الصين تتأهب لمزيد من معارك ضبط الصادرات

نجاحها في عرقلة سلاسل توريد المعادن النادرة غيَّر ميزان القوى بمحادثات التجارة

رجل يعمل في موقع منجم معادن أرضية نادرة في الصين (رويترز)
رجل يعمل في موقع منجم معادن أرضية نادرة في الصين (رويترز)
TT

الصين تتأهب لمزيد من معارك ضبط الصادرات

رجل يعمل في موقع منجم معادن أرضية نادرة في الصين (رويترز)
رجل يعمل في موقع منجم معادن أرضية نادرة في الصين (رويترز)

يقول محللون ورجال أعمال إن نجاح الصين في عرقلة سلاسل التوريد العالمية من خلال وقف تدفق المعادن النادرة قد زاد الضغط على واشنطن، وأوضح قدرة بكين على تسليح ضوابط التصدير على مجموعة أوسع من السلع الأساسية.

وتهيمن الصين على سلسلة توريد المعادن الرئيسية، وقد بدأت وزارة التجارة الصينية في طلب تراخيص لتصدير المعادن النادرة والمغناطيسات ذات الصلة في أوائل أبريل (نيسان). وقد هزت عملية الموافقة البطيئة سلاسل التوريد العالمية، ومنح بكين نفوذاً على الولايات المتحدة بعد تعريفات «يوم التحرير» الشاملة التي فرضها دونالد ترمب، وفق صحيفة «فايننشيال تايمز».

وهناك الآن آمال في إصدار مزيد من التراخيص، بعد أن تحدث ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ يوم الخميس، مما مهَّد الطريق لجولة جديدة من المحادثات التجارية في لندن يوم الاثنين. ويوم السبت، أشارت بكين إلى عملية موافقات أسرع لبعض الشركات الأوروبية.

ومع ذلك، قال خبراء إن نشر شي لضوابط التصدير مؤخراً قد أعاد ميزان القوى في محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين إلى بكين. وقال أندرو غيلهولم، رئيس قسم تحليل الشؤون الصينية في شركة «كونترول ريسكس» الاستشارية، إن ضوابط التصدير ساعدت إدارة شي في التصدي؛ ليس فقط للولايات المتحدة؛ بل أيضاً للدول الأخرى التي تتعرض لضغوط من واشنطن لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الصين. وأضاف: «الحقيقة البسيطة هي أنه ليست لدينا سوابق كثيرة في هذا الشأن. ضوابط التصدير أداة مثالية لبكين؛ إذ يُمكن تعديلها، وتشديدها، وتخفيفها، وتطبيقها على جميع الدول أو على دولة واحدة».

وأكدت وزارة الخارجية الصينية يوم السبت، أن نائب رئيس مجلس الدولة، هي ليفينغ، سيسافر إلى المملكة المتحدة لإجراء محادثات هذا الأسبوع. وقد أوفد ترمب وزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، والممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير، للمشاركة في الجولة الأولى من المفاوضات منذ إبرام هدنة تجارية لمدة 90 يوماً في 12 مايو (أيار).

ويرى محللون أن الخطر الذي يهدد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي - وكلاهما منخرط في حروب تجارية مع الصين- يكمن في أن النفوذ الذي اكتسبته بكين من خلال ضوابط تصدير المعادن النادرة يمكن أن يتكرر في مجالات أخرى من سلسلة توريد التكنولوجيا الفائقة. إذا أرادت بكين الرد على أي تصعيدات مستقبلية، مثل تشديد الولايات المتحدة لضوابط الرقائق، فيمكنها تقييد تدفقات مواد مثل التيتانيوم والمغنيسيوم والمعادن الأرضية النادرة الخفيفة المستبعدة حتى الآن من نظام الترخيص الجديد، وفقاً لتحليل أجرته شركة «تريفيوم» الاستشارية في بكين.

مغناطيسات جديدة فائقة القوة

كما تهيمن الصين على إنتاج مغناطيسات جديدة فائقة القوة، وترانزستورات أقوى، وبطاريات أكثر كثافة وأقل تكلفة، ورقائق وبرامج جديدة، وفقاً لما ذكره آرثر كرويبر، رئيس قسم البحوث في شركة «غافيكال»، في مذكرة للعملاء. كما أشار إلى «منظومة متكاملة من الصناعات المتداخلة» تشمل المركبات الكهربائية وذاتية القيادة، والطائرات من دون طيار، والروبوتات، وأجهزة الاستشعار، والهواتف الذكية: «وأشباه الموصلات، والبطاريات، والذكاء الاصطناعي الذي يُشغِّلها».

وأضاف: «إن ميزان القوى يتحول بسرعة لصالح الصين، وهي حقيقة لم يبدأ فريق ترمب إلا بالكاد في إدراكها». وفقاً لمسح سريع أجرته غرفة التجارة الأميركية في الصين -وهي جماعة ضغط- في أواخر مايو، كان لدى أكثر من ثلاثة أرباع الشركات المتأثرة بضوابط المعادن النادرة مخزونات تكفي لثلاثة أشهر فقط، مما يُبرز مدى قرب كثير من المصانع من الإغلاق.

وأفادت الغرفة التجارية الأوروبية بأنه في الأيام الأخيرة، ازداد عدد موافقات التصدير التي تعدُّ الأكثر إلحاحاً، لـ«تجنب أزمة كبيرة». إلا أن شركات الاتحاد الأوروبي كانت تُعاني من إجراءات الترخيص، سواء من حيث التأخير أو انعدام الشفافية.

ومن غير الواضح ما إذا كانت بكين تنوي استهداف أوروبا، ولكن بمجرد أن اتضح النقص، كان بإمكانها تسوية المتأخرات، وفقاً لأحد رجال الأعمال.

عمال ينقلون تربة تحتوي عناصر أرضية نادرة للتصدير في ميناء ليانيونقانغ بمقاطعة جيانغسو الصينية (رويترز)

العلاقة بالاتحاد الأوروبي

وقد أدى بطء الموافقة على تراخيص التصدير بالفعل إلى سلسلة من المفاوضات الثنائية العاجلة في بكين، مما منح الصين نفوذاً أكبر في مجالات خلافية أخرى. وخلال الأسابيع الأخيرة، طُرحت مسألة المعادن النادرة مباشرة في بكين من قِبل كوريا الجنوبية واليابان وبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

وقال دبلوماسي غربي مطلع على المفاوضات، إن نهج الصين «معاملاتي بحت»، مضيفاً: «إنهم يريدون: فرِّق تسُد».

وجادلت بكين بأن استخدامها ضوابط التصدير يتماشى مع الممارسات الدولية للمنتجات التي يمكن استخدامها في التطبيقات العسكرية والمدنية. كما فرضت الولايات المتحدة قيوداً على مبيعات أشباه الموصلات ومعدات تصنيع الرقائق إلى الصين، وهي قيود تهدف إلى إبطاء التقدم التكنولوجي للبلاد.

ويعزز خطر انقطاع إمدادات المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسية المصنعة في الصين العزم على تقليل الاعتماد على سلسلة التوريد الصناعية الصينية.

وتتوقع إيلاريا مازوكو، الخبيرة في السياسات الصناعية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية -وهو مركز بحوث في واشنطن- أن تبدأ الحكومات أيضاً في بناء مخزونات أكبر من الموارد لتحمل مثل هذه الصدمات، ولتوفير مزيد من التمويل لتطوير بدائل.

وقال توم نونليست، المدير المساعد في شركة «تريفيوم» ومقرها شنغهاي، إن ضوابط التصدير الحالية أثبتت «فعاليتها البالغة» وقد تدوم، نظراً لأن الدول لا تستطيع ببساطة «فتح المناجم وإقامة عمليات التكرير بين عشية وضحاها... إن الصين بحاجة أولاً إلى معرفة كيفية استخدام القوة النارية الهائلة التي تمتلكها بالفعل بشكل أكثر دقة».


مقالات ذات صلة

الصين تُصدر الدفعة الأولى من التراخيص المبسطة لتصدير المعادن النادرة

الاقتصاد عمال ينقلون رمالاً تحتوي معادن أرضية نادرة في ميناء ليانينغنغ شرق الصين (رويترز)

الصين تُصدر الدفعة الأولى من التراخيص المبسطة لتصدير المعادن النادرة

قال مصدر يوم الثلاثاء إن الصين أصدرت الدفعة الأولى من تراخيص تصدير المعادن النادرة الجديدة، التي من شأنها تسريع الشحنات إلى عملاء مُحددين

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد العاصمة السعودية (واس)

السعودية: فتح المنافسة على 3 أحزمة تعدينية غنية بالذهب والنحاس والفضة

أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية عن بدء المنافسة على رخص الكشف في ثلاثة أحزمة متمعدنة ضخمة، تغطي مساحة إجمالية تبلغ 13 ألف كيلومتر مربع.

الاقتصاد بائعة تُظهر عملةً فضيةً لزبون في «يوم دانتيراس» وهو يوم ميمون لشراء الذهب والفضة في غواهاتي (أ.ب)

سجّلت مستويات قياسية... هل تواصل الفضة ارتفاعها رغم أزمة الإمدادات؟

تشهد أسواق الفضة، التي يُطلق عليها غالباً لقب «معدن الشيطان»؛ بسبب تقلبها الشديد، مرحلة صعود استثنائية هذا العام، مسجلةً مستويات قياسية جديدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد «أماك» للتعدين السعودية تعلن عن موارد معدنية اقتصادية محتملة تقدّر بـ11 مليون طن في نجران

«أماك» للتعدين السعودية تعلن عن موارد معدنية اقتصادية محتملة تقدّر بـ11 مليون طن في نجران

أعلنت شركة المصانع الكبرى للتعدين (أماك) السعودية، يوم الثلاثاء، عن اكتشاف موارد معدنية اقتصادية محتملة في منطقة نجران.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح متحدثاً في قمة «اليونيدو» (الشرق الأوسط)

الفالح: المنطقة تستقطب 3 % فقط من الاستثمار الأجنبي رغم غناها بالموارد

أكد وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في ضعف جذبها للاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة بحجم الفرص.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مؤشر التضخم المفضل لـ«الفيدرالي» يتباطأ في سبتمبر

يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)
يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)
TT

مؤشر التضخم المفضل لـ«الفيدرالي» يتباطأ في سبتمبر

يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)
يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)

تباطأ مؤشر التضخم المفضل لدى «الاحتياطي الفيدرالي» قليلاً في سبتمبر (أيلول)، مما يمهّد الطريق على الأرجح لخفض أسعار الفائدة المتوقع على نطاق واسع من قِبل البنك المركزي الأسبوع المقبل.

وأعلنت وزارة التجارة، يوم الجمعة، أن الأسعار ارتفعت بنسبة 0.3 في المائة في سبتمبر مقارنة بأغسطس (آب)، وهي نسبة الشهر السابق نفسها. وباستثناء فئات الغذاء والطاقة المتقلبة، ارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة 0.2 في المائة، وهو معدل مماثل للشهر السابق، ويقارب هدف «الاحتياطي الفيدرالي» للتضخم البالغ 2 في المائة إذا استمر على مدار عام كامل، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وعلى أساس سنوي، ارتفعت الأسعار الإجمالية بنسبة 2.8 في المائة، بزيادة طفيفة عن 2.7 في المائة في أغسطس، في حين ارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة 2.8 في المائة مقارنة بالعام السابق، بانخفاض طفيف عن 2.9 في المائة المسجلة في الشهر السابق. وأظهرت البيانات التي تأخرت خمسة أسابيع بسبب إغلاق الحكومة، أن التضخم كان منخفضاً في سبتمبر، مما يعزز مبررات خفض سعر الفائدة الرئيسي لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي» في اجتماعه المقبل يومَي 9 و10 ديسمبر (كانون الأول).

رغم ذلك، لا يزال التضخم أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة، جزئياً بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب، لكن العديد من مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» يرون أن ضعف التوظيف، والنمو الاقتصادي المتواضع، وتباطؤ مكاسب الأجور؛ سيؤدي إلى انخفاض مطرد في مكاسب الأسعار خلال الأشهر المقبلة.

ويواجه «الاحتياطي الفيدرالي» قراراً صعباً الأسبوع المقبل: الحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة لمكافحة التضخم، مقابل خفضها لتحفيز الاقتراض ودعم الاقتصاد، وسط تباطؤ التوظيف وارتفاع البطالة ببطء.


«وول ستريت» تختتم أسبوعاً هادئاً... والأسهم تلامس المستويات القياسية

متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

«وول ستريت» تختتم أسبوعاً هادئاً... والأسهم تلامس المستويات القياسية

متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)

اقتربت الأسهم الأميركية، يوم الجمعة، من مستوياتها القياسية، مع توجه «وول ستريت» نحو نهاية أسبوع اتسم بالهدوء النسبي.

وارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.3 في المائة، ليصبح على بُعد 0.2 في المائة فقط من أعلى مستوى له على الإطلاق، فيما صعد مؤشر «داو جونز» الصناعي بـ46 نقطة (0.1 في المائة). أما مؤشر «ناسداك» المركّب فزاد بنحو 0.4 في المائة، في حين تراجع مؤشر «راسل 2000» لأسهم الشركات الصغيرة بنسبة 0.2 في المائة بعدما لامس مستوى قياسياً في الجلسة السابقة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وفي قطاع الشركات، سجّل سهم «نتفليكس» انخفاضاً بنسبة 2.1 في المائة، بعد إعلانها خططاً لشراء «وارنر براذرز» إثر انفصالها عن «ديسكفري غلوبال»، في صفقة تبلغ 72 مليار دولار نقداً وأسهماً. وارتفع سهم «ديسكفري» التابعة للشركة بنسبة 2.6 في المائة.

وقفز سهم «ألتا بيوتي» بنسبة 11 في المائة بعد إعلان نتائج فصلية فاقت توقعات المحللين من حيث الأرباح والإيرادات، مع إشارتها إلى تحسّن ملحوظ في التجارة الإلكترونية، مما دفعها إلى رفع توقعاتها للإيرادات السنوية.

كما حققت «فيكتوريا سيكريت» أداءً قوياً، إذ سجّلت خسارة أقل من المتوقع ورفعت توقعاتها لمبيعات العام، ليرتفع سهمها بنسبة 14.4 في المائة.

أما سهم «هيوليت باكارد إنتربرايز» فانخفض 3.9 في المائة رغم تحقيق أرباح أعلى من التوقعات، نتيجة إعلان الشركة إيرادات دون المستوى المأمول.

وجاء هذا الأداء في أسبوع هادئ نسبياً بالنسبة إلى السوق الأميركية، بعد أسابيع شهدت تقلبات حادة بفعل مخاوف مرتبطة بتدفقات كبيرة على قطاع الذكاء الاصطناعي وتوقعات تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

بعد فترة من التردد، يتوقع المستثمرون الآن بالإجماع تقريباً أن يخفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي الأسبوع المقبل لدعم سوق العمل البطيئة. وسيكون ذلك الخفض الثالث هذا العام إن حدث.

وتحظى أسعار الفائدة المنخفضة بدعم المستثمرين، لأنها تعزّز تقييمات الأصول وتحفّز النمو الاقتصادي، لكنها قد تزيد الضغوط التضخمية التي لا تزال أعلى من هدف «الفيدرالي» البالغ 2 في المائة.

ويدعم توقع خفض الفائدة عودة مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى مشارف مستوياته القياسية المسجلة في أكتوبر (تشرين الأول)، في حين يترقب المستثمرون إشارات جديدة من اجتماع «الفيدرالي» حول مسار الفائدة العام المقبل.

وفي أسواق السندات، استقرت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات عند 4.11 في المائة، في حين ارتفع العائد على السندات لأجل عامَين إلى 3.54 في المائة من 3.52 في المائة.

وعالمياً، ارتفعت المؤشرات في معظم أوروبا وآسيا؛ فقد صعد مؤشر «داكس» الألماني بنسبة 0.9 في المائة، وقفز مؤشر «كوسبي» الكوري الجنوبي بنسبة 1.8 في المائة.

في المقابل، تراجع مؤشر «نيكي 225» في طوكيو بنسبة 1.1 في المائة بعد بيانات أظهرت انخفاض إنفاق الأسر اليابانية بنسبة 3 في المائة في أكتوبر على أساس سنوي، وهو أكبر تراجع منذ يناير (كانون الثاني) 2024، وسط تقلبات أثارها احتمال رفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة.


ألمانيا تُقرّ قانون المعاشات المثير للجدل وسط تحذيرات من تفاقم الدين

ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)
ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)
TT

ألمانيا تُقرّ قانون المعاشات المثير للجدل وسط تحذيرات من تفاقم الدين

ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)
ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)

تفادى المستشار الألماني فريدريش ميرتس أزمة سياسية حادة بعد تمكنه بصعوبة من الحصول على الأغلبية المطلقة لتمرير مشروع قانون المعاشات التقاعدية في البرلمان يوم الجمعة، رغم التمرد الذي شهدته كتلته المحافظة، والذي ألقى الضوء على هشاشة سلطته داخل الائتلاف الحاكم.

وأُقر مشروع القانون بأغلبية 318 صوتاً في «البوندستاغ» المؤلف من 630 مقعداً، دون الحاجة إلى دعم طارئ من المعارضة اليسارية. إلا أن حالة الغموض التي رافقت التصويت حتى لحظاته الأخيرة عكست عمق الانقسامات داخل ائتلاف ميرتس المكوّن من المحافظين والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وذلك بعد 7 أشهر فقط من تسلّمه منصبه.

ويعد مشروع القانون، الذي يرفع الإنفاق على المعاشات التقاعدية بنحو 185 مليار يورو (216 مليار دولار) خلال السنوات الـ15 المقبلة، اختباراً مهماً لقدرة الحكومة على تمرير إصلاحات ضرورية لإنعاش أكبر اقتصاد في أوروبا وتعزيز قدرات القوات المسلحة الألمانية التي تعاني منذ سنوات، وفق «رويترز».

كما أسهمت هذه الخلافات في تعزيز صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، الذي يتصدر الآن استطلاعات الرأي على مستوى البلاد، ويتجه لتحقيق مكاسب واسعة في انتخابات 5 ولايات العام المقبل.

وقال الخبير السياسي يوهانس هيلغي: «المستشار خرج منتصراً، لكنه منتصر ضعيف. النقاش كشف حدود سلطته، وجعل الحكم المستقر والمتوقع أمراً صعباً في هذه الظروف». وأضاف أن 7 من نواب المعسكر المحافظ صوّتوا ضد مشروع القانون، فيما امتنع اثنان، وهو رقم مرتفع يعكس حدة الانقسامات.

المعاشات التقاعدية... محور اشتعال سياسي في أوروبا

يثبّت مشروع القانون نسبة المعاشات التقاعدية عند 48 في المائة من متوسط الأجور حتى عام 2031، بدلاً من السماح بانخفاضها، وهو بند أساسي في اتفاق الائتلاف ويحظى بأهمية خاصة للحزب الاشتراكي الديمقراطي.

لكن الجناح الشبابي في حزب المحافظين، الذي يملك 18 صوتاً، عارض المشروع مؤكّداً أنه يرسخ نظاماً مالياً غير مستدام ويحمّل الأجيال الشابة عبئاً كبيراً. ومع أغلبية برلمانية ضئيلة لا تتجاوز 12 صوتاً، لم يكن واضحاً حتى اللحظة الأخيرة إن كان الائتلاف سيتمكن من تمرير المشروع.

وتدخل حزب اليسار في اللحظة الأخيرة عارضاً الامتناع عن التصويت لخفض عدد الأصوات المطلوبة، باعتبار أن حماية المتقاعدين أولوية.

ويحذر اقتصاديون من أن قانون المعاشات الجديد يتجاهل التحديات الديموغرافية وتصاعد الدين العام. وقال كارستن برزيسكي، كبير خبراء الاقتصاد الكلي في بنك «آي إن جي»: «الحكومة تتصرف وكأن الحاضر أبدي، متجاهلة التغيرات الديموغرافية وارتفاع الدين وقضايا الاستدامة المالية».

أخطاء سياسية تكشف هشاشة القيادة

خلال حملته الانتخابية، انتقد ميرتس الصراعات الداخلية في حكومة سلفه أولاف شولتز، ودخل المنصب بتوقعات عالية بعد إبرام صفقة تاريخية لتمويل قياسي في البنية التحتية والدفاع.

لكن ائتلافه أثبت هشاشته منذ اليوم الأول، إذ احتاج إلى جولة تصويت ثانية غير مسبوقة لضمان تنصيبه رسمياً. وفي الصيف، فشل في توحيد صفوف المحافظين خلف مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي للمحكمة الدستورية، ما أدى إلى سقوط التصويت.

وقال يان تيشو من «أوراسيا غروب»: «الصورة العامة للحكومة باعتبارها منقسمة وغير فعّالة وسوء إدارتها تتكرّس بشكل متزايد».

ورغم إشادة الخارج بموقف ميرتس القوي تجاه أوكرانيا، فإن شعبيته المحلية تراجعت إلى نحو 25 في المائة، ليصبح من أقل المستشارين شعبية في التاريخ الحديث.

وبحسب أحدث استطلاع لمؤسسة «فورسا»، تراجع الدعم المشترك للمحافظين والحزب الاشتراكي إلى 39 في المائة مقابل 44.9 في المائة في انتخابات فبراير (شباط)، بينما يواصل حزب «البديل من أجل ألمانيا» صدارته بنسبة 26 في المائة.