تدفّق الأفغان العائدين يؤجّج أزمة السكن في كابل

دفع بالإيجارات إلى مستويات خيالية مع تضاعف أعداد المرحّلين قسراً

ارتفعت أسعار الإيجارات في كابل مع تدفق الأفغان المطرودين من الدول المجاورة مما زاد الضغط على العرض المحدود من المساكن (أ.ف.ب)
ارتفعت أسعار الإيجارات في كابل مع تدفق الأفغان المطرودين من الدول المجاورة مما زاد الضغط على العرض المحدود من المساكن (أ.ف.ب)
TT

تدفّق الأفغان العائدين يؤجّج أزمة السكن في كابل

ارتفعت أسعار الإيجارات في كابل مع تدفق الأفغان المطرودين من الدول المجاورة مما زاد الضغط على العرض المحدود من المساكن (أ.ف.ب)
ارتفعت أسعار الإيجارات في كابل مع تدفق الأفغان المطرودين من الدول المجاورة مما زاد الضغط على العرض المحدود من المساكن (أ.ف.ب)

لا يزال محمد محسن زرياب، الذي أُجبر على العودة من إيران قبل أسابيع، يتلمس طريقه للعثور على مسكن في العاصمة الأفغانية، حيث تشهد أسعار الوحدات السكنية المؤجرة ارتفاعاً جنونياً جرّاء تدفق أفواج المرحّلين من الدول المجاورة.

فمع تضاعف أعداد العائدين قسراً من دول الجوار، تفاقمت أزمة الإسكان في المدينة التي تعاني أصلاً من شحّ الوحدات السكنية؛ مما دفع بالإيجارات إلى مستويات خيالية. وتشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى عودة أكثر من 2.1 مليون أفغاني من باكستان وإيران منذ مطلع العام الحالي. وبهذا لحقوا بأفواج سابقة مرحّلة من دول الجوار سواء أكانوا من المرحّلين رسمياً أم من الذين رُحّلوا تحت وطأة التهديد بالاعتقال، وفق تقرير من «وكالة الصحافة الفرنسية» السبت.

قال كثير من وسطاء العقارات في كابل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن أسعار الإيجارات ارتفعت بشكل كبير مع تدفق العائدين (أ.ف.ب)

وصل كثير من العائدين، مثل زرياب، إلى كابل حاملين معهم القليل من ممتلكاتهم ويحدوهم الأمل في أن تقدّم هذه المدينة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 8 ملايين نسمة، أفضل فرص للعمل في بلد يعيش نصف سكانه تحت خط الفقر.

توسّل زرياب إلى المُلّاك لتخفيض الإيجار من أجل أسرته المكوّنة من 8 أفراد، لكن الرد كان دائماً: «إذا لم تستطع الدفع، فهناك من يمكنه الدفع». وقال العامل البالغ 47 عاماً إنه كان يتوقع حين عاد في يوليو (تموز) الماضي أن يجد تضامناً أكبر مع الأفغان «الذين جاءوا من أماكن بعيدة دون منزل». كثير من سماسرة العقارات في كابل أكدوا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، السبت، أن أسعار الإيجارات ارتفعت بشكل حاد مع تدفق العائدين.

منذ عودته إلى أفغانستان من إيران يواجه محمد محسن زرياب مصاعب في العثور على مكان للعيش فيه (أ.ف.ب)

وقال وكيل العقارات حامد حساني: «منذ أن لاحظ المُلّاك أن اللاجئين (القادمين من إيران وباكستان) بدأوا العودة، شرعوا في مضاعفة الإيجارات»، داعياً الحكومة إلى «التدخل». وأضاف: «لدينا كثير من اللاجئين الذين يطلبون منا شققاً للإيجار؛ وغالبيتهم لا يستطيعون تحمّل الأسعار المعروضة».

فوضى عمرانية

قبل عام، كان متوسط إيجار منزل مكوّن من 3 غرف نحو 10 آلاف أفغاني (145 دولاراً) شهرياً، لكن يدفع المستأجرون الآن 20 ألفاً، وفقاً لنبي الله قريشي، صاحب أحد مكاتب العقارات.

ويعدّ هذا المبلغ ثروة بالنسبة إلى غالبية سكان أفغانستان البالغ عددهم 48 مليون نسمة؛ إذ يعيش 85 في المائة منهم بأقل من دولار واحد في اليوم، وفق الأمم المتحدة.

منذ عامين، كان كثير من المُلّاك يأتون شهرياً إلى مكتب قريشي طلباً للمساعدة في تأجير عقاراتهم، أما الآن فالطلب يفوق العرض بكثير. وتنفي بلدية كابل وجود أزمة سكن في المدينة.

وتزيد خطط التطوير الحضري الكبرى، التي تشمل إنشاء طرق جديدة حتى لو استلزم الأمر هدم كثير من المنازل، الضغط على توفر المساكن.

وقال نعمت الله باركزاي، المتحدث باسم البلدية: «جرى تطوير 75 في المائة من المدينة بشكل غير مخطط له، ولا نريد أن يحدث ذلك مرة أخرى».

لاجئات أفغانيات يرتدين النقاب يمررن أمام منزل طيني بمخيم «خراسان» للاجئين على مشارف بيشاور في باكستان يوم 10 أغسطس 2025 (أ.ف.ب)

الرحيل ليس سهلاً

تخشى زهرة هاشمي أن تُطرد من الغرفة السفلية الصغيرة التي تعيش فيها مع أسرتها منذ عودتهم من إيران. يكسب زوجها، وهو من العمالة المؤقتة، نحو 80 أفغانياً يومياً (أكثر بقليل من دولار واحد)، وهو مبلغ لا يكفي لدفع إيجار المسكن الذي يفتقر إلى الكهرباء والمياه الجارية.

وقالت زهرة: «فقدنا كل شيء عندما عدنا إلى أفغانستان»، مضيفة أن ابنتها الكبرى لم تعد قادرة على الالتحاق بالمدرسة بسبب قوانين «طالبان» التي تحظر تعليم النساء والفتيات وعملهن.

أما ابنتاها الأصغر منها سناً فبإمكانهما الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، لكن لا تستطيع العائلة سداد الرسوم الدراسية.

طالت ضغوط السكن أيضاً من يقيمون في كابل منذ مدة طويلة، مثل تمانا حسيني، التي تُدرّس الحياكة في غرب المدينة حيث الإيجارات أقل، لكنها قالت إن المالك يريد رفع إيجار شقتهم المكوّنة من 3 غرف نوم، من الإيجار الحالي البالغ 3 آلاف أفغاني. وأضافت: «لقد حاولنا الانتقال، لكن الإيجارات مرتفعة جداً... الوضع محبط، فلا يمكنك البقاء ولا يمكنك الرحيل».

في غضون ذلك، طالبت الأمم المتحدة بتوفير دعم أكبر للسيدات والفتيات الأفغانيات العائدات من إيران وباكستان اللاتي يواجهن مخاطر متصاعدة من الفقر، والزواج المبكر، وتنامي تهديدات حقوقهن وسلامتهن.

يتجمع أفغان عائدون من إيران عند معبر «إسلام قلعة» الحدودي بالقرب من هيرات غرب أفغانستان (يونيسف)

وأطلقت «هيئة الأمم المتحدة للمرأة»، التي تدعم تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين، بالتعاون مع منظمة «كير» الدولية الإنسانية وشركائها، والمجتمع الدولي، هذه الدعوة في تقرير نُشر يوم الخميس، أشار أيضاً إلى التحديات والاحتياجات الرئيسية التي تواجه عاملات الإغاثة الإنسانية اللاتي يقدمن المساعدة للعائدين.

ويأتي هذا التحذير وسط ازدياد هائل في أعداد العائدين إلى أفغانستان، حيث تحكم حركة «طالبان» منذ 4 سنوات وتعمل على تنفيذ كثير من القرارات التي تقيد حقوق النساء في ظل أزمة اقتصادية، وصدمات مناخية، واحتياجات إنسانية هائلة.

منذ سبتمبر (أيلول) 2023، عاد أو أُجبر على العودة أكثر من 2.4 مليون مهاجر أفغاني غير موثق من باكستان وإيران. وتشكل النساء والفتيات ثلث العائدين من إيران منذ بداية هذا العام، ونحو نصف العائدين من باكستان. وتصل كثيرات منهن إلى بلد لم يعشن فيه من قبل، دون مأوى أو دخل أو فرصة للتعليم أو الرعاية الصحية.


مقالات ذات صلة

كيف ترى القاهرة مقترح لقاء السيسي - نتنياهو؟

شمال افريقيا صورة أرشيفية للقاء سابق جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك (الرئاسة المصرية)

كيف ترى القاهرة مقترح لقاء السيسي - نتنياهو؟

نقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن مسؤول أميركي وآخر إسرائيلي الأحد أن البيت الأبيض يسعى إلى التوسط لعقد قمة بين السيسي ونتنياهو.

هشام المياني (القاهرة)
آسيا لاجئ أفغاني تم ترحيله ينتظر هذا الشهر بجوار شاحنات ركاب متوقفة بالقرب من معبر تورخام الحدودي في باكستان (نيويورك تايمز »

في ظل تصاعد المواجهات... باكستان ترحل الأفغان نحو المجهول

في ظل تصاعد المواجهات العسكرية بين كل من باكستان وأفغانستان، وغلق الحدود بين البلدين، كثفت السلطات الباكستانية عمليات الطرد الجماعية للأفغان

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد - كابل)
الولايات المتحدة​ تجمع الأفغان في المركز الوطني للمؤتمرات في ليزبورج (فرجينيا) الذي كان بمثابة موقع مأوى مؤقت خلال عملية الترحيب بالحلفاء في عام 2022 (غيتي)

الوافدون الأفغان يخشون على مستقبلهم في أميركا بعد تهديد وضعهم القانوني

يشعر الكثيرون بالقلق بعد أن تعهدت إدارة ترمب بإجراء مراجعات شاملة لملفات المهاجرين عقب حادثة إطلاق النار التي أودت بحياة جنديين من الحرس الوطني.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية غزيون تهجروا إلى مخيمات النزوح في جنوب قطاع غزة يعودون إلى ديارهم بشماله يوم 11 أكتوبر 2025 (رويترز)

يوسي كوهين: أطلقتُ خطة «التهجير المؤقت» للغزيين... والسيسي أسقطها

يكشف مدير «الموساد» السابق، يوسي كوهين، أنه صاحب فكرة تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة خلال الحرب الحالية، لكنه يؤكد أن فكرته لا تتعلق بتهجير دائم، بل مؤقت.

نظير مجلي (تل أبيب)
شمال افريقيا ميناء دلس (الشرق الأوسط)

هواجس ورعب وسط عائلات جزائرية بعد انقطاع أخبار أبنائها المهاجرين في «قوارب الموت»

تسود حالة من القلق والحيرة بين عدد من العائلات شرق العاصمة الجزائرية، عقب انقطاع أخبار أبنائها الذين غادروا عبر البحر باتجاه السواحل الإسبانية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

الصين تعلن عن مناورات عسكرية بالذخيرة الحية حول تايوان

مقاتلة صينية تستعد للإقلاع من حاملة الطائرات «شاندونغ» خلال تدريبات عسكرية حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
مقاتلة صينية تستعد للإقلاع من حاملة الطائرات «شاندونغ» خلال تدريبات عسكرية حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
TT

الصين تعلن عن مناورات عسكرية بالذخيرة الحية حول تايوان

مقاتلة صينية تستعد للإقلاع من حاملة الطائرات «شاندونغ» خلال تدريبات عسكرية حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
مقاتلة صينية تستعد للإقلاع من حاملة الطائرات «شاندونغ» خلال تدريبات عسكرية حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)

أعلنت الصين، اليوم (الاثنين)، أنها ستجري مناورات عسكرية «كبيرة» حول تايوان تتضمن تدريبات بالذخيرة الحية عبر خمس مناطق في البحر والجو قرب الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي والتي تطالب بكين بضمها.

وجاء في بيان صادر عن الكولونيل شي يي، الناطق باسم قيادة المسرح الشرقي لجيش التحرير الشعبي، أنه «اعتباراً من 29 ديسمبر (كانون الأول)، ستقوم قيادة المسرح الشرقي لجيش التحرير الشعبي بإرسال قوات من الجيش ومن البحرية وسلاح الجو وقوات الصواريخ لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة تحمل الاسم الرمزي (مهمة العدالة 2025)».

مقاتلة صينية خلال تدريبات عسكرية حول جزيرة تايوان نفذتها قيادة المسرح الشرقي ﻟ«جيش التحرير الشعبي الصيني» في نانجينغ شرق الصين 8 أبريل 2023 (أ.ب)

وأظهر بيان منفصل خريطة خمس مناطق كبيرة تحيط بالجزيرة حيث «ستنظّم نشاطات إطلاق نار حي» من الساعة الثامنة صباحا حتى السادسة بعد الظهر (من الساعة 00,00 إلى 10,00 بتوقيت غرينتش الثلاثاء).

وجاء في البيان «لأمور تتعلق بالسلامة، ينصح بعدم دخول أي سفينة أو طائرة غير ذات صلة إلى المياه والمجال الجوي المذكورين أعلاه».

ويأتي هذا الاستعراض للقوة بعد أسابيع من التوترات بين الصين واليابان والتي بدأت بتصريحات تشير إلى دعم طوكيو المحتمل لتايوان في حال نشوب نزاع مسلح في المستقبل.

ويأتي ذلك أيضاً عقب أحدث جولة من مبيعات الأسلحة إلى تايبيه من الولايات المتحدة، وهو ما أثار رد فعل غاضب من بكين التي فرضت الأسبوع الماضي عقوبات على 20 شركة دفاع أميركية.

وقال شي يي في البيان إن التدريبات التي ستجرى هذا الأسبوع هي «تحذير شديد اللهجة ضد القوى الانفصالية المطالبة باستقلال تايوان، وهي إجراء مشروع وضروري لحماية سيادة الصين ووحدتها الوطنية».

من جهتها، -نددت تايوان بممارسة الصين «الترهيب العسكري»، وقالت الناطقة باسم مكتب الرئاسة كارين كو في بيان: «تعرب تايوان عن إدانتها الشديدة في مواجهة تجاهل السلطات الصينية المعايير الدولية واستخدامها الترهيب العسكري لتهديد الدول المجاورة».


زعيم كوريا الشمالية يشهد تجربة إطلاق صاروخ كروز بعيد المدى

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (أ.ب)
زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (أ.ب)
TT

زعيم كوريا الشمالية يشهد تجربة إطلاق صاروخ كروز بعيد المدى

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (أ.ب)
زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (أ.ب)

أشرف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، على تجربة إطلاق صاروخ كروز استراتيجي بعيد المدى في البحر، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية.

وذكرت وكالة الأنباء الكورية الشمالية، اليوم (الاثنين أن كيم دعا خلال مناورة صاروخية أجريت الأحد إلى تطوير «غير محدود ومستدام» للقوة النووية لبلاده.

ويبدو أن هذه التجربة كانت أول اختبار من هذا النوع منذ مطلع نوفمبر (تشرين الثاني).

صورة بثتها وكالة الأنباء الكورية الشمالية لإطلاق مقذوف حيث أشرف كيم على تجربة صاروخ كروز استراتيجي (رويترز)

من جهتها، ذكرت وكالة «يونهاب» للأنباء أن الجيش الكوري الجنوبي أعلن أنه رصد إطلاق صواريخ عدة من منطقة سونان قرب بيونغ يانغ.

وأفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية بأن الهدف من العملية كان مراجعة «وضع الاستجابة الهجومية المضادة والقدرة القتالية للوحدات الفرعية للصواريخ البعيدة المدى».

وأضافت أن كيم صرح بأن الحكومة والحزب الحاكم في كوريا الشمالية «سيواصلان كما دائماً تكريس كل جهودهما للتطوير غير المحدود والمستدام للقوة النووية للدولة».

وأجرت كوريا الشمالية تجربة صاروخية بالستية في 6 نوفمبر، بعد أكثر من أسبوع بقليل من إعراب الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي كان يقوم بجولة في المنطقة، عن اهتمامه بالاجتماع مع كيم، وهو اقتراح لم ترد عليه بيونغ يانغ.

وفي السنوات الأخيرة، زادت بيونغ يانغ بشكل ملحوظ من تجاربها الصاروخية. ويرى محللون أن هذا يهدف إلى تحسين قدراتها للضربات الدقيقة وتحدي الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، إضافة إلى اختبار الأسلحة قبل تصدير محتمل إلى روسيا.

ومنذ فشل قمة مع ترمب عام 2019 بشأن نزع السلاح النووي، تؤكد كوريا الشمالية بشكل مستمر أنها لن تتخلى أبدا عن أسلحتها النووية.


تحقيق يكشف: أفغان يواجهون القتل والتعذيب بعد إعادتهم من إيران

يقف أحد أفراد أمن «طالبان» على ظهر مركبة بينما يصل لاجئون أفغان إلى نقطة الصفر عند معبر إسلام قلعة الحدودي بين أفغانستان وإيران يوم 28 يونيو الماضي بعد ترحيلهم من إيران (أ.ف.ب)
يقف أحد أفراد أمن «طالبان» على ظهر مركبة بينما يصل لاجئون أفغان إلى نقطة الصفر عند معبر إسلام قلعة الحدودي بين أفغانستان وإيران يوم 28 يونيو الماضي بعد ترحيلهم من إيران (أ.ف.ب)
TT

تحقيق يكشف: أفغان يواجهون القتل والتعذيب بعد إعادتهم من إيران

يقف أحد أفراد أمن «طالبان» على ظهر مركبة بينما يصل لاجئون أفغان إلى نقطة الصفر عند معبر إسلام قلعة الحدودي بين أفغانستان وإيران يوم 28 يونيو الماضي بعد ترحيلهم من إيران (أ.ف.ب)
يقف أحد أفراد أمن «طالبان» على ظهر مركبة بينما يصل لاجئون أفغان إلى نقطة الصفر عند معبر إسلام قلعة الحدودي بين أفغانستان وإيران يوم 28 يونيو الماضي بعد ترحيلهم من إيران (أ.ف.ب)

كشف تحقيق صحافي عن تعرّض أفغان لعمليات قتل خارج نطاق القضاء وتعذيب واحتجاز تعسفي، عقب إعادتهم قسراً من إيران إلى بلادهم، موثقاً ما لا يقل عن 6 حالات قتل خارج إطار القانون و11 حالة احتجاز لأفغان جرى ترحيلهم من إيران، في حين رجّح التحقيق أن يكون العدد الحقيقي للضحايا أعلى من ذلك.

أشخاص يشترون ملابس شتوية مستعملة من سوق على جانب الطريق بالقرب من الحدود الأفغانية - الباكستانية يوم 4 نوفمبر 2025 (إ.ب.أ)

وحمّلت عائلات القتلى والمحتجزين حركة «طالبان» مسؤولية هذه الانتهاكات، متحدثة عن نمط متكرر من العنف يستهدف الأفغان الذين يُعادون قسراً من إيران. وتأتي هذه النتائج في وقت تشهد فيه عمليات الترحيل تصاعداً حاداً، أعقب إعلان وقف إطلاق النار في حرب استمرت 12 يوماً في يونيو (حزيران)، أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وحسب المنظمة الدولية للهجرة، جرى ترحيل أكثر من 500 ألف مواطن أفغاني من إيران خلال الفترة الممتدة بين 24 يونيو و9 يوليو (تموز) فقط. ولاحقاً، قال وزير الداخلية الإيراني، إسكندر مؤمني، إن نحو 1.5 مليون أفغاني جرى ترحيلهم منذ بداية العام الحالي.

استهداف بعد الإعادة القسرية

أقارب ومشيعون أفغان يؤدون الصلاة خلال مراسم جنازة ضحايا الغارات الجوية الباكستانية في مقبرة بمنطقة أورغون في ولاية باكتيكا يوم 18 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

فيما أفادت منصة «أفغانستان إنترناشونال» بأن كثيراً من المرحّلين كانوا من فئات معرّضة لخطر محدق، من بينهم مسؤولون حكوميون سابقون وصحافيون ونشطاء في المجتمع المدني، كانوا قد فرّوا من أفغانستان عقب سيطرة «طالبان» على الحكم عام 2021. وأكدت أن عدداً منهم قُتل أو احتُجز بعد فترة وجيزة من عودته.

ومن بين الحالات التي وثّقها التحقيق، مقتل كامين جان، الموظف السابق في وزارة الداخلية الأفغانية، الذي أُردي قتيلاً بالرصاص في ولاية تخار في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، بعد أسابيع من ترحيله من إيران. وقبل ذلك بأسبوعين، عُثر في ولاية فراه على جثة جندي أفغاني سابق آخر، كان قد أُبعد هو الآخر من إيران.

وفي واقعة أخرى، عُثر على جثة غول أحمد، موظف سابق في وزارة الداخلية، في ولاية فراه في أكتوبر (تشرين أول) 2025، بعدما اقتاده مسلحون من منزله، كانوا يحملون بطاقات تعريف تابعة لاستخبارات «طالبان». وقالت عائلته إنه احتُجز لأكثر من ثلاثة أشهر قبل أن تُعاد جثته إليهم.

وشهدت كابل حادثة مشابهة، إذ عُثر في سبتمبر (أيلول) 2025 على جثة عبد الولي نعيمي، الضابط السابق في القوات الخاصة الأفغانية والمنحدر من ولاية بنجشير، وذلك بعد أسبوعين فقط من ترحيله من إيران. وكانت منظمات دولية، بينها الأمم المتحدة، قد أفادت باستمرار الهجمات الانتقامية ضد أفراد الأمن الأفغان السابقين منذ استيلاء «طالبان» على السلطة.

بعد يوم واحد من الترحيل

في بعض الحالات، وقعت عمليات القتل فوراً تقريباً بعد الإبعاد؛ ففي يوليو 2025، قُتل عزت الله، وهو قائد سابق مرتبط بحزب «جنبش ملي» (الحركة الإسلامية الوطنية في أفغانستان) في ولاية سربل، بعد يوم واحد فقط من عودته من إيران. وذكر متحدث باسم الحزب أن عزت الله كان قد لجأ إلى إيران عقب سيطرة «طالبان»، لكنه أُجبر على المغادرة بعد انتهاء صلاحية تأشيرته.

كما طالت الاستهدافات نشطاء في المجتمع المدني؛ فقد أُصيب حمزة ألفت، وهو ناشط مدني وسجين سابق لدى «طالبان»، برصاص في أثناء محاولته الفرار من عناصر الحركة، بعد عبوره الحدود عائداً من إيران، قبل أن يفارق الحياة متأثراً بجراحه.

احتجاز وتعذيب وصمت

إلى جانب القتل، وثّق التحقيق حالات متعددة من الاحتجاز والتعذيب. وقال خالد محمد، وهو عقيد سابق في الجيش الأفغاني رُحّل من إيران في أكتوبر 2022، إن قوات «طالبان» عذبته هو ووالدته المسنّة في حادثتين منفصلتين. وأفادت «أفغانستان إنترناشونال» بأنها راجعت مقاطع فيديو وسجلات طبية تُظهر آثار إساءة ومعاملة قاسية.

ورغم التحذيرات المتكررة التي أطلقتها منظمات حقوق الإنسان، تواصل إيران عمليات الترحيل. وكان فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قد وصف الإعادات القسرية من إيران وباكستان بأنها «مقلقة»، محذّراً من أنها تعيد أشخاصاً إلى أوضاع غير آمنة.

امتداد الاغتيالات داخل إيران

يأتي هذا التحقيق في وقت تتعرض فيه شخصيات معارضة أفغانية أيضاً للاستهداف داخل الأراضي الإيرانية؛ فقد قُتل، الأربعاء، اللواء السابق في الشرطة الأفغانية إكرام الدين سري، بعدما أطلق مسلحون ملثمون النار عليه قرب منزله في طهران، في ثاني حادثة من هذا النوع خلال أقل من أربعة أشهر. وكان سري، الذي شغل سابقاً منصب قائد الشرطة في ولايتي بغلان وتخار، قد فرّ إلى إيران بعد عام 2021، وعُرف بانتقاداته العلنية لـ«طالبان».

وجاء مقتله بعد حادثة إطلاق النار على معروف غلامي في مدينة مشهد في سبتمبر الماضي. وألقى مقرّبون من الرجلين باللوم على «طالبان»، فيما وصف مصدر عسكري أفغاني الهجمات بأنها بداية «اغتيالات عابرة للحدود» تنفذها الحركة.

ولم تصدر السلطات الإيرانية تعليقاً رسمياً على مقتل سري، كما لم تعلن نتائج التحقيق في قضية غلامي.

ويؤكد مدافعون عن حقوق الإنسان أن هذا النمط من العنف يثير مخاوف جسيمة بشأن انتهاك مبدأ «عدم الإعادة القسرية» المعتمد دولياً، الذي يحظر إعادة الأفراد إلى أماكن تكون حياتهم أو حريتهم فيها عرضة للخطر.

عودة 2370 لاجئاً من باكستان وإيران

في غضون ذلك، تواصل باكستان وإيران طرد اللاجئين الأفغان بشكل قسري، حيث عاد 2370 شخصاً إلى أفغانستان.

ونشر الملا حمد الله فطرت، نائب المتحدث باسم «طالبان»، التقرير اليومي لأمانة المفوضية العليا لمعالجة قضايا المهاجرين في كابل، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، حسب وكالة باجوك الأفغانية للأنباء، السبت.

وأشار التقرير إلى أن 501 أسرة، بإجمالي 2370 شخصاً عادوا من إيران وباكستان الجمعة. ودخل العائدون إلى البلاد من خلال العديد من المعابر الحدودية، بما في ذلك إسلام قلعة في هيرات، وبولي أبريشام في نمروز، وسبين بولداك في قندهار، وبهرامشا في هلمند وتورخام في ننكارهار. وأضاف فطرت أنه تم إعادة توطين الأسر العائدة في مناطقها الأصلية حيث حصلت 742 أسرة على مساعدات إضافية. وفي اليوم السابق، تم إعادة 2400 لاجئ أفغاني أيضاً بشكل قسري من إيران وباكستان.