اهتمام علميّ بظاهرة نادرة تحدُث في بحر العرب

بحّارةٌ رووا لقرون حكايات بحارٍ زاهية تتوهّج في الليالي

حكاياتُ بحارٍ زاهية الألوان تتوهّج في الليالي المظلمة (جامعة ولاية كولورادو)
حكاياتُ بحارٍ زاهية الألوان تتوهّج في الليالي المظلمة (جامعة ولاية كولورادو)
TT
20

اهتمام علميّ بظاهرة نادرة تحدُث في بحر العرب

حكاياتُ بحارٍ زاهية الألوان تتوهّج في الليالي المظلمة (جامعة ولاية كولورادو)
حكاياتُ بحارٍ زاهية الألوان تتوهّج في الليالي المظلمة (جامعة ولاية كولورادو)

لأجيال، أبلغ البحّارة حول العالم عن ظاهرة غامضة. مساحات شاسعة من المحيط تتوهّج باستمرار ليلاً، أحياناً لأشهر متواصلة. الضوء ساطع بما يكفي للقراءة من خلاله، خليط من الأضواء الخضراء والبيضاء يمتد على مساحة بالمحيط، تصل إلى 100 ألف كيلومتر مربع، ويمكن رؤيته أحياناً من الفضاء.

أطلق البحارة على هذا العرض النادر اسم «البحار اللبنية (milky seas)». ورغم ملاحظته منذ قرون، لا يعرف العلماء سوى القليل عن أسبابه.

وللتنبؤ بشكل أفضل بموعد حدوث ظاهرة «البحار اللبنية»، جمع باحثون في جامعة ولاية كولورادو الأميركية، قاعدة بيانات للمشاهدات على مدى الأعوام الـ400 الماضية. كما تضمَّن الأرشيف، الذي نُشر الأربعاء في دورية «علوم الأرض والفضاء»، تقارير شهود عيان من البحّارة، وروايات فردية قُدّمت إلى مجلة «مارين أوبزرفر» على مدى 80 عاماً، وبيانات مُعاصرة من الأقمار الاصطناعية.

وتُظهر النتائج أنّ المشاهدات تحدُث عادةً حول بحر العرب، وهو جزء من المحيط الهندي يقع بين سواحل شبه الجزيرة العربية وشبه القارة الهندية، وأيضاً في مياه جنوب شرقي آسيا، وترتبط إحصائياً بظاهرة «ثنائي القطب» في المحيط الهندي، المعروفة أيضاً باسم «النينيو الهندي» وظاهرة «النينيو الجنوبية».

ومن المعروف أنّ هاتين الظاهرتين المناخيتين تؤثّران في أنماط الطقس العالمية، ما يدفع الباحثين إلى التساؤل عن كيفية ارتباط هذه الظاهرة النادرة بهذه التغيّرات المناخية.

في هذا السياق، قال طالب الدكتوراه والمؤلّف الأول للورقة البحثية، جاستن هدسون، إنّ قاعدة البيانات ستُساعد الباحثين على التنبؤ بشكل أفضل بموعد حدوث ظاهرة «البحر اللبني» ومكانه.

وأوضح في بيان، الأربعاء، أنّ الهدف هو إرسال سفينة بحثية إلى الموقع في الوقت المناسب لجمع معلومات حول التركيب البيولوجي والكيميائي للبحر اللبني. يمكن أن تُساعد المعلومات المتعلّقة بهذه المتغيرات في ربط الحدث بنشاط أنظمة الأرض الأوسع.

وأضاف هدسون أنّ المناطق التي تحدُث فيها البحار اللبنية تتميّز بتنوّع بيولوجي كبير، وهي مهمّة اقتصادياً لعمليات الصيد. وتابع: «لا يزال ثمة كثير لنتعلّمه حول كيفية حدوث ذلك وسببه، وما آثاره في المناطق التي تشهده».

وتحدُث ظاهرة التلألؤ الحيوي بأشكال متعدّدة في الطبيعة. أما بالنسبة للبحار اللبنية فلا يزال الباحثون يحاولون فهم ما يحدث فعلياً على سطح البحر. ولعلّ واحدة من تلك الحوادث ما صادفته سفينة بحثية عام 1985؛ حيث جمعت عيّنة من الماء. ووجد الباحثون أنّ سلالة معيّنة من البكتيريا المضيئة كانت تعيش على سطح الطحالب في منطقة ازدهار، ما قد يُسبّب توهّجاً في جميع الاتجاهات.

ولسدّ هذه الفجوة في الفَهْم، حاول الباحثون الاستفادة من المعلومات التي جُمعت من صور الأقمار الاصطناعية المتفرقة.

وعلَّق هدسون: «من المرجح أن الضوء ناتج عن عملية بيولوجية مرتبطة بالبكتيريا». وأضاف: «المناطق التي يحدُث فيها هذا بشكل أكبر تقع حول شمال غربي المحيط الهندي بالقرب من الصومال وسقطرى باليمن، إذ يحدُث نحو 60 في المائة من جميع الأحداث المعروفة هناك».

وأوضح: «في الوقت عينه، نعلم أنّ مراحل الرياح الموسمية الهندية تُحرّك النشاط البيولوجي في المنطقة، من خلال التغيرات في أنماط الرياح والتيارات».

أما البروفيسور ستيفن ميلر، وهو المؤلّف الآخر في الورقة البحثية، ويُجري بحوثاً حول البحار اللبنية لسنوات في جامعة ولاية كولورادو، فقد قاد جهوداً لتصوير هذه الظاهرة من الأقمار الاصطناعية، وقال إنّ قاعدة البيانات ستُتيح فرصة جديدة للحصول على معرفة مباشرة.

وأَضاف: «البحار اللبنية تعبيرات رائعة عن محيطنا الحيوي، والتي لم نحدّد أهميتها في الطبيعة بشكل كامل بعد، ويُشير وجودها في ذاته إلى روابط غير مستكشفة بين السطح والسماء، وبين الأدوار المجهرية والعالمية للبكتيريا في نظام الأرض. بمساعدة قاعدة البيانات الجديدة هذه، المُشكَّلة من سفن القرن الـ17، وصولاً إلى سفن الفضاء في العصر الحديث، نبدأ بناء جسر يربط بين التراث الشعبي والفهم العلمي».


مقالات ذات صلة

السعودية: إطلاق «أوشن كويست» غير الربحية لتسريع استكشاف المحيطات

الاقتصاد مستكشفون يغوصون في أعماق المحيطات (أوشن كويست)

السعودية: إطلاق «أوشن كويست» غير الربحية لتسريع استكشاف المحيطات

أعلنت مؤسسة «أوشن كويست» غير الربحية، الاثنين، انطلاقها رسمياً في السعودية، في خطوة مهمة نحو مرحلة جديدة من استكشاف أعماق المحيطات وفرص التعاون في هذا القطاع.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق اللحظة الرائعة عوَّضت حياةً بائسة (غيتي)

اختيار «أقبح حيوان في العالم» سمكةَ العام في نيوزيلندا

بعدما كان يُطلَق عليها سابقاً لقب أقبح حيوان في العالم بسبب مظهرها الناعم المتكتِّل، عادت «السمكة الفقاعية الملساء» إلى الظهور...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أنثى الأخطبوط مُصابة أيضاً بقدرها (غيتي)

لماذا تشلُّ ذكور الأخطبوط شريكاتها بالسمّ خلال التزاوج؟

ذكر باحثون في جامعة كوينزلاند بأستراليا أنّ ذكور الأخطبوط تحقُن بدقّة جرعة من سمّ التترودوتوكسين القاتل في الإناث لشلّ حركتها خلال التزاوج.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لقطة جوية تظهر البحر وكأنه يرتدي لوناً أحمر في مار ديل بلاتا (أ.ف.ب)

«مد أحمر» يجتاح شواطئ الأرجنتين... ما السبب؟ (صور)

اجتاح «مد أحمر» مذهل عددا كبيرا من شواطئ المحيط الأطلسي في الأرجنتين، وهي ظاهرة طبيعية ناجمة عن انتشار طحالب كبيرة غير مرتبط بالضرورة بالتغير المناخي.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
يوميات الشرق سمكة المجداف على شاطئ في جزر الكناري (إنستغرام)

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة والنادرة على ساحل جزر الكناري (فيديو)

جرف البحر سمكة نادرة تعيش في أعماق البحار، ويُنظر إليها على أنها نذير شؤم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

في «أوكسفورد»... شربوا من كأس مصنوعة من جمجمة بشرية

الجمجمة تحوَّلت لأداة مائدة (جامعة أكسفورد)
الجمجمة تحوَّلت لأداة مائدة (جامعة أكسفورد)
TT
20

في «أوكسفورد»... شربوا من كأس مصنوعة من جمجمة بشرية

الجمجمة تحوَّلت لأداة مائدة (جامعة أكسفورد)
الجمجمة تحوَّلت لأداة مائدة (جامعة أكسفورد)

يكشف كتابٌ جديدٌ عن الاستخدام الطويل لكأس في كلية وورسيستر، ما يلقي الضوء على التاريخ الاستعماري العنيف المُرتبط بالرفات البشرية المنهوبة، وفق البروفيسور دان هيكس.

وفي كتابه، «كل نصب سيسقط»، يتتبَّع هيكس، وهو أمين علم الآثار العالمية في متحف بيت ريفرز بجامعة أوكسفورد، «التاريخ المخجل للجمجمة»، ويميط اللثام عن ماضٍ استعماري عنيف يتعلَّق باستخدام رفات بشرية، مشيراً إلى أنَّ أكاديميين في الجامعة دأبوا، على مدى عقود، على استخدام كأس مصنوعة من جمجمة بشرية لشرب النبيذ.

وذكرت «الغارديان» أنّ الكأس المصنوعة من الجزء العلوي من الجمجمة والمزيَّنة بحافة وقاعدة من الفضة، استُخدمت بانتظام في حفلات العشاء الرسمية بكلية وورسيستر حتى عام 2015. ووفق هيكس، كانت تُستخدم أيضاً أحياناً لتقديم الشوكولاته.

وأدّى تزايُد القلق بين الأساتذة والضيوف إلى إيقاف هذا الطَقْس في قاعة الأساتذة عام 2015. وفي 2019، دعت الكلية، هيكس، إلى التحقيق في أصل الجمجمة، وكيف تحوّلت إلى ما وصفه بـ«أداة مائدة مقزّزة».

ويشير إلى أنّ النقاش حول إرث الاستعمار غالباً ما يتركز على شخصيات بريطانية بارزة، مثل سيسيل رودس أو إدوارد كولستون، الذين خُلِّدوا بتماثيل أو مؤسّسات تحمل أسماءهم، لكنه يرى أنَّ ضحايا الاستعمار هُمِّشوا ومُحيت هوياتهم من الذاكرة نتيجة أفكار عنصرية عن التفوّق الثقافي والبيولوجي للعرق الأبيض البريطاني، مضيفاً: «نزع الإنسانية وتدمير الهويات كانا جزءاً من هذا العنف».

ورغم أنَّ هوية صاحب الجمجمة لا تزال مجهولة، أظهر التأريخ بالكربون أنَّ عمرها يُقدّر بنحو 225 عاماً. ويُرجح، استناداً إلى الحجم وأدلة ظرفية، أنها تعود لامرأة مُستَعبدة من منطقة الكاريبي.

في المقابل، فإنَّ مالكي الكأس معروفون جيداً، فقد تبرَّع بها لكلية وورسيستر عام 1946 أحد خرّيجيها، جورج بيت ريفرز، واسمه منقوش على حافتها الفضية. وكان جورج من أنصار علم تحسين النسل، واحتجزته السلطات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية لدعمه الزعيم الفاشي أوزوالد موزلي.

الكأس كانت جزءاً من مجموعة خاصة أقلّ شهرة لجدّه، أوغستوس هنري لين فوكس بيت ريفرز، الجندي البريطاني وعالم الآثار الفيكتوري، ومؤسِّس متحف بيت ريفرز عام 1884. وقد اشتراها من مزاد لدار «سوذبيز» في العام عينه. وتُظهر قائمة البيع أنها كانت مزوَّدة بقاعدة خشبية مزيَّنة بعملة شيلينغ من عهد الملكة فيكتوريا. وتُشير علامات الفضة إلى أنها صُنعت في 1838؛ عام تتويج الملكة.

أما البائع، فكان المحامي وخرّيج كلية أورييل، برنارد سميث، الذي كان يجمع الأسلحة والدروع، ويعتقد هيكس أنَّ الكأس ربما كانت هدية من والده الذي خدم في البحرية الملكية بمنطقة الكاريبي.

من جهتها، عبَّرت رئيسة المجموعة البرلمانية الخاصة بالتعويضات الأفريقية، النائبة العمالية بيل ريبييرو آدي، عن اشمئزازها، قائلة: «من المُقزّز أن نتخيّل أكاديميي أوكسفورد وهم يجلسون في هذا المعقل المترف، الغني بعائدات قرون من العنف والنهب الاستعماري، يشربون من جمجمة بشرية ربما تعود لامرأة مُستَعبدة، جُرّدت من إنسانيتها إلى حد تحويلها أداةَ مائدة».

وبدوره، قال متحدّث باسم كلية وورسيستر إنَّ الكأس كانت تُعرض أحياناً ضمن مجموعة الفضة الخاصة بالكلية في القرن الـ20، واستُخدمت مرات محدودة بعد عام 2011، قبل أن تُسحَب تماماً قبل 10 سنوات. وأضاف: «بناءً على نصائح علمية وقانونية، قرَّر مجلس الكلية حفظ الكأس في الأرشيف بطريقة محترمة، مع فرض حظر دائم على الوصول إليها»، مشيراً إلى أنَّ الدكتور هيكس أقرّ في كتابه بأنّ الكلية تعاملت مع الأمر بمسؤولية وأخلاقية.

ويعرض الكتاب كذلك جماجم أخرى نُهبت من ساحات المعارك الاستعمارية، واحتُفظ بها في منازل شخصيات بارزة أو تبرّعوا بها للمتاحف، ومن بين هؤلاء، اللورد غرينفيل، القائد العسكري البريطاني الذي يحمل برج كنسينغتون اسمه، والذي احتفظ بجمجمة أحد زعماء الزولو بعد مقتله على يد الجيش البريطاني في معركة «أولوندي» عام 1879.