«حماس» تواجه معارضة داخلية وغموضاً يحيط بالدعم الإيراني

محللون: ضعف الحركة يذكي تحديات عشائرية

دخان يتصاعد من مدرسة أسامة بن زيد في منطقة الصفطاوي غرب جباليا التي تأوي نازحين بعدما تعرضت لقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من مدرسة أسامة بن زيد في منطقة الصفطاوي غرب جباليا التي تأوي نازحين بعدما تعرضت لقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

«حماس» تواجه معارضة داخلية وغموضاً يحيط بالدعم الإيراني

دخان يتصاعد من مدرسة أسامة بن زيد في منطقة الصفطاوي غرب جباليا التي تأوي نازحين بعدما تعرضت لقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من مدرسة أسامة بن زيد في منطقة الصفطاوي غرب جباليا التي تأوي نازحين بعدما تعرضت لقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

تكافح حركة «حماس» من أجل الصمود في قطاع غزة في مواجهة عشائر محلية معارضة لها، والضغط العسكري الإسرائيلي الذي لا هوادة فيه، وذلك بعد أن فقدت قادة وجانباً كبيراً من شبكة أنفاقها، وتعاني من غموض بشأن دعم حليفتها إيران.

وقالت ثلاثة مصادر مقربة من «حماس» إن مقاتلي الحركة يعملون على نحو مستقل بموجب أوامر بالصمود لأطول فترة ممكنة، لكنها تجد صعوبة في الحفاظ على سيطرتها على قطاع غزة في ظل دعم إسرائيل العلني لعشائر معارضة لها. وقال أحد المصادر إن «حماس» بحاجة ماسة إلى وقف القتال تحت وطأة الأزمة الإنسانية في غزة التي تزيد الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار.

وأضاف المصدر أن وقف إطلاق النار لن يوفر فقط متنفساً لسكان غزة المنهكين الذين يتزايد انتقادهم لـ«حماس»، وإنما سيسمح أيضاً للحركة بسحق العناصر المارقة، ومنها أفراد بعض العشائر واللصوص الذين ينهبون المساعدات.

وأفاد مصدران من «حماس» وآخران مطلعان على الوضع بأن الحركة أرسلت بعضاً من كبار مقاتليها للقضاء على أحد المتمردين، وهو ياسر أبو شباب، سعياً لمواجهة التهديد المباشر. لكنه حتى الآن لا يزال بعيداً عن قبضتها في منطقة رفح التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية.

تحدثت وكالة «رويترز» إلى 16 مصدراً من بينهم أشخاص مقربون من «حماس» ومصادر أمنية إسرائيلية ودبلوماسيون رسموا صورة لحركة أصابها الضعف الشديد وتحتفظ ببعض النفوذ والقدرة على تنفيذ العمليات العسكرية في غزة، رغم الانتكاسات التي تعرضت لها، إلا أنها تواجه تحديات شديدة.

مسلحون من عشائر فلسطينية يعتلون إحدى شاحنات المساعدات لحمايتها في بيت لاهيا (رويترز)

ولا تزال «حماس» قادرة على توجيه ضربات، فقد قتلت سبعة جنود إسرائيليين في هجوم بجنوب غزة، الثلاثاء. لكن ثلاثة دبلوماسيين في الشرق الأوسط قالوا إن تقييم أجهزة المخابرات أظهر أنها فقدت القيادة والسيطرة المركزية وتكتفي بهجمات محدودة ومباغتة.

وقدر مسؤول عسكري إسرائيلي أن إسرائيل قتلت 20 ألف مقاتل أو أكثر من «حماس»، ودمرت مئات الأميال من الأنفاق تحت القطاع الساحلي أو جعلتها غير صالحة للاستخدام. وتحول جزء كبير من غزة إلى ركام خلال الصراع الدائر منذ نحو 20 شهراً.

وقال مصدر أمني إسرائيلي إن متوسط أعمار مقاتلي «حماس» «ينخفض يوماً بعد يوم». وتقول مصادر أمنية إسرائيلية إن «حماس» تجند مئات الآلاف من الشبان الفقراء والعاطلين عن العمل والمشردين. ولا تكشف عدد القتلى في صفوف مقاتليها.

وقال عصام (57 عاماً)، وهو عامل بناء، في مدينة غزة: «هم لا يظهرون لأن الطائرات تقصفهم باستمرار لكن موجودين هنا وهناك، ينظمون طوابير الناس أمام مخابز أو يقومون بحماية شاحنات المساعدات أو معاقبة اللصوص»، مضيفاً: «هم وضعهم مش مثل قبل الحرب لكنهم موجودون».

ورداً على طلب للتعليق، قال سامي أبو زهري، القيادي في «حماس» إن الحركة تعمل من أجل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب مع إسرائيل، لكن «الاستسلام ليس خياراً».

وأضاف أن «حماس» لا تزال ملتزمة بالمفاوضات، وأنها مستعدة لإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، لكنها تريد وقف سفك الدماء وانسحاب إسرائيل.

«الأمر لا يبدو جيداً»

لم تعد «حماس» الآن إلا شبحاً للحركة التي شنت هجوماً على إسرائيل في عام 2023، تقول الإحصاءات الإسرائيلية إنه أدى إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة.

وتقول سلطات الصحة في غزة إن الهجوم الذي شنته إسرائيل رداً على ذلك أودى بحياة أكثر من 56 ألف شخص.

ولم تتعرض «حماس» منذ تأسيسها لأضرار مثل تلك التي ألحقتها إسرائيل بها؛ إذ قُتل معظم كبار قادتها العسكريين في غزة.

وتأسست «حماس» في عام 1987، ورسخت وضعها تدريجياً منافساً رئيسياً لحركة «فتح» التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى أن انتزعت منها أخيراً السيطرة على غزة في 2007.

ومع صمود الهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة في الحرب بين إيران وإسرائيل، عاد الاهتمام ينصب مرة أخرى على إمكان التوصل إلى اتفاق في غزة قد ينهي الصراع ويطلق سراح الرهائن المتبقين.

وقال مصدر مقرب من «حماس»، لوكالة «رويترز»، إن الحركة سترحب بهدنة ولو لشهرين لمواجهة العشائر المحلية التي تكتسب نفوذاً.

لكنه قال إن شروط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب، ومنها مغادرة قادة «حماس» غزة، ستعني الهزيمة الكاملة، وإن «حماس» لن تستسلم أبداً. وقال المصدر: «الوضع لا يبدو جيداً، ولكننا محكومون بالأمل والإيمان».

وأعرب يزيد صايغ، وهو زميل بارز في مركز «كارنيغي الشرق الأوسط» في بيروت، عن اعتقاده بأن «حماس» تحاول ببساطة الاحتفاظ بوجودها. وقال إن ذلك ليس مجرد تحد مادي للصمود عسكرياً، وإنما سياسي قبل كل شيء.

ورداً على أسئلة من وكالة «رويترز»، قال: «سيواجهون خطر الإبادة على الأرض في غزة إذا لم تتوقف الحرب، لكنهم يواجهون أيضاً محوهم من أي صيغة حكم تنهي الحرب في غزة»، حال التوصل إلى صيغة من هذا القبيل.

وظهرت عشائر فلسطينية في إطار استراتيجية إسرائيل لمواجهة «حماس». وقال نتنياهو علناً إن إسرائيل تسلح عشائر معارضة للحركة، لكنه لم يحدد أياً منها.

ويأتي أحد أبرز هذه التحديات من أبو شباب، وهي عشيرة فلسطينية بدوية تتمركز في منطقة رفح الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

وقالت ثلاثة مصادر من «حماس»، لوكالة «رويترز»، إن الحركة تريد القبض على أبو شباب حياً أو ميتاً، وتتهمه بالتعاون مع إسرائيل والتخطيط لشن هجمات على الحركة.

ويسيطر أبو شباب على شرق رفح، ومن المعتقد بأن العشيرة تتمتع بحرية الحركة في منطقة رفح الأوسع. وتظهر صور على صفحة العشيرة على موقع «فيسبوك» مسلحين تابعين لها ينظمون دخول شاحنات مساعدات من معبر كرم أبو سالم.

وتشير بيانات للعشيرة إلى أنها تحاول بناء إدارة مستقلة في المنطقة، على الرغم من نفي محاولة أن تصبح سلطة حاكمة. ودعت العشيرة سكان رفح الموجودين الآن في مناطق أخرى من غزة إلى العودة إلى ديارهم، ووعدتهم بتوفير الطعام والمأوى.

فلسطينيون يتزاحمون للحصول على طعام من نقطة توزيع في مدينة غزة (أ.ف.ب)

ورداً على أسئلة لوكالة «رويترز»، نفت عشيرة أبو شباب حصولها على دعم من إسرائيل أو أي اتصالات لها مع الجيش الإسرائيلي، ووصفت نفسها بأنها قوة شعبية تحمي المساعدات الإنسانية من النهب من خلال مرافقة شاحنات المساعدات. كما اتهمت «حماس» بممارسة العنف وتكميم أفواه المعارضة.

وقال مسؤول أمني في «حماس» إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية «ستضرب بيد من حديد لاجتثاث العميل أبو شباب ومن يعاونه»، مؤكداً أنها لن تظهر رحمة أو تردداً، واتهمه بأنه جزء من «محاولة لخلق فوضى وفلتان».

ومع ذلك، ليست كل عشائر غزة على خلاف مع «حماس».

وقال تحالف عشائري، أمس الخميس، إن رجاله اضطلعوا بمهمة حماية شاحنات المساعدات من اللصوص في شمال غزة. وقالت مصادر مقربة من «حماس» إن الحركة وافقت على قيام التحالف بهذه الجهود.

وذكرت إسرائيل أن مقاتلي «حماس» استولوا بالفعل على الشاحنات، وهو ما نفته كل من العشائر و«حماس».

غموض الموقف الإيراني

يقول المحلل الفلسطيني أكرم عطا الله إن صعود نجم أبو شباب جاء نتيجة لضعف «حماس»، مع أنه توقع فشله في نهاية المطاف؛ لأن الفلسطينيين يرفضون على نطاق واسع أي تلميح للتعاون مع إسرائيل.

وبغض النظر عن صغر حجم مجموعة أبو شباب، فإن وجود عدو لـ«حماس» من الثقافة نفسها أمر وصفه بأنه خطير. وقال: «سيظل الأمر يمثل تهديداً لحين التعامل معه».

وفاقم الهجوم الإسرائيلي على إيران من غموض الصورة أمام «حماس»، فقد كان لدعم طهران للحركة دور كبير في تطوير جناحها المسلح ليصبح قوة قادرة على إطلاق الصواريخ إلى عمق إسرائيل.

وفي خضم إعلان كل من إيران وإسرائيل النصر في الحرب، أشار نتنياهو إلى أن الحملة الإسرائيلية على طهران تزيد من تعزيز موقفه في غزة. وقال إن التطورات «ستساعدنا في تسريع نصرنا وإطلاق سراح جميع رهائننا».

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، إن ملف غزة يشهد إحراز تقدم كبير، وأضاف أن من شأن الهجوم على إيران أن يساعد في إطلاق سراح الرهائن.

وقال مسؤول فلسطيني مقرب من «حماس» إن الحركة تدرس احتمالات انحسار الدعم الإيراني، وتوقع أن «يكون التأثير على شكل التمويل والخبرة التي اعتادت إيران تقديمها للمقاومة ولـ(حماس)».

وكان من بين المستهدفين في الحملة الإسرائيلية على إيران ضابط «الحرس الثوري» الذي يشرف على التنسيق مع «حماس». وقالت إسرائيل إن سعيد إيزدي، الذي أعلنت مقتله، السبت، كان القوة المحركة وحلقة الوصل بين إيران و«حماس».

وقدمت «حماس» تعازيها لإيران، أمس الخميس، ووصفت إيزدي بأنه كان «من أعمدة دعم حركات المقاومة الفلسطينية».

وقال مصدر من فصيل مدعوم من إيران في المنطقة إن إيزدي ساعد في تطوير قدرات «حماس»، بما في ذلك كيفية تنفيذها هجمات معقدة على غرار إطلاق الصواريخ وعمليات التسلل وإطلاق الطائرات المسيرة.

وعندما سئل أبو زهري عن كيفية تأثير الحملة الإسرائيلية على إيران على دعم طهران لـ«حماس»، قال إن إيران دولة كبيرة وقوية ولن تهزم.


مقالات ذات صلة

تقرير: إيران تعمل على حشد فلول «الفرقة الرابعة» لتأجيج الوضع في سوريا

المشرق العربي عناصر من «فاطميون» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني في دير الزور بشرق سوريا (أرشيفية)

تقرير: إيران تعمل على حشد فلول «الفرقة الرابعة» لتأجيج الوضع في سوريا

قال موقع «تلفزيون سوريا» إن إيران تعمل منذ مطلع شهر ديسمبر الجاري، على حشد فلول الفرقة الرابعة المرتبطة بإيران لتأجيج الوضع في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية بزشكيان يدافع عن مشروع الموازنة الجديدة أمام البرلمان الأحد (الرئاسة الإيرانية)

الرئيس الإيراني يدافع عن موازنة «منضبطة» وسط العقوبات

دافع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأحد، عن مشروع موازنة العام الجديد، معتبراً إياه أداة لضبط الاقتصاد في ظل العقوبات وتراجع الإيرادات.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية صورة نشرتها وكالة «مهر» الحكومية من شعار مجموعة «حنظلة»

اختراق إيراني مزعوم لهاتف رئيس طاقم نتنياهو يربك تل أبيب

أثار إعلان مجموعة القراصنة الإيرانية، المعروفة باسم «حنظلة»، اختراق الهاتف الجوال لرئيس طاقم مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، حالة من القلق في محيط نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (تل ابيب)
شؤون إقليمية صورة من الخلف لقادة في «الحرس الثوري» خلال لقاء مع المرشد الإيراني (موقع خامنئي)

تقرير: كوري شمالي يغسل أموالاً لـ«الحرس الثوري»

كشف تقرير صحافي كوري جنوبي عن رصد معاملات مالية رقمية بين إيران وكوريا الشمالية، في مؤشر على تعاون غير معلن بين دولتين تخضعان لعقوبات دولية مشددة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية صورة نشرتها الشرطة الإسرائيلية لاعتقال رجل بشبهة التجسُّس لصالح إيران في 9 ديسمبر 2024 (أرشيفية)

صحيفة: إيران جندت عشرات العملاء داخل إسرائيل

قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية إنه في غضون عام واحد ألقت إسرائيل القبض على العشرات من مواطنيها الذين جندتهم إيران بهدف التجسس لصالحها.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)

بدأت الحكومة الإسرائيلية سحب تصاريح منظمات إنسانية دولية تعمل في مناطق قطاع غزة والضفة الغربية، بذريعة عدم استكمال إجراءات التسجيل المطلوبة، لممارسة أي أنشطة لها داخل تلك المناطق.

وقالت الحكومة الإسرائيلية إنها ستسحب تراخيص 37 منظمة إنسانية منها «أطباء بلا حدود» و«أكشن إيد»، بدعوى «صلتها بالإرهاب»، زاعمة أن تلك المنظمات الإنسانية توظف فلسطينيين ضالعين فيما تصفها بـ«الأنشطة الإرهابية».

وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الثلاثاء، بأن السلطات الإسرائيلية أرسلت بالفعل إخطارات إلى أكثر من 12 منظمة إنسانية دولية، بأن التصاريح الممنوحة لها للعمل داخل قطاع غزة والضفة الغربية، سيتم إلغاؤها بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، وأنه يجب إنهاء أنشطتها بالكامل في الأول من مارس (آذار) المقبل.

جنود إسرائيليون أمام مقر رئاسة «الأونروا» في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وادعت السلطات الإسرائيلية أن قسماً من تلك المنظمات رفض تقديم قوائم كاملة بأسماء الموظفين الفلسطينيين العاملين فيها لإجراء فحص أمني بشأنهم، مدعيةً أن فحصاً أمنياً لموظفين يعملون في منظمة «أطباء بلا حدود» أظهر تورط بعضهم في «نشاطات إرهابية»، حيث تم في يونيو (حزيران) 2024، تصفية ناشط في «الجهاد الإسلامي» كان يعمل لدى المنظمة، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، تم الكشف عن موظف آخر يعمل قناصاً لصالح حركة «حماس»، وفقاً لذات الصحيفة.

ويقود هذه الخطوة فريق وزاري مشترك برئاسة وزراء شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، الذي أرسل الخطابات الرسمية لتلك المنظمات، ومن بينها منظمة «أطباء بلا حدود».

وكانت الحكومة الإسرائيلية أمهلت المنظمات لاستيفاء المتطلبات حتى 9 سبتمبر الماضي، وتم تمديد القرار حتى 31 ديسمبر (كانون الثاني) الحالي.

وتزعم مصادر سياسية وأمنية إسرائيلية أنه «لا توجد نية لعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين في قطاع غزة». ووفقاً للمصادر التي نقلت عنها وسائل إعلام عبرية، فإن «المنظمات التي سُحبت تراخيصها لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي المساعدات، وأن الغالبية العظمى منها لا تزال تقدم عبر جهات أخرى وبوسائل خاضعة للرقابة».

موظفو منظمة «أطباء بلا حدود» في أثناء تنظيمهم مظاهرة يونيو الماضي في جنيف ضد عسكرة إمدادات المساعدات الإنسانية في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقال مكتب تنسيق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية إنه يتوقع أن تقود تلك المنظمات حملات «تضليلية تهدف لتشويه سمعة إسرائيل»، تدعي من خلالها أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، زاعماً أنه «لن يُلحق أي ضرر بنطاق المساعدات الإنسانية بعد تطبيق القانون».

وقال وزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، عميحاي شيكلي: «أنا فخور بأن الحكومة قد فوضت وزارتي بقيادة الفريق المكلف بوضع حد للأنشطة المعادية لدولة إسرائيل تحت ستار المساعدات الإنسانية. الرسالة واضحة: المساعدات الإنسانية نعم، لكن استغلالها لأغراض إرهابية لا».

وفي الثاني والعشرين من الشهر الحالي، حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، وهي إحدى أكبر المنظمات الطبية العاملة في غزة، من أن القواعد الإسرائيلية الجديدة لتسجيل المنظمات الدولية غير الحكومية قد تترك مئات آلاف الأشخاص في غزة من دون القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية المنقِذة للحياة بحلول عام 2026.

وقالت: «هذه المتطلبات الجديدة تهدّد بسحب تسجيل هذه المنظمات، ومن شأن عدم التسجيل هذا أن يحول دون تمكن منظمات، من بينها (أطباء بلا حدود)، من تقديم الخدمات الأساسية للناس في غزة والضفة الغربية».

ودعت المنظمة السلطات الإسرائيلية إلى ضمان تمكين المنظمات الدولية غير الحكومية من الحفاظ على استجابتها المستقلة وغير المتحيّزة في غزة والاستمرار فيها. فالاستجابة الإنسانية المقيّدة أساساً لا تحتمل مزيداً من التفكيك. كما قالت.


سوريا: توقيف 21 شخصاً على صلة بالأسد في اللاذقية بعد أعمال عنف

عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)
عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)
TT

سوريا: توقيف 21 شخصاً على صلة بالأسد في اللاذقية بعد أعمال عنف

عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)
عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)

أوقفت السلطات السورية 21 شخصاً متهمين بالارتباط بحكم بشار الأسد في غرب البلاد، وفقاً للتلفزيون الرسمي، بعيد فرض حظر تجوّل في مدينة اللاذقية، غداة أعمال عنف شهدتها هذه المنطقة ذات الغالبية العلوية.

وشهدت أحياء ذات غالبية علوية أعمال عنف، الاثنين، غداة مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل جراء إطلاق نار أثناء مظاهرات شارك فيها الآلاف في محافظة اللاذقية دعت إليها مرجعية علوية؛ احتجاجاً على انفجار استهدف مسجداً في حي للطائفة بمدينة حمص، وقُتل اثنان منهم برصاص قوات الأمن.

وأورد التلفزيون السوري الرسمي أن «قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية» ألقت القبض «على 21 شخصاً من فلول النظام البائد متورطين بأعمال إجرامية، وتحريض طائفي، واستهداف قوات الأمن الداخلي».

وجاء الإعلان عن التوقيفات بعدما أفاد التلفزيون الرسمي بدخول حظر تجوّل أعلنته السلطات بدءاً من الساعة الخامسة عصراً وحتى السادسة صباح الأربعاء، حيّز التنفيذ في مدينة اللاذقية، وسط انتشار أمني كثيف.

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الداخلية في بيان «فرض حظر تجوال» في المدينة «لا يشمل الحالات الطارئة، ولا الكوادر الطبية، ولا فرق الإسعاف والإطفاء»، بينما دعت السكان إلى «الالتزام التام بمضمون القرار والتعاون مع الوحدات المختصة».

وأفاد سكان في أحياء ذات غالبية علوية في مدينة اللاذقية بهجمات وأعمال نهب تخللها تخريب سيارات وممتلكات ليل الاثنين، قبل أن يعود الهدوء وتنتشر القوات الأمنية، حسب الإعلام الرسمي.

وأعرب من جهته المتحدّث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا، الثلاثاء، عن رفض السلطات «المطلق لأي أعمال تخريبية أو اعتداءات تمس كرامة المواطنين أو ممتلكاتهم»، مضيفاً أن السلطات سوف تتخذ «الإجراءات القانونية اللازمة» بحقّ مرتكبيها.

وشدّد على أن وزارة الداخلية «لن تسمح بأي تصرفات عبثية أو خارجة عن القانون، مهما كانت المبررات»، مؤكداً «التزامها الكامل بحماية جميع المواطنين السوريين دون استثناء».

ويعدّ الهجوم على المسجد الذي أودى بحياة 8 أشخاص وتبنّته جماعة باسم «سرايا أنصار السنة»، الأحدث ضد الأقلية الدينية التي تعرضت لحوادث عنف عدة منذ سقوط حكم الرئيس السابق بشار الأسد، المنتمي لهذه الطائفة، في ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وشهدت سوريا موجات دموية من العنف الطائفي، أبرزها في منطقة الساحل بحق مدنيين علويين في مارس (آذار)، بعدما اتهمت السلطات الجديدة في دمشق أنصاراً مسلحين للأسد بإشعال العنف من خلال مهاجمة قوات الأمن.


استياء رسمي لبناني من «حماس» لرفضها تسليم سلاحها

أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
TT

استياء رسمي لبناني من «حماس» لرفضها تسليم سلاحها

أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

في وقت يستكمل فيه الجيش اللبناني عملية تسلُّم السلاح من المخيمات الفلسطينية في مختلف المناطق اللبنانية، تطرح الأسئلة حول مصير سلاح حركة «حماس» في لبنان، وهي التي لا تزال ترفض تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية والاتفاق اللبناني - الفلسطيني في هذا الإطار.

وبلغ الاستياء الرسمي اللبناني من حركة «حماس» والفصائل الحليفة لها مستويات غير مسبوقة نتيجة رفضها تسليم سلاحها المتوسط والثقيل الموجود جنوب نهر الليطاني، وبالتحديد في مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، علماً بأن المهلة التي حددها الجيش اللبناني لإنجاز المرحلة الأولى من قرار الحكومة «حصرية السلاح»، والتي تلحظ المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود الإسرائيلية، تنتهي نهاية عام 2025.

ويفترض أن تعلن الحكومة في جلسة تعقدها مطلع عام 2026 إنجاز المرحلة الأولى وانتقالها لتطبيق المرحلة الثانية بمسعى منها لتجاوز التهديدات الإسرائيلية بشن جولة جديدة من الحرب «لمواجهة محاولات (حزب الله) إعادة بناء قدراته العسكرية».

وتشدُّد «حماس» وفصائل أخرى، يطرح علامات استفهام، لا سيما أن «حزب الله» رضخ وسلّم سلاحه جنوب الليطاني، ما يهدد سلامة واستقرار مخيم الرشيدية إذا قررت إسرائيل استهداف السلاح الموجود داخله، والذي يُعتقد أن بعضه متوسط وثقيل.

وساطات خارجية لمعالجة الملف

وكشف مصدر رسمي لـ«الشرق الأوسط» عن «طلب لبنان وساطات خارجية لمعالجة ملف سلاح (حماس)، وعن ممارسة هذه الدول ضغوطاً على الحركة لم تؤدِ غرضها حتى الساعة». واعتبرت مصادر مواكبة لهذا الملف أن تسليم «فتح» دفعة جديدة من السلاح من مخيم عين الحلوة، الثلاثاء، «هو بمثابة محاولة جديدة للضغط على (حماس) لتسليم سلاحها».

عنصر في الجيش اللبناني على مدخل مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت (إ.ب.أ)

ويعبّر رئيس لجنة الحوار اللّبناني - الفلسطيني السّفير رامز دمشقية بوضوح عن الاستياء الرسمي اللبناني من موقف حركة «حماس» والفصائل الحليفة لها، وطريقة تعاطيها مع هذا الملف.

وقال دمشقية، لـ«الشرق الأوسط»: «طالما هذه الفصائل تعلن أنها تحت سقف الدولة اللبنانية، فالمفروض بها أن تلتزم بقرارات الدولة، لا أن تلجأ للمراوغة من خلال ربط التسليم بملف الحقوق»، مضيفاً: «نعلم أن هناك حقوقاً ومطالب، ونحن نعمل على هذا الملف بجدية... لكننا نرفض أي مقايضة بين ملف وآخر».

ويرى دمشقية أنه «لا نفع أو جدوى من اجتماعات موسعة مع الفصائل»، معتبراً أن «المطلوب من (حماس) والفصائل الحليفة التواصل مع الجيش اللبناني لتحديد مواعيد لتسليم السلاح، تماماً كما فعلت فصائل منظمة التحرير».

وترفض حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وفصائل أخرى حليفة لها مقررات القمة اللبنانية - الفلسطينية، وترى أنه يفترض بالدولة اللبنانية حل الملف الفلسطيني في لبنان سلة واحدة؛ أي عدم إعطاء الأولوية للسلاح على الحقوق والمطالب الفلسطينية.

وتقول مصادر «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إنها «لا تزال تنتظر دعوة السفير دمشقية كل الفصائل للحوار بشأن ملف السلاح والملفات العالقة المرتبطة بالحقوق الفلسطينية والتفاهم على ورقة تشكل أرضية للحل»، لافتة إلى أنه «وفي اللقاء الأخير مع السفير دمشقية وعد بالدعوة لحوار مماثل، لكن ذلك لم يحصل ولم يتم توجيه أي دعوة».

جنود قرب مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان خلال عملية تسليم مجموعات فلسطينية سلاحها للجيش اللبناني 13 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

ويبدو محسوماً ألا خطة سياسية - عسكرية لبنانية لجمع السلاح الفلسطيني بالقوة؛ إذ تقول مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن «مهام الجيش في التعامل راهناً مع ما تبقى من سلاح داخل المخيمات الفلسطينية، تقتصر على منع دخول أو خروج السلاح منها، بحيث تم تشديد الإجراءات الأمنية المتخذة على المداخل والمخارج الأساسية والفرعية للمخيمات المنتشرة في كل المناطق اللبنانية».

تسليم الدفعة الخامسة من سلاح «فتح»

وأعلن الجيش اللبناني، الثلاثاء، أنه «واستكمالاً لعملية تسلُّم السلاح من المخيمات الفلسطينية في مختلف المناطق اللبنانية، تسلَّمَ الجيش كمية من السلاح الفلسطيني من مخيم عين الحلوة (في جنوب لبنان)، بالتنسيق مع الجهات الفلسطينية المعنية»، مشيراً إلى أنها شملت أنواعاً مختلفة من الأسلحة والذخائر الحربية، وقد تسلمتها الوحدات العسكرية المختصة للكشف عليها وإجراء اللازم بشأنها».

من جهته، أعلنت دائرة الإعلام في الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان (الجناح العسكري لحركة «فتح»)، في بيان، أن «قواتها استكملت، الثلاثاء، تسليم الدفعة الخامسة من السلاح الثقيل التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك في مخيم عين الحلوة - صيدا».

وأكد الأسدي أن «هذه الخطوة تأتي تنفيذاً للبيان الرئاسي المشترك الصادر عن الرئيسين الفلسطيني محمود عباس واللبناني جوزيف عون في شهر مايو (أيار) الماضي، وما نتج عنه من عمل اللجنة اللبنانية - الفلسطينية المشتركة لمتابعة أوضاع المخيمات وتحسين الظروف المعيشية فيها».

12 مخيماً فلسطينياً في لبنان

ويبلغ العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى «الأونروا» في لبنان 489.292 شخصاً. ويقيم أكثر من نصفهم في 12 مخيماً منظماً ومعترفاً بها من قبل «الأونروا» هي: الرشيدية، برج الشمالي، البص، عين الحلوة، المية ومية، برج البراجنة، شاتيلا، مار إلياس، ضبية، ويفل (الجليل)، البداوي، ونهر البارد.

وسُجل في الفترة الماضية، وبالتوازي مع انطلاق عملية تسليم السلاح الفلسطيني الموجود داخل المخيمات، حراك رسمي لافت باتجاه تحسين ظروف عيش اللاجئين الفلسطينيين الذين يرزح نحو 80 في المائة منهم تحت خط الفقر، ويعيشون في أوضاع صعبة جداً داخل مخيماتهم.

وقام السفير دمشقية رئيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني مع مديرة شؤون «الأونروا» في لبنان، دوروثي كلاوس، بمساعٍ حثيثة مع المسؤولين اللبنانيين المعنيين بمعالجة هذا الملف، من خلال العمل على تخفيف بعض القيود المرتبطة بترميم وإصلاح المنازل، وإصدار بطاقات هوية بيومترية للفلسطينيين.