من التاريخ : تأملات تاريخية حول العنف الشرق أوسطي الكبير

من التاريخ : تأملات تاريخية حول العنف الشرق أوسطي الكبير
TT

من التاريخ : تأملات تاريخية حول العنف الشرق أوسطي الكبير

من التاريخ : تأملات تاريخية حول العنف الشرق أوسطي الكبير

جمعني لقاء مع بعض المثقفين، حيث طرح أحدهم أطروحة مفادها أن الشرق الأوسط بشقيه الشمالي والجنوبي يعد أكثر منطقة مؤججة بالعنف والحروب والصراعات الآيديولوجية في تاريخ البشرية، وأننا لو أردنا تحديد نقطة لتمركز العنف العالمي عبر التاريخ لأصبحت منطقة الشرق الأوسط، من المحيط لما بعد الخليج بشقيها الشمالي والجنوبي وامتدادها الشرقي، هي أكثر مناطق العالم عنفًا، بينما يمكن أن نستثني القطاع الشمالي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 من هذه الأطروحة. ولكن حقيقة الأمر أن هذه الأطروحة تمثل نموذجًا فاعلاً للمقولة العربية الشهيرة «كلمة حق يراد بها باطل»، فالفكرة تسعى لتوظيف أطروحة لوجود «جينات عنف» مرتبطة بهذا الإقليم على المستوى الدولي منها ظهور الأديان السماوية فيها كمحرك آيديولوجي للصراعات.
وأذكر أنني ناقشت هذه الأطروحة واضعًا إياها في إطارها التاريخي مستندًا إلى عدد من النقاط الأساسية، وعلى رأسها ما يلي:
أولاً: أنه لا خلاف على صحة هذه المقولة من حيث وتيرة الصراعات بها على مر التاريخ. فهذه المنطقة ممتدة الأطراف شهدت بالفعل حجمًا من الصراعات الممتدة التي لا حصر لها. ونسوق منها حالات من الصراعات بين مصر الفرعونية والقوى الإقليمية الأخرى، وعلى رأسها الحرب مع الدولة الحيثية، ثم بعد ذلك الدولة الفارسية، ثم صراعات الدولة المقدونية (الإسكندر الأكبر)، ثم الصراعات بين الدولة الرومانية والدول الإقليمية في هذه المنطقة. ثم بعد ذلك الصراع بين الدولة الإسلامية والبيزنطية، ثم الحروب الصليبية الممتدة - التي هي في تقديري أول حرب عالمية بمفهومها الواسع - ثم حروب الدولة العثمانية بشقيها الأوروبي والعالم الإسلامي.. إلخ، ولا مجال للاختلاف على أن هذه المنطقة كانت بالفعل بؤرة الصراع الدولي حتى وقت قريب.
ثانيًا: هناك من الأسباب الموضوعية التي تبرر النقطة السابقة، وهي أن هذه المنطقة تمثل بؤرة التحرك التاريخي حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. فهي أقدم منطقة معروفة وفيها ظهرت أهم التكتلات السكانية التي كونت أولى الحضارات الإنسانية قبل ظهور الأديان السماوية ذاتها بألفيات. ففي مصر تكونت الحضارة الفرعونية منذ ما يزيد على ست ألفيات من الزمن، كذلك حضارات ما بين النهرين من البابلية إلى السومرية مرورًا بالآشورية، وغيرها، كما تمثل المنطقة المعروفة «بما وراء النهرين» مركزًا حضاريًا له تاريخه الخاص وتفاعل سكانه. وبالتالي فإن الامتداد التاريخي أحد الأسباب الرئيسية التي تدفعنا لترويج أطروحة أنها المنطقة الأكثر عنفًا، على أساس أن الامتداد الزمني بطبيعة الحال يجعلها أكثر عرضة لمنحنى العنف مقارنة بكيانات حديثة أقل منها امتدادًا في الزمن، وهنا يكون العنف داخل الأقاليم أو فيما بيّنا أمرًا يفرضه التفاعل بينها على مر الزمان.
ثالثًا: تمثل الطبيعة الجيو - سياسية أحد العوامل الحاسمة في هذا الإطار. فإقامة الكيانات حتى وقت قريب كان يعتمد في الأساس على القوة العسكرية، بل إن الإبقاء على السلطة المركزية عبر هذا الزمن كان يحتاج إلى استخدام العنف، وهو أمر طبيعي حتمه التاريخ وظروف تطوره حتى فترة زمنية قريبة للغاية لا تتخطى العقود السبعة في أغلبية بقاع الأرض. ويلاحظ في هذا الإطار أن تمركز السلطة السياسية للدول اعتمد بطبيعة الحال على البؤر الغنية في الموارد، سواء الزراعية أو الرعي حتى قدوم الثورة الصناعية وتغيير أنماط الإنتاج على المستوى الدولي والثورة التجارية في العالم، وهذا التطور هو ما سمح لدولة مثل اليابان أو أستراليا بأن تصبح قوة اقتصادية كبرى رغم افتقارها للثروات الطبيعية الجمعية في العصور الحديثة نسبيًا. والثابت تاريخيًا أن تمركز السلطة في منطقة بعينها كان يضمن نوعًا من السلام الاجتماعي الداخلي لشعوبها، ولكن الإقليم ككل لم يكن يمتلك المناعة ضد الحروب بين هذه الكيانات والدول. فبمجرد تعدد هذه الكيانات وقوتها فإنها ترتمي بشكل طبيعي فيما يمكن أن نسميه آليات توازن القوة، والتي تجعل الحرب والتحالفات وسيلة لصياغة النظام الإقليمي للتفاعل السياسي. والاستثناء الوحيد الذي يقتحم ذاكرة التاريخ في هذا الإطار لدولة استطاعت أن تسيطر على أجزاء كبيرة من هذه المنطقة سيطرة كاملة وفرضت عليها نمطًا من السلام المؤقت بداخلها هو ما عُرف في كتب العلوم السياسية باسم «السلام الروماني» (Pax Romana) عندما فرضت الدولة الرومانية حالة من السلام على قلب هذه المنطقة بحكم سطوتها العسكرية وتفوقها الإداري وفي مجال المواصلات بعد شق الطرق لربط أطراف إمبراطوريتها. وهكذا، يكون لتفتت السلطة المركزية للكيانات السياسية إقليميًا سبب مباشر في خفض وتيرة العنف أو الحروب سواء الداخلية أو الخارجية بنسبة كبيرة لإذعانها طبيعيًا للقوة المهيمنة.
رابعًا: ارتباطًا بكل ما تقدم، فإن هذه المنقطة الجغرافية تمثل إلى جانب صراعات القوة والسلطة والنفوذ عبر التاريخ حقيقة أساسية وهي كونها المركز الرئيسي لانطلاقة ما يمكن أن نطلق عليه «جينات الفكر الدولي». فأغلبية من الآيديولوجية التي تعتنقها الشعوب سواء دينية أو علمانية، فكرية أو وجودية، فلسفية أو شعورية، لجيناتها مكانة في تاريخ تطور شعوب هذه المنطقة الممتدة - وذلك دونما التقليل أو نفي حقيقة وجود ديانات هذا يجب ألا يدفعنا للاعتقاد أن الفكر أو الآيديولوجية أو حتى الديانة هي مصدر للصراعات، ولكنها بكل تأكيد مصدر للاختلاف. وعندما لا تستطيع المجتمعات أن تضع الإطار السلوكي لإدارة الاختلاف الفكري، تبرز خطورة الفكر والاختلاف على مسيرة السلام. وفي تقديري أنه يجب عدم وصم الشق السياسي المعروف اليوم بالشرق الأوسط بأن هذه مشكلته وحده، ذلك أن أسوأ حرب وأكثرها ضراوة وضحايا وخرابًا اندلعت وقادتها أوروبا وهي تحتل الشق الشمالي للمنطقة التي هي بصدد اتهامها بأنها الأكثر عنفًا.
هذه مجرد أفكار للمناقشة، خاصة مع الظروف التي نعيشها اليوم، والتي تدفع البعض لمحاولة التملص من المسؤولية التاريخية لاندلاع العنف الداخلي في الأقاليم المختلفة بهذه المنطقة لصالح فرضيات مغلوطة هي في التقدير بداية لمحاولة تصدير الدين كسبب أساسي للحروب بين الدول وفيما بينها، خاصة الدين الإسلامي. وفي المقابل، يجري التقدم بأطروحات مغلوطة أخرى مفادها أن الديمقراطية أكثر سلمًا كما لو أن الدين هو محرك العنف في منطقة الشرق الأوسط الممتد، وهو أمر نعالجه باستفاضة في الأسبوع المقبل.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».