مشاهير يعيشون بلا هاتف... فمتى تمتدّ العدوى إلى باقي البشر؟

الجيل زد الأكثر جرأةً ويتحوّل إلى «الهواتف الغبيّة»

موضة التخلّي عن الهاتف تنتقل من المشاهير إلى «الجيل زد» (رويترز)
موضة التخلّي عن الهاتف تنتقل من المشاهير إلى «الجيل زد» (رويترز)
TT

مشاهير يعيشون بلا هاتف... فمتى تمتدّ العدوى إلى باقي البشر؟

موضة التخلّي عن الهاتف تنتقل من المشاهير إلى «الجيل زد» (رويترز)
موضة التخلّي عن الهاتف تنتقل من المشاهير إلى «الجيل زد» (رويترز)

لا تستطيع المغنّية الأميركية دوللي بارتون الاستغناء عن آلة الفاكس الخاصة بها، فهي لا تزال حتى اليوم تستخدمها للتواصل مع الآخرين. ووفق صديقتها المغنية مايلي سايرس فإنّ بارتون لا تكاد تستعمل الهاتف.

مثلُها زميلُها ألتون جون الذي تخلّى عن الهاتف الجوال، واستعاض عنه بالجهاز اللوحي iPad عند الضرورة، وذلك للاتصال بولدَيه، أو لتسهيل أمور العمل. وفي حديثٍ ضمن برنامج Jimmy Kimmel Live، قال الفنان البريطاني إنّ حياته رائعة من دون هاتف: «أكره الهواتف الجوالة لأنها تلغي الخصوصيّة، ولم أتحمّل أن أقتني واحداً كي لا يتّصل بي الناس مرّتَين في الدقيقة».

صرّح المغنّي البريطاني إلتون جون بأنه يكره الهواتف الجوالة (رويترز)

ليست موضة الاستغناء عن الهاتف الجوال بكل ما يحمل من مغرياتٍ تكنولوجية محصورةً بالمشاهير الذين تخطّوا الـ70 من العمر، إنما تنسحب على مَن هم أصغر سناً.

عام 2015، وكجزءٍ من مقررات السنة الجديدة، تخلّص المغنّي البريطاني إد شيران من هاتفه الذكيّ. الهدف الأساسيّ من ذلك القرار كان الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي. في إحدى مقابلاته، تحدّث شيران عن الأمر كاشفاً أنّ تعلُّقَه بالهاتف أتعبه كثيراً، وقد انتهى الأمر بأن أُصيب بالإحباط. وأضاف: «عندما تخلّصت منه شعرتُ وكأنّ أثقالاً نزلت عن كتفيّ». ويكتفي شيران بالجلوس أمام جهاز الكمبيوتر بضع ساعات كل أسبوع من أجل متابعة بريده الإلكتروني.

منذ عقدٍ من الزمن قطع إد شيران علاقته بالهاتف الجوال (رويترز)

من بين المشاهير والفنانين الذين وجدوا سعادتهم في حياةٍ خالية من الهواتف الذكية، المغنية سيلينا غوميز، والممثلة سارة جسيكا باركر، والمغني جاستن بيبر، والمخرج كريستوفر نولان.

أما الإعلامي البريطاني سايمون كاول فقد كان هو الآخر من بين السبّاقين في الاستغناء عن هواتفهم. عام 2017، اكتشف كاول أنّ كل الرسائل الواردة إلى هاتفه تتسبّب له بالإرهاق، وتأخذ وقتاً كثيراً من عمله وحياته عموماً. في حوار مع أحد البرامج التلفزيونية الأميركية، أخبر كيف أنه وفي أحد الصباحات، استيقظ ليكتشف 52 رسالة غير مقروءة على شاشة الهاتف، فقرر ألّا يجيب عليها، وأن يطفئ هاتفه. أضاف كاول: «أطفأته يوماً ثم شهراً، فـ3 أشهر، ثم سنة، سنتَين، ثلاثاً... لقد راق لي الأمر كثيراً».

الإعلامي البريطاني سايمون كاول (إنستغرام)

في وقتٍ تدور معظم أخبار «السوشيال ميديا» حولهم، فإنّ عدداً كبيراً من المشاهير غير مدركين لذلك بما أنهم قرروا الانفصال عن الواقع الافتراضي.

هم الذين يوظّفون مديري أعمال ومساعدين شخصيين يتولّون الردّ على اتصالاتهم وبريدهم، وإدارة صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يبدو هذا القرار صعباً بالنسبة إليهم. لكن هل يستطيع البشر العاديّون أن يقوموا بالمثل، وأن يعيشوا حياةً خالية من الهواتف؟

التخلّي عن الهواتف الذكيّة صار من أكبر التحديات (رويترز)

خلال السنوات الثلاث الأخيرة، شهدت مبيعات الهواتف الجوالة قديمة الطراز قفزةً نوعيّة، بعد أن كانت طيّ النسيان. يعود ذلك إلى ميلٍ لدى «الجيل زد» (Gen Z) إلى الابتعاد عن الهواتف الذكيّة. لا يفعلون ذلك تأثُّراً بالمشاهير، بل لأنّ هذا الجيل تيقّظ على ما يبدو إلى مضارّ الهواتف.

بعد أن كان نجمها أفل، عادت شركة «نوكيا» إلى تصنيع بعضٍ من هواتفها القديمة. حصل ذلك نزولاً عند رغبة الجيل الصاعد، الذي أطلق حملة عبر منصة «تيك توك» تحت عنوان «أعيدوا الهواتف القديمة».

أعادت شركة «نوكيا» إطلاق طراز 3310 بعد أن صار من الأرشيف (رويترز)

وفق شركة الأبحاث البريطانية «GWI»، فإنّ أكثر شريحة عمريّة تدنّى مستوى استخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي وبالتالي للهواتف الذكية، هي تلك المتراوحة سنوات ولادتها ما بين 1995 و2012. يلي هؤلاء جيل الألفيّة (1980 – 1994).

إلى جانب موضة النوستالجيا إلى كل ما هو قديم، أدرك هذان الجيلان أو جزءٌ لا بأس به منهما، أنّ الخصوصية أهمّ من مشاركة تفاصيل حياتهم مع الآخرين عبر منصات التواصل. كما أنهم ارتأوا الابتعاد عن الهواتف الذكية لأسبابٍ مرتبطة بالصحة النفسية والجسديّة.

استُحدث الـ«Boring Phone» نزولاً عند رغبة الجيل الصاعد بهواتف غير ذكيّة (الشركة المصنّعة)

يدخل «الهاتف المملّ» (Boring Phone) ضمن قائمة الهواتف غير الذكيّة (أو الغبيّة كما يطلق عليها الجيل الجديد). طُرح هذا الهاتف في الأسواق قبل سنوات تلبيةً لرغبة الشباب بهاتفٍ غير معقّد، ويفتح على الطريقة القديمة، كما يساعدهم على التخلّص من الإدمان على الشاشة.

هذه العودة إلى الواجهة للهواتف القديمة لا تعني حتماً أنها آتية لتحلّ مكان الهواتف الذكيّة، ولا لتقنع الناس باقتناء القديم بدل الجديد، إلّا أنّ ثمّة حكمةً واضحة من هذه اليقظة. فمهما كانت مسلّية ومفيدة وعملية، تبقى العلاقة بالهواتف الذكية مشوبةً بالمخاطر. أوّلها صحّي، كآلام العنق والظهر، واضطرابات النوم، والآثار السلبية على العينَين والجهاز العصبي. وليس آخرُها نفسيّاً مثل القلق، والتوتّر، والعزلة الاجتماعية.

فهل يحذو الناس تدريجياً حذو المشاهير الذين قرروا العيش من دون هواتف، أم أنّ سطوتها ستزيد لتصبح الحياة من دونها أكثر استحالةً؟


مقالات ذات صلة

توقعات بتراجع مبيعات الهواتف الذكية في 2026 بسبب ارتفاع تكاليف الرقائق

الاقتصاد امرأة تستخدم جوالها داخل متجر لشركة «أبل» في بكين (رويترز)

توقعات بتراجع مبيعات الهواتف الذكية في 2026 بسبب ارتفاع تكاليف الرقائق

توقعت شركة «كاونتربوينت» لأبحاث السوق انخفاض شحنات الهواتف الذكية العالمية 2.1 في المائة العام المقبل، إذ من المرجح أن يؤثر ارتفاع تكاليف الرقائق على الطلب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك امتلاك هواتف ذكية في مرحلة المراهقة المبكرة يرتبط باحتمالات أعلى للإصابة بالاكتئاب والسمنة (رويترز) play-circle

دراسة: امتلاك هواتف ذكية قبل سن المراهقة يرتبط بمخاطر صحية

أظهرت دراسة أميركية واسعة أن امتلاك هواتف ذكية في مرحلة المراهقة المبكرة يرتبط باحتمالات أعلى للإصابة بالاكتئاب والسمنة وعدم كفاية النوم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا امرأة تستخدم جوالها داخل متجر لشركة «أبل» في بكين (رويترز)

الطلب الشديد على رقائق الذاكرة قد يرفع أسعار الجوالات الذكية... ما القصة؟

مع استهلاك مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي كميات كبيرة من رقائق الذاكرة المستخدمة في صناعة الإلكترونيات قد يواجه المستهلكون ارتفاعاً بأسعار منتجات تكنولوجية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك كثرة استخدام الهاتف تهدد الصحة (رويترز)

هاتفك يهدد حياتك... تحذيرات من تسببه في السرطان وأمراض القلب والسكري

كشفت مجموعة من الدراسات الحديثة عن أن كثرة استخدام الهاتف تهدد الصحة، حيث تؤثر سلباً على النوم والحالة النفسية، وتؤدي إلى مجموعة من المشكلات الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أحدث طراز أحذية رياضية من توقيع ترمب (متجر ترمب الإلكتروني)

منتَجات «ترمب»... أحذية وعطور وشموع وأكواب وهواتف للبيع

دونالد ترمب لا يهدي العطور فحسب، إنما يبيعها. وفي متجره الإلكتروني أكثر من مجرّد عطور، فالسلع كثيرة وأسعارها تناسب الجميع.

كريستين حبيب (بيروت)

السعودية تطلق منصة عالمية للخط العربي من المدينة المنورة

وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
TT

السعودية تطلق منصة عالمية للخط العربي من المدينة المنورة

وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)

شرع «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي» في منطقة المدينة المنورة (غرب السعودية) أبوابه لكل المهتمين بالخط العربي من جميع أنحاء العالم بما يعزز من حضور هذا الفن العريق الذي يمثل إرثاً حضارياً حياً يجمع الأصالة والإبداع، عبر 5 محاور يندرج تحتها عددٌ من البرامج النوعية.

يمثل المركز منصة عالمية لدعم الخط العربي وفنونه المتعددة، بوصفه وسيلة تواصل عالمية عابرة للثقافات في مجال التراث والفنون والعمارة والتصميم، مع تعزيز مكانة السعودية وتأثيرها في حفظه وتطويره، إلى جانب احتضان المواهب وتنمية المعارف في مجالات الخط العربي.

وتحت رعاية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، حضر الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة رئيس مجلس هيئة تطوير المنطقة، الاثنين، حفل افتتاح المركز، بحضور الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة.

الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة يرافقه الأمير بدر بن عبد الله وزير الثقافة خلال جولة على مرافق المركز العالمي للخط العربي في أثناء حفل افتتاحه (الثقافة السعودية)

واطلع أمير المدينة المنورة خلال جولة على مرافق المركز وما يضمه من معارض فنية واستمع إلى شرح عن المحتوى الثقافي وما حققه المركز بمسماه السابق «دار القلم» من جوائز ومنجزات ثقافية، كما شاهد عدداً من المقتنيات والأعمال الفنية التي تعكس قيمة الخط العربي ومكانته الثقافية والحضارية.

وقال وزير الثقافة السعودي في كلمة له خلال الحفل: «من أرض النور والعلوم، نسعد بتدشين مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، الذي يؤسس منصة عالمية للخط العربي بوصفه قيمة ثقافية عريقة، في ظل ما يحظى به القطاع الثقافي من دعم كريم وغير محدود من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء».

وأكد أن «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي يوجّه رسالةً إلى العالم أجمع عن حجم هذا الإرث العظيم والمكانة الرفيعة للخط العربي، ويؤكد الاهتمام الذي تُوليه قيادتُنا لثقافتنا وهويتنا».

وزير الثقافة السعودي خلال إلقاء كلمته (الثقافة السعودية)

وأشار إلى أن «المركز يُجسّد رؤيةً واضحة للارتقاء بالخط العربي بصفته وسيلةَ تواصل عالمية وراسخة في التراث العربي والفنون والعمارة والتصميم، ويعزز مكانة المملكة ودورها التاريخي في صونه وتطويره، كما يُعدّ منصة للإبداع والابتكار والتواصل الحضاري.

كما يشكّل المركز، منصةً لتطوير المواهب وصقل مهارات الخطاطين والاستثمار في المبدعين، إلى جانب تعزيز الهوية الثقافية للمملكة وترسيخ حضورها الدولي، مستهدفاً مختلف الفئات، ومنهم الخطاطون والمواهب الناشئة والفنانون التشكيليون والباحثون في الفنون الإسلامية والمؤسسات التعليمية والثقافية، إضافةً إلى الجمهور المحلي والعالمي من محبي الفنون والتراث، بما يسهم في توسيع دائرة التأثير وزيادة الوعي الثقافي وإبراز جماليات الخط العربي».

المركز يجسّد دوره كمنصةً عالمية لحفظ الخط العربي وتطويره (الثقافة السعودية)

وترتكز استراتيجية المركز على 5 محاور رئيسة، تشمل: المعرفة والتطوير، وتنمية المهارات، والمشاركة المجتمعية، والأعمال والفرص، والابتكار، ويندرج تحتها عددٌ من البرامج النوعية، من أبرزها: وحدة البحث والأرشفة، وبرنامج تعلم الخط العربي، ومنح الدراسات والأبحاث، ومتحف الخط العربي الدائم، والمعارض المتنقلة، والجمعية الدولية للخط العربي، وحاضنة الأعمال المرتبطة بالخط العربي.

ويعمل المركز على تنفيذ حزمةٍ من البرامج النوعية، تشمل: برنامج الإقامة الفنية، وتنظيم الورش التخصصية، وتطوير المناهج والمعايير المرتبطة بالخط العربي، إلى جانب مبادرات تعليمية وتدريبية دولية تسهم في حفظ التراث الثقافي، وتعزّز الحضور العالمي لهذا الفن العريق، الذي يمثّل إرثاً حضارياً حياً يجمع الأصالة والإبداع.

جانب من الأعمال الفنية التي تبرز جماليات الخط العربي وتنوّع مدارسه (الثقافة السعودية)

يأتي تدشين المركز تأكيداً للعناية التي توليها المملكة للثقافة والفنون، وانطلاقاً من المكانة التاريخية للمدينة المنورة بوصفها مهداً للخط العربي، وذاكرةً حضارية ارتبطت بكتابة المصحف الشريف وتدوين العلوم الإسلامية، وامتداداً لدورها التاريخي ممثلاً في «دار القلم»، بما يرسّخ حضور المدينة منصةً عالميةً للخط العربي، ويجسّد اتساق هذه المبادرات مع مستهدفات «رؤية المملكة 2030».


عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
TT

عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)

بعد مرور 20 عاماً على عرضها الأول، يعود الأخوان فريد وماهر صبّاغ إلى الخشبة بمسرحية «أنا وغيفارا» في صياغة جديدة. وقد افتُتح عرضها على «مسرح جورج الخامس - أدونيس»، ويشارك في بطولتها «الأخوان صبّاغ» إلى جانب نادين الراسي، وكارين رميا، وأنطوانيت عقيقي، وريمون صليبا، وجوزيف أصاف، ورفيق فخري، وألان العيلي.

«أنا وغيفارا» تُقدَّم بأسلوب إخراجي ممتع (الشرق الأوسط)

يتناول العمل الثورة التي قادها كل من فيدل كاسترو وتشي غيفارا لتحرير كوبا، ومن خلالها تحوَّل الرجلان إلى رمزَين عالميين ثوريين.

يطغى المشهد العسكري على مجريات المسرحية منذ اللحظة الأولى، سواء أكان من خلال مشاهد الثوار أم الجيش الكوبي. غير أن حدّة هذه الأجواء يخففها الحضور الذكي للأغنيات والموسيقى؛ إذ أحسن «الأخوان صبّاغ» توظيف هذين العنصرين بدقة. فاختصرت الأغنيات حوارات كاملة بين الشخصيات، وعبّرت بالتالي عن مشاعر الفرح والحزن، وعن إرادة الشعب وأهداف الثورة، وصولاً إلى مواقف مفصلية تستدعي الشجاعة والإقدام.

وبين النغمات الشرقية والغربية، قدّم «الأخوان صبّاغ» خلطة موسيقية جميلة وممتعة، طافت بالجمهور في رحلة ببلاد الأرز والفلكلور اللبناني الأصيل، وصولاً إلى الكاريبي وعبق الثورة الكوبية. وقد تفاعل الحضور بشكل لافت مع عدد من الأغنيات، لا سيما تلك التي أدّت فيها كارين رميا أغنية «تشي غيفارا» الشهيرة، وبرع فريد صبّاغ مع مجموعة الكورال في أداء «نشيد الثورة».

تجلّت مهارة الأخوين صبّاغ الإخراجية طيلة العرض، الذي استغرق نحو ساعتين، إذ جاء المشهد البصري جذاباً ومدروساً، وواكبه أسلوب سمعي غني بالمؤثرات الصوتية أضفى عليه زخماً مكثفاً. كما أجادا تقديم شخصيات العمل، مانحين كلاً منها المساحة الكافية لتترك بصمتها ضمن أداء احترافي.

نادين الراسي تلعب أكثر من شخصية في المسرحية (الشرق الأوسط)

من ناحية ثانية، تطلّ الممثلة نادين الراسي في المسرحية لتلعب أكثر من شخصية. وتحت اسم «إيفا»، وهي شخصية خيالية بخلاف عدد من الشخصيات المستندة إلى الواقع، تعود الراسي إلى خشبة المسرح بعد غياب.

وقد توجّهت جميع الأنظار إلى نادين الراسي، لا سيما مع تراجع إطلالاتها الدرامية في الفترة الأخيرة. ومن خلال الشخصيات التي تقدّمها في «أنا وغيفارا»، تنقّلت بين أدوار متناقضة، جمعت بين الخير والشر... فهي «إيفا» التي ترمز إلى القوى الكبرى وآليات تدخّلها في مصائر بلدان متعددة، كما تؤدي شخصية «تانيا» الثائرة؛ حبيبة غيفارا. ولم يتوانَ «الأخوان صبّاغ» عن منحها مساحة لأداء روحاني، أقامت عبرها جسراً رمزياً للتواصل بين السماء والأرض.

الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا في مشهد من المسرحية (الشرق الأوسط)

أما الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا، فقد استحضرا الكوميديا الخفيفة إلى العمل، وهما يستندان إلى خبرتهما الطويلة في هذا المجال، فنجحا في رسم الضحكات على وجوه الحضور بخفّة وطرافة، وشكّلا معاً «استراحة المحارب» التي يحتاجها المتفرّج وسط زحمة العسكر وضغوطات الثورة.

وعلى الرغم من حدّة الأحداث التي تتألّف منها قصة العمل، فإن «الأخوان صبّاغ» اختارا الابتعاد كلياً عن مشاهد العنف. فحتى في المعارك الدائرة بين رجال الثورة وجيش الدولة الكوبية، وكذلك في مشهد القبض على تشي غيفارا، غُيّب أي أثر للعنف الجسدي، فسار المخرج بين السطور بدقّة، تاركاً لخيال المشاهد مهمّة الاستنتاج واستخلاص العِبر.

نجح «الأخوان صبّاغ» في مقاربة سيرتَي رجلَي الثورة؛ كاسترو وغيفارا، بعيداً عن أي انحياز سياسي، وقدّماهما في إطار إنساني عزّز قيم السماحة والغفران. كما شكّل العمل رهاناً واضحاً على استمرارية المسرح الغنائي الغائب بشكل ملحوظ عن الساحة الفنية في السنوات الأخيرة، فأعادا حبك القصة بروح عصرية، مستخدمَين أدوات وعناصر فنية افتقدها الجمهور اللبناني طويلاً على الخشبة.


«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
TT

«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)

استعاد العرض المسرحي «متحف باكثير» جانباً من روائع الأديب اليمني المصري علي أحمد باكثير في القاهرة، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ115 لميلاده.

العرض الذي أُقيم على خشبة المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية، مساء الاثنين، كان ضِمن فعالية ثقافية وفنية عكست حضور اسمه المتجدد في الوجدان العربي، نظّمتها مؤسسة «حضرموت للثقافة» السعودية، بالشراكة مع «ضي للثقافة والإعلام».

لم تقتصر الاحتفالية، التي نُظّمت تحت عنوان «علي أحمد باكثير... 115 عاماً من التأثير»، على استدعاء السيرة الإبداعية للأديب الكبير، بل سعت إلى تحويل إرثه الأدبي إلى فعل حي على خشبة المسرح بوصفه أحد الفضاءات الأساسية التي شكّلت مشروعه الإبداعي، من خلال العرض الذي استمر لنحو 80 دقيقة، حيث قُدِّم من دراماتورج وإخراج أحمد فؤاد، برؤية تقوم على فكرة المتحف بوصفه مساحة جامعة، تتجاور فيها العصور والشخصيات والأفكار، وتتحول فيها النصوص الأدبية إلى لوحات حية نابضة بالحركة والصوت.

المخرج أحمد فؤاد قدّم العرض بصورة بصرية جذابة (الشركة المنتجة)

اعتمد العرض على استلهام عدد كبير من أعمال علي أحمد باكثير، التي تحولت عبر العقود إلى نصوص مسرحية وسينمائية مؤثرة، من بينها «وا إسلاماه» و«الشيماء»، إلى جانب مسرحيات مثل «جلفدان هانم» و«قطط وفئران» و«الحاكم بأمر الله»، وغيرها من الأعمال التي كشفت عن انشغاله الدائم بالتاريخ والهوية والإنسان.

ومن خلال هذا التنوع، تنقّلَ العرض بين العصور الفرعونية والإسلامية والحديثة، مستحضراً شخصيات تاريخية وأسطورية ومتخيلة، في معالجة درامية سعت إلى إبراز الأسئلة الكبرى التي شغلت الكاتب؛ من الحرية والعدل، إلى الصراع بين السلطة والضمير، وعبر فتاة شابة من جيل «زد» تدخل متحفاً يضم عدداً من الشخصيات التي قدّمها.

يقول أحمد فؤاد، مؤلف العرض ومُخرجه، لـ«الشرق الأوسط»، إن عرض «متحف باكثير» جاء انطلاقاً من إيمان عميق بأهمية إعادة تقديم أعمال علي أحمد باكثير بصيغة مسرحية معاصرة تتيح للجمهور، اليوم، الاقتراب من عالمه الفكري والإنساني دون حواجز زمنية، مشيراً إلى أن اختيار فكرة المتحف كان المدخل الأنسب للتعامل مع هذا الإرث المتنوع؛ نظراً لما تزخر به أعمال باكثير من شخصيات تنتمي إلى عصور وخلفيات مختلفة، من مصر القديمة، مروراً بالتاريخ الإسلامي، وصولاً إلى الشخصيات المتخيَّلة والمعاصرة.

وأضاف أن «العرض صُمِّم على هيئة قاعات متحفية متجاورة، ينتقل بينها المتفرج، بحيث تقوده الأحداث في مسار درامي واحد، تتقاطع داخله الشخصيات والأفكار، في محاولةٍ للكشف عن الخيط الإنساني المشترك الذي يربط هذه العوالم المتباعدة ظاهرياً».

العرض قُدّم على مدار 80 دقيقة على خشبة المسرح الكبير بالأوبرا (الشركة المنتجة)

وأوضح فؤاد أنه اعتمد في بناء العرض على دراسة وقراءة عدد كبير من نصوص باكثير، قبل الاستقرار على اختيار 12 نصاً مسرحياً كُثِّفت وأُعيدت صياغتها داخل بنية واحدة. وعَدّ «التحدي الأكبر تمثل في ضغط الزمن، ومحاولة تجميع هذا الكم من الأعمال في إطار جذاب بصرياً ودرامياً، دون الإخلال بالفكرة الأساسية لكل نص؛ لأن الهدف كان تقديم عرض نوعي، قريب من المتفرج، يُعيد طرح سؤال عن باكثير وقدرته المتجددة على مخاطبة الحاضر».

ووفق الناقد الفني المصري، محمد عبد الرحمن، فإن عنوان عرض «متحف باكثير» قد يوحي، منذ الوهلة الأولى، بطابع وثائقي تقليدي، إلا أن التجربة المسرحية جاءت مغايرة تماماً لهذا الانطباع، وقال، لـ«الشرق الأوسط»: «استطاعت التجربة أن تحصد إعجاب الجمهور بفضل طبيعتها المختلفة واعتمادها الواضح على الحركة فوق خشبة المسرح، كما أن تعدد الشخصيات وتنوعها، والتنقل بينها بسلاسة، منح العرض حيوية خاصة، وخلق حالة من التفاعل المستمر مع المتلقي، بعيداً عن الجمود أو السرد المباشر».

العرض نال إشادات من الحضور (الشركة المنتجة)

وأضاف عبد الرحمن أن «عناصر العرض الفنية جاءت متوازنة، إذ اتسم الحوار بالجاذبية والقدرة على الإمتاع دون إسهاب أو خطابية، مدعوماً بمتعة بصرية واضحة على مستوى الحركة والتشكيل المسرحي»، لافتاً إلى أن الموسيقى لعبت دوراً أساسياً في تكوين المناخ العام للعمل؛ لاعتمادها على إرث أعمال باكثير.

وخلال الاحتفالية أُعلن إطلاق جائزة سنوية تحمل اسم علي أحمد باكثير، تبلغ قيمتها 10 آلاف دولار أميركي، وتُمنح في مجالات عدّة تعكس تنوع تجربته الإبداعية، من بينها الشعر، والكتابة المسرحية، والرواية، والترجمة الأدبية، والنقد الأدبي، في خطوة تستهدف دعم الإبداع العربي وتشجيع الأصوات الجديدة، بجانب تكريم أسماء عدد من الفنانين الذين ارتبطت أعمالهم به، منهم أحمد مظهر، ولبنى عبد العزيز، وسميرة أحمد، وحسين رياض.