السودان يشهد أسوأ تفشٍ للكوليرا منذ سنوات ووفاة 40 شخصاً على الأقل في أسبوع

جانب من أحد مراكز العلاج المعزولة لمرضى الكوليرا في شمال دارفور (أ.ف.ب)
جانب من أحد مراكز العلاج المعزولة لمرضى الكوليرا في شمال دارفور (أ.ف.ب)
TT

السودان يشهد أسوأ تفشٍ للكوليرا منذ سنوات ووفاة 40 شخصاً على الأقل في أسبوع

جانب من أحد مراكز العلاج المعزولة لمرضى الكوليرا في شمال دارفور (أ.ف.ب)
جانب من أحد مراكز العلاج المعزولة لمرضى الكوليرا في شمال دارفور (أ.ف.ب)

حذّرت منظمة «أطباء بلا حدود» الأربعاء من أنّ أكثر من 640 ألف طفل سوداني دون سنّ الخامسة معرّضون لخطر الإصابة بـ«الكوليرا» في ولاية شمال دارفور وحدها، حيث تدور معارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع» للسيطرة على مدينة الفاشر.

وأوضحت المنظمة الدولية أن أربعين شخصاً على الأقل لقوا حتفهم في إقليم دارفور، في ظل أسوأ تفشٍّ للمرض منذ سنوات. وقالت في بيان: «بالإضافة إلى حرب شاملة، يعاني سكان السودان الآن أسوأ تفشٍّ للكوليرا تشهده البلاد منذ سنوات».

وأضافت: «في منطقة دارفور وحدها، عالجت فرق أطباء بلا حدود أكثر من 2300 مريض، وسجّلت 40 وفاة خلال الأسبوع الماضي».

من أحد مراكز العلاج من الكوليرا في مدينة طويلة (أ.ف.ب)

والكوليرا هي عدوى حادة تسبّب الإسهال، وتنجم عن استهلاك الأطعمة أو المياه الملوّثة، بحسب «منظمة الصحة العالمية» التي تعتبرها «مؤشراً لعدم الإنصاف، وانعدام التنمية الاجتماعية والاقتصادية».

وتقول المنظمة إن المرض «يمكن أن يكون مميتاً في غضون ساعات إن لم يُعالج»، لكن يمكن معالجته «بالحقن الوريدي، ومحلول تعويض السوائل بالفم، والمضادات الحيوية».

ومنذ يوليو (تموز) 2024، سجّلت نحو 100 ألف إصابة بـ«الكوليرا» في كل أنحاء السودان، وفقاً لـ«أطباء بلا حدود»، مع انتشار المرض «في كل ولايات البلاد».

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، سجّلت أكثر من 2408 وفيات في 17 من أصل 18 ولاية منذ أغسطس (آب) 2024.

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً دامية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد منذ انقلاب العام 2021، وقوات «الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب «حميدتي». وأسفر هذا الصراع عن مقتل عشرات الآلاف، ونزوح الملايين.

وتسببت الحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها «أسوأ أزمة إنسانية في العالم» في انقسام البلاد بحكم الأمر الواقع بين المتحاربين، إذ يسيطر الجيش على الوسط والشرق والشمال، في حين تسيطر قوات «الدعم السريع» على كل دارفور تقريباً، وأجزاء من الجنوب.

أطفال مصابون بالكوليرا في مخيم اللاجئين بمدينة طويلة في شمال دارفور (أ.ف.ب)

وبينما أدى القتال إلى شل الخدمات اللوجستية، وقطع الطرق، أصبح توصيل المساعدات الإنسانية شبه مستحيل. وتوقفت القوافل، كما تناقصت الإمدادات. ويمكن أن يؤدي موسم الأمطار الذي تشتدّ حدته في أغسطس إلى تفاقم الأزمة الصحية.

وتشهد مدينة طويلة في شمال دارفور وضعاً أكثر خطورة، ففي الأشهر الأخيرة، وهرباً من المعارك الدامية، واستهداف مخيماتهم في الفاشر في شمال دارفور، نزح نحو نصف مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة، إلى المدينة التي باتت شوارعها تعج بلاجئين يفترشون الطرق، وبخيام بلا أسقف بنيت من القش، وتحيط بها مستنقعات تجذب أعداداً هائلة من الذباب، على ما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت منظمة «أطباء بلا حدود» الخميس: «في طويلة يعيش السكان على ما معدّله ثلاثة لترات فقط من المياه يومياً، وهو أقل من نصف الحد الأدنى المخصّص للطوارئ البالغ 7.5 لترات للشخص الواحد يومياً، وذلك للشرب والطهو والنظافة، وفقاً لتوصيات منظمة الصحة العالمية».

وقالت منى إبراهيم النازحة من الفاشر إلى طويلة، وهي جالسة على الأرض: «ليست لدينا مياه أو خدمات، ولا حتى دورات مياه. الأطفال يقضون حاجتهم في العراء».

ومنذ أبريل الماضي، سجّلت الأمم المتحدة أكثر من 300 إصابة بالكوليرا بين الأطفال في طويلة.

«قبل أسبوعين، عُثر على جثة في بئر في أحد المخيّمات. تمّ رفعها، ولكن بعد يومين أُجبر الناس على شرب تلك المياه مجدداً».

«أطباء بلا حدود»

وتصاعدت حدة القتال في دارفور منذ استعادة الجيش السيطرة على الخرطوم في مارس (آذار) الماضي، بينما تحاول قوات «الدعم السريع» التي تحاصر الفاشر السيطرة على المدينة التي تعدّ العاصمة الإقليمية الوحيدة في المنطقة التي لا تزال تحت سيطرة الجيش.

من جهته، قال أحد المنسّقين في «أطباء بلا حدود» سيلفان بنيكو: «في مخيمات اللاجئين والنازحين لا تجد الأُسر في كثير من الأحيان خياراً سوى شرب المياه الملوثة، ويصاب العديد من الأشخاص بالكوليرا».

من حملة وزارة الصحة في الخرطوم لتطعيم الأطفال ضد الكوليرا (أ.ب)

وأضاف: «قبل أسبوعين، عُثر على جثة في بئر في أحد المخيّمات. تمّ رفعها، ولكن بعد يومين أُجبر الناس على شرب تلك المياه مجدداً».

وقالت تونا تركمان رئيسة بعثة منظمة «أطباء بلا حدود» في السودان إنّ «الوضع تجاوز مرحلة الطوارئ. ينتشر الوباء إلى ما هو أبعد من مخيمات النازحين».

وفي الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق في جنوب شرقي السودان، كشفت المنظمة عن مزيج قاتل من الكوليرا وسوء التغذية. وأشارت إلى أنّه «بين الثالث والتاسع من أغسطس لقي ستة مرضى بالكوليرا حتفهم، بينما كانوا يعانون أيضاً سوء التغذية الحاد».

وفي مدينة الفاشر توفي 63 شخصاً على الأقل بسبب سوء التغذية خلال أسبوع، حسبما أفاد مسؤول في وزارة الصحة... ويعاني نحو 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في السودان، حيث انتشرت المجاعة في مناطق عدة، وأودت بحياة عشرات الآلاف.


مقالات ذات صلة

10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

خاص روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب) play-circle 00:57

10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

وضعت واشنطن مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل وقال وزير خارجيتها مارك روبيو إن 99% من التركيزالآن لتحقيق هذا الغرض

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا خبراء يقولون إن الأسلحة عالية التقنية التي تستخدمها قوات الدعم السريع تحتاج إلى مساعدة خارجية لتشغيلها (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: شركات في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين لصالح «الدعم السريع»

كشف تحقيق حصري لصحيفة «الغارديان» عن وجود شركات مسجلة في بريطانيا أسسها أشخاص خاضعون لعقوبات أميركية، يُشتبه في تورطها بتجنيد مقاتلين لصالح «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا رئيس وزراء السودان كامل الطيب إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ) play-circle

رئيس وزراء السودان يتوجه إلى نيويورك للقاء مسؤولين في الأمم المتحدة

توجّه رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إلى نيويورك للاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين ومناقشة سبل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
الخليج الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي (وام)

عبدالله بن زايد يشدد على وقف فوري لإطلاق النار بالسودان

جدّد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، التأكيد على الوقف الفوري لإطلاق النار في السودان.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
تحليل إخباري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري هل تلجأ مصر إلى الخيار العسكري لدعم «وحدة السودان»؟

تمثلت المحددات المصرية للخطوط الحمراء في «الحفاظ على وحدة السودان، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية».

أحمد جمال (القاهرة )

مصرع سائحة إيطالية بحادث تصادم بين مركبين سياحيين في جنوب مصر

الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل
الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل
TT

مصرع سائحة إيطالية بحادث تصادم بين مركبين سياحيين في جنوب مصر

الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل
الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل

قضت سائحة إيطالية، الأحد، إثر حادث تصادم بين مركبين سياحيين في محافظة الأقصر بجنوب مصر، وفقاً لوزارة النقل المصرية ووسائل إعلام إيطالية.

وأكدت وزارة النقل المصرية في بيان تصادم فندقين عائمين بنهر النيل في محافظة الأقصر بجنوب مصر أثناء إبحارهما بين مدينتي الأقصر وأسوان السياحيتين و«وفاة إحدى النزيلات».

وأشار البيان إلى «تهشم 3 كبائن» في أحد الفندقين العائمين وتضرر الآخر، بينما تمت إحالة الواقعة إلى النيابة.

https://www.facebook.com/MinistryTransportation/posts/في المائةD8في المائةA8في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة86-في المائةD8في المائةA7في المائةD8في المائةB9في المائةD9في المائة84في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة85في المائةD9في المائة8A-في المائةD9في المائة85في المائةD9في المائة86-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة87في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA6في المائةD8في المائةA9-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD8في المائةB9في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة85في المائةD8في المائةA9-في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة82في المائةD9في المائة84-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة87في المائةD8في المائةB1في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA7في المائةD8في المائةB9في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD8في المائةAA-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة87في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA6في المائةD8في المائةA9-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD8في المائةB9في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة85في المائةD8في المائةA9-في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة82في المائةD9في المائة84-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة87في المائةD8في المائةB1في المائةD9في المائة8A-في المائةD9في المائة81في المائةD9في المائة8A-في المائةD8في المائةA8في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA7/1174605321503189/?locale=ar_AR

وأفادت وكالة «أنسا» الإيطالية للأنباء بمقتل سائحة إيطالية تبلغ 47 عاماً بعد نقلها للمستشفى عقب إصابتها في الحادث.

وتعتبر محافظتا الأقصر وأسوان (أكثر من 600 كيلومتر جنوب القاهرة) وجهتين سياحيتين بارزتين، بينما تحاول الحكومة المصرية تنشيط قطاع السياحة الذي عانى من الأزمات الاقتصادية والجائحة العالمية في السنوات الأخيرة.

وتساهم السياحة بـ10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المصري ويعمل في هذا القطاع نحو مليوني شخص، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأعلنت الحكومة المصرية الشهر الماضي نمو نشاط الفنادق بنسبة 13 في المائة مقارنة بالعام السابق، بالتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير في بداية نوفمبر (تشرين الثاني).

وأعلن وزير السياحة المصري شريف فتحي الأسبوع الماضي ارتفاع أعداد السائحين إلى نحو 19 مليون، مقارنة بنحو 15 مليون عام 2024.


توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

بينما أكدت تقارير في جوبا حدوث توتر بين «قوات الدعم السريع» وقوات دفاع جنوب السودان، في منطقة هجليج النفطية بولاية جنوب كردفان، نفت «الدعم السريع» وقوع أي اشتباكات مسلحة بين الجانبين.

وأفادت صحيفة «جوبا بوست» بأن توتراً حادّاً حدث ليل السبت - الأحد بين القوات الجنوبية الموكَلة إليها حماية حقول النفط في هجليج - باتفاق ثلاثي بين جوبا وبورتسودان ونيالا - و«قوات الدعم السريع» التي سيطرت على المنطقة، بعد انسحاب الجيش السوداني منها إلى الدولة الجارة.

لكن الباشا طبيق، مستشار قائد «الدعم السريع»، قال في تغريدة على «فيسبوك» إن ما تناولته صحفٌ ووسائل إعلام سودانية موالية للجيش بشأن وقوع «اشتباكات في هجليج لا أساس له من الصحة». من جهة أخرى، تواصلت عمليات إجلاء العاملين في المنظمات الإنسانية والأممية من كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» بالاشتراك مع حليفتها «قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو».


تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
TT

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

جدد مجلس الأمن الدولي ولايةَ «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026، وسط مسار سلام يراوح في مكانه رغم تعدد الاتفاقات، مع عودة العنف مجدداً إلى صدارة المشهد.

هذه الخطوة الدولية، التي تضمنت دعوات إلى انسحاب حركة «23 مارس (إم 23)» المتمردة من مناطق احتلتها، يراها خبير في الشؤون الأفريقية، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، دفعةً لجهود السلام في شرق الكونغو الذي يعاني صراعات على مدى عقود عدة، موضحاً أن «غيابها يعني مزيداً من الفوضى؛ لكن مع التمديد يمكن تقديم دعم إضافي لمسار السلام المتعثر حالياً، على الرغم من الاتفاقات؛ لأسباب مرتبطة بعدم وجود تفاهمات حقيقية على الأرض».

وتتصدر أزمة شرق الكونغو، الممتدة منذ 3 عقود، الاهتمامات الأفريقية. وبحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره الرواندي، أوليفييه أندوهونجيريهي، في لقاء بالقاهرة، سبلَ إرساء الاستقرار والسلم والأمن في منطقة شرق الكونغو، مؤكداً دعمَ مصر الكامل الجهودَ كافة الرامية إلى تثبيت الأمن والاستقرار، وفق بيان من «الخارجية المصرية» الأحد.

وجاء اللقاء عقب قرار مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر 2026، مع الحفاظ على سقف القوات المصرح به عند 11 ألفاً و500 فرد عسكري، و600 مراقب عسكري وضابط أركان، و443 فرد شرطة، و1270 فرداً من وحدات الشرطة المشكّلة، ومطالبة رواندا بوقف دعمها حركة «إم 23» المتمردة.

ويرى المحلل السياسي التشادي الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» يمكن أن يشكل دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو، «إذا اقترن بتغييرات عملية في أسلوب عملها، وتعاون حقيقي مع السلطات المحلية والمجتمعات المتضررة... فالوجود الأممي يوفر غطاء دولياً لحماية المدنيين، ودعماً لوجيستياً ومؤسساتياً للجيش والشرطة، كما يساهم في مراقبة حقوق الإنسان، وتهيئة بيئة أفضل أمناً للعمل الإنساني والحوار السياسي. لكن نجاح التجديد لا يعتمد على الاستمرار الشكلي، إنما على معالجة أسباب الصراع المزمنة، مثل ضعف الدولة، وتعدد الجماعات المسلحة، والتنافس على الموارد، وانعدام الثقة بين السكان والبعثة»، وفق عيسى.

وإذا ركزت «مونوسكو» على «دعم حلول سياسية محلية، وتعزيز المصالحة، وبناء قدرات مؤسسات الدولة، والاستجابة لمطالب السكان بشأن الحماية والشفافية، فقد ينعكس التجديد إيجاباً على الاستقرار»؛ يضيف عيسى، موضحاً: «أما إذا استمر الشعور بعدم الفاعلية أو غياب التنسيق، فقد يحد ذلك من أثرها... لذلك؛ يكون التجديد فرصة حقيقية للسلام عندما يُستثمر لإصلاح الأداء وتوجيه الجهود نحو جذور الأزمة».

ويسلط القرار الدولي الضوء على «الأزمة الأمنية والإنسانية المتدهورة بسرعة» في شرق الكونغو الديمقراطية بسبب هجوم حركة «23 مارس» في شمال وجنوب كيفو «بدعم وبمشاركة مباشرة من قوات الدفاع الرواندية»، وفق بيان «المجلس».

وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، جنيفر لوسيتا، مساء الجمعة، إن «المفاوضات التي تقودها تعطلت مرة أخرى بسبب تقدم حركة (23 مارس) المدعومة من قوات الدفاع الرواندية».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود، وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتَين في الإقليم. وشنّت «23 مارس»، بدعم من رواندا، هجوماً جديداً في بداية ديسمبر الحالي بإقليم جنوب كيفو شرق البلاد على طول الحدود مع بوروندي، وأحكمت سيطرتها على بلدة أوفيرا الاستراتيجية في 11 ديسمبر الحالي.

وجاء التقدم الأخير للحركة في شرق الكونغو الغني بالمعادن بعد أسبوع من لقاء الرئيسَين؛ الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي الرئيسَ الأميركي دونالد ترمب في واشنطن خلال وقت سابق من هذا الشهر، وأكدا التزامهما اتفاق سلام توسطت فيه الولايات المتحدة.

ووسط أنباء عن انسحاب الحركة من المنطقة المحتلة حديثاً، قال مسؤولون في «الصليب الأحمر»، الخميس الماضي، إن «شهر ديسمبر هو الأعلى حدة في النزاع».

ويعدّ الاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية بواشنطن في مطلع ديسمبر الحالي هو الأحدث ضمن سلسلة «تفاهماتٍ بإطار» أُبرمت خلال يونيو (حزيران) الماضي في واشنطن، إضافة إلى «إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة»، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاقٍ يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن المطالب الدولية بانسحاب «23 مارس» من المناطق التي سيطرت عليها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعبر عن ضغط سياسي ودبلوماسي متصاعد، «لكنها لا تعني بالضرورة أن الانسحاب يمكن تحقيقه قريباً». وأوضح أن «الحركة» ما زالت «تمتلك قوة عسكرية على الأرض، وتستفيد من تعقيدات المشهد الإقليمي، وضعف سلطة الدولة في بعض المناطق؛ مما يجعل استجابتها للضغوط وحدها أمراً غير مضمون».

وأضاف: «كما أن تجارب سابقة أظهرت أن بيانات الإدانة والمطالب الدولية لا تتحول سريعاً إلى واقع ميداني ما لم تُدعم بآليات تنفيذ واضحة، مثل عقوبات فعالة، أو ضغط إقليمي من الدول المؤثرة، أو تقدم حقيقي في المسارات التفاوضية».

في المقابل؛ قد يصبح الانسحاب ممكناً، وفق صالح إسحاق عيسى، «إذا ترافقت هذه المطالب مع تحرك منسق من (الاتحاد الأفريقي)، ومع ضمانات أمنية وسياسية تعالج دوافع الحركة، إضافة إلى تعزيز قدرات الدولة الكونغولية على بسط سيطرتها بعد أي انسحاب؛ لتفادي فراغ أمني». لذلك؛ «يبقى تحقيق الانسحاب القريب مرتبطاً بمدى جدية المجتمعَين الدولي والإقليمي في الانتقال من المطالبة إلى الفعل، وبإيجاد تسوية أوسع تعالج جذور الصراع»؛ وفق ما خلص إليه عيسى، وسط تفاقم الأزمة بشرق الكونغو.