ما حرصنا على إبرازه عبر رواية قصة الفرعون الشاب. بالتأكيد هي قطع فائقة الجمال، وستظل كذلك دائماً، وفي الغاليري تعرض بأسلوب وتنسيق جميلين بحيث تتحاور القطع فيما بينها لتحكي للزائر قصة حياة الفرعون الشاب في ذلك الزمن».

تانيا زولنر في أثناء مرحلة التحضير لغاليري توت عنخ آمون (أتيلييه بروكنر)

مسارات الزيارة

ولكن ما الطريقة المثلي لعرض قصة الفرعون الذهبي؟ هل التسلسل الزمني مهم للسرد المتحفي؟ تقول: «أمام زائر غاليري توت عنخ آمون أكثر من طريقة ليبدأ رحلته مع الفرعون الذهبي. من الناحية العملية يتوقع المتحف أعداداً هائلة من الزوار؛ لهذا اقترحنا مسارين للزيارة باتجاه عقارب الساعة وآخر بعكس عقارب الساعة بحيث نمنحهم فرصة أكبر للتجول. على سبيل المثال، يمكن للزوار اتباع مسار يستكشف قصة اكتشاف قبر الملك وتفقد الغرف المختلفة التي تعرض تلك القصة. أما الاتجاه الثاني فيأخذ الزائر داخل قصة تتويج توت عنخ آمون وحياته القصيرة ووفاته ومقبرته والكنوز التي أودعت فيها».

أتساءل: «عند الحديث عن العرض المتحفي، وكما تقولين إنَّ العرض هنا غير تقليدي، فهل لجأتم إلى استخدام التقنيات الرقمية؟».

تجيب قائلة: «هناك بعض الوسائل الرقمية، ولكن ليست كثيرة فالقطع هنا جميلة في حد ذاتها، نحن بصدد العرض الذي يدوم فالتكنولوجيا لها نقاط ضعفها. ولكن المهم في الأمر هو كيفية ترتيب القطع في المساحات الموجودة واختيار القطعة المناسبة في المكان المناسب. أعطيك مثالاً عن قسم يدور حول البعث حيث كان هناك عدد ضخم من القطع التي عثر عليها في المقبرة منها، 30 حذاءً وآنية طعام كالخبز والبط واللحوم وجرار للنبيذ، الجميل أن تلك القطع تحمل رسومات ونقوشاً ترتبط بها مثل صندوق يحمل تصويراً للفرعون وهو في رحلة صيد وإلى جانبه نرى الحراب والسهام والعربات التي تستخدم في الصيد وكل هذه القطع تصبح عناصر في الرواية التي يحكيها العرض للزائر».

قطعة عرضت في معرض «توت عنخ آمون» في لندن عام 2019 (الشرق الأوسط)

تتحدث عن خبراء ومسؤولي المتحف، وعن المناقشات التي دارت بينهم حول طرق العرض: «هناك خبراء ممتازون في المتحف تحدثوا معنا عن الجوانب المختلفة للعرض مثل ضرورة وجود سرد لأسلوب حياة الفرعون وسرد لوفاته، وهكذا وإن كانت بعض التغييرات حدثت هنا أو هناك، بسبب اقتراح فكرة جديدة أفضل. كنا نجتمع كل شهر لمناقشة الأماكن المقترحة لعرض القطع بطريقة تناسب القصص المرتبطة بها». تشير إلى نقطة مهمة: «من الأشياء التي سهلت عملنا هو العلم منذ البداية بأن كل القطع المرتبطة بتوت عنخ آمون ستكون موجودة في العرض فلم نقع في حيرة الاختيار بين القطع».

القناع الذهبي

نتحدث عن عدد القطع المعدة للعرض في الغاليري، 5600 قطعة، وهو رقم هائل، تقول إنَّ عملية الإعداد للعرض كشفت عن قطع لم تكن محسوبة، لقد تغير العدد أيضاً قليلاً بمرور الوقت لأن بعضها لم يتم إخراجها من الصناديق منذ العثور عليها، فحتى فريق الترميم كان يفاجأ أحياناً بوجود صندوق داخل صندوق لم يعرفوا عنه من قبل، أعتقد أن الزوار أيضاً سيكونون أمام مفاجآت كثيرة، خاصة مع العلم بأن ما عرض من كنوز الفرعون الشاب يمثل نحو الثلث من القطع المكتشفة، عندما سنحت لنا الفرصة برؤية الوثائق التي تفصل القطع كاملة شعرنا بالفخر والاعتزاز بأن سمح لنا بالاشتراك في رواية القصص المرتبطة بها.

قناع الفرعون الذهبي (أ.ف.ب)

أختتم حواري معها بسؤالها: «ما اللحظات التي التصقت بذاكرتك، ما القطع المفضلة لك؟». تقول: «القناع الذهبي بلا شك، عندما زرنا القاهرة للمرة الأولى كان الجميع يدرك أهمية القناع وفرادته. لم أمر بمشروع في حياتي المهنية بمثله، حيث يقول لي منسق العرض: كل قطعة هنا من الذهب، في مشاريع أخرى قد نرى بعض القطع الذهبية، ولكن في معرض الفرعون هنا القطع إما ذهبية وإمّا مطلية بالذهب».

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

بعد تعليق إضراب العاملين... «اللوفر» يعيد فتح أبوابه مجدداً

أوروبا زوار يصطفون قرب الهرم الزجاجي لمتحف اللوفر للدخول (رويترز)

بعد تعليق إضراب العاملين... «اللوفر» يعيد فتح أبوابه مجدداً

أعلنت إدارة متحف اللوفر في باريس، والنقابات المعنية، فتح أبواب المتحف بالكامل أمام الزوار.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا أشخاص يصطفّون لدخول متحف اللوفر (رويترز) play-circle

«اللوفر» يفتح أبوابه جزئياً رغم تصويت موظفيه على تمديد الإضراب

أعلن متحف اللوفر بباريس إعادة فتح أبوابه جزئياً، الأربعاء، رغم استمرار الإضراب، الذي صوّت عليه الموظفون في اجتماع الجمعية العامة خلال وقت سابق من اليوم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا لوحة إعلانية تُشير إلى تأجيل فتح أبواب متحف اللوفر الأكثر زيارة في العالم (أ.ب)

بسبب إضراب... متحف اللوفر في باريس يغلق أبوابه

أغلق متحف اللوفر الشهير بباريس، صباح الاثنين، بسبب إضراب، وفق ما أفاد عناصر أمن، في وقتٍ تواجه المؤسسة العريقة صعوبات منذ عملية السرقة الصادمة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار)

مصر تنفي وجود عيوب في تصميم «المتحف الكبير»

نفت الحكومة المصرية، السبت، وجود عيوب في تصميم المتحف المصري الكبير، بعد تسرب مياه الأمطار إلى بهو المتحف خلال الأيام الماضية.

رحاب عليوة (القاهرة )
أوروبا ناشدت شرطة آيفون وسوميرست الجمهور تقديم معلومات حول أربعة رجال رصدتهم كاميرات مراقبة أمام مبنى بمدينة بريستول (أ.ف.ب)

سرقة أكثر من 600 قطعة تعود لحقبة الإمبراطورية البريطانية من متحف

سُرق أكثر من 600 قطعة من مجموعة تُوثق الروابط بين بريطانيا ودول الإمبراطورية البريطانية السابقة، من بينها ميداليات ومجوهرات، من متحف بريطاني في سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)

استخدام تطبيقات المواعدة مرتبط بتدهور الصحة النفسية

الاستخدام المفرط لتطبيقات المواعدة يرتبط بمشاكل نفسية (رويترز)
الاستخدام المفرط لتطبيقات المواعدة يرتبط بمشاكل نفسية (رويترز)
TT

استخدام تطبيقات المواعدة مرتبط بتدهور الصحة النفسية

الاستخدام المفرط لتطبيقات المواعدة يرتبط بمشاكل نفسية (رويترز)
الاستخدام المفرط لتطبيقات المواعدة يرتبط بمشاكل نفسية (رويترز)

يستخدم الملايين من الأشخاص حول العالم تطبيقات المواعدة للعثور على شريك حياة. ورغم مزايا التطبيقات العديدة، كإمكانية تحديد شركاء محتملين عدة ودعوتهم للقاء، فإنها لا تُعدّ دائماً إيجابية للصحة النفسية، وفق ما ذكره موقع «سيكولوجي توداي» المعني بالصحة النفسية والعقلية.

فالاستخدام المفرط لتطبيقات المواعدة، كالبحث لساعات عن الشريك المثالي، قد يرتبط بمشاكل نفسية. مع ذلك، لم تُجرَ حتى الآن دراسات نفسية شاملة حول هذا الموضوع، ولم تُدمج نتائجها بشكل منهجي لتحديد أنماط عامة تربط بين استخدام تطبيقات المواعدة والصحة النفسية.

دراسة جديدة

نُشرت مؤخراً دراسة تحليلية جديدة في مجلة «الحواسيب في السلوك البشري» الأكاديمية، تركز على سد هذه الفجوة المهمة في الدراسات النفسية المتعلقة بتطبيقات المواعدة. ودمج فريق البحث في هذه الدراسة التحليلية لتطبيقات المواعدة بيانات من 23 دراسة (نُشرت بين عامي 2007 و2024) حول تأثير هذه التطبيقات على الصحة النفسية. وشملت البيانات التي تم تحليلها بيانات أكثر من 26 ألف متطوع.

وأظهرت الدراسات التي تم تحليلها أشكالاً مختلفة من النتائج السلبية لتطبيقات المواعدة على الصحة العقلية، مثل الاكتئاب والقلق والوحدة والتوتر.

صحة نفسية أسوأ

أظهرت نتائج تحليل الدراسات أن مستخدمي تطبيقات المواعدة يعانون مشاكل نفسية أسوأ بشكل ملحوظ، بما في ذلك الاكتئاب والوحدة والقلق والضيق النَفْسِي، مقارنةً بمن لا يستخدمون هذه التطبيقات.

وأظهر مستخدمو تطبيقات المواعدة العزاب مشاكل نفسية أسوأ بشكل ملحوظ مقارنة بمستخدمي تطبيقات المواعدة من المرتبطين.

الحد من الاستخدام المفرط

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا التأثير ناتجاً من استخدام الأشخاص ذوي الصحة النفسية المتدهورة لتطبيقات المواعدة بشكل أكبر من الأشخاص السعداء، أو أن استخدام هذه التطبيقات يؤدي إلى مشاكل نفسية.

وعلى الأرجح، يحدث كلا الأمرين بدرجات متفاوتة. وهذا يُبرز ضرورة أن يضع مصممو تطبيقات المواعدة الصحة النفسية للمستخدمين في حسبانهم عند تصميم تطبيقاتهم، وفق «سيكولوجي توداي».

كما ينبغي على المستخدمين التفكير في الحد من الاستخدام المفرط لهذه التطبيقات والتركيز على التفاعلات الواقعية مع الأشخاص الذين التقوهم عبر التطبيق أو بطرق أخرى.


هل يُحسّن الجزر الصغير النوم؟ خبراء يعلقون على «ترند» بمواقع التواصل

يحتوي الجزر على فيتامين «سي» والحديد والمغنسيوم وهي عناصر ضرورية للنمو (بيكساباي)
يحتوي الجزر على فيتامين «سي» والحديد والمغنسيوم وهي عناصر ضرورية للنمو (بيكساباي)
TT

هل يُحسّن الجزر الصغير النوم؟ خبراء يعلقون على «ترند» بمواقع التواصل

يحتوي الجزر على فيتامين «سي» والحديد والمغنسيوم وهي عناصر ضرورية للنمو (بيكساباي)
يحتوي الجزر على فيتامين «سي» والحديد والمغنسيوم وهي عناصر ضرورية للنمو (بيكساباي)

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مزاعم بأن تناول الجزر الصغير قبل النوم يُحسّن جودة النوم، لكن عِلم التغذية لا يدعم فكرة أن الجزر - أو أي طعام آخر - يُساعد على النوم.

والجزر الصغير من الخضراوات منخفضة السُّعرات الحرارية، وهو غني بالألياف والكربوهيدرات والبوتاسيوم وفيتامين ك والبيتا كاروتين، الذي يحوّله الجسم إلى فيتامين أ، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية.

وتلعب هذه العناصر الغذائية أدواراً معروفة في الصحة العامة، لكن لا تُصنّفها الهيئات الصحية الفيدرالية على أنها تُساعد على النوم عند تناولها ليلاً، وفق ما أفادت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية.

ومع ذلك، يُساعد التركيب الغذائي للجزر في تفسير سبب انتشار الحديث عنه على الإنترنت، إذ تقول جيسيكا ماك، خبيرة الصحة في نيويورك: «ينبع هذا الاعتقاد من العناصر الغذائية التي يحتويها الجزر وعلاقتها بتنظيم النوم».

وعلى الرغم من الادعاءات المتداولة على الإنترنت، لا توجد أدلة تُثبت أن الجزر يُحسّن النوم بشكل مباشر. ويقول خبراء التغذية واختصاصيو النوم إن تناول وجبات كبيرة أو دسمة قبل النوم مباشرة قد يُؤثر سلباً على النوم، مُسبباً شعوراً بعدم الراحة أو عسر الهضم. قد تكون الوجبات الخفيفة أسهل هضماً لبعض الأشخاص، لكن استجابة كل فرد تختلف.

وجدت الدراسات ارتباطاً بين زيادة تناول الفاكهة والخضراوات، وزيادة استهلاك الألياف، وتحسين جودة النوم، لكن هذه النتائج تعكس جودة النظام الغذائي بشكل عام، وليس التأثيرات المباشرة لتناول وجبة خفيفة قبل النوم.

وتقول الخبيرة ماك: «الجزر ليس من مُساعِدات النوم، ولا يوجد دليل قاطع على أن تناول الجزر الصغير وحده يُساعد على النوم أسرع». وأضافت أن أي فائدة مُحتملة ستكون غير مباشرة، وأردفت: «يُمكن أن يُساعد الجزر بشكل غير مباشر على النوم عند تناوله بصفته جزءاً من وجبة عشاء مُتوازنة. فقد تُساعد الألياف والكربوهيدرات الطبيعية الموجودة فيه على استقرار مُستويات السكر بالدم طوال الليل، مما قد يُقلل اضطرابات النوم لدى بعض الأشخاص. ومن المُرجّح أن تكون أي فائدة طفيفة وداعمة وليست فورية أو ملحوظة».

وقد خضعت بعض الأطعمة لدراسات مُعمّقة حول علاقتها بالهرمونات والنواقل العصبية المُتعلّقة بالنوم. ووفقاً لماك، فإن الأطعمة التي تحتوي على التربتوفان أو المغنسيوم أو المركبات التي تدعم إنتاج الميلاتونين قد يكون لها ارتباط أقوى بالنوم.

وقالت ماك: «الجزر الصغير غني بالعناصر الغذائية، وسعره مناسب، وسهل التناول، كما أنه يدعم صحة العين، ووظائف المناعة، وصحة الجلد، بفضل محتواه من البيتا كاروتين».

وأشارت الخبيرة إلى أمثلة تشمل الزبادي والحليب والمكسرات والبذور والشوفان والموز والكيوي والكرز والحبوب الكاملة، ولاحظت أن «تناول الكربوهيدرات مع البروتين على العشاء أو كوجبة خفيفة مسائية يُسهم في تحسين جودة النوم، من خلال دعم إنتاج السيروتونين وتوازن سكر الدم».


«إميلي» تعثَّرت في روما فمدَّت لها باريس حبل الإنقاذ

إميلي تتنقّل بين روما وباريس في الموسم الخامس من المسلسل (نتفليكس)
إميلي تتنقّل بين روما وباريس في الموسم الخامس من المسلسل (نتفليكس)
TT

«إميلي» تعثَّرت في روما فمدَّت لها باريس حبل الإنقاذ

إميلي تتنقّل بين روما وباريس في الموسم الخامس من المسلسل (نتفليكس)
إميلي تتنقّل بين روما وباريس في الموسم الخامس من المسلسل (نتفليكس)

ولَّى زمن الاندهاش أمام سطحيِّة الحبكة وخفَّة الأحداث في «Emily in Paris» (إميلي في باريس). بعد خمسة مواسم من الإبهار البصري والتركيز على الجماليَّات على حساب القصة، بات من الممكن التغافل عن أسباب الانتقاد. فهوية المسلسل صارت معروفة، مزيجٌ من الحكايات اللطيفة المحفِّزة على الحلم والصالحة لتمرير الوقت، تزيِّنها أزياء فائقة الأناقة والجرأة، وأهم ما في خلطة المسلسل الكثير من الأهداف التسويقية.

في موسمه الخامس الذي حلَّ قبل أيام على منصة «نتفليكس»، بدا مسلسل «Emily in Paris» أشبه بإعلان ترويجيّ طويل لعددٍ لا يُحصى من العلامات التجارية. من دُور الأزياء الإيطالية، مروراً بمستحضرات التجميل الفرنسية، وليس انتهاءً بأسماء معروفة من منتجات القهوة والكحول. وكأنّها احتفاليّة لرُعاةٍ تجاريين موَّلوا رحلة (إميلي) من باريس إلى روما.

الشابة الأميركية التي أحدثت إطلالتها ضجّة عالمية في الموسم الأول، نقلت مقرّ إقامتها من العاصمة الفرنسية حيث بدأت مغامرتها عام 2020، إلى روما. لحقت بالحب المتمثّل بالشاب الإيطالي مارتشيللو موراتوري، وبطموحها المهني لتسلُّم الفرع الإيطالي من شركة التسويق حيث تعمل. لكن كالعادة، صاحبة الشركة المتغطرسة (سيلفي غراتو) تقف لإميلي بالمرصاد، فهي وفريقها انتقلوا جميعاً إلى روما لاستكمال مجريات القصة هناك.

بشعرٍ قصير وتسريحاتٍ جريئة تكمّلها جرأة الملابس، تطلّ إميلي على معجبيها وهُم كثُر. لا بدّ من الاعتراف بأنّ أداء الممثلة ليلي كولنز اكتسب مزيداً من النضج والقدرة على الإقناع مع مرور المواسم. غير أنّ مناخ روما لم يلائم المسلسل كثيراً، رغم توظيف عناصر الجاذبيّة كافةً؛ من جمال المدينة بأبنيتها التاريخية ومعالمها الأثرية وساحاتها الصاخبة، مروراً بالمائدة الإيطالية بما فيها من باستا وأطباقٍ ملوّنة شهية، وليس انتهاءً بأناقة الإيطاليين ولُطفهم.

مارتشيللو موراتوري حبيب إميلي الإيطالي (نتفليكس)

يتّضح منذ البداية أن المسلسل لم يجد لنفسه حبكة يوحّد بها بنيته الدرامية، ما يعرّض الإيقاع للرتابة والمُشاهد للشرود، لولا أدوات الزينة وهي كثيرة. من بينها على سبيل المثال صديقة إميلي (ميندي تشن)، العائدة بحيويّتها وصوتها الساحر وأغانيها التي لا تغيب عن أيٍ من الحلقات العشر. وتنضمّ إلى أسرة المسلسل الممثلة المخضرمة ميني درايفر بشخصية (الأميرة جاين) الغارقة وزوجَها الأمير الإيطالي في الإفلاس، فتحاول الاستفادة من صداقتها مع سيلفي غراتو للترويج لنفسها ولقَصرها وجَمع بعض المال.

انضمام الممثلة ميني درايفر إلى أسرة «إميلي في باريس» (نتفليكس)

تترافق البنية الدرامية المترنّحة واهتزاز قصة الحب بين إميلي ومارتشيللو، ما يستدعي عودةً سريعة إلى باريس. كالسمكة التي رجعت إلى الماء، يتنفّس المسلسل بعض الصعداء في موطنه الطبيعي. تمدّ باريس حبل الإنقاذ إلى إميلي ورفاقها، فبدءاً من الحلقة الخامسة يسترجع المسلسل جزءاً من مزاجه المعهود.

يتسارع إيقاع الأحداث قليلاً فتُمتَحن الصداقة ما بين إميلي وميندي، كما تختبر البطلة قدرتها على منح فرصٍ ثانية لمَن خذلوها. أما سيلفي، فيعود جزءٌ من ماضيها ليُضفي بعض الإثارة والتشويق. غير أنّ معظم الحبكات الفرعية تعاني من البَتر، لا سيما تلك التي تبرز في الحلقة السادسة حيث تزور إميلي السفارة الأميركية في باريس وتتعرف على أحد الموظفين هناك.

تخضع الصداقة بين إميلي وميندي لامتحان في هذا الموسم (نتفليكس)

وحدَه الثابت والعائد أبداً إلى حياة إميلي (الشيف غابرييل)، حبُّها الباريسي الأول. فرغم التغييرات الكثيرة التي تطرأ على حياته في هذا الموسم، تعود به الطريق دوماً إليها. مثلُه مثلُ مشاهدي المسلسل، الذين وإن علموا بهفواته وخفّته أحياناً، فإنهم أوفياء لمُشاهدة أيِ موسمٍ جديدٍ منه.

إلى جانب إميلي، يقف مارتشيللو داخل دائرة الضوء في هذا الموسم. فإذا كانت ثمة حبكة ما في المسلسل، هي تدور حوله. من علاقته بعائلته الثرية، وإرث والده مصمم الأزياء، مروراً بمشاعره تجاه إميلي، وصولاً إلى مستقبله المهني. نرى إميلي تضع اهتماماتها الشخصية جانباً من أجل الدفع بحبيبها إلى الأمام. يبدو وكأن الجميع يتجرّأ على اقتناص فرصٍ جديدة باستثناء إميلي، المتشبّثة بكرسيّها الباريسي داخل شركة سيلفي غراتو.

العودة إلى باريس تعيد للمسلسل بعض إشراقته (نتفليكس)

لعلَّ الرسالة الوحيدة التي يتضمنها المسلسل والتي تبعث على التفكير قليلاً، هي تلك الجرأة التي تتسلّح بها بعض شخصياته للتخلِّي عن الماضي وابتكار حياة جديدة. يغادر الشيف غابرييل مطعمه الباريسي ليعمل طاهياً على متن يختٍ خاص برجل أعمال نافذ. أما (نيكو)، حبيب ميندي، فيترك إمبراطورية والده للأزياء ليؤسس عمله الخاص بالشراكة مع مارتشيللو. حتى (سيلفي) التي تجاوزت سنّ المجازفة، تمتد إليها العدوى فتطلب الطلاق من زوجها.

كما أنّ لفترة أعياد نهاية السنة سحرها الخاص، كذلك لمسلسل «Emily in Paris»، وقد اختارت «نتفليكس» التوقيت الأذكى للعَرض.

لا توحي نهاية الموسم الخامس بأنه سيكون الأخير في السلسلة (نتفليكس)

قبل أيام من انطلاق الموسم الخامس، دخل مؤلِّف المسلسل الكاتب والمخرج الأميركي دارن ستار إلى قصر الإليزيه مكرّماً. هناك، قدّم له إيمانويل ماكرون وسام جوقة الشرف، وهو أعلى تكريم في فرنسا. توجَّه الرئيس الفرنسي إلى الضيف قائلاً: «لقد جعلت فرنسا تلمع حول العالم»، في إشارةٍ إلى الدور الذي لعبه «Emily in Paris» في التسويق للسياحة والمطاعم والأزياء في باريس. مع العلم بأن السيدة الفرنسية الأولى، بريجيت ماكرون، كانت لها إطلالة خاطفة في الموسم الرابع من المسلسل.