تعدُّ رواية «ثرثرة فوق النيل» التي صدرت عام 1966 للأديب العالمي نجيب محفوظ واحدة من الأعمال البارزة في الأدب العربي الحديث، نظراً لما تضمنته من تشخيص بارع لأزمات المثقفين المصريين والعرب في حقب سابقة، ورصد سلبيتهم وانفصالهم عن الواقع واختيارهم لحياة العزلة والتهميش والسخرية.
من هنا يتضح مدى التحدي، الذي يصل إلى حد المجازفة، حين قرر عدد من الفنانين الشباب تحويل الرواية إلى مسرحية، تبتعد عن الأطر التقليدية وتحمل الاسم نفسه، وتتبنى المضمون ذاته، مع الابتعاد عن بنية السرد الدرامي التقليدي واستبدالها بصيغة أخرى فعالة.

كان التحدي الأول أمام فريق العمل، وفي مقدمتهم المخرج حسام التوني، التغلب على مشكلة فنية بارزة تتمثل في أن الرواية لا تحمل قصة أو حكاية بالمعنى المتعارف عليه، حيث تلعب الرؤى الفكرية والأطروحات الفلسفية دور البطولة فيها، عبر عدد من الشخصيات المتشائمة المحبطة التي تخفي اكتئابها وإحباطها وراء الإغراق في المخدرات.
يؤكد حسام التوني أن «الشكل الفني الذي قرره صناع المسرحية هو القالب الغنائي الموسيقي أو (الميوزيكال) باعتباره الأنسب لكون الرواية فكرية نقدية بالأساس»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الشكل الفني يتطلب مهارة استثنائية وتوفيقاً كبيراً لأنه ينطوي على صعوبة ومخاطرة بأن ينصرف الجمهور عنه سريعاً لو لم يكن مقنعاً وممتعاً في الوقت نفسه».

حافظت المسرحية على الإطار العام للنص الروائي من خلال تجمع عدد من الشخصيات التي تمثل الطبقة الوسطى الصاعدة في حقبة الستينات، موظف حكومي وممثل ومحام وكاتب صحافي، يجتمعون يومياً في «عوّامة نيلية» يمارسون فيها «التعبير الحر» عن إحباطهم بطريقة ساخرة.
تحملت المعالجة الدرامية والأشعار التي وضعها أحمد زيدان، فضلاً عن ألحان زياد هجرس، مهمة التعبير عن تصاعد الصراع الدرامي في صورة غنائية، بما في ذلك لحظات اليأس المتكررة وإشرقات الأمل المؤقتة في جو يجمع بين البهجة والحماس رغم كل شيء.
وجاء أداء طاقم التمثيل، لا سيما محمود متولي وباسم سليمان ويوسف رزق وليلى عبد القادر ودميانة جودة، على درجة لافتة من النضج والإتقان، رغم أنهم يخوضون تجربتهم الأولى، ساعد في ذلك براعة الاستعراضات التي صممها إبراهيم كابو ومصداقية الديكور الذي صممه محمود ياسر عبد الحكيم.

تحولت رواية «ثرثرة فوق النيل» إلى فيلم شهير يحمل نفس الاسم، من إنتاج 1971، لعب بطولته أحمد رمزي وعماد حمدي وعادل أدهم وسهير رمزي وميرفت أمين، إخراج حسين كمال، لكن الفيلم شهد انتقادات عديدة بسبب تغيير النهاية الواردة بالرواية.
وبينما حافظ النص الروائي على حالة التخبط التي انتابت شخصيات العمل حتى النهاية، جعل الفيلم البطل الرئيسي «أنيس أفندي»، الموظف الحكومي الأربعيني، يتحول في لحظة إشراق داخلي إلى شخص إيجابي يساهم في تنمية المجتمع ويدافع فجأة عن قضاياه، بشكل اعتبره النقاد «مفتعلاً ويفتقد إلى المبرر الموضوعي»، فهل تأثر صناع المسرحية بالرواية أم بالفيلم، وكيف يرون الجدل المتعلق بالفارق بينهما؟
مخرج العمل حسام التوني أجاب قائلاً: «لم نعتمد على الفيلم إطلاقاً كإطار مرجعي، فهو برأيي أقل كثيراً من الرواية التي كُتبت بحرفية عالية وتوازن مدهش بين الشخصيات وجو يجمع بين العبث والبهجة واليأس في توليفة نادرة، وهي كلها سمات حاولنا قدر استطاعتنا أن تعبر عنها المسرحية».






