«حجب» البيانات المالية يُهدد رواتب موظفي شرق ليبيا

بعد أن أمر أسامة حمّاد بمنعها عن سلطات طرابلس

أسامة حماد ومحافظ المصرف المركزي في لقاء ببنغازي في أبريل الماضي (مصرف ليبيا المركزي)
أسامة حماد ومحافظ المصرف المركزي في لقاء ببنغازي في أبريل الماضي (مصرف ليبيا المركزي)
TT

«حجب» البيانات المالية يُهدد رواتب موظفي شرق ليبيا

أسامة حماد ومحافظ المصرف المركزي في لقاء ببنغازي في أبريل الماضي (مصرف ليبيا المركزي)
أسامة حماد ومحافظ المصرف المركزي في لقاء ببنغازي في أبريل الماضي (مصرف ليبيا المركزي)

دخل الجدل المتصاعد بسبب حجب البيانات المالية والمصرفية لرواتب موظفي أجهزة الدولة في شرق ليبيا «نفقاً مسدوداً» فيما يبدو، خاصة في ظل تمسك حكومة أسامة حماد، المكلفة من البرلمان، برفض مد سلطات غرب ليبيا بها لتفعيل ما يُعرف بـ«منظومة رصد الرواتب».

استخدام الرواتب كورقة ضغط

أثار السجال بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة حول رواتب موظفي الدولة، تساؤلات حول استخدامها كورقة ضغط ضمن ملف مثقل بالخصومة، في بلد يكابد انقساماً سياسياً مزمناً منذ عقد.

وينظر مراقبون إلى هذه التجاذبات المتعلقة بالإفصاح عن الرواتب، على أنها «توظيف للمال العام كإحدى أوراق الضغط في الصراع السياسي، وذخيرة في معركة شد الحبل بين الحكومتين»، وهي رؤية يتبناها الإعلامي الليبي المهتم بقضايا الفساد خليل الحاسي، الذي شنّ هجوماً حاداً على حكومة حماد، معتبراً أنها تستخدم «مرتبات المواطنين كأداة ابتزاز»، وأن أمن المعلومات المالية «آخر ما يشغلها»، وخلص إلى الاعتقاد بأن «المال العام أصبح رهينة في يد قلة، لا تجيد سوى فن إدارة الصراع على الموارد»، داعياً إلى «ضرورة نشر هذه البيانات، بوصفها أداة لتكريس قواعد الشفافية».

رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

ودخلت ليبيا في الآونة الأخيرة مواجهة بين حكومتيها على خلفية قرار المصرف المركزي الشروع في «التحول الرقمي في إدارة المرتبات عبر منظومة (راتبك لحظي)». وبرر رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، تفعيلها بأنها «ضرورة وطنية لحماية المال العام، وإنصاف العاملين الحقيقيين في مؤسسات الدولة».

في المقابل، دافعت حكومة شرق ليبيا، التي حظرت إمداد حكومة «الوحدة» ببيانات مالية ومصرفية لموظفي الدولة، عن قرارها بالقول إنها «تستهدف حماية حقوق العاملين في الدولة، وصون البيانات المالية ذات الطبيعة الحساسة من أي توظيف سياسي».

وسجل المشهد السياسي المحتقن تطوراً لافتاً، حين قررت وزارة العمل بحكومة «الوحدة» التشديد على مكافحة الازدواج الوظيفي، وربط الرواتب بالرقم الوطني، في خطوة عززت اعتقاد متابعين بأن حكومة الدبيبة «ستعمل على خنق المخصصات المالية، التي كانت تصل إلى شرق ليبيا».

ويلحظ سياسيون أن «الانقسام الناعم في ليبيا بدأ يتحول تدريجياً إلى انقسام كامل»، وهي الرؤية التي يتبناها أيضاً الأكاديمي الليبي، رئيس «الحزب المدني الديمقراطي»، الدكتور محمد سعد مبارك، الذي يرى أن «الاستمرار في النهج الانقسامي الحالي يعطي كل طرف الحق في استخدام أقصى ما لديه من قدرات وأوراق متاحة».

ويرى مبارك، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المناكفة بين الحكومتين «قابلة للاستمرار ما لم يحدث انفراج سياسي، وما لم يتحول نظام إدارة الدولة إلى الحكم المحلي الشامل، وتقتصر الحكومة المركزية على الحقائب السيادية والتخطيط الاستراتيجي»، محذراً بالقول: «لن تكون هناك قدرة على تنفيذ موازنة موحدة إذا ما تمكنوا من إصدارها، بسبب وجود سلطتين تنفيذيتين مختلفتين».

«اقتحام خصوصية الموظفين»

تستحوذ المرتبات على 57 في المائة من فاتورة الإنفاق العام في ليبيا، وفق أحدث بيانات رسمية؛ إذ بلغت 36.5 مليار دينار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، علماً بأن البيانات الصادرة عن المصرف المركزي لا توضح تفاصيل المخصصات المالية للرواتب في شرق ليبيا وغربها. (الدولار يساوي 5.42 دينار في السوق الرسمية).

ناجي عيسى (متداولة على صفحات التواصل الاجتماعي)

ولا يستبعد الخبير الاقتصادي الليبي، محمد الشحاتي، أن يكون إجراء حكومة حماد من باب «معارضة سيطرة (الوحدة) في طرابلس على بند الرواتب»، إلا أنه أبدى اندهاشه من طلب المصرف الإفصاح عن بيانات الموظفين، والذي عدّه «اقتحاماً غير مقبول لخصوصية الموظفين».

ومن زاوية أخرى لهذا الجدل، ومن منظور الخبير الاقتصادي الليبي، فإنه «لا يمكن إعطاء الحق للمصرف المركزي، وهو جهة حكومية، في الاطلاع على خصوصيات المواطن، التي يجب أن تكون محمية بالقانون والأخلاق، باستثناء إذا ما اخترق أحد القانون».

ويستند الشحاتي في رأيه إلى «وجود عقد عمل بين الموظف وجهة العمل التابعة لوزارة المالية، وحساب في مصرف تجاري محمي بقواعد سرية العملاء»، داعياً إلى «البحث عن آلية تليق بالموظف الليبي وتحفظ أسراره».

وكما هو الحال في العديد من الملفات السياسية المالية في ليبيا، فإنه من غير المستبعد أن يكون هناك تدخل دولي لتقريب وجهات النظر بين هذه الأطراف المتصارعة.

وفي هذا السياق، يقول الحاسي لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون هناك ضغط من البعثة الأممية، وأيضاً من الجانب الأميركي لاعتماد حوار مباشر مع مصرف ليبيا المركزي وضمان استقلاليته».

ومع ذلك، فإن هذا التدخل الدولي «لا يبدو أمراً يسيراً»، وفق مبارك، الذي يقول إن المجتمع الدولي «لن يتفق على موقف موحد بسبب الاختلاف في المصالح، ما لم تكن هناك إرادة دولية من جهة ذات قدرة ونفوذ، أو إرادة وطنية طاغية».

أما الجدل بشأن الإفصاح عن بيانات الرواتب فهو حلقة من صراع آخر، بشأن ميزانية موحدة عسيرة المخاض في ليبيا على وقع الانقسام السياسي.

من جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المجلس)

وسبق أن وجه البرلمان مجدداً دعوة لأعضائه إلى جلسة رسمية جديدة في 24 من الشهر الحالي في مدينة بنغازي، بقصد مناقشة مشروع «الميزانية العامة»، البالغ قيمتها 160 مليار دينار. غير أن محافظ المصرف المركزي، ناجي عيسى، طلب تأجيل اعتمادها حتى يتم التنسيق الكامل بين مؤسسات الدولة المعنية، بما يضمن تحقيق ميزانية واقعية ومستدامة، تعكس الوضع الاقتصادي الفعلي للبلاد.


مقالات ذات صلة

«استئناف بنغازي» تلغي قرارات «الرئاسي» الليبي بإنشاء «مفوضية» موازية للانتخابات

شمال افريقيا صورة وزّعها مجلس الدولة في ليبيا لاجتماعه مع مسؤول بخارجية «الوحدة» عن ملف الحدود البحرية

«استئناف بنغازي» تلغي قرارات «الرئاسي» الليبي بإنشاء «مفوضية» موازية للانتخابات

اعتبرت محكمة استئناف بنغازي أن المجلس الرئاسي تجاوز صلاحياته واعتدى على اختصاص السلطة التشريعية، ما يجعل قراراته غير مشروعة ومطعوناً فيها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة وتكالة خلال فعاليات اليوم العالمي لمكافحة الفساد (مجلس الدولة)

تجدد التوتر الأمني في الزاوية الليبية وسط صمت «الوحدة»

دائماً ما تتجدد الاشتباكات في الزاوية الليبية بسبب تنافس الميليشيات المحلية على النفوذ وطرق تهريب الوقود والمهاجرين.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا عبد الحميد الدبيبة رئيس «الوحدة» مستقبلاً المبعوثة الأممية إلى ليبيا (مكتب الدبيبة)

من «المبادرات» إلى «الحوارات»... ليبيا تدور في دوامة المفاوضات «بحثاً عن حل»

قال مصدر مقرب من البعثة الأممية إنها «تعمل وفق ما يقترحه الليبيون»، سعياً إلى مساعدتهم على إجراء الاستحقاق الرئاسي والنيابة وفق «خريطة الطريق» السياسية المعلنة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلاً القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي بحضور نجليه صدام وخالد حفتر الاثنين (الرئاسة المصرية)

مباحثات بين السيسي وحفتر تركز على السودان والحدود البحرية و«المرتزقة»

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي  «ضرورة التصدي لأي تدخلات خارجية».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس مفوضية الانتخابات الليبية عماد السايح يستقبل المكلّف بتسيير المجلس الوطني للحريات العامة بالبلاد الاثنين (المفوضية)

«المفوضية الليبية» تصدر 3 لوائح تنظيمية تمهيداً للانتخابات  

أعلنت مفوضية الانتخابات الليبية انتهاءها من إعداد الميزانية التقديرية الكاملة للعملية الانتخابية، وأنها بصدد إحالتها إلى مجلس النواب لاعتمادها.

خالد محمود (القاهرة)

تحطم طائرة عسكرية سودانية أثناء محاولتها الهبوط ومقتل طاقمها

أفراد من الجيش السوداني يسيرون بجوار مركبات عسكرية مدمرة في العاصمة السودانية الخرطوم (رويترز - أرشيفية)
أفراد من الجيش السوداني يسيرون بجوار مركبات عسكرية مدمرة في العاصمة السودانية الخرطوم (رويترز - أرشيفية)
TT

تحطم طائرة عسكرية سودانية أثناء محاولتها الهبوط ومقتل طاقمها

أفراد من الجيش السوداني يسيرون بجوار مركبات عسكرية مدمرة في العاصمة السودانية الخرطوم (رويترز - أرشيفية)
أفراد من الجيش السوداني يسيرون بجوار مركبات عسكرية مدمرة في العاصمة السودانية الخرطوم (رويترز - أرشيفية)

تحطّمت طائرة نقل عسكرية سودانية، يوم أمس (الثلاثاء)، أثناء محاولتها الهبوط في قاعدة جوية في شرق البلاد، ما أسفر عن مقتل جميع أفراد طاقمها، وفق ما أفاد مصدران عسكريان.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر عسكري، قوله إن «عطلاً فنياً تسبب في تحطم طائرة شحن تتبع للجيش من طراز إليوشن أثناء محاولتها الهبوط في قاعدة دقنه الجوية».

وأفاد مصدر عسكري آخر بـ«مقتل جميع طاقم الطائرة من طراز إليوشن 76».

ولم يكشف الجيش السوداني عدد الأفراد الذين كانوا في الطائرة العسكرية، ولم يتم إصدار أي حصيلة رسمية للضحايا.

ولطالما كانت طائرة الشحن إليوشن-76، المصممة في الاتحاد السوفياتي، بمثابة العمود الفقري للجيش السوداني وتستخدم لنقل الإمدادات والأفراد عبر خطوط المواجهة.

ويأتي هذا الحادث فيما يعاني السودان إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وأسفرت الحرب المتواصلة منذ أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان ،وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، عن مقتل عشرات الآلاف ودفعت نحو 12 مليوناً إلى النزوح داخل البلاد أو اللجوء إلى خارجها، وأدت إلى تدمير البنية التحتية.


المعارضة التونسية شيماء عيسى تواصل إضراباً عن الطعام لليوم التاسع في السجن

الناشطة السياسية شيماء عيسى (أ.ف.ب)
الناشطة السياسية شيماء عيسى (أ.ف.ب)
TT

المعارضة التونسية شيماء عيسى تواصل إضراباً عن الطعام لليوم التاسع في السجن

الناشطة السياسية شيماء عيسى (أ.ف.ب)
الناشطة السياسية شيماء عيسى (أ.ف.ب)

تواصل الناشطة السياسية التونسية في «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة، شيماء عيسى، إضراباً عن الطعام لليوم التاسع على التوالي احتجاجاً على ظروف اعتقالها. وأوقفت عيسى من جانب رجال من الشرطة بزي مدني في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري خلال مشاركتها بمسيرة للمعارضة، تطبيقاً لعقوبة صادرة بحقها من محكمة الاستئناف في قضية التآمر على أمن الدولة، وبدأت إضرابها عن الطعام فور دخولها السجن.

وسبق أن اعتقلت شيماء عيسى (45 عاماً) في فبراير (شباط) 2023، ووضعت في الإيقاف التحفظي، لكن أفرج عنها في يوليو (تموز) من العام نفسه. وحُكم عليها بالسجن 18 عاماً في المحكمة الابتدائية، ورفع الحكم إلى 20 عاماً في الاستئناف.

وبالإضافة إلى عيسى أوقفت السلطات كذلك زعيم «جبهة الخلاص الوطني»، السياسي البارز أحمد نجيب الشابي (82 عاماً)، بالقضية نفسها، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة 12 عاماً. كما اعتقل المحامي المعارض العياشي الهمامي (66 عاماً) لتطبيق حكم بسجنه لمدة خمس سنوات بتهم بـ«الإرهاب».

وقال بسام خواجا، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة «هيومن رايتس ووتش»: «اعتقال شخصيات معارضة بارزة هو أحدث خطوة في مخطط الرئيس قيس سعيد للقضاء على أي بديل لحكمه المتفرد. وبهذه الاعتقالات، نجحت السلطات التونسية فعلياً في وضع الجزء الأكبر من المعارضة السياسية وراء القضبان».

وترفض المعارضة وجبهة الخلاص الوطني حكم الرئيس قيس سعيد، الذي يقود السلطة بصلاحيات واسعة منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو 2021، وإرسائه لاحقاً لنظام سياسي جديد، وتطالب باستعادة الديمقراطية. في المقابل، تتهم السلطة الموقوفين بمحاولة قلب نظام الحكم وتفكيك مؤسسات الدولة، فيما تتهم المعارضة النظام القائم بتلفيق تهم سياسية إلى السجناء، وإخضاع القضاء إلى أوامره.


أحزاب مصرية لاستعادة توازنها بالمنافسة في باقي «الدوائر الملغاة» بانتخابات «النواب»

ناخبون خلال التصويت في إحدى الدوائر الـ19 الملغاة (تنسيقية شباب الأحزاب)
ناخبون خلال التصويت في إحدى الدوائر الـ19 الملغاة (تنسيقية شباب الأحزاب)
TT

أحزاب مصرية لاستعادة توازنها بالمنافسة في باقي «الدوائر الملغاة» بانتخابات «النواب»

ناخبون خلال التصويت في إحدى الدوائر الـ19 الملغاة (تنسيقية شباب الأحزاب)
ناخبون خلال التصويت في إحدى الدوائر الـ19 الملغاة (تنسيقية شباب الأحزاب)

قبل انطلاق جولة الإعادة في الدوائر الثلاثين الملغاة بقرار قضائي في انتخابات مجلس النواب المصري، الأربعاء ولمدة يومين، تدخل الأحزاب السياسية مرحلة حاسمة في محاولة لاستعادة توازنها بعد «مفاجأة» أحدثها المرشحون المستقلون بالاقتراع في 19 دائرة أخرى سبق أن ألغتها الهيئة الوطنية للانتخابات.

فقد أظهرت النتائج الأولية للدوائر الـ19 التي أُبطلت نتائجها سابقاً تقدماً ملحوظاً للمستقلين على حساب المرشحين الحزبيين، ما حدا بالبرلماني والإعلامي المصري مصطفى بكري إلى توقع أنهم سيكونون «مفاجأة هذه الانتخابات»، وفق ما قال لـ«الشرق الأوسط».

في المقابل، كثفت الأحزاب الرئيسية: «مستقبل وطن» و«حماة الوطن» و«الجبهة الوطنية»، جهودها وتحركاتها الدعائية قبل بدء التصويت الجديد، وعملت على إعادة هيكلة خططها التعبوية بهدف الدخول في جولة الإعادة بدرجة عالية من الجاهزية.

وبحسب وسائل إعلام محلية، وضعت هذه الأحزاب منظومات متابعة ميدانية دقيقة داخل اللجان، مع تفعيل مجموعات عمل متخصصة لمراقبة المخالفات المحتملة وتقييم الملاحظات التي ظهرت في المرحلة السابقة.

وكانت حالة من الجدل الواسع قد شغلت الرأي العام بعدما شهدت المرحلة الأولى مخالفات واسعة النطاق دفعت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات بمراجعة ما جرى، وهو ما نتج عنه إلغاء نتائج 19 دائرة دفعة واحدة، ثم إبطال نتائج 30 دائرة أخرى بقرار من المحكمة الإدارية العليا.

ورسم هذا الوضع غير المسبوق ملامح معركة انتخابية متقلبة تخوضها الأحزاب وسط تحديات غير اعتيادية، أبرزها صعود قوة المستقلين وإعادة الاقتراع في عدد كبير من الدوائر.

غرفة عمليات حزب «الجبهة الوطنية» الثلاثاء (صفحة الحزب)

ويتزايد اقتناع محللين سياسيين بأن صعود المستقلين بات السمة الأبرز في هذه الانتخابات.

ويلفت الكاتب الصحافي عماد الدين حسين إلى أن المستقلين أحرزوا نتائج جيدة في الجولة الأولى، وصعدوا للمنافسة على 30 مقعداً في إعادة الدوائر الـ19؛ وهو ما يجعله يرى أن «فرصهم في حصد عدد مهم من المقاعد تبدو مرتفعة».

كما أشار في مقال له هذا الأسبوع إلى أن المرحلة الثانية نفسها تشهد استمرار الظاهرة، حيث يخوض نحو 117 مستقلاً جولة الإعادة مقابل 66 مرشحاً فقط من الأحزاب الكبرى.

وتكشف خريطة المنافسة الحالية في الدوائر الملغاة وجود 44 مرشحاً للأحزاب الكبرى في مواجهة نحو 500 مستقل، وهي معادلة تُظهر حجم التحدي الذي تواجهه الأحزاب التقليدية.

ووفق الأرقام الرسمية، يتوزع المرشحون الحزبيون على النحو التالي: «مستقبل وطن» 19 مرشحاً، و«حماة الوطن» 14 مرشحاً، و«الجبهة الوطنية» 11 مرشحاً، و«العدل» 11، و«المصري الديمقراطي» 12، و«الشعب الجمهوري» و«النور» و«الوفد» بأعداد أقل.

طابور من الناخبين خلال التصويت بإحدى الدوائر الـ19 الملغاة (تنسيقية شباب الأحزاب)

واختُتمت الثلاثاء عملية تصويت المصريين في الخارج بالدوائر الملغاة، على أن تُعلن النتائج النهائية في 18 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، فيما تُعقد جولة الإعادة بالخارج يومي 31 ديسمبر و1 يناير (كانون الثاني) المقبل، وفي الداخل يومي 3 و4 يناير، على أن تصدر النتيجة النهائية في 10 يناير 2026.

ويرصد نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، عماد جاد، صراعاً قائماً بين اتجاهين سياسيين، الأول يتمسك باستمرار العملية الانتخابية وإكمال تشكيل البرلمان، وهو موقف أحزاب الموالاة التي يرى أنها مستعدة «للتضحية بعدد من مرشحيها مقابل الحفاظ على المشهد البرلماني واستقراره»، والثاني يدعو إلى «تغيير جذري يشمل مراجعة قوانين انتخابات البرلمان».

ومن المقرر أن تنظر المحكمة الإدارية العليا، الأربعاء، 257 طعناً انتخابياً قدمها مرشحون ضد قرارات فرز الجولة الأولى من المرحلة الثانية لانتخابات النواب 2025.

ومن بين 300 طعن سبق أن نظرتها المحكمة، أُحيل 40 منها للنقض لعدم الاختصاص، ورُفضت 3 طعون، لتتبقى الطعون الجاري البت فيها.