أثينا تعتزم مطالبة القاهرة بضمانات واضحة حول وضع دير «سانت كاترين»

دبلوماسي يوناني تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن زيارة مرتقبة لوزير خارجية بلاده

دير سانت كاترين (صفحة سانت كاترين)
دير سانت كاترين (صفحة سانت كاترين)
TT

أثينا تعتزم مطالبة القاهرة بضمانات واضحة حول وضع دير «سانت كاترين»

دير سانت كاترين (صفحة سانت كاترين)
دير سانت كاترين (صفحة سانت كاترين)

يبدأ وزير الخارجية اليوناني جورجيوس جيرابيتريتيس زيارةً إلى القاهرة، الأربعاء، حسب مصادر مصرية ويونانية، يعقد خلالها لقاءات مع عدد من المسؤولين المصريين، تتضمن مناقشة الوضع القانوني لدير «سانت كاترين» بجنوب سيناء، التابع إدارياً للكنيسة اليونانية، الذي تجدد الجدل حول ملكيته الأسبوع الماضي.

ووفق دبلوماسي يوناني تحدث لـ«الشرق الأوسط»، شرطَ عدم ذكر اسمه، فإن الوزير سيبحث مع المسؤولين المصريين مسألة «وجود ضمانات واضحة تضمن عدم حدوث نزاعات حول الملكية في المستقبل».

ويقع الدير على سفح جبل سيناء في جنوب شبه الجزيرة، وأقيم في المكان الذي يُعتقد أن النبي موسى عليه السلام تلقى الوصايا العشر فيه. وهو أقدم دير مأهول بشكل متواصل في العالم.

جانب من المباني داخل مُجمَّع دير سانت كاترين (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وتشهد منطقة سانت كاترين، التي تضم بلدة تحمل الاسم نفسه ومحمية طبيعية، مشروع تطوير ضخماً، في إطار سعي الحكومة المصرية لتعزيز السياحة فيها.

حكم قضائي

في الأسبوع الماضي، تجدد الجدل بشأن وضعية الدير بعد صدور حكم قضائي من «محكمة استئناف الإسماعيلية» يقضي بأحقية «تابعي دير سانت كاترين» في الانتفاع بالدير والمواقع الدينية الأثرية بالمنطقة، مع ملكية الدولة لهذه المواقع بوصفها من الأملاك العامة.

وتضمَّن حكم المحكمة «وجوب احترام العقود المحررة بين الوحدة المحلية لمدينة سانت كاترين والدير بشأن بعض قطع الأراضي المستغلة بمعرفة تابعي الدير». وأكدت المحكمة أن باقي قطع الأراضي المتنازع عليها محميات طبيعية، وجميعها من أملاك الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو تملكها بالتقادم.

وأثار الحكم جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي وتفسيرات ذهب بعضها إلى أن السلطات المصرية تعتزم إخلاء الدير وانتزاع الأراضي التابعة له بدعوى «إقامة مشروعات تطوير أو بيعها لمستثمرين». وانتقد رئيس أساقفة أثينا واليونان للكنيسة الأرثوذكسية، إيرونيموس الثاني، الحكم.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية اليونانية، لانا زوهيو، إن حكومتي البلدين «عملتا بشكل متواصل خلال الفترة الماضية للتوصل إلى اتفاق يحافظ على الطابع الأرثوذكسي للمنطقة»، وإن الحكم القضائي المصري صدر قبل أن ينتهي الجانبان من دراسة جميع التفاصيل المتعلقة به.

محافظ جنوب سيناء خلال زيارة لدير سانت كاترين في وقت سابق (محافظة جنوب سيناء)

وسعى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لطمأنه الجانب اليوناني، وأكد في اتصال هاتفي مع رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، يوم الجمعة الماضي، «التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين، وعدم المساس بهذه المكانة».

«مسودة اتفاق»

نشرت صحيفة «إثنوس» اليونانية، الأحد، تفاصيل «مسودة اتفاق» قالت إن الحكومة المصرية توصلت إليها في وقت سابق مع رهبان الدير. ويمنح الاتفاق المقترح السلطة الدينية في الدير ملكية 71 قطعة أرض محل نزاع قضائي.

وتضمنت المسودة، التي لم توقَّع بحسب تصريحات مسؤولي الدير، تعهداً من الطرفين باحترام إدراج الدير على قائمة التراث العالمي لليونيسكو، والتزام الدولة المصرية بتوفير الحماية والتأمين للدير، مع احترام استقلاله الديني والإداري، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، باعتباره تابعاً للطائفة اليونانية الأرثوذكسية ويخضع لرئاسة أسقف سيناء.

وحسب دبلوماسي يوناني تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن وزير خارجية بلاده سيطلب من المسؤولين المصريين «تنفيذ الاتفاق الذي صيغ بين الدير ومحافظ جنوب سيناء، باعتبار أن هذا لا يتعارض مع الحكم القضائي الصادر ويمكن تنفيذه بقرار رسمي من الحكومة».

وزير الأوقاف المصري برفقة محافظ جنوب سيناء خلال زيارة لدير سانت كاترين في وقت سابق (محافظة جنوب سيناء)

وتتضمن مسودة الاتفاق تفاصيل دقيقة حول ملكية الدير للأراضي والمباني والكنائس بالمنطقة، وتنص على أن أي تدخل بغرض الترميم أو الصيانة يكون بالتنسيق مع المجلس الأعلى للآثار، ومع مراعاة القوانين المصرية الخاصة بحماية الآثار والبيئة والتنسيق الحضاري، والحفاظ على الهوية التاريخية والمعمارية للمكان، وعلى الحياة الرهبانية بداخله.

أهمية الزيارة

ويؤكد الأستاذ المساعد بالجامعة اليونانية - الأميركية في أثينا، هشام حسن، أهمية زيارة وزير الخارجية اليوناني للقاهرة، حتى أن بعض الصحف المحلية تحدثت عن أن إتمامها دون التوصل لاتفاق مُرضٍ ربما يؤدي لتصدع داخل الحزب الحاكم.

وأضاف أن القضية «مثارة بقوة» على الساحة السياسية اليونانية رغم التطمينات التي تحدث بها الرئيس المصري لرئيس الوزراء اليوناني.

ومضى قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الانزعاج اليوناني من إطلاق وصف (حق الانتفاع) على وجود الرهبان في الدير استدعى التحرك على مستوى أعلى سياسياً».

وفي رأي مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عماد جاد، فإن ما حدث «هو افتعال لمشكلة لم تكن موجودة، خصوصاً وأن الدير والرهبان موجودون منذ القرن السادس الميلادي، أي من قبل وجود الأوراق الخاصة بحيازات الملكية بالأساس، وهو وضع ترسخ على مدار قرون عدة».

ولا يعتقد جاد، الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، أن «امتلاك الرهبان للدير ينتقص من السيادة المصرية، فهناك أملاك مصرية في اليونان وقبرص وتركيا».

ويشتمل الدير الخاص بطائفة الروم الأرثوذكس على عدة كنائس، أهمها كنيسة تجلي السيد المسيح، والكنيسة التي تكلم عندها النبي موسى. ويضمّ أماكن إقامة الرهبان، وقاعة طعام، ومكبس زيتون، وصناديق عظام الموتى، ومسجداً فاطمياً من القرن الثاني عشر الميلادي، ومكتبة فيهل كتب نادرة و6000 مخطوطة.


مقالات ذات صلة

قلق إسرائيلي من «تطور التسليح المصري» يجدد حديثاً عن تعديل معاهدة السلام

العالم العربي مباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في 2021 تم الإعلان بعدها عن تعديل الاتفاق الأمني بين البلدين (أ.ف.ب)

قلق إسرائيلي من «تطور التسليح المصري» يجدد حديثاً عن تعديل معاهدة السلام

جدّد قلق إسرائيلي من «تطور تسليح الجيش المصري» في سيناء الحديث عن تعديل معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، الصامدة منذ 1979.

هشام المياني (القاهرة)
العالم العربي رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)

هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

أكد مصدر مصري مُطلع لـ«الشرق الأوسط» أن «القوات المصرية في سيناء موجودة من أجل حفظ الأمن القومي المصري، وهو أمر لا تقبل فيه القاهرة مساومة أو إغراءً».

هشام المياني (القاهرة)
يوميات الشرق كلارا خوري تعبر عن فخرها بمشاركتها في فيلم «صوت هند رجب» (الشرق الأوسط)

كلارا خوري: الأمومة والإنكار وهواجس المرأة جذبتني لـ«غرق»

فيلم «غرق» يسلط الضوء على تحديات الأمومة والصحة النفسية في مجتمع محافظ من خلال قصة امرأة تحاول التوازن بين حياتها وعلاج ابنها المصاب باضطراب نفسي.

انتصار دردير (جدة)
العالم العربي أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)

تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أقرت مصر حزمة واسعة من التسهيلات لمستثمري منطقة طابا ونويبع، الواقعتين على شاطئ البحر الأحمر بجنوب سيناء.

محمد عجم (القاهرة)
شمال افريقيا آثار السيول في عدد من المحافظات المصرية (وزارة الموارد المائية)

استنفار مصري لمواجهة سيول البحر الأحمر وسيناء

تتأهب السلطات المصرية لمواجهة سيول محتملة بعدما هطلت أمطار غزيرة على محافظتي البحر الأحمر وشمال سيناء خلال الأيام الماضية.

أحمد جمال (القاهرة)

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تتقدم فيه «قوات الدعم السريع» حثيثاً تجاه بلدة «الطينة»، عند الحدود التشادية - السودانية، بعد أن أعلنت إكمال سيطرتها على بلدة «كرنوي» صباح الخميس، وانسحاب «القوة المشتركة» التابعة للجيش، تعهد رئيس «حركة تحرير السودان»، (حاكم إقليم دارفور)، مني أركو مناوي، بعدم الاستسلام، ومحاربة ما أسماه «الفوضى والبربرية».

وقال مناوي، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم دارفور، في تغريدة على حسابه بمنصة «إكس»، مساء الأربعاء: «لن نسلّم أرواحنا ولا تاريخنا ولا هويتنا للفوضى والبربرية.. الليلة سمر، وغداً أمر»، بعد أن كان قد ذكر في وقت سابق أن قواته «انسحبت».

حاكم إقليم دارفور وقائد «حركة جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، يزور مخيم نازحين بشمال السودان يوم 26 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

وتعد بلدة «الطينة» آخر جيوب القوات الموالية للجيش المعروفة بـ«القوة المشتركة»، وتقع على الحدود السودانية التشادية مباشرة، وتنقسم إلى بلدتين باسم «الطينة السودانية، الطينة التشادية»، وتعرف بأنها عاصمة دار قبيلة «زغاوة» المشتركة بين البلدين.

وبثت منصات موالية لـ«قوات الدعم السريع»، مقاطع فيديو ذكرت فيها أنها حققت انتصاراً كاسحاً في بلدة «كرنوي»، فيما ذكرت صحيفة «دارفور 24» أن «قوات الدعم السريع» دخلت منطقة كرنوي الواقعة في الشمال الغربي لولاية شمال دارفور، وأن القوة المشتركة انسحبت نحو بلدة «الطينة» على الحدود مع دولة تشاد.

وقال شاهد لـ«الشرق الأوسط»، إن «قوات الدعم السريع» المدعومة بقوات «تحالف السودان التأسيسي»، (تأسيس)، اقتربت من بلدة الطينة، التي انسحبت إليها «القوة المشتركة» الحليفة للجيش، وينتظر أن تشهد معاركاً طاحنة بين القوتين.

قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يلقي كلمة أمام قواته (أرشيفية - قناته على «تلغرام»)

وحضّ مناوي في حسابه على «فيس بوك»، مواطني المنطقة ومن أسماهم بـ«أهلي» للدفاع عن «أنفسهم»، بقوله: «نرفض الذل، والدفاع عن الوطن ليس خياراً، بل واجباً، ولا نبحث عن الدم، لكننا نحمي الأرض والعرض والتاريخ»، وتابع: «حين يستباح الوطن، يصبح الصمت خيانة».

لكن دعوات مناوي للمواطنين لم تلقَ استجابة، بل ردت عليه مجموعة من سكان المنطقة ببيان حمل توقيع «أبناء قبيلة الزغاوة» التي يتحدر منها، دعته إلى «عدم الزج باسم القبيلة في الحرب»، وإبعادها عن «الاستقطابات السياسية والعسكرية المتواصلة».

وقالت في البيان إن القبيلة «ليست كياناً سياسياً أو عسكرياً، أو أداة في الصراع على السلطة»، وتابع: «نرفض رفضاً قاطعاً التحدث باسم القبيلة أو توظيفها كتلة سياسية موحدة، أو الادعاء بتمثيلها في أي صراع سياسي أو عسكري».

ويأتي هذا التطور العسكري بعد استيلاء «قوات الدعم»، الأربعاء، على بلدات «أبو قمرة، أم برو، بير سبيل»، وسيطرتها الخميس على «كرنوي»، ولم يتبقَ على الحدود المشتركة بين تشاد والسودان سوى بلدة «الطينة».

وتعد «الطينة» أحد أهم النقاط التجارية والأمنية في شمال دارفور. وتقع إلى الشرق منها، بلدة «كرنوي» المركز الإداري يربط المناطق الحدودية بالداخل، بينما تقع بلدة «أم برو» إلى الشرق من «الطينة» وكرنوي، وتتميز بطبيعة جبلية تجعل منها منطقة استراتيجية عسكرياً.

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً بمخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وتكون هذه البلدات مثلثاً حدودياً يربط السودان بدولة تشاد، وتسعى الأطراف المتصارعة للسيطرة عليه لتأمين خطوط الإمداد أو إغلاقها بوجه الخصم.

وتعرف المنطقة التي تدور فيها المعارك إدارياً بـ«دار زغاوة»، وهم المجموعة الإثنية التي تنتشر على طرفي الحدود بين الدولتين، وينحدر منها معظم قوات حاكم دارفور، مني أركو مناوي، ووزير المالية، جبريل إبراهيم، اللذين يديران الحرب هناك من بورتسودان.

وبسيطرة «قوات الدعم السريع» على بلدة «الطينة»، تكون قد سيطرت على كامل إقليم دارفور، وعلى الحدود المشتركة مع دولة تشاد، باستثناء جيب صغير عند سفوح «جبل مرة» بوسط دارفور، تسيطر عليه قوات «حركة تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد محمد النور، الذي اختار الحياد في الصراع لكن ومواقفه أقرب لـ«قوات الدعم السريع».

وبإكمال عملية «الطينة»، لن يكون هناك خيار أمام القوة المشتركة الموالية للجيش الموجودة هناك، سوى «الانسحاب» لداخل دولة تشاد.


السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
TT

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، تتآكل الآمال العريضة باختراق أميركي في الملف الليبي المعقّد، إذ اتسم نهج إدارته بـ«الحذر، والانتقائية»، مع إعادة تموضع محدودة، دون استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.

وينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة، و«مصافحات شكلية»، تزامناً مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، ولا سيما في قطاع النفط.

في المقابل غابت المقاربة المتكاملة التي تمزج الدبلوماسية بالأمن، وبناء المؤسسات، فاعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من الحضور الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مسعد بولس مستشار ترمب، وصهره المخوّل بملف الشؤون الأفريقية.

الدبيبة مع قائد قوات «أفريكوم» في لقاء بطرابلس (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

مؤشرات تعيين بولس

في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، باعتباره مؤشراً على اقتراب ليبيا من دائرة اهتمامه، غير أن حالة من الحذر ظلت قائمة، وهو ما أكدت عليه تطورات العام لاحقاً.

ويعتبر هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، أن «تعيين بولس شكّل مؤشراً مبكراً على محدودية الزخم الأميركي تجاه هذا الملف»، لافتاً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء ما زالت تتعامل معها بوصفها ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست في صدارة الأولويات».

ومع ذلك، أولى مراقبون اهتماماً بزيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي، ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق ليبيا، وغربها، في يوليو (تموز) 2025، حين ناقش معهم «دعم الشراكة الأميركية–الليبية، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، وتعزيز توحيد المؤسسات الليبية، والمصالحة الوطنية».

ما ذهب إليه شنيب أكد عليه العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بن فيشمان، وعزا ذلك جزئياً –في حديثه لـ«الشرق الأوسط»– إلى «انشغال مستشار ترمب على نحو أكبر بملفات أخرى، مثل الحرب الأهلية في السودان».

ويلحظ شنيب أن تركيز الإدارة انصب أيضاً على الأزمة الأوكرانية، ما جعل السياسة الأميركية في ليبيا «تنضج على نار هادئة» بانتظار إنجاز ملفات أكثر أولوية من وجهة نظر واشنطن.

جانب من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

برغماتية على نار هادئة

وفق هذا التقدير، تعاملت الإدارة الأميركية مع الأفرقاء الليبيين شرقاً وغرباً ببرغماتية، وعلى «نار هادئة» وفق متابعين من دون انحياز معلن، مع تركيز واضح على «إدارة التوازن» بين القوى القائمة، أكثر من السعي إلى إحداث تغيير جذري في بنية السلطة.

كان المثال العملي على هذه المقاربة هو رعاية بولس للقاء مستشار رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة لشؤون الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ونائب قائد «الجيش الوطني» صدام حفتر، في روما، في سبتمبر (أيلول) 2025، إذ اقتصر على رعاية «مصافحات»، ومناقشة ملفات أمنية، وسياسية، وعسكرية، وطاقية، بما في ذلك مساعي تشكيل حكومة موحدة، من دون ترجمة ذلك إلى مسار سياسي فعّال.

وبحسب فيشمان، فإن «نهج ترمب في صنع السلام يقوم على المصافحة أكثر من الجوهر»، وهو –من وجهة نظره– «نمط يتكرر في أكثر من ساحة دولية، ويتوقع أن يستمر في ليبيا».

هذا «النهج البرغماتي» الأميركي، ومن منظور الباحثة الفرنسية فيرجيني كولومبييه لـ«الشرق الأوسط»: «يدفع الصراع من دون حسم، ويعزز النفوذ داخل الكتلتين المتنافستين شرقاً وغرباً، بما يفاقم توترات التحالفات المحلية، خصوصاً غرب ليبيا»، فعادة أن «أي تسوية مستدامة تتطلب مقاربة شاملة، وضمانات موثوقة، لا صفقات ضيقة بين الزعماء».

وامتدت التحركات الأميركية الحذرة إلى الملف العسكري في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان: إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى تسيطر على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد، وبدعم من «الجيش الوطني» تحت قيادة المشير خليفة حفتر.

وشملت الجهود الأميركية تعزيز التنسيق الأمني عبر زيارات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، ودعم مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى التحضير لمناورة مشتركة في سرت.

ويشير بن فيشمان إلى أن «زيارات قادة (أفريكوم) هي امتداد لجهود إدارة بايدن السابقة»، مضيفاً أن «استضافة ليبيا تمريناً أمنياً إقليمياً برعاية أميركية في سرت تعزز هذا المسار العسكري»، لكنه قال: «جوهرياً، لا توجد فوائد سياسية كبيرة من جمع الفصيلين العسكريين معاً».

اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا المنبثقة عن مسار برلين في طرابلس (البعثة الأممية في ليبيا)

البعد الاقتصادي

اقتصادياً، بدّلت «النار الهادئة» مسارها لا شدتها، إذ برز اهتمام أكبر بقطاع الطاقة، وشجّعت إدارة ترمب عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم، واتفاقيات لتطوير الحقول، وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي، وغياب إطار قانوني موحد.

تشير كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة «الأزمات الدولية»، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة ترمب زادت انخراطها في ليبيا عبر وساطة مالية، واقتصادية، خاصة في ملفي الميزانية، والنفط، ما يعزز بقاء القوى الحاكمة شرقاً وغرباً. بالمقابل، تحذر كولومبييه من أن الانخراط الانتقائي المبني على مصالح تجارية «لن يحقق استقراراً دائماً، أو سلاماً مستداماً».

أما دبلوماسياً، فتجلّت سياسة «النار الهادئة» بوضوح مع استمرار الغموض في الموقف الأميركي، إذ اكتفت واشنطن بالقائم بالأعمال جيريمي برنت، من دون تعيين سفير جديد، مكرّسة إخفاق الإدارة السابقة في تثبيت جينيفير جافيتو، بما يعكس إدارة حذرة تُبقي الحضور قائماً من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي.

النفوذ الروسي

دولياً، حضرت السياسة نفسها في تعاطي واشنطن مع النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا، والذي تطور من وجود عناصر شركة «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا»، والحضور بشكل دائم في قواعد عسكرية ليبية.

وفي هذا السياق، فضّل البيت الأبيض –وفق مراقبين– انتهاج «سياسة احتواء ناعم» لحليف موسكو، خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري، وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي، وسرت، بحسب رؤية الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.

وسط هذه المسارات الأميركية، تتنامى تساؤلات الليبيين حول أهداف تحركات إدارة ترمب، بين دعم الانتخابات، أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة. وينقل الباحث السياسي محمد محفوظ مخاوف من أن «تجاهل أميركا للمسار الانتخابي قد يطيل الأزمة»، مكرراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التحذير من «تكلفة باهظة لصفقات أمنية واقتصادية سابقة على حياة الليبيين».


«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق حدودية مع تشاد، بينها أم قمرة وأم برو، ونشرت مقاطع مصورة تُظهر انتشار قواتها هناك، في وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من الجيش السوداني.

وقالت «الدعم السريع» إن العملية هدفت إلى إنهاء وجود ما وصفتها بالجيوب المسلحة، ووقف أعمال انتقام وفوضى تتهم الجيش السوداني و«القوة المشتركة» المتحالفة معه بتنفيذها ضد قيادات الإدارة الأهلية ومدنيين. وأكدت نشر قوات لتأمين المدنيين والطرقات والمرافق العامة في تلك المناطق لإعادة الاستقرار.

وفي تطور آخر، تأكد مقتل قائد «الفرقة 22 مشاة» التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة، اللواء معاوية حمد عبد الله، خلال هجوم شنته «الدعم السريع» على المدينة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورغم عدم صدور بيان من الجيش بشأن مقتل قائده، أفاد موقع رسمي تابع لحكومة الولاية الشمالية بأن حاكمها العسكري، عبد الرحمن إبراهيم، قدّم واجب العزاء في الفقيد بمنطقة أنقري التابعة لمحلية البرقيق.