اختفاء كروموسوم «واي» الذكري... واعتلال صحة الرجال

فقدانه يزيد خطر إصابات السرطان والقلب وألزهايمر

اختفاء كروموسوم «واي» الذكري... واعتلال صحة الرجال
TT

اختفاء كروموسوم «واي» الذكري... واعتلال صحة الرجال

اختفاء كروموسوم «واي» الذكري... واعتلال صحة الرجال

تعيش النساء في المتوسط عمراً أطول من الرجال. ويمكن ملاحظة هذا الاتجاه بالرجوع إلى أقدم السجلات، وهو صحيح في كل بلد في العالم اليوم. وقد طُرحت حوله العديد من التفسيرات: فالرجال يخاطرون أكثر أو يدخنون أكثر، وهرمون الاستروجين يحمي من المشكلات الصحية، ووجود كروموسومين «إكس» (X) أفضل من كروموسوم واحد... والقائمة تطول. ويمكن أن تفسر بعض هذه العوامل أموراً صغيرة من هذا الفرق، وقد تم دحض الكثير منها. ولا شيء منها مُقنع تماماً.

تفسير بديل

الآن، توصل الباحثون إلى تفسير بديل مثير للاهتمام للكثير من هذا الاختلاف في متوسط العمر، وهو أن الأمر كله يعود إلى كروموسوم «واي» (Y). وعلى وجه التحديد، تكمن الفكرة في أنه مع تقدم الرجال في العمر، فإنهم يفقدون هذا الكروموسوم من العديد من خلاياهم، ما يؤدي إلى الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر.

إن فقدان كروموسوم «واي» بهذه الطريقة ليس شيئاً يمكن أن تلاحظ حدوثه. ويقول الدكتور لارس فورسبرغ من جامعة أوبسالا في السويد: «على حد علمي، لا توجد بيانات تشير إلى أن الرجال الذين يفقدون كروموسوم (واي) سيشعرون بذلك». ومع ذلك، فقد اتضح أن جزءاً كبيراً من الرجال الأكبر سناً يتأثرون به، ويكشف الباحثون الآن عن عواقب طويلة الأمد على الجهاز المناعي وخطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب وحتى ألزهايمر.

من جهته، يقول الدكتور كينيث والش من جامعة فيرجينيا: «إذا كنت ذكراً، فأنت لا تريد أن تفقد كروموسوم (واي) الخاص بك، فمن المؤكد أن ذلك سوف يُقصّر حياتك». إن الإدراك المتزايد لأهمية كروموسوم «واي» للصحة العامة يفتح الباب أمام طرق جديدة محتملة للحفاظ على صحة الرجال مع تقدمهم في العمر.

أصغر الكروموسومات بوظائف غامضة

يمتلك أغلب الناس 22 زوجاً من الكروموسومات، بالإضافة إلى اثنين من الكروموسومات الجنسية؛ زوج من الكروموسومات «إكس X» أو كروموسوم «إكس» مع «واي». ويحمل كروموسوم «Y» المفتاح الرئيسي لتحديد جنس الجنين. ولدى البالغين، يُحافظ على إنتاج الحيوانات المنوية. وهو واحد من أصغر الكروموسومات، حوالي ثلث حجم الكروموسوم «إكس»، ويحتوي على عدد قليل من الجينات. ومع ذلك، فإنه يحتوي أيضاً على الكثير من الميزات التي تجعل من الصعب تحليله، ما يعني أنه كان آخر كروموسوم بشري يتم تسلسله بالكامل في عام 2023، وقبل ذلك كان أكثر من نصف تسلسله لغزاً. ولا تزال العديد من وظائفه غير مفهومة بالكلية.

ظهرت حقيقة أن بعض الرجال يفقدون كروموسوم «واي» بصفة دائمة في بعض خلاياهم من خلال الدراسات الجينية التي أُجريت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ولكن كان يُعتقد أن هذا مجرد أثر جانبي حميد للشيخوخة. ثم في الثمانينات والتسعينات، أفاد علماء الأحياء السرطانية بأن أورام الرجال تفتقر في بعض الأحيان إلى كروموسومات «واي». ولكن مع قلة الاهتمام بمساهمة كروموسوم «واي» في وظائف الأعضاء لدى البالغين فيما يتجاوز إنتاج الحيوانات المنوية، لم يحظَ هذا الأمر أيضاً باهتمام جدي.

فقدان الكروموسوم والأمراض

تغيرت الأمور في عام 2014، عندما أسفرت دراسة صحية طويلة الأجل شملت 1153 رجلاً سويدياً في السبعينات والثمانينات من العمر عن اكتشاف تَصَادُفي. فقد أعطى هؤلاء المشاركون عينات دم لتحليل الحمض النووي، ووجد الدكتور فورسبرغ وزملاؤه أن كروموسوم «واي» مفقود من جزء كبير من خلايا الدم لدى حوالي 8 في المائة من المشاركين. ثم لاحظ الفريق شيئاً ملفتاً للنظر: كان متوسط عمر هؤلاء الرجال أقصر بخمس سنوات ونصف السنة من أولئك الذين لم يفقدوا كروموسوم «واي» من خلايا الدم لديهم.

كما وجد الدكتور فورسبرغ، ومشرفه آنذاك الدكتور يان دومانسكي، من جامعة أوبسالا، أن الرجال الذين فقدوا كروموسوم «واي» يصابون بالسرطان بشكل متكرر أكثر، ويصابون بمرض ألزهايمر بمعدلات مرتفعة بشكل صارخ. ففي إحدى الدراسات، على سبيل المثال، وجدوا أن الرجال الذين يعانون من فقدان كروموسوم «واي» كانوا أكثر عرضة للإصابة بألزهايمر بسبعة أضعاف الرجال الذين لا يعانون من فقدانه.

يقول الدكتور دومانسكي إن هذه السلسلة من النتائج «كانت مثيرة للجدل للغاية - ولم يرغب أحد في تصديق ذلك». لكن العديد من الدراسات الاستقصائية اللاحقة الأوسع نطاقاً قد أكدت النتائج وكشفت عن وجود روابط بين فقدان كروموسوم «واي» والعديد من الحالات الأخرى. والأبرز من ذلك أنه في عام 2022، قام الدكتور والش وزملاؤه بتحليل بيانات أكثر من 200 ألف مشارك في دراسة البنك الحيوي في المملكة المتحدة، وخلصوا إلى أن فقدان كروموسوم «واي» مرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بعدة أشكال من أمراض القلب.

انحسار الكروموسوم

للبدء في الكشف عن سبب هذه التأثيرات لفقدان كروموسوم «واي»، نحتاج أولاً إلى فهم كيفية فقدانه. يحتوي جسم البالغين على حوالي 30 تريليون خلية، ويتم استبدال حوالي 300 مليار خلية منها يومياً بخلايا جديدة. وحوالي 90 في المائة من هذه الخلايا الجديدة هي خلايا دم مشتقة من الخلايا الجذعية المكونة للدم في نخاع العظم، بما في ذلك حوالي 100 مليار خلية دم بيضاء.

يحدث فقدان كروموسوم «واي» أثناء عملية الاستبدال هذه، عندما تنقسم الخلايا وتتكاثر. يقول الدكتور فورسبرغ إن هذا الأمر «شائع بشكل كبير - فهو ليس حادثاً غريباً»، ويشك في أنه يحدث لجميع الرجال إلى حد ما، لكن التقدم في العمر يزيده بصورة كبيرة. وقد وجدت دراسة أجريت في فبراير (شباط) الماضي على 25 ألف ذكر تتراوح أعمارهم بين 3 و 95 عاماً أن 11.5 في المائة من الذكور أظهروا بشكل عام فقداناً للكروموسوم «واي» في نسبة 5 في المائة على الأقل من خلايا الدم البيضاء. ومع ذلك، لم تظهر مستويات ملحوظة إلا لدى عدد قليل للغاية من المشاركين الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً، في حين أن نحو 6 في المائة من المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و60 عاماً قد تأثروا، وأكثر من 40 في المائة من السكان الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاماً قد تأثروا به أيضاً.

التدخين والتلوث والمبيدات عوامل خطر

وفيما عدا الشيخوخة، فإن عامل الخطر الرئيسي الثاني المعروف هو التدخين، ولكن فقدان كروموسوم «واي» يرتبط أيضاً بالتعرض لتلوث الهواء، ومبيدات الأعشاب التي تحتوي على «الغليفوسات» (مبيد أعشاب ضارة مستخدم على نطاق واسع)، والمياه الملوثة بالزرنيخ.

لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت الخلايا المنقسمة أكثر عرضة لفقدان كروموسوم «واي» مقارنة بالكروموسومات الأخرى. ونظراً لأن كروموسوم «واي» صغير الحجم وله العديد من تمديدات الحمض النووي المتكررة، فقد يكون من الأسهل وضعه في مكانه الصحيح مقارنة بالكروموسومات الأخرى. ولكن الأهم من ذلك هو أن الخلية الذكرية التي تفقد كروموسوم «واي» تبقى على قيد الحياة، في حين أن فقدانها لأحد الكروموسومات غير الجنسية «ضار للغاية، لدرجة أن هذه الخلية ستموت»، كما يقول الدكتور دومانسكي.

في الواقع، يبدو أن الخلايا الجذعية المكونة للدم الخالية من كروموسوم «واي» تزدهر، ما يؤدي إلى إنتاج نسبة كبيرة من خلايا الدم المتداولة. وتعمل هذه الخلايا المتحولة - كما تقول النظرية - على تعزيز حالات صحية رئيسية ذات صلة بالعمر. (في الإناث، يمكن أن يحدث أيضاً فقدان أحد الكروموسومات «إكس»، وربما بنفس وتيرة فقدان كروموسوم «واي»، ولكن يبدو أن الخلايا المصابة تبدو أقل وفرة أي أقل عدداً).

يقول الدكتور دومانسكي إن أحد الأسئلة المهمة في هذا المجال هو تحديد الخلايا الأخرى لدى الرجال المعرضة لفقدان كروموسومات «واي». كما يجدر توضيح أن هذه الظاهرة تختلف عن مسألة ما إذا كان البشر، على مدى فترات التطور، يمكن بالفعل أن يفقدوا كروموسوم «واي» بشكل كامل ودائم. كما أنه يختلف عن فقدان كروموسوم «واي» العرضي للغاية من الخلايا التناسلية الذكرية، التي يمكن أن تؤدي إلى إنجاب ذرية ثنائية الجنس.

مشكلة خطيرة تهدد جهاز المناعة

مع ذلك، فإن اكتشاف أن العديد من الرجال الأكبر سناً يفقدون كروموسوم «واي» في جزء كبير من خلايا الدم ويعيشون أيضاً حياة أقصر يشير إلى أن شيئاً خطيراً جداً يجري.

منذ البداية، افترض العالمان فورسبرغ ودومانسكي أن اختلال وظيفة المناعة يمكن أن يكون السبب. في عام 2021، على سبيل المثال، وجدوا هم وزملاؤهم أن فقدان كروموسوم «واي» يغير التعبير عن العديد من الجينات في خلايا المناعة البشرية. ونتيجة لذلك «يكون الجهاز المناعي للذكور أكثر هشاشة»، كما يقول الدكتور دومانسكي.

وقد يكون لهذا العديد من التداعيات المباشرة، وهو أمر ملحوظ بشكل خاص في أعقاب الاعتراف المتزايد بدور الجهاز المناعي في الحفاظ على الصحة العامة، وليس فقط في مكافحة العدوى مع تورط الخلل الوظيفي في الجهاز المناعي المرتبط بالعديد من الحالات، وليس أقلها السرطان وأمراض القلب ومرض ألزهايمر.

ولكن ليس الجميع مقتنعين بهذه الفكرة. على سبيل المثال، يعتقد الدكتور جون بيري من جامعة كمبريدج أن فقدان كروموسوم «واي» ومعظم الأمراض المرتبطة به هي مظاهر موازية للمشكلة الحقيقية: زيادة عدم الاستقرار الجيني المرتبط بالعمر. ويقول بيري إن «أقوى عاملين يحددان ما إذا كنت سوف تصاب بفقدان كروموسوم (واي) من عدمه - ومدى ذلك - هما العمر والتدخين». كلاهما عامل كبير وخطير يسببان التلف الجيني والإصابة بالأمراض، لذلك يشتبه في أن العمليات التي تسبب تلف الحمض النووي تؤدي أيضاً إلى فقدان كروموسوم «واي». ويضيف قائلاً: «ليس من المستغرب أن ترى العلاقة بين فقدان كروموسوم (واي) وكل شيء سيئ تقريباً».

في عام 2019، بحثت دراسة أجراها الدكتور بيري وزملاؤه في العوامل الوراثية ذات الصلة بخطر فقدان كروموسوم «واي» في ما يقرب من مليون رجل، وكشفت عن 156 متغيراً جينياً مرتبطاً بزيادة معدل الإصابة. تشارك هذه الجينات إلى حد كبير في إصلاح تلف الحمض النووي وتنظيم تقسيم الخلايا، ما يشير إلى أن فقدان كروموسوم «واي» هو نتيجة لاضطراب في هذه العمليات، وليس حلقة سببية في السلسلة.

ولاختبار ذلك، حقق فريق بيري فيما إذا كانت النساء اللواتي لديهن المتغيرات الجينية نفسها التي تُعرّض الرجال لفقدان كروموسوم «واي» يُصبَن أيضاً بالمزيد من الأمراض ذات الصلة بالعمر. إنهن يُصبَن بالفعل. يقول الدكتور بيري: «لقد كان ذلك دليلاً قاطعاً على مبدأ أن كل ما تملكه هو كمية من الجينات التي تهيئ المجال لزعزعة استقرار الجينوم - ولكن أحد مظاهر ذلك لدى الرجال هو فقدان كروموسوم (واي)».

يوافق الدكتور فورسبرغ على أن هذه الآلية موجودة، لكنه يقول إنها لا تنفي احتمال أن يكون لفقدان كروموسوم «Y» أيضاً عواقب صحية مباشرة. كما دعمت دراسات حديثة دوره السببي في اعتلال الصحة، ما ساعد على دحض الفكرة التي طالما اعتبرها البعض سائدة من زمن طويل، بأن كروموسوم «واي» - بعيداً عن دوره في تحديد الجنس والإنجاب - هو خامل وراثياً إلى حد كبير.

تدهور الإدراك وأمراض القلب

وقد ثبت أن فقدان كروموسوم «واي» يلعب دوراً في مرض السرطان.

ولقد بدأت دراسات الآليات التي استندت إليها هذه العملية حين حوّل الدكتور والش اهتمامه إلى كروموسوم «واي» بعد أن درس لمدة طويلة كيف قد تؤدي الطفرات في خلايا الدم إلى أمراض القلب والأوعية الدموية. وللوقوف على ما إذا كان فقدان كروموسوم «واي» يسبب مشاكل صحية مباشرة من عدمه، لجأ فريق والش إلى الفئران. أولاً، عدّلوا الخلايا الجذعية المكونة للدم وراثياً لدى الفئران لكي تفتقر إلى وجود كروموسومات «واي». ثم أخذوا بعض الفئران السليمة الأخرى، واستأصلوا الخلايا المكونة للدم لديها واستبدلوا بها خلايا خالية من كروموسوم «واي».

ومن ثم، أصبحت خلايا الدم لدى هذه الحيوانات خالية من كروموسوم «واي»، بغض النظر عن جميع العوامل التي قد تؤدي عادة إلى فقدانه.

ويقول الدكتور والش إنه مع تقدم هذه الفئران في العمر، فإنها تُصاب بخلل وظيفي في القلب وتدهور إدراكي و«تموت بالأساس في وقت مبكر». وقد أظهر ذلك أن فقدان كروموسوم «واي» من الخلايا المناعية يمكن أن يسبب مشكلات صحية مباشرة. وكان هذا الاكتشاف هو الذي ألهم الدكتور والش وزملاءه للتحقيق في البيانات من البنك البيولوجي في المملكة المتحدة، في الدراسة واسعة النطاق وطويلة الأجل لعلم الوراثة والصحة. وهنا، وجدوا صلة بين النسبة المئوية لخلايا الدم التي فقدت كروموسوم «واي» واحتمال الوفاة من أمراض الجهاز الدوري على مدى السنوات الـ11 المقبلة. فعلى سبيل المثال، تعرض الرجال الذين لديهم 40 في المائة أو أكثر من خلايا الدم البيضاء التي لا تحتوي على كروموسوم «واي» لخطر متزايد للإصابة بالأمراض بنسبة 31 في المائة.

ثم استخدم الباحثون الفئران المعدلة وراثياً للتحقيق بدقة في كيف يمكن أن يسبب فقدان كروموسوم «واي» مشاكل قلبية. ولقد وجد الباحثون أن قلوب هذه الفئران - بل ورئتيها وكليتيها - تتراكم لديها كمية زائدة من الأنسجة الندبية، أو التليف، الذي من المرجح أن يكون مدفوعاً بنشاط خلايا مناعية خالية من كروموسوم «واي». وعندما أعطى الفريق الفئران دواءً مضاداً للتليف، حال ذلك دون الإصابة بأمراض القلب.

إذا ما تأكد هذا التأثير على التليف لدى البشر أيضاً، يعتقد الدكتور والش أن الأطباء قد يكونون قادرين يوماً ما على استخدام جرعات وقائية من الأدوية المضادة للتليف للوقاية من أمراض القلب لدى أولئك الذين يعانون من فقدان كروموسوم «واي».

الإصابة بالسرطان

في الآونة الأخيرة، ثبت أيضاً أن فقدان كروموسوم «واي» يلعب دوراً في الإصابة بمرض السرطان. ففي مركز «سيدارز سيناي» الطبي في لوس أنجليس، كان الدكتور دان ثيو دوريسكو يدرس سرطان المثانة - وهي حالة تصيب الرجال حوالي أربع مرات أكثر من النساء - وتساءل عما إذا كان كروموسوم «واي» يساهم في الاختلافات الجنسية في هذا المرض. وللتحري عن ذلك، قام هو وزملاؤه بتخليق خلايا مثانة سرطانية تحتوي على كروموسوم «واي» أو تفتقر إليه، وحقنها في الفئران. وكانت النتائج مذهلة: نمت الأورام التي لا تحتوي على كروموسوم «واي» أسرع مرتين من نمو الأورام التي تحتوي عليه.

عندما استشار فريق ثيودوريسكو محتويات قواعد البيانات البشرية، وجد أن 10 إلى 40 في المائة من أورام المثانة لدى الرجال تفتقر إلى الكروموسوم «واي»، وعندما يحدث ذلك، تحدث الوفاة بشكل أسرع بكثير من الرجال الذين تحتفظ أورامهم السرطانية بهذا الكروموسوم. ومع ذلك، عندما زرع الباحثون خلايا الورم الخالية من كروموسوم «واي» في الأوعية المختبرية وجدوا أنها تتكاثر بنفس معدل تكاثر خلايا الورم التي تحتوي على كروموسوم «واي». مما يشير إلى أن زيادة معدل النمو الملحوظ في الجسم لم تكن بسبب الخلايا الخالية من كروموسوم «Y» التي تتكاثر بشكل أسرع، ولكن ربما كان لها علاقة بقدرتها على التهرب من الجهاز المناعي.

وقد دعمت التجارب اللاحقة هذا الرأي، حيث وجد الدكتور ثيو دوريسكو وزملاؤه أنه في سرطان المثانة، يؤدي فقدان كروموسوم «واي» إلى جعل الخلايا السرطانية تنتج بروتينات تستنزف الخلايا التائية، وهي نوع من الخلايا المناعية التي تتعرف عادة على السرطانات وتهاجمها. ومع إمكانات أقل بكثير لعمليات القمع التي تنفذها هذه الخلايا التائية، يصبح السرطان قادراً على النمو بصورة أكثر شراسة.

ولهذا الاكتشاف آثار بالغة الأهمية على العلاج. اذ تعمل مثبطات الحواجز المناعية - وهي الأدوية التي أحدثت ثورة في علاج السرطان على مدى العقد الماضي - من خلال منع آلية الاستنزاف هذه، ما يُمكّن الخلايا التائية من مهاجمة العديد من أنواع السرطان المختلفة بصورة أفضل. وقد رأى فريق الدكتور ثيو دوريسكو أنه في الفئران، عملت الأدوية بصورة أكثر فاعلية ضد أورام المثانة الخالية من كروموسوم «واي» مقارنة مع تلك التي تحتوي عليه. ومرة أخرى، توافقت البيانات الإكلينيكية: يستجيب الأشخاص المصابون بسرطان المثانة بفقدان كروموسوم «واي» بشكل أفضل بكثير لمثبطات الحواجز المناعية مقارنة بتلك التي يحتوي ورم المثانة لديهم على كروموسوم «واي».

البحث عن أسباب الأمراض

يجري الآن التحقيق فيما إذا كان فقدان كروموسوم «واي» يمثل عاملاً مهماً في أنواع أخرى من الأورام السرطانية غير سرطان المثانة. وقد وجدت دراسة أجريت عام 2023 بقيادة الدكتورة إستر راينباي من جامعة هارفارد أنه «من الشائع للغاية» أن خلايا الأورام في العديد من الأنواع المختلفة من السرطان تفتقر إلى كروموسوم «واي»، ما يشير إلى تأثير واسع النطاق.

كما تشير الدراسات التي أجراها كل من والش وثيو دوريسكو أيضاً إلى السبب المحتمل لهذه الآثار: وجود جين في الكروموسوم «واي» يُسمى «يو تي واي - UTY». ويُنتج هذا الجين إنزيماً يشارك في تنظيم جينات أخرى - وعلى الأخص تلك التي تعبر عنها الخلايا المناعية - لذا فإن فقدانه ربما يؤدي إلى تغييرات واسعة النطاق في التعبير الجيني، وهو ما يشتبه الباحثون في أنه يخلق مشكلات صحية.

وعلى الرغم من تحذيرات الدكتور بيري، فإن الرسالة العامة هي، كما يصفها الدكتور ثيو دوريسكو: «فقدان الكروموسوم (واي) أمر سيئ». إن حجم الفرق في أعمار الذكور والإناث الذي قد يكون السبب في حدوثه لم يُحدد بعد، ولكن تقديرات الدكتور دومانسكي تشير إلى أنه قد يكون أكثر من النصف.

هناك سؤال رئيسي آخر - لم تتم الإجابة عليه بعد - وهو ما إذا كانت تغييرات نمط الحياة التي تعزز شيخوخة صحية، مثل نظام غذائي أفضل، وتحسين النوم، وتجنب الكثير من الضغط النفسي، وعدم تناول الكحول، قد تبطئ من فقدان كروموسوم «واي».

يقول الدكتور دومانسكي إن خلاصة كل ذلك هي أن وجهات نظرنا حول أهمية كروموسوم «واي» - الذي طالما تم تجاهله لفترة طويلة - «تتغير بصورة جذرية. ونحن فقط لا نزال في أول الطريق».

هل يختفي الكروموسوم «واي» تماماً؟

منذ أن تطورت الكروموسومات «X» و«Y» لدى الثدييات لأول مرة قبل حوالي 200 مليون سنة، ظل كروموسوم «إكس» على حاله تقريباً، في حين فقد كروموسوم «واي» نحو 97 في المائة من جيناته الأصلية. في واقع الأمر، يُعد كروموسوم «واي» الكروموسوم البشري الأسرع من حيث التغير. وقد أدى هذا إلى مخاوف من أن يختفي تماماً على نحو لا رجعة فيه، وأنه على وشك الاختفاء بصورة نهائية.

للوهلة الأولى، يبدو أن لذلك تأثيرات خطيرة على وجود الذكور بحد ذاته. ولكنْ هناك عدد قليل من أنواع الثدييات التي حدث لها هذا بالفعل، ولا تزال هذه الكائنات تأتي في صور ذكورية وأنثوية. وعلى سبيل المثال، فإن جرذ «آمامي الشوكي» (Amami spiny rat) لا يمتلك كروموسوم «واي»، ولكن الجين الموجود في مكان آخر في الجينوم الخاص به قد تطور ليصبح طريقة جديدة تماماً لتحديد الجنس.

ويبدو احتمال خضوع البشر لتغيرات مماثلة منخفضاً، وفقاً للدكتور كينيث والش من جامعة فرجينيا، الذي يقول إنه بعد بعض الانكماش الكبير في البداية، استقر حجم الكروموسوم «واي» في معظم الأنواع على مدى الـ25 مليون سنة الماضية. وفي ظل احتواء هذا الكروموسوم على جينات قد تخدم وظائف مهمة في الخلايا المناعية وربما في أماكن أخرى، فإن مستقبله في تلك الأنواع - بما في ذلك لدى البشر - يبدو مؤكداً.

* مجلة «نيوساينتست»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

يوميات الشرق الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

هل تجد صعوبة في إبقاء عينيك مفتوحتين بعد الغداء؟ كثيراً ما يبدأ الناس يومهم بنشاط ثم تنهار طاقتهم بعد الغداء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يعدّ الشاي بأنواعه المختلفة من أكثر الخيارات شيوعاً لخسارة الوزن (بيكسلز)

من الأسود إلى الأبيض... 8 أنواع شاي تساعد على خسارة الوزن وحرق الدهون

يبحث كثيرون عن طرق طبيعية وآمنة لدعم خسارة الوزن وتحسين عملية الأيض، ويعدّ الشاي بأنواعه المختلفة من أكثر الخيارات شيوعاً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك زيت الخروع يُستخدم مليّناً وفي منتجات العناية بالبشرة والشعر (بكسلز)

استخدمته كليوباترا لتفتيح بياض عينيها... ما الفوائد الصحية لزيت الخروع؟

زيت الخروع عبارة عن زيت كثيف عديم الرائحة، يُستخرج من بذور نبات الخروع. يعود استخدامه إلى مصر القديمة، حيث يُرجح أنه استُخدم وقوداً للمصابيح.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك توت البلسان يحتوي على كمية جيدة من فيتامين «سي» (بيكسلز)

نوع من التوت يساعد في التقليل من نزلات البرد الشتوية

استخدم السكان الأصليون في أميركا ثمار البلسان في الطب التقليدي لآلاف السنين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك سكري الحمل يمكن أن يؤدي إلى نمو مفرط للطفل... لذا أهمية المتابعة المستمرة له لوقاية الأطفال من تداعيات مستقبلية (بيكسباي)

دراسة: المتابعة المستمرة لسكري الحمل يمكنها وقاية الأطفال من تداعيات مستقبلية

أظهرت بيانات من تجربة جديدة أنه يمكن للنساء اللاتي يصبن بالسكري المرتبط بالحمل أن يقللن من احتمالات إنجاب مولود جديد بوزن أعلى من المتوسط عند الولادة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.