ظاهرة «Dine and Dash» أو الخروج من المطعم دون دفع الفاتورة تعدّ مشكلة متزايدة في كثير من المطاعم في بريطانيا، وبالأخص في لندن.
وفقاً لبعض التقارير والإحصائيات الحديثة، تشير بعض الدراسات إلى أن ثلث المطاعم في لندن ومناطق أخرى في المملكة المتحدة قد تأثرت بهذا النوع من السلوك. هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها في تزايد كبير، وتعود لأسباب عديدة، مثل الازدحام، حيث تعدّ لندن مدينة ذات كثافة سكانية عالية جداً، ومن بين أكثر عواصم العالم من حيث استقبال ملايين السياح سنوياً، وهذا الازدحام يخلق بيئة يسهل فيها على البعض الخروج من المطاعم دون أن يُلاحَظوا من قبل الموظفين، كما أن هناك من يعتقد أنه ليس هناك قانون صارم بما فيه الكفاية، ما يساهم في ازدياد هذه الحوادث.
القانون في بريطانيا قد يتغير قريباً، خاصة أنه تم إصدار حكم بالسجن لمدة عام لزوجين بريطانيين قاما برفقة أبنائهما الستة بالأكل في مطاعم كثيرة في بريطانيا من دون دفع الفاتورة، بالإضافة إلى سرقة منتجات من السوبرماركت، ويبدو أن الحكومة في بريطانيا أرادت أن تجعل من برنارد ماك دونا، وزوجته آن ماك دونا، عبرة لكل من يعتقد أنه سيتمكن من الفرار من دون عقوبة، بعدما ازدادت هذه الظاهرة بشكل كبير.

ومن بين الأسباب التي تساعد على حدوث هذا النوع من السرقات هو استخدام بعض المطاعم أنظمة دفع عبر الهواتف المحمولة أو الأجهزة اللوحية أو «كيو آر كود»، ما يجعل من السهل على الشخص مغادرة المكان دون التفاعل المباشر مع الموظفين، وفي بعض الأحيان قد تكون الأنظمة في بعض المطاعم غير كافية لتوثيق المدفوعات بشكل صحيح، ما يمنح الأشخاص فرصة للهروب من دفع الفاتورة.
وفي مقابلة مع الشيف الإيطالي ألدو زيلي، قال: «الحوادث تزداد بشكل كبير، ولا سيما المطاعم التي لديها جلسات خارجية، فمن الصعب على فريق العمل في المطبخ أن يراقبوا الجالسين في الخارج طيلة الوقت. وبالتالي من السهل على النصابين ترك الطاولة دون أن يدفعوا فلساً واحداً».
وأكثر المطاعم التي تتعرض للسرقة في لندن وخارجها هي المطاعم الفاخرة أو التي تقدم المأكولات الراقية، فقد يجد البعض أن الفاتورة مرتفعة للغاية ولا يستطيعون دفعها، وبالتالي يلجأون إلى الهروب دون دفع. وعن الخسائر المادية التي تتكبدها المطاعم، يقول زيلي: «هذا النوع من السلوك يؤدي إلى خسائر مالية للمطاعم، ويؤثر على أرباحها، خاصة إذا كانت الظاهرة منتشرة في مناطق مثل لندن، حيث يزداد عدد الزبائن بشكل مستمر. وفي حال لم تتدخل الحكومة فستضطر عدة مطاعم لإقفال أبوابها أو سيكون مصيرها الإفلاس».
وتابع الشيف زيلي أنه بدأ يطلب من زبائنه ترك بطاقة الائتمان الخاصة بهم مع النادل قبل طلب الطعام لضمان دفع الفاتورة. في حين يرى البعض الآخر من الطهاة وأصحاب المطاعم أن هذه الطريقة قد تؤثر على علاقة المطعم بزبائنه، ومن الصعب تطبيق هذا الأسلوب.

مكافحة مثل تلك السرقات مكلفة جداً بالنسبة للمطاعم، فهي تخسر عندما تأتي مجموعات من الأشخاص لتناول الطعام، وغالباً ما يختارون أغلى الأطباق المتوفرة على لائحة الطعام، وبعدها يتركون المطعم والعاملين فيه لتحمل العبء المادي، فبعض المطاعم تحمل الموظفين والندل هذه المسؤولية، وتقوم بخصم المبالغ المسروقة من رواتبهم، كما أن التكلفة الأخرى التي تعاني منها المطاعم تكمن في طرق مكافحة الاحتيال من خلال استخدام تقنيات وأدوات مكلفة، مثل كاميرات المراقبة أو أنظمة الدفع المعززة، لتقليل حدوث هذا النوع من السلوك.
على الرغم من أن ثلث المطاعم في لندن يعاني من هذه الظاهرة، فإن الأمر يعدّ أقل من الظواهر الأخرى مثل الاحتيال أو السرقة في الأسواق الكبرى، لكنه لا يزال يمثل تحدياً لصناعة المطاعم في المدينة.
ومن بين المطاعم التي تعرضت للنصب بهذه الطريقة، مطعم «ذا لادبيري» في منطقة نوتينغ هيل، ومطعم «غوردون رامسي» في مايفير وكينزينغتون، بالإضافة إلى مطعم «هاكاسان» الآسيوي في منطقة مايفير، ويتعرض أيضاً كثير من المطاعم السياحية، مثل كوفنت غاردن وسوهو ونوتينغ هيل وبوند ستريت وأكسفورد ستريت، التي تعدّ من بين أكثر الشوارع التجارية ازدحاماً في لندن، حيث يكثر فيها التسوق وتناول الطعام. ومع وجود حركة مرور دائمة، قد يعتقد البعض أنه بإمكانهم مغادرة المطاعم دون أن يُلاحظ أحد.
ولم تسلم مطاعم الوجبات السريعة من هذه الظاهرة، فيتعرض يومياً كل من «فايف غايز» و«شيك شاك» للسرقة، بالإضافة إلى مطاعم للوجبات السريعة من مناطق مكتظة بالسياح مثل «شورديتش» و«هاكني».
ويقول ألدو زيلي إن عدم دفع الفاتورة لا يقتصر على الهرب فقط من المطعم، إنما على استخدام الأزواج لأطفالهم. ويروي: «الأطفال يتدربون على السرقة أيضاً، فيكونون على دراية بالسيناريو الذي يرسمه الأهل، وهذا الأمر مؤسف للغاية».
ويتابع زيلي: «من أساليب عدم دفع الفاتورة أيضاً هو وضع قطعة من البلاستيك في الأطباق للتهرب من الدفع، والوقاحة تتعدى هذا الشيء لدرجة أن بعضهم يأكلون أغلى الأطباق، وبعد الانتهاء من أكلها يرفضون الدفع لأن الأكل لم يرق لهم».
«الزبون هو دائماً على حق»، لكن هل يحقّ له أن يأكل ويهرب؟ وهل يحقّ له أن يتسبب في إفلاس مطعم وإقفاله؟!