الجزائر في مرمى ضغوط دولية لتجفيف منابع «المال المشبوه»

بعد إدراجها في «القائمة الرمادية» بقرار من «مجموعة العمل المالي» والاتحاد الأوروبي وبرلمانه

وزير العدل الجزائري خلال عرض مشروع قانون الوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (البرلمان)
وزير العدل الجزائري خلال عرض مشروع قانون الوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (البرلمان)
TT

الجزائر في مرمى ضغوط دولية لتجفيف منابع «المال المشبوه»

وزير العدل الجزائري خلال عرض مشروع قانون الوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (البرلمان)
وزير العدل الجزائري خلال عرض مشروع قانون الوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (البرلمان)

​أثار تصنيف الجزائر ضمن «القائمة الرمادية» للدول الأقل التزاماً بمحاربة مصادر المال المشبوه وتمويل الإرهاب، جدلاً في البرلمان، حيث عبَّر نواب عن سخطهم مما وصفوه بـ«إملاءات خارجية» على الحكومة الجزائرية، لدفعها لمراجعة تشريعاتها، بحيث تتماشى مع الإجراءات الدولية الخاصة بتجفيف منابع غسل الأموال.

وجرت المناقشات البرلمانية، الأحد، بعد أن قدَّم وزير العدل، بوجمعة لطفي، عرضاً حول مشروع قانون يتعلق بالوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

لكنّ عدداً من نواب المعارضة تساءلوا عما إذا كان النص نابعاً من «إرادة وطنية»، أم استجابة لـ«إملاءات خارجية»، معربين عن شكوكهم بشأن «تأثير أجنبي محتمل» على قرار الحكومة إطلاق هذا التشريع الجديد الذي صادقت عليه الغرفة الأولى للبرلمان، على أن يُحال إلى الغرفة الثانية خلال الأسبوع الحالي لمناقشته.

المجلس الشعبي الوطني الجزائري (البرلمان)

وحرص نواب ينتمون لـ«الكتلة الرئاسية» على دحض هذا الطرح، مؤكدين أن «التزام الجزائر الدولي في ميدان محاربة الإجرام وقطع الشرايين التي يتغذى منها الإرهاب، لا يعني خضوعاً للضغوط الأجنبية».

ودافع هؤلاء النواب عن «استقلالية» خطوة إعداد القانون، مذكّرين بأن الجزائر «كانت من أوائل الدول التي دعت إلى تجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية، كما أدت دوراً فعالاً في بناء آليات دولية لمحاربة التمويل غير المشروع، خصوصاً في إطار الأمم المتحدة».

ورأى هؤلاء النواب أن توافق التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية «يُعد قراراً سيادياً يخدم مصالح الجزائر الاستراتيجية».

ولفت نواب آخرون إلى أن بعض أحكام القانون «صارمة للغاية، وقد تؤدي إلى تجاوزات».

تخوّف

أعرب عدد من النواب عن قلقهم من آثار مشروع القانون المحتملة على المنظمات غير الحكومية؛ فعلى الرغم من إقرارهم بضرورة مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، فإنهم يخشون أن يؤدي الإطار المقترح إلى «تضييق مفرط» على تنظيمات المجتمع المدني الذي يواجه بالفعل تحديات متعددة.

وحذر النواب من «الخلط المتسرع» بين بعض الجمعيات و«كيانات مشبوهة»، داعين إلى «مزيد من التمييز». كما أبرزوا «الدور المحوري» الذي تلعبه الجمعيات الخيرية في المجتمع الجزائري كمؤسسات قريبة من المواطن، وداعمة لفئات المجتمع التي تعاني الهشاشة الاقتصادية، كما أنها فضاء للتعبير.

وبرأيهم، فإن أي خلط بين «العمل الإنساني» و«الأنشطة المشبوهة» من شأنه أن يُضعف مهمة هذه الجمعيات.

اجتماع قضاة جزائريين حول تطبيق أحكام قانون مكافحة غسل الأموال (أرشيفية)

وقال النائب الإسلامي عبد الوهاب يعقوبي، وهو أحد النواب المنتخبين عن المهاجرين الجزائريين في فرنسا، في مداخلة، إن مشروع الحكومة «يندرج ضمن استراتيجية تهدف إلى إخراج الجزائر من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، التي أضرت بمصداقية الجزائر». وأكد أن مكافحة غسل الأموال «لا ينبغي أن تقتصر على إصدار قوانين؛ بل تتطلب إرادة سياسية صلبة، وتطبيقاً صارماً، ومساءلة فعلية».

النص المطروح

ويتضمن النص الجديد منع فتح حسابات مجهولة أو وهمية، والتحقق بقوة من هوية العملاء والمستفيدين الفعليين، وإلزام المؤسسات البنكية و«بريد الجزائر» بإعداد تقارير عن العمليات المشبوهة، ومراقبة التحويلات الإلكترونية، وحجز أو تجميد الأموال، مع حظر الأصول الافتراضية.

كما يفرض على المؤسسات المالية إجراءات «يقظة» إضافية عند التعامل مع دول عالية الخطورة، دون حظر صارم، وإنما رقابة متشددة.

أعضاء بالمجلس الشعبي الوطني (البرلمان)

وكان البرلمان الأوروبي قد صادق، الأربعاء الماضي، بأغلبية كبيرة، على إدراج الجزائر ضمن قائمة الدول عالية المخاطر في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبموجب هذا القرار، ستخضع جميع العمليات المالية التي تشمل كيانات جزائرية داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي لرقابة مشددة وإجراءات تدقيق صارمة.

ويُشكّل هذا القرار، في تقدير مراقبين، تحولاً جديداً في العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، حيث أكد النواب الأوروبيون وجود «نقائص جدية في النظام الجزائري للوقاية من الجرائم المالية»، لا سيما فيما يتعلق بضعف تتبع حركة رؤوس الأموال، ونقص الرقابة على المنظمات غير الحكومية، كما أشاروا إلى قصور في التعاون القضائي الدولي.

القرار الأوروبي

عبَّرت النائبة الأوروبية لورانس تروشو، المنتمية إلى مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، عن ترحيبها بالقرار، وكتبت عبر منصة «إكس»: «خبر سار».

ومن المتوقع أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ في الأسابيع المقبلة، ومن المنتظَر أن يُلزم المؤسسات المالية الأوروبية باتباع مجموعة من التدابير في تعاملاتها مع الأطراف الجزائرية، منها تطبيق «إجراءات يقظة مشددة»، وفرض تتبع دقيق لمصادر الأموال وتحركاتها، وفرض ضوابط إضافية على التحويلات والتعاملات المالية، وفق ما أوردته وسائل إعلام فرنسية.

ويهدف الاتحاد الأوروبي من خلال هذا التصنيف، إلى الحد من مخاطر تمويل الأنشطة غير المشروعة، وتحقيق مستوى أعلى من الشفافية في التعاملات المالية مع الدول المدرجة في القائمة، بحسب الإعلام الفرنسي.

وتشمل المراجعة الأخيرة التي نشرتها المفوضية الأوروبية بخصوص «قائمة الدول عالية المخاطر»، ما يقرب من 20 دولة. وفي التحديث الأخير إضافة الدول التالية: الجزائر، ولبنان، وأنغولا، وكوت ديفوار، وكينيا، ولاوس، وموناكو، وناميبيا، ونيبال، وفنزويلا.

في المقابل، تقرر شطب عدد من الدول من القائمة بعد تحقيقها تقدماً في أنظمتها الرقابية.


مقالات ذات صلة

«المسار البحري الجزائري» ابتلع أكثر من ألف مهاجر خلال 2025

شمال افريقيا قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (حقوقيون)

«المسار البحري الجزائري» ابتلع أكثر من ألف مهاجر خلال 2025

فرض المسار البحري الرابط بين السواحل الجزائرية والإسبانية نفسه خلال عام 2025، بوصفه من أشد طرق الهجرة دموية في غرب البحر الأبيض المتوسط.

شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)

الجزائر: حديث عن «تعديل دستوري فني» يثير جدلاً وحيرةً بين السياسيين

فاجأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأوساط السياسية بإعلانه تأجيل دراسة «تعديل دستوري فني»، وذلك بعد ساعات قليلة من تأكيد الرئاسة أن الموضوع مطروح للدراسة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)

الجزائر تُفعّل «التسوية المشروطة» بديلاً لملاحقة المتورطين في قضايا فساد

اعتمدت الجزائر آلية قانونية تتيح تأجيل ملاحقة الشركات المتورطة في ملفات فساد، قضائياً، مقابل استرجاع الأموال المحوَّلة إلى الخارج بطرق غيرمشروعة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا نجل زعيم التنظيم الانفصالي (التلفزيون الجزائري)

الجزائر تضيّق الخناق على «ماك» بعد إعلان «دولة القبائل المستقلة»

خطت السلطات الجزائرية خطوة جديدة في صراعها مع التنظيم الانفصالي «حركة تقرير مصير القبائل»، من خلال تنظيم ظهور إعلامي في التلفزيون الحكومي لنجل فرحات مهني.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

الجزائر: تساؤلات تلف «ملف الذاكرة» مع فرنسا بعد اعتماد قانون تجريم الاستعمار

أعلن الطيف السياسي في الجزائر دعمه القويّ لتصديق البرلمان، الأربعاء، على «قانون تجريم الاستعمار» الفرنسي للجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

تمديد حالة الطوارئ في تونس لمدة شهر

علم تونس (رويترز)
علم تونس (رويترز)
TT

تمديد حالة الطوارئ في تونس لمدة شهر

علم تونس (رويترز)
علم تونس (رويترز)

مددت تونس حالة الطوارئ في البلاد لمدة شهر تبدأ مطلع شهر يناير (كانون الثاني) المقبل حتى يوم 30 من الشهر نفسه.

ونشر قرار التمديد من قبل الرئيس قيس سعيد في الجريدة الرسمية. وكان آخر تمديد شمل عام 2025 بأكمله.

ويستمر بذلك سريان حالة الطوارئ في البلاد لأكثر من عشر سنوات، منذ التفجير الإرهابي الذي استهدف حافلة للأمن الرئاسي وسط العاصمة يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، وأدى إلى مقتل 12 عنصراً أمنياً ومنفذ الهجوم الذي تبناه تنظيم «داعش».


«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
TT

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)

حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، اليوم الثلاثاء، من وجود «مستويات غير مسبوقة وخطيرة» من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور في غرب السودان.

وقالت المنظمة، في بيانٍ نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، إن مسحاً حديثاً أظهر أن أكثر من نصف الأطفال الذين جرى تقييمهم في محلية أم برو بالولاية يعانون سوء التغذية الحادّ، «في ظل استمرار القتال وقيود شديدة على وصول المساعدات الإنسانية المُنقذة للحياة».

ووفقاً للمسح، الذي أجرته «اليونيسف»، في الفترة بين 19 و23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يعاني واحد من بين كل ستة أطفال من «سوء التغذية الحاد الوخيم»، وهي حالة تهدد الحياة ويمكن أن تُودي بحياة الطفل في غضون أسابيع إذا لم يجرِ علاجها.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل إن «كل يوم يمر دون وصول آمن ودون عوائق يزيد خطر ضعف الأطفال ومزيد من الوفيات والمعاناة من أسباب يمكن الوقاية منها تماماً».

ودعت «اليونيسف» كل الأطراف إلى السماح بوصول المساعدات بشكل فوري وآمن ودون عوائق، وحضّت المجتمع الدولي - بما يشمل الدول التي لها نفوذ على أطراف الصراع - على تكثيف الضغط الدبلوماسي والسياسي، بشكل عاجل، لضمان الاتفاق على هدنة إنسانية واحترامها.

وتابعت المنظمة: «دون هدنة إنسانية يمكن التنبؤ بها واحترامها، لن يكون بوسع عمال الإغاثة إيصال الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية وخدمات الحماية بأمان، ويستمر الأطفال في دفع الثمن الأكبر».


«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلنت «قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، سيطرتها على منطقة «التقاطع» الاستراتيجية في ولاية جنوب كردفان، ونشر عناصر تابعون لها مقاطع مصورة تُظهر انتشارها هناك.

ولم يصدر أي تعليق من الجيش السوداني بهذا الخصوص، مع استمرار تمدد «الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، في مناطق واسعة من الإقليم.

وقالت «الدعم السريع»، في بيان نشر على منصة «تلغرام»، إن «قوات تأسيس» المتحالفة معها بسطت سيطرتها بالكامل على المنطقة الواقعة بين مدينتي كادوقلي والدلنج، وإن هذه الخطوة تأتي «ضمن عمليات الانفتاح العسكري وتأمين الخطوط المتقدمة»، كما أنها تمكنت من «تسلم عدد من المركبات العسكرية والأسلحة والذخائر».

وأوضح البيان أن «هذا الانتصار يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق أهداف استراتيجية في الولاية».

وتخضع مدن ولاية جنوب كردفان، خصوصاً العاصمة كادوقلي ومدينة الدلنج، لحصار خانق تفاقمت حدته عقب استيلاء «الدعم السريع» على مدينة بابنوسة، وبلدة هجليج النفطية، بولاية غرب كردفان، وانسحاب قوات الجيش التي كانت في تلك البلدات إلى دولة جنوب السودان.

من جهة ثانية، أفادت مصادر بأن الجيش السوداني شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على مواقع عدة لتمركزات «قوات الدعم السريع» حول مدينتي كادوقلي والدلنج، في محاولة لإيقاف تقدمها بالولاية.

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال كردفان (أ.ف.ب)

وتجدد القتال بضراوة في مناطق واسعة من ولاية جنوب كردفان خلال الأشهر الماضية بعد انضمام «الحركة الشعبية» إلى «قوات الدعم السريع»، وفصائل عسكرية أخرى، ضمن «تحالف السودان التأسيسي (تأسيس)».

بدورها، قالت «الحركة الشعبية»، في بيان الثلاثاء، إنها سيطرت على حامية عسكرية تابعة للجيش السوداني في منطقة تقاطع البلف، على طريق الدلنج - كادوقلي. وأضافت أن قواتها تواصل التقدم الميداني في إطار عمليات تهدف للوصول إلى العاصمة كادوقلي.

والأسبوع الماضي سيطرت «قوات تأسيس» على بلدة برنو، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً من مدينة كادوقلي، وبدأت تتوغل في المناطق الجبلية المحيطة بها.

وكانت منصات «الدعم السريع» قد تحدثت في الأيام الماضية عن تحشيد كبير لقواتها في مناطق بالقرب من كادوقلي بهدف تكثيف الضغط على الجيش والقوات المتحالِفة معه، وتعزيز مواقعها في مناطق استراتيجية بهدف تمهيد الطريق لمهاجمة المدينة.

وفي وقت سابق سيطرت «الحركة الشعبية» على منطقتي الكرقل والدشول، الواقعتين على الطريق الرئيسية المؤدية إلى الدلنج؛ ثانية كبرى مدن الولاية، واتهمت الجيش السوداني والقوات المتحالفة بـ«عدم السماح للمدنيين بالمغادرة واستخدامهم دروعاً بشرية».

ومنذ أشهر تفرض «قوات تأسيس» طوقاً محكماً على كل المناطق حول مدن جنوب كردفان، وتقطع طرق وخطوط الإمداد لقوات الجيش السوداني المحاصَرة داخل كادوقلي.