القوات اليمنية تداهم مواقع لتهريب المهاجرين غير الشرعيين

إنقاذ 250 راكباً من الموت في عرض البحر

مداهمة مراكز للتهريب عقب مأساة غرق 92 مهاجراً غير شرعي (إعلام حكومي)
مداهمة مراكز للتهريب عقب مأساة غرق 92 مهاجراً غير شرعي (إعلام حكومي)
TT

القوات اليمنية تداهم مواقع لتهريب المهاجرين غير الشرعيين

مداهمة مراكز للتهريب عقب مأساة غرق 92 مهاجراً غير شرعي (إعلام حكومي)
مداهمة مراكز للتهريب عقب مأساة غرق 92 مهاجراً غير شرعي (إعلام حكومي)

نجا العشرات من المهاجرين غير الشرعيين من موت محدق قبالة السواحل اليمنية عندما تعطل القارب الذي كان يحملهم في عرض البحر، فيما داهمت القوات الحكومية مواقع للتهريب في محافظة أبين، غداة وفاة 92 مهاجراً وإنقاذ 23 آخرين.

مصادر حكومية ذكرت أن مجموعة من الصيادين اليمنيين تمكنت من إنقاذ 250 مهاجراً قدموا من القرن الأفريقي، نصفهم تقريباً من النساء، وأغلبهم من حملة الجنسية الإثيوبية، بعدما تعطل القارب الذي كان يحملهم في عرض البحر لعدة أيام ونفاد المؤن والمياه، وقد فارق الحياة 7 منهم قبل وصولهم إلى سواحل محافظة شبوة شرق عدن.

وقالت المصادر إن السلطات المحلية قدمت الإسعافات الأولية للمهاجرين عند وصولهم مديرية رضوم، التي باتت أهم مركز لوصول المهاجرين بعد تشديد الإجراءات الأمنية في سواحل محافظة لحج غرباً.

من جهتها، ذكرت المنظمة الدولية للهجرة في اليمن أن الفرق الميدانية قدمت مساعداتٍ منقذة للحياة للناجين من الرحلة التي استمرت سبعة أيامٍ من الصومال إلى اليمن، حيث واجه القارب عطلاً في المحرك بعد 100 ميلٍ بحريٍّ من انطلاق رحلته، التي كان من المفترض أن تستغرق 24 ساعة، لكنها استغرقت أسبوعاً كاملاً، اعتماداً على الرياح والتجديف. ولهذا توفي سبعةٌ من المهاجرين جوعاً وعطشاً في الطريق.

وقال عبد الستار إيسوييف، رئيس بعثة المنظمة في اليمن، إن التركيز منصبّ على دعم الناجين ومنع مزيد من المعاناة، «فقد مرّ هؤلاء الأشخاص بأسبوعٍ من الجحيم في أعالي البحار، وتعرّضوا للاستغلال والرعب والصدمة». وحذّر من استمرار المآسي مع قيام المهاجرين الضعفاء برحلاتٍ أكثر خطورة على الطريق الشرقي.

ووجّه إيسوييف نداءً للجميع لتكثيف الاستجابة الإنسانية لإنقاذ الأرواح، وتعزيز عمليات البحث والإنقاذ، ومعالجة دوافع الهجرة غير النظامية، وتحسين عمليات البحث والإنقاذ، وحماية الناجين والمهاجرين في المواقف الضعيفة، ودعم أسرهم.

مداهمة أمنية

هذه التطورات أتت متزامنة مع إعلان الأجهزة الأمنية في محافظة أبين مداهمة عدة مواقع ساحلية كان المهربون يستخدمونها لإيواء المهاجرين غير الشرعيين الواصلين من القرن الأفريقي، بعد أيام من انتشال جثامين 92 مهاجراً وإنقاذ 23 إثر تحطم القارب الذي كان يحملهم قبالة سواحل المحافظة، من أصل 200 كانوا على متنه، فيما عدّ البقية في عداد المفقودين.

الحملة الأمنية شملت مناطق «تمحن والكسارة والحجلة» بميناء شقرة، إضافة إلى موقع على ساحل مديرية أحور، وبإشراف مدير عام أمن المحافظة العميد علي ناصر بوزيد، الذي دعا الجهات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها في حماية المياه الإقليمية ومنع تدفق المهاجرين، وطالب بضرورة التنسيق الإقليمي والدولي للحد من هذه الظاهرة التي تمثل تهديداً أمنياً وإنسانياً.

المهاجرون عبر اليمن يتعرضون للاستغلال والابتزاز في معسكرات المهربين (إعلام محلي)

المسؤول اليمني أكد أن الحملة المشتركة، التي نفذتها قوات الأمن العام والحزام الأمني ومحور أبين القتالي، ستتواصل خلال الأيام المقبلة لتشمل المنطقة الوسطى ومديرية المحفد في محافظة أبين، وفي إطار خطة أمنية لتجفيف منابع التهريب.

وحذّر بوزيد من التعامل أو التستر على المهربين، مؤكداً أن العواقب ستكون وخيمة على كل من يثبت تورطه في تسهيل عمليات التهريب أو حماية مجمعات المهاجرين غير الشرعيين. وقال إنه تم القبض في وقت سابق على عدد من المسلحين المتورطين في حماية تلك المجمعات، وتم إيداعهم السجن، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.

إلى ذلك أعلنت الأجهزة الأمنية في مديرية لودر التابعة لمحافظة أبين، إلقاء القبض على عصابة خطيرة تمتهن تهريب المهاجرين غير الشرعيين من القرن الأفريقي، بعد أن حاولوا الفرار إثر تبادل لإطلاق النار وقيامهم برمي القنابل على أفراد الأمن، وهو ما استدعى الرد حتى القبض على أفراد العصابة دون وقوع إصابات.

ووفق بيان أمني تم ضبط ثلاث مركبات بحوزة الجناة الثلاثة، وقد أظهرت التحقيقات الأولية تورط المضبوطين في تهريب الأفارقة عبر طرق غير شرعية. وقالت إنه سيتم إحالتهم إلى الجهات المختصة لاستكمال التحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

معالجة الخطر

أكدت المنظمة الدولية للهجرة أن حادثة غرق العشرات من المهاجرين، وجلهم من حملة الجنسية الإثيوبية، تسلط الضوء على الحاجة المُلحّة إلى معالجة مخاطر الهجرة غير النظامية على طول الطريق الشرقي الذي يربط القرن الأفريقي بالسواحل اليمنية، وطالبت بإعطاء الأولوية لتقديم المساعدات الفورية المنقذة للحياة وحماية المهاجرين الضعفاء، وبذل الجهود التي تهدف لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية.

المنظمة دعت أيضاً إلى رفع مستوى التعاون الدولي والإقليمي لمنع وقوع مزيد من الخسائر في الأرواح، وذلك من خلال توسيع مسارات الهجرة الآمنة والنظامية، وتعزيز جهود البحث والإنقاذ المنسقة، وتقديم خدمات الحماية للناجين، ودعم عودتهم الآمنة والكريمة، وإعادة إدماجهم المستدام في بلدانهم الأصلية.

معسكرات لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين قبل نقلهم إلى الحدود (إعلام حكومي)

وأشادت اللجنة بالسلطات المحلية في محافظة أبين على استجابتها السريعة، وأكدت التزامها بدعم الجهود المشتركة القائمة بين الوكالات لتحديد هوية الناجين ومساعدتهم، وانتشال الجثث، وتقديم الدعم للأسر المتضررة، وذكرت أنها تعمل مع شركائها على حشد الموارد وتقديم المساعدات الإنسانية لحماية الأشخاص المتنقلين، بالإضافة إلى دعم الحكومات في الاستجابة لأزمة الهجرة.

وبحسب المنظمة الأممية، فإنه ومنذ بداية العام الحالي، سُجّلت وفاة واختفاء أكثر من 350 من المهاجرين على طول الطريق الشرقي، ورجحت أن يكون العدد الفعلي للضحايا أعلى بكثير من هذا الرقم.

وأعادت المنظمة التذكير بأن كل روحٍ تُفقَد هي تذكير صارخ بالخسائر البشرية التي تسببها الهجرة غير النظامية، ورأت في هذه المأساة تذكيراً بالحاجة المُلحة إلى مساراتٍ آمنة ونظامية، وأنظمة حمايةٍ متينة، وعمليات بحثٍ وإنقاذٍ فاعلة، ودعت إلى محاسبة المهربين والمتاجرين بالبشر.


مقالات ذات صلة

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

العالم العربي المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الثلاثاء إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات مع إلزام قواتها بالانسحاب من اليمن خلال 24 ساعة

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ) play-circle

خاص مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

قال مستشار الرئيس اليمني إن المشهد اليمني يمر بمحاولة جادة لـ«هندسة عسكية» تستعيد فيه الدولة زمام المبادرة بدعم إقليمي وثيق وفرض منطق القانون.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الخليج الإمارات تعلن سحب ما تبقى من قواتها من اليمن

الإمارات تعلن سحب ما تبقى من قواتها من اليمن

أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية سحب ما تبقى من فرقها المختصة بمكافحة الإرهاب في اليمن.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
العالم العربي تحالف دعم الشرعية استهدف شحنة عسكرية لـ«الانتقالي» في المكلا (أ.ف.ب)

حزم سعودي لفرض الاستقرار الأمني شرق اليمن

ضربة وقائية من تحالف دعم الشرعية في المكلا ضد شحنة أسلحة غير قانونية، مع تشديد على خروج قوات الإمارات ودعم الحل السياسي لقضية الجنوب في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي الرئيس رشاد العليمي خلال ترؤسه اجتماع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

مسؤول يمني: الرئاسة تحركت لمواجهة تهديد مباشر لأمن البلاد

أكد مسؤول يمني أن القرارات التي أصدرها الرئيس رشاد العليمي جاءت للحفاظ على المركز القانوني للدولة اليمنية، ومواجهة خطر داهم لأمن واستقرار ووحدة اليمن.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.


أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
TT

أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)

أعرب سياسيون ونشطاء في مدينة تاورغاء الليبية عن استيائهم وشكواهم من تجاهل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لحكمين قضائيين صادرين عن محكمتي استئناف طرابلس وبنغازي، يقضيان بوقف قرار الحكومة ضم المدينة إلى بلدية مصراتة.

ويأتي هذا الجدل بعد سبعة أعوام من توقيع اتفاق المصالحة بين المدينتين، الذي أنهى سنوات من الصراع والتهجير القسري، الذي تعرض له سكان تاورغاء عقب أحداث عام 2011.

وتضع هذه الشكاوى، حسب مراقبين، مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء الليبي محل تساؤلات، في بلد لا يزال يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً مستمراً منذ أكثر من عقد. فقد شهدت ساحات القضاء في طرابلس وبنغازي على مدى شهرين صدور حكمين؛ أولهما عن محكمة استئناف طرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قضى بوقف تنفيذ قرار حكومة «الوحدة» في الشق المستعجل من الدعوى، أعقبه حكم ثانٍ صادر مطلع الأسبوع الحالي عن محكمة استئناف بنغازي، قضى بإلغاء القرار نهائياً وقبول الطعن المقدم ضده.

في المقابل، التزمت حكومة الدبيبة الصمت إزاء هذه الأحكام، وباشرت عملياً إجراءات تُفسَّر على أنها تمهيد لتنفيذ قرار الضم، كان آخرها توجيه وزارة الصحة التابعة لحكومة الوحدة في 18 ديسمبر (كانون الأول) طلباً إلى إدارة الصحة في تاورغاء لتسليم مهامها إلى نظيرتها في مصراتة.

هذا السلوك، حسب رؤية عضو مجلس النواب الليبي، جاب الله الشيباني، مثّل «تجاهلاً صريحاً لأحكام القضاء وتقويضاً لمبدأ الفصل بين السلطات»، محذراً من أنه يقود إلى ما وصفه بأنه «تعزيز للشعور بانزلاق الدولة نحو الفوضى». ورأى الشيباني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أي إجراء لاحق لصدور هذين الحكمين يُعد مخالفة قانونية واضحة لأحكام القضاء».

وأوضح النائب الليبي أن بلدية تاورغاء «كيان إداري قائم بذاته منذ عقود»، ومعترف بها منذ عهد النظام السابق، قبل أن تُلغى بقرار إداري في المرحلة الانتقالية، التي أعقبت فبراير (شباط) 2011، ثم أعيد الاعتراف بها عام 2015 عبر مجلس تسييري، رغم ظروف التهجير القاسية التي عاشها سكانها، وفق تعبيره.

مبنى مهجور في مدينة تاورغاء غرب ليبيا (الشرق الأوسط)

وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان اتفاق المصالحة التاريخي بين مصراتة وتاورغاء، الذي أُبرم برعاية دولية منتصف عام 2018، ونجح في طي عداء استمر قرابة ثماني سنوات، ومهّد لعودة النازحين إلى مدينتهم الواقعة على بُعد نحو 240 كيلومتراً شرق طرابلس.

غير أن قرار ضم تاورغاء إلى مصراتة، الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أعاد إشعال التوتر، بعدما نص على تحويل تاورغاء إلى فرع بلدي تابع لمصراتة، وهو ما قوبل برفض واسع من الأهالي، الذين عدوا الخطوة انتقاصاً من استقلاليتهم الإدارية، وتهديداً لحقوقهم القانونية المكتسبة، ودفعهم للجوء للقضاء.

ويستند الطاعنون في قرار حكومة «الوحدة» إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات كانت قد اعتمدت تاورغاء بلديةً مستقلة، بموجب قرارات تنظيم الانتخابات البلدية التي انطلقت عام 2014، في حين صدر قرار ضمها إلى بلدية مصراتة في يوم إجراء الانتخابات نفسها، وفق ما يوضحه لـ«الشرق الأوسط» المحامي زياد أبو بكر هيركة، أحد مقدمي الطعن أمام محكمة استئناف طرابلس، الذي عبّر عن استغرابه من عدم امتثال السلطة التنفيذية للأحكام القضائية.

كما أوضح الشيباني أن إدراج تاورغاء ضمن البلديات المشمولة بانتخابات المجالس البلدية يمثل «اعترافاً رسمياً بتوافر مقومات البلدية من حيث السكان والجغرافيا والبنية الاجتماعية والاقتصادية»، لافتاً إلى أن عدد سكانها يتجاوز 50 ألف نسمة.

من جهته، يرى الناشط الليبي عياد عبد الجليل أن الإشكال «ليس مع مدينة مصراتة، التي تم تجاوز الخلاف معها عبر المصالحة، بل مع الحكومة التي تتجاهل المطالب المشروعة لأهالي تاورغاء، بالحفاظ على بلديتهم المستقلة»، عاداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تجاهل الأحكام القضائية «يعكس استمرار ممارسات تُقوّض استقلالية المؤسسات القضائية».

وفي انتظار ما ستسفر عنه التطورات القضائية، يترقب أهالي تاورغاء حكماً جديداً من محكمة في طرابلس بشأن موضوع الطعن، للفصل النهائي في مصير قرار الضم.

ويقول النائب الشيباني إنهم «ينتظرون صدور الحكم لإحالته إلى رئاسة مجلس النواب، من أجل مخاطبة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإجراء الاقتراع البلدي في تاورغاء»، محذراً من أن «أي تدخل أمني لمنع هذا الاستحقاق سيقابل بمواقف واضحة».

في المقابل، يلوّح المحامي هيركة بما وصفه أنه «مسار قانوني مواز»، مشيراً إلى أن «إصرار الحكومة على عدم تنفيذ الأحكام القضائية قد يدفع إلى تحريك دعوى جنحة مباشرة ضد رئيس الحكومة بشخصه، لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ».

ورغم هذا المشهد المتوتر، ترى نادية الراشد، العضوة السابقة في المؤتمر الوطني العام، بارقة أمل في صدور الحكمين المتطابقين من بنغازي وطرابلس، عادّةً أن ذلك «يعكس وحدة الموقف القانوني، ويؤكد اختصاص القضاء بعيداً عن العبث السياسي»، مضيفة أن هذه الأحكام «تثبت أن القانون، متى أُتيح له المجال، قادر على تصحيح المسار وحماية استقلالية القضاء».


مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
TT

مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

قال المهندس بدر باسلمة، مستشار الرئيس اليمني، إن المشهد اليمني يمرّ بمحاولة جادة لـ«هندسة عكسية» تستعيد من خلالها الدولة زمام المبادرة، بدعم إقليمي وثيق، وبما يرسّخ منطق القانون والمؤسسات.

ووصف باسلمة القرارات الرئاسية الأخيرة، المتعلقة بالأوضاع في المحافظات الشرقية، بأنها «خطوة مفصلية» تنطوي على دلالات سياسية عميقة تمسّ جوهر بقاء الدولة، على حدّ تعبيره.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأوضح بدر باسلمة، في تصريح خاص، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه القرارات تمثل انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة الرئاسي من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل» والمبادرة، بما يفضي إلى تحصين مركزية القرار السيادي ومنع تفتت الدولة.

وشدّد على أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يشكّل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، مشيراً إلى أن هذا الدعم لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى «ضبط إيقاع» المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول.

ويرى باسلمة أن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، تمرّ بمخاض سياسي دقيق قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة، ويؤسس لنموذج «الدولة الاتحادية» المقبلة.

من «إدارة التوازنات» إلى «سيادة المؤسسات»

ووفقاً للمهندس بدر باسلمة، فإنه «لا يمكن قراءة القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في سياقها الإداري الروتيني فحسب، بل تمثل خطوة مفصلية تنطوي على دلالات سياسية عميقة تتصل بجوهر بقاء الدولة».

وأضاف أن أهمية هذه القرارات تكمن في كونها تُجسّد انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل والمبادرة»، وعَدَّ ذلك «رسالة سياسية بليغة إلى الداخل والخارج مفادها أن الدولة، بمفهومها الدستوري والشرعي، هي صاحبة الكلمة الفصل في إدارة مؤسساتها السيادية، وأنها يجب أن تظل مظلة وطنية جامعة، لا ساحة لتقاسمها أو توظيفها خارج إطار المشروع الوطني الجامع».

ولفت باسلمة إلى أن هذه الخطوة تمثل «بمعناها الأعمق، عملية تحصين لمركزية القرار السيادي، ومنع انزلاق الدولة نحو التفكك أو تحولها إلى جُزر إدارية وأمنية معزولة».

الدور السعودي حجر الزاوية

وأكد بدر باسلمة أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يمثل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، موضحاً أن هذا الدعم «لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى ضبط إيقاع المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول».

وأضاف أن أهمية هذا الدور تتجلى في ترسيخ «قاعدة ذهبية مفادها أن الشراكة لا تعني الاستحواذ»، مشيراً إلى أن الدعم الموجَّه لمجلس القيادة الرئاسي يستهدف خفض التصعيد ومنع فرض سياسات «الأمر الواقع» بقوة السلاح، ولا سيما في المناطق ذات الحساسية الاستراتيجية مثل حضرموت والمهرة.

وتابع أن المملكة، من خلال هذا النهج، «تعيد رسم الخطوط الحمراء التي تضمن بقاء جميع الأطراف تحت مظلة الدولة»، وتدفع القوى السياسية نحو طاولة الحوار بوصفه الخيار الوحيد، بدلاً من «مغامرات غير محسوبة قد تُهدد الأمن الإقليمي والنسيج الاجتماعي اليمني».

المحافظات الشرقية... ملامح الدولة المقبلة

ويقول بدر باسلمة إن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، باتت، اليوم، تمثّل «الرقم الصعب» في المعادلة اليمنية، وتعيش مخاضاً سياسياً قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة.

وأضاف باسلمة أن «القراءة المتفحصة للمشهد تشير إلى تنامي الوعي المجتمعي والسياسي في هذه المحافظات، باتجاه رفض التبعية المطلقة أو الاستقطاب الحاد»، موضحاً أن ما يجري في حضرموت «لا يندرج في إطار حراك مناطقي عابر، بل يندرج في سياق تأسيس لنموذج الدولة الاتحادية المقبلة».

وأشار إلى أن هذه المحافظات تسعى لانتزاع حقوقها في إدارة شؤونها وتأمين أراضيها، «من خلال تشكيلات وطنية، مثل قوات درع الوطن، وذلك تحت مظلة الشرعية الدستورية»، لافتاً إلى أن المؤشرات الراهنة توحي بأن خيار «الضم والإلحاق القسري» تراجع لصالح مسار يتجه نحو صيغة توافقية تضمن للأقاليم خصوصيتها الإدارية والأمنية ضمن يمن موحد واتحادي.

مسلَّح من أنصار «المجلس الانتقالي الجنوبي» (أ.ف.ب)

وختم باسلمة حديثه بالقول إن «اليمن يشهد، اليوم، محاولة جادة لـ(هندسة عكسية) للمشهد، فبدلاً من أن تفرض الفصائل واقعها على الدولة، تسعى الدولة، بدعم إقليمي وثيق، إلى استعادة زمام المبادرة وفرض منطق القانون والمؤسسات».

وأضاف أن هذه العملية «تمثل معركة نفَس طويل تتطلب قدراً عالياً من الحكمة السياسية»، مؤكداً أن «الرابح فيها هو مَن ينحاز لمنطق الدولة ومصالح المواطنين»، مستنداً في ذلك إلى «الشرعية الدولية والغطاء العربي الداعم».