مع إعلان «قوات الدعم السريع» السودانية سيطرتها على «المثلث الحدودي» بين مصر والسودان وليبيا، وجد آلاف السودانيين الفارين إلى ليبيا، وتحديداً في بلدية الكفرة، أنفسهم عالقين بين صعوبة المعيشة نتيجة ازدياد أعدادهم وقلة إمكانياتهم، وبين انسداد طريق العودة إلى بلادهم.
قدّر العميد المكلف لبلدية الكفرة، مسعود عبد الله سليمان، عدد السودانيين الذين عادوا إلى وطنهم عبر رحلتين، نظمهما جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، التابع لحكومة أسامة حماد، بالتنسيق مع «الجيش الوطني»، خلال شهري مايو (أيار) الماضي ويونيو (حزيران) الحالي، بنحو ألف نازح. وتحدث سليمان لـ«الشرق الأوسط» عن «وجود أعداد أخرى من الفارين الموجودين بالكفرة، كانت تستعد للانضمام إلى رحلات العودة الطوعية»، التي توقفت بسبب التطورات الأخيرة، وهو ما كان سيخفف الأعباء عن بلديته، التي استقبلت الآلاف منهم منذ بدء الصراع في السودان.
وبحسب ما أعلنته المنظمة الدولية للهجرة في مارس (آذار) الماضي، عاد نحو 400 ألف سوداني إلى بلدهم خلال الشهرين ونصف الشهر الماضيين، وتحديداً إلى المناطق، التي استعادها الجيش السوداني في وسط البلاد والعاصمة الخرطوم.
تراجع تدفقات السودانيين
أشار سليمان إلى أن تدفقات السودانيين الفارين إلى ليبيا شهدت تراجعاً كبيراً في الفترات الأخيرة، لا سيما من منطقة «المثلث الحدودي»، وقال بهذا الخصوص: «للأسف توافدُ هؤلاء السودانيين منذ بدء الصراع في السودان كان يتم عبر مسارات التهريب في الصحراء، وبالتالي يصعب رصد أعدادهم وتوثيقها بدقة، لكن بشكل عام، فإن مسارات منطقة المثلث الحدودي تكاد تكون متوقفة حالياً».

وأوضح سليمان أن المهربين «تمكنوا للأسف من تدشين مسارات بديلة لإيصال الفارين إلى الحدود الليبية، لكن بنسبة أقل... والآن لا يتجاوز عدد من يصل إلى البلدية نحو 300 شخص يومياً، مقارنة بـ700 في فترات سابقة».
وقدّر سليمان عدد النازحين الموجودين في بلديته ما بين 160 و170 ألف نازح، أي ما يعادل نحو ثلاثة أضعاف عدد السكان الليبيين في المدينة، الذين يُقدّر عدد سكانها بنحو 60 ألف نسمة. وقال إن هذا الوضع «بات يُثقل كاهل البلدية التي تعاني من محدودية الموارد، وقلة المساعدات المقدمة من المنظمات الدولية المعنية منذ بداية العام».
من جانبه، أشار رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة بالحكومة المكلّفة من البرلمان، الدكتور إسماعيل العيضة، إلى إصدار أكثر من 190 ألف شهادة صحية للنازحين السودانيين حتى الآن. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن القطاع الصحي في الكفرة «يعاني من نقص في عدد الأطباء والمستشفيات، في ظل تكرار حالات الإصابة الناجمة عن انقلاب الشاحنات التي تقل النازحين».
تبخر أمل العودة
يشير الناشط الحقوقي الليبي، طارق لملوم، إلى أن الفارين السودانيين «باتوا عالقين بين أوضاع معيشية صعبة داخل المدن الليبية، وبين انسداد أمل العودة إلى وطنهم بعد التطورات الأمنية الأخيرة».

وتوقع لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تكون المسارات البديلة، التي دشنها المهربون لإيصال السودانيين الفارين إلى الحدود «أكثر خطورة، وقد تؤدي إلى حوادث مميتة، مثل تعطّل الشاحنات بسبب وعورة الصحراء، أو تقطّع السبل بهم، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ونفاد المياه والوقود، وهي حوادث كانت تقع على طريق (المثلث)». مشيراً أيضاً إلى «إمكانية اختطاف النازحين من قبل تجار البشر في تلك المسارات البديلة، في ظل عجز الحكومتين المتصارعتين على السلطة عن مكافحة هذه الجريمة بشكل جدي».
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى حكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، والثانية مكلّفة من البرلمان، وتدير مناطق الشرق وبعض مدن الجنوب بقيادة أسامة حماد.
ويرى لملوم أن «سيطرة (الدعم السريع) على منطقة (المثلث الحدودي) ستزيد من معاناة الفارين الراغبين في العودة إلى وطنهم»، مشيراً إلى «ما يعانيه هؤلاء في عدد من المدن الليبية، شرقاً وغرباً».
من جهتها، توقّعت خبيرة الشؤون الأفريقية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتورة أميرة محمد عبد الحليم، أن النزوح في الوقت الراهن «يتم من مناطق خاضعة لسيطرة (الدعم السريع)، وبالتالي إذا ألقت هذه الأخيرة القبض على بعض الفارين، فقد تتعامل معهم كأنهم خصوم لها»، لافتة إلى أن هذا الأمر قد «يحوّل رحلة الهروب من آثار الحرب إلى مغامرة قد تنتهي بالموت أيضاً».

وتذهب تقديرات الأمم المتحدة، في أحدث تقاريرها، إلى أن عدد الفارين من السودان إلى ليبيا بلغ قرابة 313 ألف نازح منذ اندلاع الصراع في أبريل (نيسان) 2023.
ورهنت الدكتورة أميرة محمد عبد الحليم استئناف عودة أعداد كبيرة من السودانيين الفارين بدول الجوار عموماً بـ«مجريات الصراع السوداني»، مشيرة إلى «رغبة كثير منهم في الاستمرار بالعيش بالدول التي نزحوا إليها، مثل مصر أو ليبيا، لبعض الوقت، وعدم العودة إلى مدنهم، نظراً لغياب الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والاتصالات».



