الاقتصاد السعودي يتجاوز اضطرابات الرسوم وينمو 2.7 % في الربع الأول

«هيئة الإحصاء» حسّنت موثوقية البيانات بتنفيذ تحديث شامل للناتج المحلي الإجمالي

العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)
العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)
TT

الاقتصاد السعودي يتجاوز اضطرابات الرسوم وينمو 2.7 % في الربع الأول

العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)
العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رغم حالة عدم اليقين المرتفعة التي تسببت بها سياسات التعريفات الجمركية الشاملة التي بدأ بفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتباراً من أبريل (نيسان) الماضي، والتي تسببت في إرباك أكبر الاقتصادات العالمية، فإن الاقتصاد السعودي تمكن من تخطي الاضطرابات، محققاً نمواً حقيقياً بواقع 2.7 في المائة في الربع الأول من 2025، على أساس سنوي، معززاً بالأنشطة غير النفطية التي ارتفعت بنسبة 4.2 في المائة.

البيانات التي كشفت عنها الهيئة العامة للإحصاء تقاطعت مع إعلانها تنفيذ تحديث شامل للناتج المحلي الإجمالي، انسجاماً مع توجهات المملكة نحو تعزيز الشفافية الاقتصادية، وتحسين مستوى جودة، وموثوقية البيانات الإحصائية، وقياس المؤشرات الاقتصادية الوطنية التي حددتها المملكة بما يسهم في تحقيق الأهداف التنموية، ويتماشى مع أفضل المعايير الدولية.

وأظهرت نتائج التقديرات السريعة التي قامت بها الهيئة العامة للإحصاء للربع الأول 2025 نمواً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.7 في المائة، وذلك مقابل انكماش بنسبة 0.6 في المائة في الربع نفسه من العام الماضي، ومتراجعاً عن 4.4 في المائة، محققة في الربع الأخير من العام 2024. ويعود النمو المحقق في الربع الأول إلى ارتفاع الأنشطة غير النفطية 4.2 في المائة، كما حققت الأنشطة الحكومية نمواً بنسبة 3.2 في المائة، في حين شهدت الأنشطة النفطية انكماشاً بواقع 1.4 في المائة، على أساس سنوي.

ارتفاع الأنشطة الاقتصادية

هذا، وكشفت نتائج التحديث الذي أجرته الهيئة ارتفاعاً في تقديرات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 بنسبة بلغت 14.1 في المائة، أي بزيادة تبلغ 566 مليار ريال (150.9 مليار دولار) بالمقارنة مع التقديرات المنشورة سابقاً للعام نفسه، ليبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي بعد التحديث 4.5 تريليون ريال (1.2 مليار دولار).

وأفصحت نتائج التحديث الشامل مساهمة نسبية أعلى للاقتصاد غير النفطي بلغت 53.2 في المائة، أي بزيادة قدرها 5.7 في المائة عن النتائج السابقة، متأثراً بارتفاع حجم الأنشطة الاقتصادية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة مقارنة بالتقديرات السابقة.

وهناك ارتفاع في حجم عدد من الأنشطة الاقتصادية، حيث زادت أنشطة التشييد والبناء بنسبة 61 في المائة، وكذلك أنشطة تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق 29.8 في المائة، إضافة إلى أنشطة النقل والتخزين والاتصالات بمقدار 25.6 في المائة، إلى جانب ارتفاع في حجم عدد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى.

المقارنة الربعية

من جهة أخرى، حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المعدل موسمياً نمواً بنسبة 0.9 في المائة خلال الربع الأول، قياساً بالفترة نفسها من العام السابق، وجاء ذلك نتيجة ارتفاع الأنشطة الحكومية 4.9 في المائة، إضافةً إلى نمو الأنشطة غير النفطية بمعدل 1 في المائة، في حين شهدت الأنشطة النفطية تراجعاً بمقدار 1.2 في المائة، على أساس ربعي.

ويرى مختصون أن الاقتصاد السعودي استطاع التكيف مع الاضطرابات الاقتصادية الناتجة عن قرارات الرئيس الأميركي بشأن الرسوم الجمركية، وشهد نمواً خلال الربع الأول من العام الجاري، ما يؤكد قدرته على التكيف مع التحديات العالمية.

الصناعات الوطنية

وأوضح المستشار وأستاذ القانون التجاري الدولي، الدكتور أسامة العبيدي العبيدي لـ«الشرق الأوسط»، أن نمو الأنشطة غير النفطية بالنسبة المذكورة رغم الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب والحرب التجارية بين واشنطن والصين، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، وانخفاض أسعار النفط، يعتبر نجاحاً للسياسة الاقتصادية السعودية في ضوء هذه المتغيرات، شارحاً أن تسجيل الصادرات غير النفطية ارتفاعاً كبيراً للربع الأول من هذا العام يعود بشكل أساسي لزيادة صادرات منتجات الصناعات الكيميائية، وبشكل خاص اللدائن، والمطاط، ومصنوعاتهما، وغيرها. أضاف أن هذا يعود كذلك إلى ارتفاع قيمة السلع المعاد تصديرها، وزيادة تصدير منتجات الصناعات الكيميائية، إلى جانب تراجع نسبة الصادرات النفطية من المجموع الكلي نتيجة لخفض المملكة الطوعي لإنتاجها تنفيذاً لالتزاماتها في اتفاق «أوبك بلس».

وأردف: «هذا الارتفاع في الصادرات غير النفطية يعكس جدوى تنويع الاقتصاد السعودي، وعدم الاعتماد على النفط مصدر دخل وحيداً وفقاً لـ(رؤية 2030)، ونجاح الاستثمارات الضخمة التي تم ضخها من قبل الدولة لتطوير المواني، والخدمات اللوجستية، مثل: ميناء الملك عبد العزيز بالدمام، وميناء جدة الإسلامي، وكذلك تطوير مطارات المملكة المحلية، والإقليمية، والدولية، وتشجيع الحكومة للصناعة، وبشكل خاص الكيميائيات، والمواد الغذائية، والأدوية، وغيرها من الصناعات الوطنية التي أصبحت لها أسواق خارجية مهمة».

تنويع مصادر الدخل

من جهتها، قالت الباحثة الاقتصادية فدوى البواردي لـ«الشرق الأوسط» إن مؤشرات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل 2.7 في المائة، ومعدله الموسمي البالغ 0.9 في المائة على قدر كبير من الأهمية، لأنها تعكس قدرة الاقتصاد السعودي على التكيف مع التحديات العالمية، خاصة في ظل الاضطرابات الاقتصادية الناتجة عن قرارات ترمب بشأن الرسوم الجمركية.

وتابعت أن المؤشرات تظهر قدرة المملكة على تنويع مصادر دخلها، وتقليل الاعتماد على النفط، مما يعزز من مرونتها الاقتصادية. كما أن النمو الإيجابي يعكس نجاح السياسات التنموية، والإصلاحات الهيكلية التي تنفذها البلاد ضمن «رؤية 2030»، بهدف تعزيز القطاع غير النفطي، وتحقيق استدامة النمو الاقتصادي.

وبحسب البواردي، فإنه رغم التحديات العالمية، تؤكد هذه البيانات قدرة المملكة الحفاظ على نمو اقتصادي مستدام، وتحقيق استقرار داخلي يعزز من مكانتها باعتبار أنها مركز اقتصادي إقليمي، ويؤهلها لمواجهة تقلبات السوق العالمية بشكل أكثر فاعلية.

وتوقعت البواردي أن يشهد الاقتصاد السعودي استمرارية في النمو، مدعوماً بالإصلاحات ضمن «رؤية 2030»، وأن يواصل القطاع غير النفطي دوره المحوري في دعم النمو، خاصة مع تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الاستثمارات المحلية، والأجنبية.

ميناء الملك عبد الله (الشرق الأوسط)

بيئة الأعمال

كما أن التحسن في بيئة الأعمال، والمشاريع التنموية الكبرى، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية، وتطوير القطاعات الصناعية، والخدمية، كل ذلك سيسهم في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي، وفق البواردي.

وتعتقد أيضاً أن المملكة ستستمر في تحسين مناخ الاستثمار، وزيادة الصادرات غير النفطية، وتحقيق استقرار مالي، مع التركيز على تنويع القاعدة الاقتصادية، وتحقيق التنمية المستدامة. «ومع التزام الحكومة بالإصلاحات، فإن الاقتصاد السعودي مهيأ لمواجهة التحديات العالمية، مع استمرار النمو، وتحقيق أهداف التنمية طويلة الأمد».

وتطرقت الباحثة الاقتصادية إلى أسباب نمو الأنشطة غير النفطية في المملكة، والتي تشمل تنويع الاقتصاد ضمن رؤية 2030، وتحفيز القطاع الخاص، وتطوير البنية التحتية، وتسهيل بيئة الأعمال، وكذلك الإصلاحات التشريعية، وتيسير إجراءات الاستثمارات، وزيادتها في القطاعات الصناعية، والخدمية، والتكنولوجية.

وأضافت أن البلاد تتجه إلى تعزيز السياحة، والتطوير العقاري، والخدمات المالية، والتكنولوجيا الرقمية، ما أسهم أيضاً في تنويع مصادر الدخل، وأن الدعم الحكومي المستمر، من خلال الحوافز والمبادرات، ساعد على جذب المستثمرين المحليين والأجانب، وعلى تحفيز ريادة الأعمال.

وأوضحت أن ارتفاع الطلب المحلي، وتوسع السوق يعززان من نمو الأنشطة غير النفطية، مما يرسخ مكانة المملكة، وجعلها مركزاً اقتصادياً متنوعاً، ومستداماً، ويزيد من قدرتها على مواجهة التحديات العالمية، وتقليل الاعتماد على النفط بأنه مصدر رئيس للدخل.

الحسابات القومية

إلى ذلك، يأتي التحديث الشامل للناتج المحلي الإجمالي للسعودية ضمن جهود الهيئة المستمرة في توفير بيانات إحصائية أكثر شمولاً، وحداثة، وذات دقة وجودة عالية تخدم صناع القرار، وراسمي السياسات، والمستثمرين، والباحثين، والمهتمين على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي.

وقد أجرت الهيئة خلال الفترة الماضية عدداً من التحسينات على إحصاءات الحسابات القومية، من أبرزها تطبيق منهجية السلاسل المتحركة التي تُستخدم عالمياً لتقدير معدلات النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي بناءً على أوزان وأسعار السنة السابقة لسنة القياس، بما يتوافق مع توصيات دليل نظام الحسابات القومية.

وبدأت الهيئة مطلع عام 2024 بتنفيذ مشروع التحديث الشامل للناتج المحلي الإجمالي، من خلال سلسلة من المسوح الإحصائية التي استهدفت جمع بيانات شاملة وتفصيلية لعام 2023، أبرزها: المسح الاقتصادي الشامل، ومسح دخل وإنفاق الأسرة، والمسح الزراعي الشامل، بالإضافة إلى التوسع في استخدام البيانات الإدارية.

وقد اعتمدت الهيئة على هذه المدخلات في إعداد جداول العرض والاستخدام بشكل أكثر تفصيلاً، وتوفير تقديرات دقيقة للناتج المحلي الإجمالي بمناهج الإنتاج، والدخل، والإنفاق، إلى جانب تقديم بيانات تفصيلية تغطي 134 نشاطاً اقتصادياً، بدلاً من 85 نشاطاً سابقاً.


مقالات ذات صلة

العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

خاص مشاريع عقارية في الرياض (واس)

العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

شهد القطاع العقاري المُدرج في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً استثنائياً وغير مسبوق في الربع الثالث من عام 2025.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد العاصمة السعودية (الرياض)

البنك الدولي: 4.3 % نمواً متوقعاً لاقتصاد السعودية في 2026 معززاً بالأنشطة غير النفطية

أكَّد البنك الدولي أن زخم الاقتصاد السعودي مستمر بقوة في عامي 2026-2027، مدفوعاً بشكل رئيسي بالأنشطة غير النفطية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - الرياض)
الاقتصاد وزير المالية السعودي محمد الجدعان ووزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم في «ملتقى الميزانية السعودية» (الملتقى) play-circle 02:29

«ملتقى الميزانية»: الإنفاق الحكومي السعودي «يتحرر» من «الدورة الاقتصادية»

شكّل «ملتقى الميزانية السعودية 2026» منصة حكومية استراتيجية لتحليل مستهدفات الميزانية التي أقرّها مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد وزيرا «النقل» و«الإسكان» في «ملتقى الميزانية السعودية» (الملتقى)

«ملتقى الميزانية»: مبادرات تطوير البنية التحتية تدعم «النقل» و«الإسكان» وتوسع فرص الاستثمار

أكد وزيرا «النقل» و«الإسكان» أن القطاعين شهدا نهضة كبيرة، مع استثمارات ضخمة توسع الوظائف وتوفر وحدات سكنية للأسر المستفيدة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الإبراهيم يتحدث وإلى جانبه وزير المالية في ملتقى «ميزانية السعودية 2026»... (الشرق الأوسط)

السعودية: لدى «هيوماين» فرصة لقيادة الاقتصاد الوطني مثل «أرامكو»

أعلن وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل الإبراهيم، أن المملكة تستعد لدخول مرحلة جديدة سيكون فيها الذكاء الاصطناعي المحرك الأكبر للنمو غير النفطي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
TT

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)

يعكس «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه 2025» الذي تستضيفه مدينة جدة الأسبوع المقبل، قدرة السعودية على قيادة تحول عالمي يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.

يأتي المؤتمر في لحظة يصفها الاقتصاديون بأنها نقطة ارتكاز في تطور «اقتصاد المياه» خلال العقد المقبل، وتتسارع فيها التحولات المرتبطة بتلك الصناعة عالمياً، وتعيد تشكيل ميزان الابتكار والاستثمار في واحد من أكثر القطاعات الاستراتيجية تأثيراً على الأمن الغذائي والطاقة والنمو الاقتصادي.

وتحوّل الحدث الدولي الذي يقام خلال الفترة بين 8 و10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي.

ويجمع المؤتمر نحو 11 ألف مشارك من 137 دولة، إلى جانب عدد من كبرى شركات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة، ما يجعله أحد أهم التجمعات الدولية التي ترسم خريطة الاقتصاد المائي الجديد، ويعكس مكانة السعودية ودورها المتنامي في صياغة مستقبل هذا القطاع عالمياً.

المياه... قطاع اقتصادي مرتبط بالأسواق العالمية

يتناول المؤتمر المياه بوصفها قطاعاً اقتصادياً يرتبط مباشرة بالأسواق الدولية، مثل الطاقة والتقنية والتمويل، ويتمحور حول أربع ركائز رئيسية تشغل المستثمرين عالمياً، تتمثل في: «الاقتصاد الدائري للمياه» الذي يُعتبر سوقاً صاعدة تجذب شركات الكيميائيات النظيفة والطاقة المتجددة، ثم «الرقمنة والذكاء الاصطناعي» حيث التوسع في إدارة الشبكات الذكية وتحليل الطلب، فـ«تكامل المياه والطاقة» عبر ابتكار متسارع في تقنيات التحلية منخفضة الانبعاثات، وأخيراً «الاستثمار والتمويل» بدخول أكبر للصناديق والبنوك التنموية مع توسع مشاريع إعادة الاستخدام.

يجمع الحدث 11 ألف مشارك من 137 دولة وشركات كبرى بمجالات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة (واس)

وتعكس تلك التحولات واقعاً جديداً، إذ لم تعد المياه بمثابة خدمة أساسية فحسب، بل فرصة استثمارية طويلة الأجل، ويُعدّ الابتكار اليوم محوراً اقتصادياً تعتمد عليه الحكومات والشركات الكبرى لمواجهة تحديات شُحَّها وارتفاع تكاليف الإنتاج وتزايد الطلب الصناعي.

«جائزة الابتكار» تُعزِّز اقتصاد المياه

تحوَّلت «الجائزة العالمية للابتكار في المياه»، المتزامنة مع المؤتمر، إلى منصة تُقرأ من خلالها مبكراً ملامح التقنيات التي ستقود اقتصاد المياه في السنوات المقبلة؛ إذ باتت الأرقام التي تُسجِّلها الجائزة كل عام تعكس حجم التحول العالمي نحو الابتكار، بوجود 2570 ابتكاراً مقدّماً من 300 جامعة ومعهد تمثل 119 دولة، مما يكشف عن سباق دولي واسع لإنتاج حلول جديدة، ويعكس أهمية الجائزة التي أضحت مرصداً عالمياً لاتجاهات التقنية، ويحدد ملامح المستقبل في أحد أكثر القطاعات ارتباطاً بحياة الإنسان والتنمية.

«مياهثون» تجمع المبتكرين والمستثمرين

وتعدّ فعالية «مياهثون» المصاحبة للمؤتمر منصة تنافسية تسهم في توليد شركات ناشئة ونماذج تطبيقية، ويتفق المختصون على أن قوة هذا المشروع تكمن في جمع المواهب والمنظمين والمستثمرين على مساحة واحدة، وهو عنصر تفتقر إليه منظومات الابتكار المائي عالمياً.

بناء حلول الاستدامة عبر الابتكار

يكشف المؤتمر عن أن الابتكار أصبح منهجاً لبناء حلول تمتد آثارها إلى مجالات واسعة باتت اليوم في قلب التحول المائي؛ فمجالات الطلب الزراعي وإعادة الاستخدام والسياحة والاقتصاد والمجتمع تمثل محاور رئيسية في نقاشات المياه، يستهدفها الابتكار لخفض الهدر، وتعزيز الكفاءة، ورفع قيمة العائد التنموي.

ويضطلع المؤتمر بدور محوري في توسيع آفاق الابتكار عبر استعراض وتبنّي التقنيات الحديثة التي تُعزِّز الكفاءة التشغيلية، وتُرسِّخ مفهوم الاستدامة البيئية، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة والعمليات الصناعية.

وتتجلى قدرة الابتكار على دعم الأمن الغذائي، ورفع كفاءة الطاقة، وزيادة مرونة المدن، وتمكين الاقتصادات من مواجهة ندرة المياه وتزايد الطلب، ما يؤكد أن مستقبل المياه يُعاد تشكيله اليوم عبر حلول أوسع من التقنية وحدها، وأكثر التصاقاً بحاجات التنمية الشاملة.

مكاسب دولية تعزّز مكانة السعودية

ينعقد المؤتمر فيما تحقق المملكة حضوراً متقدماً في أبرز المؤشرات الدولية المرتبطة بالمياه، إذ جاء اعتراف الأمم المتحدة بالنموذج السعودي في تحقيق الهدف السادس ليؤكد نجاعة السياسات الوطنية في إدارة الموارد وتعزيز الاستدامة، فيما شكّل توقيع ميثاق المياه العالمي في الرياض نقطة تحول عمّقت الشراكات الدولية، ورسّخت دور البلاد في قيادة الحوار العالمي حول أمن المياه.

وعزَّز إطلاق «المنظمة العالمية للمياه» صدارة السعودية للدول القادرة على صياغة الأطر الجديدة لهذا القطاع الحيوي، كما باتت المملكة أحد أهم الفاعلين في تشكيل مستقبل السياسات المائية عالمياً، بما تملكه من مبادرات رائدة وحضور مؤسسي مؤثر ورؤية واضحة لأمن المياه.

مركز إنتاج للابتكار المائي العالمي

تحوّل المؤتمر إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي، إذ تقود تحولاً عالمياً يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.


النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.