زعيم «طالبان» يدين «حظر السفر» الذي فرضه ترمب على الأفغان... ويصف أميركا بـ«الظالمة»

«منع الدخول» قد يغلق الباب أمام عائلة من كابل تطمح لحياة أفضل

ملصق لزعيم «طالبان» الملا أخوندزاده بأحد شوارع العاصمة كابل (أ.ف.ب)
ملصق لزعيم «طالبان» الملا أخوندزاده بأحد شوارع العاصمة كابل (أ.ف.ب)
TT

زعيم «طالبان» يدين «حظر السفر» الذي فرضه ترمب على الأفغان... ويصف أميركا بـ«الظالمة»

ملصق لزعيم «طالبان» الملا أخوندزاده بأحد شوارع العاصمة كابل (أ.ف.ب)
ملصق لزعيم «طالبان» الملا أخوندزاده بأحد شوارع العاصمة كابل (أ.ف.ب)

أدان زعيم حركة «طالبان» الأعلى، هبة الله آخوندزاده، السبت، قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، حظر دخول الأفغان بلاده، واصفاً الولايات المتحدة بأنها «ظالمة»، وذلك في وقتٍ يسعى فيه حكام أفغانستان الحاليون إلى تعزيز علاقاتهم بالمجتمع الدولي.

مقاتل من «طالبان» يقف حارساً بإحدى الأسواق استعداداً لعيد الأضحى المبارك في كابل يوم الخميس 5 يونيو 2025 (أ.ب)

وجاءت تصريحات الملا آخوندزاده في أول رد علني من «طالبان» منذ أعلنت إدارة ترمب هذا الأسبوع حظراً على مواطني 12 دولة، من بينها أفغانستان، من دخول الولايات المتحدة، وفق ما نقله موقع «HuffPost» الإخباري الأميركي عن شبكة «News.Az» الأذربيجانية.

وشمل الأمر التنفيذي، الذي أصدره ترمب، في الغالب الأفغان الذين يأملون في الاستقرار بشكل دائم بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى مَن يرغبون في السفر المؤقت لأغراض مثل الدراسة الجامعية.

ومنذ عودة «طالبان» إلى الحكم في كابل عام 2021، فرضت الحركة إجراءات صارمة، ومنعت النساء من ارتياد الأماكن العامة وتعليم الفتيات بعد الصف السادس. وعلى الرغم من إخفاقها حتى الآن في الحصول على اعتراف رسمي بأنها حكومة شرعية، فإن «طالبان» تقيم علاقات دبلوماسية بدول عدة، بما فيها الصين وروسيا.

محمد شرف الدين وزوجته نورية وهي تعرض صورة لابنة أختها في أفغانستان التي لن تتمكن من دخول الولايات المتحدة بسبب حظر السفر الجديد... خلال مقابلة بمنزلهما في إيرمو بولاية ساوث كارولينا يوم السبت 7 يونيو 2025 (أ.ب)

حظر السفر قد يغلق الباب أمام أسرة أفغانية كانت تريد جلب ابنة أخت الزوجة إلى أميركا لحياة أفضل، وفق تقرير من وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية السبت.

من بين الوافدين الأفغان إلى الولايات المتحدة، كانت أسرة محمد شرف الدين وزوجته وطفلهما الصغير، التي تَحتّم عليها السير في بعض الأحيان أكثر من 36 ساعة متواصلة عبر ممرات جبلية خلال فرارهم من أفغانستان، لينتهي بهم المطاف، بعد أقل من عقد، متحدثين عن رحلتهم الشاقة وهم جالسون على أريكة مريحة في منزلهم الأميركي المكون من 3 غرف نوم في ضاحية هادئة.

صبي أفغاني يعمل بسوق للماشية قبل يوم من عيد الأضحى في كابل بأفغانستان يوم الجمعة 6 يونيو 2025 (أ.ب)

ولطالما حلم هو وزوجته بإحضار ابنة أختها إلى الولايات المتحدة لتشاركهم الشعور بالراحة والاستقرار، فربما يمكنها أن تدرس لتصبح طبيبة، وتقرر مصيرها بنفسها، لكن هذا الحلم سيتلاشى، الاثنين، مع دخول قرار حظر دخول مواطني 12 دولة، من بينها أفغانستان، إلى الولايات المتحدة حيز التنفيذ.

وفي هذا السياق، قال محمد شرف الدين: «لقد كان الأمر صادماً بالنسبة إلينا حين سمعنا بالقرار؛ خصوصاً الآن، بالنسبة إلى النساء اللاتي يتضررن أكبر من غيرهن من الحكومة الجديدة». وأضاف: «لم نفكر مطلقاً في أن يُفرض حظر سفر كهذا».

مسؤولون من «طالبان» يتابعون الأمن عبر الكاميرات بأحد مراكز المراقبة قبل عيد الأضحى في كابل بأفغانستان يوم 4 يونيو 2025 (أب)

وكان ترمب قد وقَّع الأمر التنفيذي يوم الأربعاء، وهو مشابه لحظر سابق صدر خلال فترة ولايته الأولى، لكنه يشمل مزيداً من الدول، فبالإضافة إلى أفغانستان، يشمل الحظر: ميانمار، وتشاد، وجمهورية الكونغو، وغينيا الاستوائية، وإريتريا، وهايتي، وإيران، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن.

يقف مقاتلو «طالبان» حراساً أمام السفارة الأميركية السابقة خلال وقفة عيد الأضحى في كابل يوم الجمعة 6 يونيو 2025 (أ.ب)

وقال الرئيس الأميركي إن الزوار الذين يتجاوزون مدة تأشيراتهم، مثل الرجل المتهم في هجوم أصاب العشرات في بولدر بولاية كولورادو مؤخراً، يشكلون خطراً على الولايات المتحدة.

يُذكر أن المُشتبه فيه مصري الجنسية، لكن القاهرة ليست مُدرجة في قرار الحظر.

وأوضح ترمب أن الدول التي شملها الحظر تعاني من ضعف في إجراءات الفحص الأمني لمواطنيها، وغالباً ما ترفض استقبالهم مرة أخرى، كما أن لديها نسبة عالية ممن يبقون في الولايات المتحدة بعد انتهاء مدة التأشيرة.

ومع ذلك، يستثني الحظر بعض الأفغان الحاصلين على «تأشيرات الهجرة الخاصة (SIV)»، وهم غالباً من الذين تعاونوا عن قرب مع الحكومة الأميركية خلال الحرب التي استمرت عقدين في بلادهم.

يقف مقاتلو «طالبان» حراساً بجوار سوق قبيل عيد الأضحى في كابل بأفغانستان يوم الخميس 5 يونيو 2025 (أ.ب)

وكانت أفغانستان من بين كبرى الدول المُصدرة للاجئين الذين أُعيد توطينهم في الولايات المتحدة، حيث استقبلت الأخيرة نحو 14 ألف لاجئ أفغاني خلال 12 شهراً حتى سبتمبر (أيلول) 2024، إلا إن ترمب علّق «برنامج إعادة توطين اللاجئين» في أول يوم له من ولايته الثانية.

وبشأن تفاصيل الطريق التي سلكها شرف الدين مع زوجته وابنه للخروج من أفغانستان؛ فقد ساروا على الأقدام عبر طرق جبلية مظلمة، ثم مروا بباكستان وإيران وصولاً إلى تركيا، حيث عمل هناك لسنوات بأحد المصانع في أنقرة، وكان يتعلم اللغة الإنجليزية عبر الاستماع إلى مقاطع فيديو من «يوتيوب» باستخدام سماعات الأذن، قبل أن يُعاد توطينه في مدينة إيرمو، وهي إحدى ضواحي كولومبيا، بولاية ساوث كارولينا.

ابنه الآن يبلغ 11 عاماً، ولديه هو وزوجته ابنة تبلغ من العمر 3 سنوات وُلدت في الولايات المتحدة، وهو يعمل في مصنع للمجوهرات؛ مما يتيح له تأمين منزل من طابقين بثلاث غرف نوم، وقد أُعدَّ الطعام على طاولتين استعداداً للاحتفال بعيد الأضحى.

مقاتل من «طالبان» يتفقد المصلين قبل صلاة عيد الأضحى عند مدخل «مسجد شاه دو شامشيرا» في كابل بأفغانستان يوم السبت 7 يونيو 2025 (أ.ب)

وقالت زوجته نورية إنها تتعلم الإنجليزية والقيادة، وهما شيئان لم يكن مسموحاً لها بهما في ظل حكم «طالبان». وأضافت: «أنا سعيدة جداً بوجودي هنا الآن، لأن ابني متفوق في دراسته، وابنتي كذلك. أعتقد أنهما عندما يبلغان 18 عاماً، سيعملان، وستتمكن ابنتي من الالتحاق بالجامعة».

وكان هذا هو الحلم ذاته الذي أرادته نورية لابنة أختها؛ إذ عرضت هي وزوجها مقاطع فيديو من هاتفيهما تُظهر الفتاة وهي ترسم وتلوّن. وبعد عودة «طالبان» إلى الحكم عام 2021، لم تعد قادرة على مواصلة تعليمها، فبدأ الزوجان التخطيط لإحضارها إلى الولايات المتحدة لتتمكن من متابعة دراستها.

تأثير قرار الحظر على الجالية الأفغانية

ولا تعرف نورية ما إذا كانت ابنة شقيقتها قد سمعت بهذه الأخبار؛ إذ لم تمتلك الشجاعة لإخبارها. وقالت: «لستُ مستعدة للاتصال بها. هذه ليست أخباراً جيدة، بل مؤلمة للغاية؛ لأنها قلقة وتريد المجيء إلى هنا».

وبينما كان الحوار جارياً، حضر جيم راي، الذي ساعد كثيراً من عائلات اللاجئين على الاستقرار في كولومبيا، وساعد أسرة شرف الدين في تخطي حاجز اللغة، وقال راي إن الأفغان في كولومبيا يدركون أن عودة «طالبان» قد غيّرت طريقة تعامل الولايات المتحدة مع بلادهم.

ويسمح الحظر بدخول الأزواج والأبناء والوالدين فقط إلى الولايات المتحدة، ولا يشمل بقية أفراد الأسرة. وقال راي إن «كثيراً من الأفغان يدركون أن أقاربهم يعانون، بل إن بعضهم يتضور جوعاً، لكن الآن أُغلقت أمامهم الطريق الوحيدة لمساعدتهم».

وأضاف راي: «علينا أن ننتظر لنرى كيف سيُنفّذ هذا الحظر وما تفاصيله، لكن ما يمر به هؤلاء الآن، حيث يُحرمون من لمّ شمل عائلاتهم، هو الجانب الأشد إيلاماً».

وانتقدت حركة «طالبان» قرار حظر السفر الذي فرضه الرئيس الأميركي، وصرّح زعيمها الأعلى، هبة الله آخوندزاده، بأن الولايات المتحدة أصبحت اليوم «الظالم الأكبر في العالم».

وقال في تسجيل صوتي نُشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «يُمنع مواطنو 12 دولة من دخول أراضيهم، ولا يُسمح للأفغان كذلك. لماذا؟ لأنهم يزعمون أن الحكومة الأفغانية لا تملك السيطرة على شعبها، وأن الناس يفرون من البلاد. إذن؛ أهذا ما تُسميه صداقة مع الإنسانية؟».

عندما وردت أنباء حظر السفر الذي فرضته إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بما في ذلك إدراج أفغانستان على القائمة، تلقت نغينا خليلي، وهي مدعية عامة سابقة في أفغانستان فرت إلى أميركا خلال الانسحاب الفوضوي عام 2021، كثيراً من الرسائل من أفراد عائلتها الذين لا يزالون في أفغانستان وقطر: «ماذا يعني هذا بالنسبة إلينا؟ هل تبخرت آمالنا في إيجاد الأمان في أميركا يوماً ما؟».

وبموجب حظر السفر، الذي أُعلن عنه ليلة الأربعاء، فقد منعت إدارة ترمب من الدخول معظم الأفغان الذين كانوا يأملون إعادة التوطين بشكل دائم في الولايات المتحدة، وكذلك أولئك الذين كانوا يطمحون إلى دخول البلاد بشكل مؤقت، لأغراض مثل الدراسة الجامعية.

ويُستثنى من القرار حاملو تأشيرات الهجرة الخاصة، وهم مَن قدموا الدعم للولايات المتحدة خلال حربها التي استمرت عقدين في أفغانستان، إلا إن حظر السفر يأتي في وقت تتراجع فيه بشكل مطرد سائر أشكال الدعم الأخرى للأفغان الذين تعاونوا مع واشنطن، في ظل إدارة ترمب.

وقالت خليلي: «يبدو أن كل الأبواب تُغلق». ويحاول كثير من أفراد عائلتها القدوم إلى الولايات المتحدة عبر «برنامج إعادة توطين اللاجئين»، إلا إن شقيقتها، التي كانت تعمل صحافية خلال فترة الاحتلال الأميركي، لا تزال عالقة في كابل من دون عمل. كما أن والدها وشقيقها وزوجة أبيها ما زالوا عالقين داخل قاعدة أميركية في قطر، بعدما كانوا قد بلغوا مرحلة متقدمة من إجراءات قبول اللجوء، قبل أن يعلّق ترمب البرنامج في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وجاء خبر إدراج أفغانستان ضمن الدول المشمولة بقرار حظر السفر بمثابة صدمة جديدة للعائلة، وقالت خليلي: «أرسلوا لي الخبر الليلة الماضية، وقالوا: لقد أصبح الأمر ميؤوساً منه». وأضافت: «عندما تحدثت إلى شقيقي في قطر، قال لي: أفضّل أن أموت هنا على أن أعود إلى أفغانستان».


مقالات ذات صلة

«إف بي آي»: صلات محتملة بين منفّذ «هجوم الحرس الوطني» وجماعة متشددة

الولايات المتحدة​ ضباط من فرقة الخدمة السرية يرتدون الزي الرسمي يقومون بدورية في ساحة لافاييت المقابلة للبيت الأبيض في العاصمة واشنطن يوم 27 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

«إف بي آي»: صلات محتملة بين منفّذ «هجوم الحرس الوطني» وجماعة متشددة

يحقق «مكتب التحقيقات الفيدرالي» الأميركي بصلات محتملة بين منفّذ هجوم الحرس الوطني بواشنطن الأفغاني رحمن الله لاكانوال، وطائفة دعوية غامضة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا دورية أمنية لقوات «طالبان» في منطقة سبين بولدك الحدودية 15 أكتوبر 2025 (إ.ب.أ)

طاجيكستان تعلن مقتل 5 في هجومين عبر الحدود من أفغانستان

قال المكتب الصحافي للرئاسة في طاجيكستان، الاثنين، إن خمسة أشخاص قُتلوا وأصيب خمسة آخرون في هجومين انطلقا من أفغانستان المجاورة خلال الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (ألما أتا)
أوروبا قوات بريطانية في أفغانستان عام 2009 (أرشيفية - رويترز)

ضابط كبير يبلغ لجنة تحقيق بأن القوات البريطانية ارتكبت جرائم حرب في أفغانستان

قال ضابط بريطاني كبير سابق للجنة تحقيق عامة إن القوات الخاصة البريطانية في أفغانستان ارتكبت على ما يبدو جرائم حرب بإعدام مشتبه بهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا يقف أحد أفراد أمن «طالبان» حارساً على طريق قرب معبر غلام خان الحدودي بين أفغانستان وباكستان في منطقة جوربوز جنوب شرقي ولاية خوست في 20 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

باكستان: النظام الأفغاني يمثل تهديداً للمنطقة وللعالم

حذَّر المدير العام للعلاقات العامة للجيش الباكستاني، الليفتنانت جنرال أحمد شريف شودي من التهديد الذي يمثله النظام الأفغاني ليس فقط لباكستان، بل للمنطقة بأسرها

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد - كابل)
أوروبا طلاب عسكريون جدد في جيش «طالبان» يقفون فوق مركبة عسكرية خلال حفل تخرجهم في مركز تدريب «فيلق المنصوري 203» قرب غارديز بولاية باكتيا 2 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

تقرير: «طالبان» استخدمت تكنولوجيا غربية لملاحقة أفغان عملوا مع الجيش البريطاني

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن «مواد ومعدات حساسة» تُركت في أفغانستان مكّنت حركة «طالبان» من تعقب أفغان عملوا مع الجيش البريطاني. جاء ذلك وفقاً لشهادة مبلغة…

«الشرق الأوسط» (لندن )

أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
TT

أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»

لم تكن قضية الدفن في اليابان مطروحة على نحو واسع في السنوات الماضية، فالمجتمع الذي اعتاد منذ عقود طويلة على الحرق (الكريماتوريوم) بوصفه الطقس الجنائزي شبه الوحيد، لم يعرف تقليد الأرض، ولا القبور المفتوحة، ولا الأبنية الحجرية التي تتعانق فوقها شواهد الموتى. في بلد تشكّل الجبال ثلاثة أرباع مساحته، وتنافس المدن بضيق شوارعها على كل شبر من اليابسة، بدا الموت نفسه خاضعاً لحسابات المكان، مسيّجاً بقواعد عمرانية وثقافية صارمة، جعلت من الحرق خياراً إجبارياً لا يخطر ببال أحد تجاوزه.

هنا، تتغلب العقيدة على الجغرافيا، وتنتصر الضرورة على الطقوس؛ فالحرق هو الخاتمة الطبيعية لأغلب اليابانيين، بنسبة تتجاوز 99 في المائة. نهاية تتماهى مع الفلسفة البوذية والشينتو، لكنها أيضاً استجابة عملية لجغرافيا لا تسمح بترف المدافن، ولا بشواهد ممتدة على مدى البصر كما يعتاد الناس في بلدان أخرى، في حين يُعامل الدفن باعتباره استثناءً نادراً، لا سند له سوى حالات خاصة أو ظروف قاهرة. لكن هذا النظام، الذي ظلّ عقوداً بلا منازع، بدأ يواجه اختباراً جديداً مع اتساع الجالية المسلمة في البلاد، والتي تتراوح أعدادها وفق تقديرات متقاطعة بين 200 و350 ألف مسلم. هذه الجالية، التي تنمو في الجامعات والمصانع والبحث العلمي والتجارة، تحمل معها تقليداً جنائزياً لا يعرف المساومة: دفن الميت في الأرض، وفق شروط شرعية ثابتة، لا حرق فيها ولا تبديل.

كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟

بدأت أسئلة جديدة تُطرح حول كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟ فجاءت الإجابة مُربكة: مساحات قليلة ومتباعدة، بعضها في أطراف كوبي، وأخرى في ريف هوكايدو البعيد، في حين تُحرم مناطق واسعة من توهوكو شمالاً إلى كيوشو جنوباً من أي موطئ قدم لمدفن إسلامي، تاركة آلاف الأسر أمام خيارات قاسية لا تعرف سوى السفر أو الترحيل أو مواجهة فراغ تشريعي لا يعترف بالحاجة.

ومع أن مطالب الجالية المسلمة لم تكن كاسحة أو مُربكة للدولة؛ إذ اقتصر طلبهم على مساحات محدودة في ضواحي المدن تُدار وفق شروط صارمة تتوافق مع القوانين الصحية، فإن التجاوب الرسمي ظل باهتاً. برزت اعتراضات محلية تتحدث عن مخاوف بيئية من تلوث المياه الجوفية، رغم أن خبراء الصحة والبيئة لم يجدوا ما يدل على خطورة الدفن الإسلامي إذا نُظّم بطريقة مناسبة.

لحظة الانفجار البرلماني

وفي خضم هذا الجدل الصامت، انفجر الملف فجأة داخل البرلمان الياباني، حين وقفت النائبة أوميمورا ميزوهو العضوة البارزة في حزب سانسيتو المحافظ، لتعلن أن اليابان «لا تحتاج إلى أي مقابر جديدة»، وأن الحرق «هو النظام الطبيعي والمتوافق مع تركيبة هذا البلد».

ومضت خطوة أبعد من ذلك، بدعوة المسلمين إلى التفكير في «بدائل منطقية»، من بينها القبول بالحرق أو ترحيل الجثامين إلى الخارج، مستشهدة بتجارب أوروبية وأميركية، كما قالت، من دون أن تذكر أن هذه التجارب نفسها تواجه انتقادات واسعة عندما تتعارض مع حقوق الأقليات الدينية.

غضب في صفوف الجالية المسلمة

وقد جاء تصريحها كصاعقة في أوساط الجالية المسلمة، التي رأت فيه إشارة واضحة إلى توجّه رسمي نحو إغلاق الباب أمام أي توسع في المقابر الإسلامية، خصوصاً بعد أن حظي كلامها بتأييد عدد من النواب الذين تحدثوا عن «عجز اليابان عن تحمل أعباء ثقافية جديدة بسبب ضيق الأرض».

فجأة، تحولت القضية من نقاش بلدي إلى مشهد سياسي وطني واسع، وبات المسلمون يشعرون بأن حقهم في الدفن وفقاً لشريعتهم يُناقَش الآن في البرلمان باعتباره عبئاً، لا احتياجاً دينيّاً وإنسانياً مشروعاً.

وبين ضغط الجغرافيا اليابانية، وتمسّك المسلمين بواجباتهم الشرعية، ومواقف سياسية تزداد تصلباً، تبدو أزمة المقابر الإسلامية مرشحة لتتحول إلى اختبار حقيقي لقدرة اليابان على مواكبة مجتمع أصبح أكثر تنوعاً مما كان عليه قبل عقد واحد فقط. وبينما تبقى القبور قليلة، يظل السؤال الأكبر معلّقاً فوق المشهد الياباني: هل ستتسع أرض اليابان للموتى المسلمين بعد أن ضاقت بحاجات الأحياء، أو أن رحلتهم الأخيرة ستظل تبدأ في اليابان... لكنها لا تنتهي فيها؟


رئيس كوريا الجنوبية يشعر بأن عليه الاعتذار لبيونغ يانغ عن تصرفات سلفه

الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)
الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)
TT

رئيس كوريا الجنوبية يشعر بأن عليه الاعتذار لبيونغ يانغ عن تصرفات سلفه

الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)
الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)

قال الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ، اليوم (الأربعاء)، إنه يشعر بأن عليه تقديم اعتذار لكوريا الشمالية بسبب أوامر سلفه بإرسال مسيّرات ومنشورات دعائية عبر الحدود.

وقال في مؤتمر صحافي عقده في مناسبة مرور عام على إعلان الرئيس السابق يون سوك يول الأحكام العرفية وإدخال البلاد في حالة من الفوضى لفترة وجيزة: «أشعر بأن علي أن أعتذر لكنني أتردد في قول ذلك بصوت عال».

وأضاف: «أخشى أنه إذا فعلت ذلك، قد يتم استخدامه في المعارك الأيديولوجية أو لاتهامي بأنني مؤيد للشمال».

من جهة أخرى، أكد ميونغ أن سيول يجب ألا تأخذ طرفاً بين اليابان والصين في ظل توتر العلاقات بين البلدين بسبب قضية تايوان.

وقال: «هناك خلاف بين اليابان والصين، والانحياز إلى أي طرف منهما لا يؤدي إلا إلى تفاقم التوترات».

وأشار إلى أن «المقاربة المثالية هي التعايش واحترام واحدنا الآخر والتعاون قدر الإمكان»، واصفا شمال شرق آسيا بأنها "منطقة شديدة الخطورة من حيث الأمن العسكرير.وتصاعد الخلاف بين طوكيو وبكين بعدما صرحت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بأن طوكيو قد تتدخل عسكرياً إذا غزت الصين تايوان ما أثار ردود فعل دبلوماسية حادة من بكين التي دعت مواطنيها إلى تجنب السفر إلى اليابان.وتعتبر الصين تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي جزءاً من أراضيها ولم تستبعد ضمها بالقوة إذا لزم الأمر.


الفلبين: الحوثيون سيفرجون عن مواطنين ناجين من غرق سفينة في البحر الأحمر

أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)
أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)
TT

الفلبين: الحوثيون سيفرجون عن مواطنين ناجين من غرق سفينة في البحر الأحمر

أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)
أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)

أعلنت السلطات الفلبينية، اليوم الثلاثاء، أن الحوثيين سيطلقون سراح تسعة من مواطنيها هم أفراد طاقم سفينة شحن أغرقها المتمردون اليمنيون، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ونجا التسعة بعد غرق سفينة «إيترنيتي سي» التي ترفع العلم الليبيري، وكانت من بين سفينتين تجاريتين غرقتا في البحر الأحمر في يوليو (تموز).

ونشر الحوثيون تسجيلاً مصوراً للهجوم على السفينة حينذاك قائلين إنهم أنقذوا عدداً غير محدد من أفراد الطاقم ونقلوهم إلى موقع آمن.

وأفادت الخارجية الفلبينية بأنها تلقت وعداً من سلطنة عمان بأنه «سيتم الإفراج عن تسعة بحارة فلبينيين من (إم/في إيترنيتي سي) المشؤومة، احتجزهم الحوثيون كرهائن في البحر الأحمر».

وذكر البيان الذي أشار إلى جهود الحكومة العمانية أنهم سينقلون أولاً من صنعاء إلى عُمان قبل العودة إلى بلادهم.

ورفض متحدث باسم وزارة الخارجية تحديد موعد لعملية إطلاق سراحهم، أو الإفصاح عما إذا كانت مرتبطة بأي شروط.

ووضع غرق سفينتي «إتيرنيتي سي» و«ماجيك سيز» في يوليو حداً لتوقف دام عدة شهور للهجمات التي شنّها الحوثيون على حركة الملاحة في البحر الأحمر، والتي بدأت بعد اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ودفعت الهجمات التي يقول الحوثيون إنها استهدفت سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين، العديد من الشركات لتجنّب هذا المسار، حيث يمر عادة نحو 12 في المائة من الشحنات التجارية في العالم.

ويشكّل البحارة الفلبين نحو 30 في المائة من قوة الشحن التجاري العالمية. وشكّل مبلغ قدره نحو سبعة مليارات دولار أرسلوه إلى بلدهم عام 2023، نحو خُمس التحويلات التي تُرسل إلى الأرخبيل.