غموض حول مشاركة بوتين في المفاوضات وتوقعات بجولة صعبة رغم الضغط الأميركي

ملفات سياسية وفنية على طاولة المحادثات الروسية - الأوكرانية في إسطنبول

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
TT

غموض حول مشاركة بوتين في المفاوضات وتوقعات بجولة صعبة رغم الضغط الأميركي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

سيطر الغموض على الترتيبات التي تضعها موسكو لجولة مفاوضات حاسمة ومهمة ينتظر أن تنطلق الخميس في إسطنبول. ولم تعلن «الرئاسة الروسية» رسمياً عن تركيبة ومستوى الوفد الروسي المشارك، كما لم يؤكد الكرملين احتمال أن يتوجه الرئيس فلاديمير بوتين إلى إسطنبول للقاء نظيره التركي رجب طيب إردوغان، وكذلك للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي تحدثت تقارير عن احتمال توجهه إلى تركيا في هذا الوقت. واكتفى الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف بإشارة رداً على أسئلة الصحافيين حول احتمال عقد اجتماعات على المستوى الرئاسي، بأن ثمة «اتصالات» تجري، من دون أن يوضح ما إذا كانت أثمرت عن اتفاقات محددة.

في غضون ذلك، بات معلوماً أن بوتين لن يلتقي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، رغم أن الأخير كان قد أعلن أنه «ينتظر بوتين في إسطنبول». وقالت مصادر مقربة من «الرئاسة الروسية» إن احتمال اللقاء مع زيلينسكي قائم في حال أنتجت جولات التفاوض تقدماً ملموساً، وبات الطرفان مستعدين لتوقيع اتفاق سلام.

في الأثناء، تحدثت تسريبات في موسكو عن أن وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الدولية يوري أوشاكوف، قد يكونان على رأس الوفد التفاوضي الروسي، وهذا يعني، إن صحت التقارير، أن التمثيل الروسي في هذه الجولة سيكون أعلى من التمثيل في جولة المفاوضات المباشرة السابقة والوحيدة التي انعقدت في إسطنبول في مارس (آذار) 2022. ومثل روسيا في تلك الجولة السياسي الروسي المقرب من الكرملين فلاديمير ميدينسكي. ولا تستبعد مصادر إعلامية أن مستوى التمثيل يعكس وجود صلاحيات أوسع لدى الوفد الروسي في هذه المرة.

صورة أرشيفية للرئيسين ترمب وبوتين خلال «قمة العشرين» باليابان في يونيو 2019 (أ.ب)

لكن ذكرت صحيفة «كوميرسانت» أن لافروف لن يشارك في المحادثات. وقالت «رويترز» إنه لم يتسن لها تأكيد تقرير «كوميرسانت» الذي لم يحدد مصدره.

واستبق أوشاكوف الجولة بالإعلان عن أن «الوفد الروسي في المحادثات مع أوكرانيا في إسطنبول سيناقش قضايا سياسية وفنية». وأوضح أن حزمة الملفات المطروحة من الجانب الروسي بما تتضمنه من قضايا سياسية وأخرى فنية هي التي ستلعب دوراً في تشكيلة الفريق التفاوضي الذي يعينه بوتين. وأشار أوشاكوف إلى أن القنصلية العامة الروسية في إسطنبول والسلطات التركية تتولى تحديد مكان اللقاء.

وقال إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وعد بتقديم «الضيافة التركية التقليدية الكاملة» خلال محادثة هاتفية مع بوتين. وعندما سأله أحد الصحافيين عما إذا كانت هناك أي تلميحات حول لقاء محتمل في تركيا بين بوتين وترمب، أجاب أوشاكوف بأن الأخير «موجود حالياً في الشرق الأوسط، وهو مشغول بأمور مهمة للغاية؛ لكنه لم يستبعد عقد اللقاء»، وأضاف: «هناك الكثير من التصريحات حول المفاوضات، ونحن بحاجة إلى أن نرى كيف يتطور الوضع».

اقتراح للمفاوضات المباشرة

وكان بوتين اقترح استئناف المفاوضات المباشرة مع أوكرانيا من دون شروط مسبقة في إسطنبول، محدداً يوم 15 مايو (أيار). وأكد أنه لا يستبعد التوصل إلى وقف حقيقي لإطلاق النار تلتزم به كييف.

ووصف بيسكوف الاقتراح بأنه يظهر الرغبة في إيجاد حل سلمي. وقال المتحدث باسم الكرملين إن هدف المفاوضات مع أوكرانيا هو القضاء على الأسباب الجذرية للصراع وضمان مصالح روسيا. وتجنبت موسكو عبر الاقتراح التعليق على دعوة أوروبية أوكرانية لإعلان هدنة مدتها شهر. وقال الكرملين إن وقف النار يجب أن يكون نتيجة للمحادثات.

ردّ فولوديمير زيلينسكي على مبادرة بوتين بإنذار نهائي: فوفقاً له، لن تجلس كييف على طاولة المفاوضات إلا إذا وافقت موسكو على وقف إطلاق نار كامل اعتباراً من 12 مايو. ولكن بعد أن دعا ترمب سلطات كييف إلى الموافقة الفورية على اقتراح موسكو، قال زيلينسكي إنه سينتظر الزعيم الروسي في تركيا يوم الخميس.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أرشيفية - أ.ب)

مفاوضات صعبة

ورأت أوساط روسية أن جولة المفاوضات ستكون صعبة ومعقدة للغاية، برغم أنها تحظى بدعم قوي من جانب واشنطن. وعقد خبراء مقارنات بين الوضع الحالي والوضع أثناء جولة المفاوضات السابقة في 2022، علماً بأن روسيا كانت قد أعلنت سابقاً أنها مستعدة لاستئناف المفاوضات من حيث توقفت في تلك الفترة، لكن مع مراعاة «التغيرات الميدانية»؛ في إشارة إلى تقدم الجيش الروسي على خطوط التماس، وإعلان ضم أربع مقاطعات أوكرانية بشكل أحادي صيف عام 2022. وللمقارنة فإن التذكير بنتائج الجولة السابقة يعكس حجم المتغيرات والتعقيدات التي تواجه الطرفين. ففي تلك الجولة قدمت أوكرانيا مقترحات محددة لإنهاء الاجتياح الروسي لأراضيها، فيما ردت روسيا بتعهدات. وقد اقترحت أوكرانيا تبني وضع محايد مقابل ضمانات دولية لحمايتها من التعرض لهجوم.

وقال مفاوضون أوكرانيون إنهم اقترحوا وضعاً لا تنضم بموجبه بلادهم إلى تحالفات أو تستضيف قواعد لقوات أجنبية، لكن أمنها سيكون مضموناً بعبارات مشابهة لما ورد في «المادة 5»، وهي بند الدفاع الجماعي في حلف شمال الأطلسي.

وشملت المقترحات أيضاً فترة مشاورات مدتها 15 عاماً بشأن وضع شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، ويمكن أن تدخل حيز التنفيذ فقط في حالة وقف إطلاق النار الكامل.

وقال المفاوض الأوكراني أولكسندر تشالي: «إذا أمكننا تثبيت هذه البنود الرئيسية - وبالنسبة لنا هذا أهم شيء - فإن أوكرانيا ستكون عندئذ في وضع يوطد فعلياً وضعها الحالي باعتبارها دولة غير عضو في أي تكتل وغير نووية في صيغة الحياد الدائم».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يمين) ونظيره الروسي فلاديمير بوتين (أرشيفية - أ.ف.ب)

من جانبها، قلصت موسكو عملياتها العسكرية بنتيجة تلك الجولة حول المدن الرئيسية. وأشار كبير المفاوضين الروس إلى أن روسيا لا تعارض انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. وتعهد بدراسة المقترحات الأوكرانية وإعلان موقف حيالها.

وأشار ميدينسكي إلى أن الحديث يدور عن أنه في البداية سيتم إعداد مسودة اتفاق سلام، ومن ثم تتم الموافقة عليها من قبل الوفدين، ثم يصدق عليها وزيرا الخارجية، ثم يتم بحث لقاء الرئيسين للتصديق عليها.

ولفت إلى أن الضمانات الأمنية التي طلبتها أوكرانيا لا تنطبق على شبه جزيرة القرم ودونباس؛ أي أن أوكرانيا ستتخلى عن إمكانية استعادة هذه المناطق بالوسائل العسكرية.

تظهر تصريحات الجانبين في تلك الجولة مستوى المتغيرات على الأرض، إذ ترفض روسيا حالياً مناقشة أن ملف يتعلق بانسحاب من الأراضي الأوكرانية التي أعلنت أنها «غدت روسية إلى الأبد»، كما تعارض روسيا بشكل حازم مبدأ وجود قوات حفظ سلام غربية على أراضي أوكرانيا. وهي بذلك ترفض فكرة تقديم ضمانات غربية لكييف مستقبلاً.

ورأى خبراء روس أن اختيار إسطنبول مرة ثانية لعقد المفاوضات، حمل في حد ذاته رسالة إلى الجانب الأوكراني بأن «ما رفضته كييف في السابق لن يكون مطروحاً هذه المرة على الطاولة».

وقال ستانيسلاف تكاتشينكو، أستاذ قسم الدراسات الأوروبية في كلية العلاقات الدولية بجامعة سانت بطرسبرغ الحكومية وخبير في نادي «فالداي» إن بوتين «اختار إسطنبول بصفتها مكاناً للمفاوضات بشأن الصراع الأوكراني حتى تفهم سلطات كييف أنها ارتكبت خطأ فادحاً برفضها إحلال السلام هناك في عام 2022. (...) تظل شروط روسيا دون تغيير: فكما كانت قبل ثلاث سنوات، تطالب موسكو بنزع السلاح والحياد لجارتها، ولكن الآن ستبدأ أوكرانيا المفاوضات منهكة ونصف مدمرة ومتقلصة الحجم».

وزاد أن استئناف المفاوضات حالياً مع التغيرات الكبرى التي طرأت على الأرض يعد مؤشراً إلى «الخطأ المأساوي لكييف باتباع نهج شركائها الغربيين والتخلي عن مسودة اتفاق 2022. (...) يبدأ الطرفان الحوار من حيث توقفا قبل ثلاث سنوات: الموقع لم يتغير والمطالب لم تتغير. الشيء الوحيد الذي تغير هو أن كييف عانت من دمار هائل وخسائر إقليمية وعسكرية، وستتوصل الآن إلى اتفاق في واقع مختلف بالنسبة لها. وهذه أخبار سيئة بالنسبة لأوكرانيا».

حزمة عقوبات جديدة على موسكو

الرئيس ماكرون (الثاني من اليسار) في كييف وإلى جانبه الرئيس زيلينسكي ثم رئيس الوزراء البريطاني ستارمر ونظيره البولندي تاسك وإلى يمينه المستشار الألماني ميرتس يوم 10 مايو (إ.ب.أ)

صدقت دول الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، على الجولة الـ17 من العقوبات على روسيا، حسبما قال دبلوماسيون اليوم. وقالت مصادر إن العقوبات الجديدة تهدف لتعزيز الإجراءات ضد ما يطلق عليه «أسطول الظل الروسي». ووفقاً للمقترح، فإنه سوف يتم منع نحو 200 سفينة من دخول الموانئ الأوروبية. ولن يمكن للسفن التي تخضع للعقوبات الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الشركات الأوروبية.

كما أن هناك خططاً لاستهداف عشرات الشركات التي تتحايل على العقوبات الروسية.

وتبنى سفراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل العقوبات الجديدة، ومن المتوقع أن يتبناها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي رسمياً خلال اجتماعهم الأسبوع المقبل.

وأعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن ترحيبها بالعقوبات الإضافية. وكتبت أورسولا فون دير لاين على منصة «إكس» تقول: «هذه الحرب يجب أن تنتهي، وسنواصل تكثيف الضغط على الكرملين».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: نشعر أن أميركا ترغب في التوصل لاتفاق نهائي لإنهاء الحرب

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

زيلينسكي: نشعر أن أميركا ترغب في التوصل لاتفاق نهائي لإنهاء الحرب

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الثلاثاء إن بلاده تشعر أن الولايات المتحدة ترغب في التوصل إلى اتفاق نهائي لإنهاء الحرب مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
تحليل إخباري الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)

تحليل إخباري تساؤلات حول مبادرة ماكرون باستئناف الحوار مع بوتين

أثارت مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون بالعودة إلى الحوار مع الرئيس بوتين الكثير من علامات الاستفهام في أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)

الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

قد تؤدّي ضربة روسية إلى انهيار الملجأ المضاد للإشعاعات داخل محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)

حرب أوكرانيا... مفاوضات على حافة الاختبار

تقف حرب أوكرانيا عند مفترق حساس: مفاوضات مكثفة لكنها غير حاسمة، واقتصاد روسي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة، وتحذيرات أميركية من الوقوع في وهم «السلام السريع».

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا صورة للواء الآلي الرابع والعشرين التابع للقوات المسلحة الأوكرانية في 22 ديسمبر 2025 تُظهر الدمار الذي لحق بمدينة كوستيانتينيفكا في منطقة دونيتسك بأوكرانيا (إ.ب.أ)

الجيش الأوكراني ينسحب من مدينة سيفرسك في شرق البلاد

أعلن الجيش الأوكراني انسحابه من بلدة سيفرسك، شرق البلاد، بعدما كانت القوات الروسية أعلنت في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي السيطرة عليها.

«الشرق الأوسط» (كييف)

زيلينسكي: نشعر أن أميركا ترغب في التوصل لاتفاق نهائي لإنهاء الحرب

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
TT

زيلينسكي: نشعر أن أميركا ترغب في التوصل لاتفاق نهائي لإنهاء الحرب

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الثلاثاء، إن بلاده تشعر أن الولايات المتحدة ترغب في التوصل إلى اتفاق نهائي لإنهاء الحرب مع روسيا، مضيفاً أن الجانب الأوكراني يتعاون معها بشكل كامل.

وأضاف زيلينسكي في كلمة نشرها على حسابه على منصة «إكس»: «أوكرانيا لم تكن، ولن تكون أبداً، عقبة في طريق السلام. نعمل بنشاط ونبذل كل ما هو ضروري لضمان إنجاز الوثائق وأن تكون واقعية».

وأشار الرئيس الأوكراني إلى أنه من الضروري «أن تمتنع روسيا عن تخريب هذه الجهود الدبلوماسية، وأن تتعامل مع إنهاء الحرب بجدية تامة، وإذا لم تفعل ذلك، فلا بد من ممارسة ضغوط إضافية عليها».

كان زيلينسكي قد قال في وقت سابق اليوم إن المفاوضات الجارية حالياً بشأن الحرب يمكن أن تُحدث تغييراً جذرياً في الوضع، مؤكداً ضرورة ضمان ممارسة الضغط المناسب على روسيا من أجل السلام.

وعبر زيلينسكي عن امتنانه للدعم الذي تقدمه أوروبا لأوكرانيا في اتصال هاتفي مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قائلاً إن قرار المجلس الأوروبي الأسبوع الماضي بتقديم مساعدات مالية لأوكرانيا بقيمة 90 مليار يورو «أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا».


بريطانيا: إدانة رجلين بالتآمر لقتل مئات اليهود مع تصاعد المخاوف من «داعش»

صورة التقطتها كاميرا مراقبة لوليد سعداوي وعمار حسين في مدينة دوفر الساحلية جنوب شرقي إنجلترا (رويترز)
صورة التقطتها كاميرا مراقبة لوليد سعداوي وعمار حسين في مدينة دوفر الساحلية جنوب شرقي إنجلترا (رويترز)
TT

بريطانيا: إدانة رجلين بالتآمر لقتل مئات اليهود مع تصاعد المخاوف من «داعش»

صورة التقطتها كاميرا مراقبة لوليد سعداوي وعمار حسين في مدينة دوفر الساحلية جنوب شرقي إنجلترا (رويترز)
صورة التقطتها كاميرا مراقبة لوليد سعداوي وعمار حسين في مدينة دوفر الساحلية جنوب شرقي إنجلترا (رويترز)

أُدين رجلان، اليوم (الثلاثاء)، بالتآمر لقتل المئات من أفراد الجالية اليهودية في إنجلترا بهجوم مسلح مستوحى من ​هجمات تنظيم «داعش»، ويقول محققون إنه هجوم مخطط ويُظهر الخطر المتجدد الذي يمثله التنظيم المسلح.

وقالت الشرطة والمدعون العامون إن وليد سعداوي (38 عاماً) وعمار حسين (52 عاماً) متطرفان أرادا استخدام أسلحة نارية آلية لقتل أكبر عدد ممكن من اليهود في محيط مدينة مانشستر.

وقال روبرت بوتس، مساعد رئيس الشرطة والمسؤول عن شرطة مكافحة الإرهاب في شمال غربي إنجلترا، إنه لو نُفذت خططهما لكان الهجوم «من أكثر الهجمات الإرهابية المميتة في تاريخ بريطانيا إن لم يكن أكثرها فتكاً».

تأتي إدانتهما ⁠بعد أيام من إطلاق نار جماعي خلال احتفال بعيد الحانوكا ‌على شاطئ بونداي في سيدني ‍والذي أودى بحياة ‍15 شخصاً.

وقال تنظيم «داعش» إن الهجوم ‍الأسترالي «مصدر فخر». وعلى الرغم من أن التنظيم المتشدد لم يعلن مسؤوليته عن الهجوم، فقد أثار تعليقه هذا مخاوف من زيادة العنف الذي ينفذه متطرفون.

أسلحة ضُبطت لدى وليد سعداوي (رويترز)

ورغم أن ​«داعش» لم يعد يشكل التهديد نفسه الذي كان يمثله قبل عقد حين سيطر ⁠على مناطق واسعة في العراق وسوريا، فإن مسؤولي الأمن الأوروبيين يحذرون من أن التنظيم والجماعات التابعة لتنظيم «القاعدة» تسعى مجدداً لتصدير العنف إلى الدول الأخرى وتحريض مهاجمين محتملين عبر الإنترنت.

وقالت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر، الأسبوع الماضي: «يمكنك أن ترى مؤشرات على أن بعض تلك التهديدات الإرهابية بدأت تنمو من جديد وتزداد».

وقال المدعون العامون البريطانيون لهيئة المحلفين إن سعداوي وحسين «اعتنقا آراء» تنظيم «داعش» وكانا على استعداد للمخاطرة بحياتهما من أجل أن يصبحا «شهيدين».


تساؤلات حول مبادرة ماكرون باستئناف الحوار مع بوتين

الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)
الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)
TT

تساؤلات حول مبادرة ماكرون باستئناف الحوار مع بوتين

الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)
الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)

يعود آخر اتصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي ونظيره الروسي بمبادرة من الأول إلى يوم الثلاثاء في 1 يوليو (تموز) الماضي. وقتها، أفاد قصر الإليزيه بأن الاتصال دام أكثر من ساعتين، وتركز بشكل خاص على الملف النووي الإيراني، وذلك بعد أيام قليلة على الضربات الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت المنشآت النووية والخبراء وأعضاء في القيادات العسكرية الإيرانية.

لكن الاتصال تطرق أيضاً للحرب في أوكرانيا. ووفق الإليزيه، فقد كان أشبه بـ«حوار طرشان» للتمايز العميق في مقاربة الطرفين. ورغم ذلك، أفاد بيان الإليزيه بأن ماكرون وبوتين «قررا استكمال التواصل بينهما حول هذه النقطة».

كان ماكرون الوحيد بين القادة الغربيين، باستثناء الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الذي كسر قاعدة فرض العزلة الدبلوماسية على بوتين رغم أنه، في العامين الأخيرين، سعى لتزعم الجناح المتشدد في التعاطي مع روسيا، إن لجهة فرض العقوبات المالية والاقتصادية عليها، أو في دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً، أو في الدعوة إلى إنشاء «تحالف الراغبين» في إرسال وحدات عسكرية ترابط على الأراضي الأوكرانية لـ«ردع» روسيا عن مهاجمة جارتها أوكرانيا بعد التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية.

كذلك، سعى ماكرون ليكون «مرجعاً» للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي دعاه إلى باريس ثلاث مرات في الآونة الأخيرة ووقَّع معه «مذكرة تفاهم» لتزويد أوكرانيا بمائة طائرة مقاتلة من طراز «رافال» من الجيل الرابع.

الرئيس الأركاني فولوديمير زيلينسكي محاطاً في برلين بقادة أوروبيين وبأمين عام الحلف الأطلسي والمفاوضين الأميركيين في ملف الحرب الأوكرانية 15 ديسمبر (إ.ب.أ)

يغرّد خارج السرب الأوروبي

مرة أخرى، يغرّد ماكرون خارج السرب الأوروبي. ففي المؤتمر الصحافي، الذي عقده عقب انتهاء القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل التي أقرَّت قرضاً لأوكرانيا قيمته 90 مليار يورو، فاجأ ماكرون جميع الحاضرين بدعوته إلى معاودة الحوار المباشر مع بوتين. وبرر دعوته بقوله: «أرى أن هناك أشخاصاً يتحدثون إلى فلاديمير بوتين؛ لذا أعتقد أنه من مصلحتنا نحن الأوروبيين والأوكرانيين إيجاد إطار لإعادة فتح هذه المناقشة بشكل رسمي وإلا سنظل نناقش الأمور فيما بيننا، بينما يتفاوض المفاوضون وحدهم مع الروس. وهذا ليس مثالياً».

وكان ماكرون يشير إلى الرئيس الأميركي الذي لا يجد غضاضة في الاجتماع مع بوتين وجهاً لوجه كما حصل في ألاسكا، أو التواصل معه هاتفياً أكثر من مرة. وجاء الرد من الرئيس الروسي سريعاً؛ إذ قال يوم الأحد، بمناسبة مؤتمره الصحافي السنوي، إنه «مستعد للحوار» مع ماكرون. لذا؛ سارعت مصادر الرئاسة الفرنسية إلى القول إنه «من المرحّب به أن يمنح الكرملين موافقته العلنية على هذه المبادرة. سننظر خلال الأيام المقبلة في أفضل طريقة للمضي قدماً».

ولأن مبادرة ماكرون جاءت مفاجئة، فإن مصادر الإليزيه حرصت على الرد سلفاً على أي انتقادات بتأكيدها أن «أي نقاش مع موسكو سيتم بكل شفافية» مع زيلينسكي ومع الأوروبيين، وأن هدفها يظل التوصل إلى «سلام متين ودائم» للأوكرانيين. وفي معرض تبريره غياب الحوار مع ورسيا، قال قصر الإليزيه: «إن غزو أوكرانيا وإصرار الرئيس بوتين على الحرب وضعا حداً لأي إمكانية للحوار خلال السنوات الثلاث الماضية». أما توقيت استئنافه، فإنه سيحصل بمجرد أن تتضح ملامح وقفٍ لإطلاق النار و(انطلاق) مفاوضات سلام، (عندها) يصبح من المفيد مجدداً التحدث إلى بوتين».

الرئيس الأوكراني وجهاً لوجه مع الرئيسين الأميركي والفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني في البيت الأبيض 18 أغسطس (أ.ب)

مبررات مبادرة ماكرون

تقول مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس إن مبادرة ماكرون تعكس، وإن جاءت متأخرة، قلقاً فرنسياً - أوروبياً مما هو جارٍ على صعيد الوساطة التي تتفرد الولايات المتحدة بين روسيا وأوكرانيا. ورغم نجاح الأوروبيين في حجز مقعد لهم في الأسابيع الأخيرة، فإنهم يستشعرون رغبة أميركية في استبعادهم عنها. ثم جاء كلام ترمب لموقع «أطلنتيكو» الأسبوع الماضي صادماً؛ إذ قال فيه إن الأوروبيين «يتحدثون كثيراً ولا يفعلون شيئاً، والدليل أن الحرب ما زالت قائمة...». كذلك، نددت تولسي غابارد، مديرة المخابرات الوطنية الأميركية بالأوروبيين وذلك في تغريدة على منصة «إكس» الأسبوع الماضي أيضاً؛ إذ اتهمتهم واتهمت الحلف الأطلسي بـ«تصعيد الحرب وسعيهم لاجتذاب الولايات المتحدة في نزاع مباشر مع روسيا». وإضافة إلى ما سبق، تتساءل المصادر المشار إليها: «لماذا لا يحق للأوروبيين أن يتناقشوا مع بوتين، خصوصاً أنهم هم من يتحمل عبء الحرب من خلال دعم كييف بينما قطعت واشنطن عنها المساعدات عنها» لتضيف أن مصير الحرب يمس أمن وسلامة دول الاتحاد الأوروبي والقارة القديمة بشكل عام؛ ولذا من الضروري والمهم أن يكون هناك حوار مباشر وليس بالواسطة مع بوتين.

لم تنزل مبادرة ماكرون برداً وسلاماً على شركائه في الاتحاد الأوروبي، لا على زيلينسكي ولا على المستشار الألماني الذي يريد أن يلعب دور الزعيم الأوروبي في مواجهة روسيا. واكتفى شتيفن ماير، نائب الناطق باسم الحكومة الألمانية، بالقول إن الحكومة «أٌحيطت علماً» بمبادرة ماكرون، مضيفاً أنه «لا توجد مخاوف من تصدع الوحدة الأوروبية بسبب هذا الملف».

ماكرون ونابليون بونابرت

يؤخذ على ماكرون أمران أساسيان: الأول، تغير نهجه من السعي لممارسة أقصى الضغوط على روسيا وبوتين إلى الانتقال إلى الحوار معه مع وجود كثير من التحفظات حول ما يمكن أن يحصل عليه ولم يحصل عليه المفاوض الأميركي؛ والآخر، أن ماكرون كسر الجدار الأوروبي والعزلة الدبلوماسية المُحكمة التي أقيمت حول بوتين؛ فهو بمبادرته يوفر له الفرصة للعب على الانقسامات الداخلية الأوروبية وعلى افتراق الرؤى مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي ببروكسل عقب انتهاء القمة الأوروبية حيث أعلن انفتاحه على محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

وكتبت صحيفة «لو موند» في عددها ليوم الاثنين، أن زيلينسكي اعترف بأن ماكرون ناقش معه مبادرته، وأنه أبدى تحفظات بشأنها. كذلك نقلت عن دبلوماسي أوروبي قوله: «الجميع في أوروبا يدرك أنه سيتعيّن في يومٍ ما التحدث إلى بوتين، ولا سيما إذا ما فشلت الوساطة الأميركية. أما ما سيكون معقداً، فهو مسألة الإطار الأنسب لإجراء هذه المناقشات، هل يكون ذلك ضمن صيغة (الترويكا الأوروبية) أم في إطار أوسع». وتضم «الترويكا» فرنسا وألمانيا وبريطانيا. ويعني هذا التساؤل ما إذا كان ماكرون سيتحدث باسم فرنسا أم أنه سينال تفويضاً من زيلينسكي ومن نظرائه الأوروبيين للتحدث باسمهم؟

لا شك أن هناك تنافساً بين قادة «الترويكا» الثلاثة وإن بقي مضمراً. وفي أي حال، يبدو من المبكر التكهن بما قد يحصل في الأيام والأسابيع المقبلة، وما ستكون عليه الصيغة التي يريدها بوتين الذي لم يتردد، في مؤتمره الصحافي الأخير عن وصف القادة الأوروبيين بـ«صغار الخنازير». أما الصحافة الروسية، فإنها لا تتردد بتذكير ماكرون بالهزيمة التي ألحقتها روسيا القيصرية بالإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الذي غزا روسيا عام 1812، حيث خسر جيشه الجرار وكانت تلك المغامرة بداية سقوطه.