ليبيون يشتكون من «تعطل» الأحكام القضائية وتجاهل القانون

أكاديمي يؤكد أن «شرائح واسعة من المواطنين باتت تمتنع عن التوجه للقضاء بسبب عدم تنفيذ الأحكام»

النائب العام الليبي الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)
النائب العام الليبي الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)
TT
20

ليبيون يشتكون من «تعطل» الأحكام القضائية وتجاهل القانون

النائب العام الليبي الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)
النائب العام الليبي الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)

يشكو قانونيون وساسة ليبيون من «أزمة ثقة» تواجه المنظومة القضائية في عموم البلاد، وتزداد وتيرتها بسبب عدم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال إدانات واتهامات موثقة لسياسيين وقادة ميليشيات، أو لعدم تنفيذ أحكام قضائية صادرة بالفعل.

بدا ذلك بوضوح للمراقبين مع ظهور موسى المقريف، وزير التربية التعليم في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، في منزله بأجدابيا (شرق)، وذلك بعد أيام فقط من إدانته بالسجن بتهم «فساد» في عملية طباعة الكتاب المدرسي.

ويرى سياسيون أن «العائق الرئيسي أمام تحقيق العدالة الناجزة في ليبيا، يكمن في محدودية النطاق الجغرافي لسيطرة الأجهزة الأمنية»، وفي هذا السياق، اعترف عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد أونيس، في تصريحات صحافية سابقة، بأن تلك الأجهزة تعمل «وفق تعليمات ومناطق نفوذ محددة، بدلاً من تشريعات الدولة الشاملة».

موسى المقريف وزير التعليم بحكومة الوحدة في منزله بمدينة أجدابيا شرق ليبيا (حسابات موثوقة)
موسى المقريف وزير التعليم بحكومة الوحدة في منزله بمدينة أجدابيا شرق ليبيا (حسابات موثوقة)

وسبق أن أقر رئيس المجلس الأعلى للقضاء الليبي، المستشار مفتاح القوي، بأن ظروف البلاد الراهنة «ليست سهلة في ظل الانقسامات الواقعة»، مؤكداً أن «الحفاظ على الجهاز القضائي ليس بالأمر اليسير». ولم تكن واقعة المقريف الحالة الوحيدة لعدم تطبيق العدالة، فقد تداولت وسائل إعلام محلية صوراً لآمر «فرقة الإسناد الأولى»، محمد بحرون، الشهير بـ«الفأر» في إفطار رمضاني بالعاصمة طرابلس، بينما لم تظهر بعد نتيجة تحقيقات أجرتها النيابة العامة معه، بتهمة «الضلوع في اغتيال عبد الرحمن ميلاد»، الشهير بـ«البيدجا»، آمر الأكاديمية البحرية في سبتمبر (أيلول) 2024.

وبجانب «الفأر»، يوجد آمر «جهاز الشرطة القضائية»، أسامة نجيم، إذ لم يصدر أي تحرك قانوني بشأنه رغم صدور مذكرة توقيف دولية ضده من «المحكمة الجنائية»، بتهم «جرائم القتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي»، بل تم إطلاق سراحه، فيما يبدو، بتدخل من «الوحدة» عقب توقيفه في إيطاليا.

في السياق ذاته؛ ترى منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن «نظام العدالة الجنائية في ليبيا محفوف بمخاوف خطيرة»، وأرجعت ذلك إلى أن «القضاة والمدعين العامين والمحامين معرضون لخطر مضايقات الجماعات المسلحة»، بحسب تقريرها السنوي.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى ممارسات ارتكبها قادة ميليشيات لم يتحرك حيالها النائب العام، الصديق الصور، أو حتى جهات رقابية، إلى جانب تقارير أخرى تتحدث عن ضبط وقائع فساد.

وعلى سبيل المثال، فإن تقرير خبراء الأمم المتحدة تحدث عن تورط «آمر جهاز دعم الاستقرار»، عبد الغني الككلي الشهير بـ«غنيوة»، أحد أبرز قادة ميليشيات طرابلس، في تعاقدات تخص شركة الكهرباء الحكومية، وهي اتهامات اكتفى الككلي بنفيها، دون إعلان من الجهات القضائية عن تحرك بشأنها.

وفي شرق البلاد، لا يزال الصمت يخيم حول تحقيقات قال «الجيش الوطني» الليبي إنه يجريها بشأن انتهاكات في سجن قرنادة العسكري، كشف النقاب عنها في يناير (كانون الثاني) الماضي.

آمر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون، الشهير بـ«الفأر» (يمين) في إفطار رمضاني بالعاصمة طرابلس (حسابات موثوقة)
آمر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون، الشهير بـ«الفأر» (يمين) في إفطار رمضاني بالعاصمة طرابلس (حسابات موثوقة)

ويذهب قانونيون، ومن بينهم المحامي الليبي محمد بن دردف، إلى الاعتقاد بأن منظومة القضاء تعاني «أزمة ثقة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» بهذا الخصوص، إن «القوانين تتعطل مع قادة الميليشيات، لأنها في بيئة تخضع لسيطرة ميليشياوية، دون وجود أي ضمانات لإنفاذ القانون».

وربما تكون «تجارب الحكومات المتعاقبة في ليبيا أحد أسباب هذا الوضع»، وفق بن دردف، الذي أشار إلى أنها «دأبت على القفز على القانون، وتلقي ضمانات غير معلنة بعدم الملاحقة حين تحل لحظة تسليم السلطة».

ولا يتوقف الأمر عند وزراء أو قادة ميليشيات فقط، بل إن حكومة «الوحدة» باتت متهمة هي الأخرى، وعلى نطاق واسع، بـ«تجاهل القانون وأحكام القضاء»، حسب اختصاصيين قانونيين.

وسبق أن اشتكى شيوخ وأعيان في مدينة تاورغاء من عدم امتثال الدبيبة لحكم قضائي صادر عن محكمة استئناف طرابلس، بوقف تنفيذ قراره ضم تاورغاء لبلدية مصراتة، ولم يكتفِ بذلك فحسب، بل ذهب إلى تعيين رئيس لها باعتبارها فرعاً بلدياً في يناير (كانون الثاني) الماضي. كما اشتكى وزير النفط المُقال، محمد عون، من تجاهل حكومة «الوحدة»، «أحكاماً قضائية تعيده إلى منصبه»، بعد أن تم توقيفه عام 2024، والأكثر من ذلك أن الدبيية قرر إحالته إلى التقاعد في مطلع فبراير (شباط) من العام نفسه.

هذا إلى جانب صدور حكم قضائي في محكمة بطرابلس بإلغاء قرار الدبيبة تشكيل مجلس إدارة جديد لجمعية الدعوة الإسلامية، وهو ما لم يلقَ أيضاً إشارة حكومية تعبر عن الامتثال لهذا الحكم.

ومن منظور قانوني، فإن حكومة «الوحدة» ضربت المثل في «تجاهل الأحكام القضائية»، وفق الأكاديمي وأستاذ القانون بجامعة طرابلس فرج حمودة، الذي نبّه إلى أن «امتناع الجهات الحكومية والموظف العام عن تنفيذ الأحكام القضائية، يعد جنحة مباشرة أمام المحكمة الجنائية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد مسؤول أو وزير، عزل من منصبه لعدم تنفيذ حكم قضائي».

وتنص أحكام قانون العقوبات الليبي، خصوصاً «المادة 234»، على معاقبة كل موظف عمومي بالحبس والعزل إذا امتنع عمداً عن تنفيذ حكم قضائي، أو أمر صادر من المحكمة بعد 10 أيام من إنذاره على يد محضر.

وفي هذا السياق، يشير الأكاديمي الليبي إلى أن «شرائح واسعة من الليبيين تمتنع عن التوجه إلى القضاء بسبب عدم تنفيذ الأحكام»، محذراً من أن «التجاهل والمماطلة يفقدان الدولة هيبتها، ويقوضان الثقة بين الدولة والنظام القضائي».

وانتهى بن دردف إلى أنه لا يوجد خيار للحل سوى «استقلال القضاء، وتوحيد السلطة التنفيذية، ومراجعة القوانين لتصبح رادعة».


مقالات ذات صلة

«انتهكت الثقة»... السلطات الأميركية تقاضي «أوبر» بتهمة غشّ المستخدمين

الاقتصاد يقف رجل أمام سيارة مستأجرة تحمل لافتة من شركة «أوبر» لخدمات النقل (د.ب.أ)

«انتهكت الثقة»... السلطات الأميركية تقاضي «أوبر» بتهمة غشّ المستخدمين

رفعت السلطات الأميركية أمس (الاثنين)، دعوى قضائية ضد شركة «أوبر»، تتّهم فيها منصّة نقل الركاب بغشّ مستخدميها، بواسطة عروض ترويجية لـ«أوبر وان».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي النائب السابق في البرلمان العراقي أحمد العلواني (إكس)

العراق: أنباء عن إطلاق سراح نائب سابق بالعفو العام

رحّبت فعاليات حزبية وعشائرية بالإفراج عن نائب سابق يمثّل محافظة الأنبار بعد 12 سنة قضاها في السجن بتهمة قتل جندي في الجيش العراقي.

حمزة مصطفى (بغداد)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يندد بقضاة «ضعفاء» مع تفاقم السجال حول عمليات الترحيل

تفاقم، اليوم الأحد، السجال الدائر حول مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب لترحيل مهاجرين غير نظاميين استناداً إلى قانون يعود إلى القرن الثامن عشر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«الازدراء» يُدخل التصعيد بين ترمب والقضاء منعطفاً جديداً

شهدت المواجهة المتواصلة بين إدارة الرئيس دونالد ترمب والأجهزة القضائية الأميركية فصلاً تصعيدياً جديداً، بعدما هدد قاض فيدرالي آخر بفتح تحقيق بتهمة «الازدراء».

علي بردى (واشنطن)
الاقتصاد شعار «غوغل» ولوحة مفاتيح وأيدٍ روبوتية تظهر في هذه الرسوم التوضيحية (رويترز)

قاضية أميركية: «غوغل» تهيمن بشكل غير قانوني على سوقَي الإعلانات الرقمية

قالت قاضية فيدرالية، يوم الخميس، إن شركة «غوغل» التابعة لمجموعة «ألفابت» تهيمن بشكل غير قانوني على سوقين من أسواق تقنيات الإعلانات الرقمية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

وفاة الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع

الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع (أرشيفية)
الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع (أرشيفية)
TT
20

وفاة الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع

الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع (أرشيفية)
الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع (أرشيفية)

توفي الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع الأربعاء عن عمر 91 عاما، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام محلية.

وشغل المبزع منصب الرئيس المؤقت للبلاد إثر هروب الرئيس الراحل زين العابدين بعد انتفاضة شعبية أطاحت بنظامه في 2011. وفي نهاية 2011 اندلعت تظاهرات في محافظ سيدي بوزيد إثر حرق البائع الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على تعامل الشرطة معه واتسعت رقعتها لتشمل كامل البلاد واضطر اثرها بن علي إلى الهروب خارج البلاد.

وترأس المبزع مجلس نواب الشعب التونسي من العام 1997 وحتى 2011. كما شغل مناصب وزارية تنقل فيها بين الخارجية والشباب والرياضة والصحة خلال عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وبن علي.