شهدت المواجهة المتواصلة بين إدارة الرئيس دونالد ترمب والأجهزة القضائية الأميركية فصلاً تصعيدياً جديداً، بعدما هدد القاضي الفيدرالي في واشنطن، جيمس بواسبيرغ، بفتح تحقيق بتهم «الازدراء الخطير»؛ لمعرفة ما إذا كانت الجهات الحكومية انتهكت حكماً أصدره، الشهر الماضي، يوجه المسؤولين بمنع إرسال طائرات المهاجرين الفنزويليين إلى السلفادور.
وجاء هذا التهديد مع اقتراب ترمب من يومه المائة في الرئاسة الثانية، وسط اتهامات بأنه يتجاوز حدود سلطته التنفيذية، محبطاً السلطتين التشريعية والقضائية، ومبدأ فصل السلطات في الدستور، بذريعة أنه يتصرف بتفويض واسع من الناخبين الأميركيين.
ولكن المحاكم تبدو أكثر استعداداً من أي وقت مضى لمواجهة مساعي ترمب نحو السلطة الأحادية، التي تجلّت هذا الأسبوع بإعلان مسؤولين في وزارة العدل أنهم غير ملزمين بتنفيذ أوامر القاضية الفيدرالية بولا زينيس لإعادة كيلمار أبريغو غارسيا، المقيم في ميريلاند، والذي اعترفت الحكومة بإرساله خطأً إلى سجن في السلفادور.
وفي حكم جديد من 46 صفحة، قال القاضي بواسبيرغ إنه سيبدأ إجراءات ازدراء ضد الإدارة ما لم يفعل البيت الأبيض ما فشل في فعله لأكثر من شهر: منح عشرات الفنزويليين الذين رُحِّلوا إلى السلفادور بموجب السلطة الموسعة لقانون زمن الحرب المعروف باسم «قانون الأعداء الأجانب» فرصة للطعن في ترحيلهم. وكتب أن المحكمة «لا تتوصل إلى مثل هذه الاستنتاجات باستخفاف أو تسرع»، بل هي «منحت المتهمين فرصة كافية لشرح أفعالهم. ولم تكن أي من ردودهم مُرضية».
ويمثل تهديد القاضي بواسبيرغ بإجراءات ازدراء المحكمة، إلى جانب خطوة مماثلة من القاضية زينيس لفتح تحقيق مماثل، محاولةً بارزة من جانب القضاة لمحاسبة البيت الأبيض على استعداده الواضح لتجاهل أوامر المحكمة.

قراران متزامنان
كما أظهر القراران المتزامنان أن القضاة ما زالوا على استعداد للتصدي لتوجه الإدارة الأوسع نطاقاً للتحقيق في توازن القوى التقليدي، وإن كان هشاً بشكل متزايد، بين السلطتين التنفيذية والقضائية. وفي حال تباطؤ مسؤولي الإدارة في جهودهم، حذر القاضي بواسبيرغ من أنه قد يُحيل القضية إلى وزارة العدل أو حتى يُعيّن مدعياً عاماً خارجياً.
وكانت القاضية زينيس طلبت من إدارة ترمب خلال الأسبوعين المقبلين الإجابة عن أسئلة - كتابياً وفي إفادات - حول سبب عدم امتثالها حتى الآن، على ما يبدو، لتوجيهات المحكمة العليا «بتيسير» إطلاق أبريغو غارسيا، من نفس السجن السلفادوري الذي أُرسل إليه المهاجرون الفنزويليون.
وبعد وقت قصير من صدور أمر القاضي بواسبيرغ، أعلن البيت الأبيض اعتزامه الاستئناف. وكتب الناطق باسم الرئيس ترمب، ستيفن تشيونغ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن «الرئيس ملتزم تماماً بضمان ألا يشكل الإرهابيون والمهاجرون غير الشرعيين المجرمين تهديداً للأميركيين ومجتمعاتهم في كل أنحاء البلاد».
ورحب الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، الذي رفع دعوى قضائية نيابة عن الرجال الفنزويليين، بالقرار.
وقال المحامي الرئيسي لاتحاد الحريات المدنية لي غيليرنت، إن «القاضي بواسبيرغ يُركز بشكل صحيح على إعادة الأفراد المُرسلين إلى سجن سلفادوري وحشي من دون أي إجراءات قانونية، وهذا أيضاً لا يزال مصدر قلقنا».
وفي رأيه، سرد القاضي بواسبيرغ عدة أسباب تجعله يعتقد بوجود «سبب مُحتمل» لانتهاك الإدارة لأمره. ولكن الأهم من ذلك، أنه وضع خريطة طريق لما قد يحدث لاحقاً. وأفاد بأنه إذا لم يتوصل البيت الأبيض إلى طريقة ما لمنح الفنزويليين فرصة للطعن في ترحيلهم، فسيأمر بإصدار إقرارات تحت القسم من مسؤولي ترمب في محاولة لتحديد المسؤول في الإدارة عن عصيان تعليماته. وقال إنه إذا لم يُسفر ذلك عن كشف هوية الجاني، فسيطلب إفادات من المسؤولين أو يعقد «جلسات استماع مع شهادات حية تحت القسم». وإذا لم تنجح هذه الطريقة أيضاً، فسيعلن أنه سيحيل القضية إلى وزارة العدل للمقاضاة الجنائية.
ونظراً لاستبعاد توجيه الوزارة الخاضعة لسيطرة الرئيس ترمب اتهامات، قال القاضي بواسبيرغ إنه سيلجأ إلى مناورة أخيرة: استخدام بند خاص في قانون ازدراء المحكمة الجنائي يسمح له، بصفته القاضي المشرف على القضية، بتعيين محامٍ من خارج الوزارة للمقاضاة في قضية الازدراء.
بداية المشكلة
وكانت المشكلة بدأت بجلسة استماع طارئة عبر تطبيق «زوم» في 15 مارس (آذار) الماضي، حين طلب القاضي من محامي وزارة العدل تنبيه الإدارة إلى ضرورة وقف أي رحلات ترحيل متجهة إلى السلفادور بموجب قانون «الأعداء الأجانب» فوراً، وأن على أي طائرات كانت في الجو أن تعود أدراجها. لكن ذلك لم يحدث، تاركاً نحو 140 فنزويلياً، اتهمتهم الإدارة بالانتماء إلى عصابة الشوارع العنيفة «ترين دي أراغوا»، رهن الاحتجاز في سجن سيئ السمعة في السلفادور.

وعلى مدى الأيام القليلة التالية، عملت وزارة العدل، نيابة عن البيت الأبيض، على عرقلة محاولات القاضي بواسبيرغ لمعرفة ما إذا كان أحد في الإدارة تجاهل توجيهاته عمداً. أولاً، حاول محامو وزارة العدل في اللحظة الأخيرة إلغاء جلسة استماع لاحقة، حيث طُلب منهم الاستعداد لشرح ما حدث. وفي اليوم نفسه، اتخذ محامو الوزارة خطوة غير مألوفة للغاية، حيث طلبوا من محكمة الاستئناف الفيدرالية، التي يرأسها القاضي بواسبيرغ، إبعاده عن القضية.
وعندما ظلّ القاضي بواسبيرغ في القضية ورفض تأجيل الجلسة، أمضى محامو وزارة العدل معظم وقتها في التهرب من أسئلته، وتقديم مجموعة من الأعذار.
وادّعى المحامون أنه بمجرد مغادرة الطائرات المجال الجوي الأميركي، لم يعد للقاضي سلطة وقفها. كما جادلوا بأن الحكم الذي اهتموا به هو أمر القاضي بواسبيرغ الكتابي، والذي سُجّل في المحكمة بعد ساعة تقريباً من إصداره أمره الشفوي في قاعة المحكمة، وهو موقف استهزأ به.
وفي تطور غير مألوف آخر في القضية، ألغت المحكمة العليا، في حكم ضيق هذا الشهر، أمر القاضي بواسبيرغ، لأسباب إجرائية بالأساس.
في رأيه الأخير، قال القاضي بواسبيرغ إنه من الجائز قانوناً المضي في إجراءات ازدراء المحكمة حتى بعد إلغاء الأمر القضائي الأساسي من المحكمة العليا.















