مصر: كيف تُسهم تحلية مياه البحر في تحجيم أزمة «الشح»؟

الحكومة تستهدف معالجة 5 ملايين متر مكعب يومياً

جانب من مشروع تحلية مياه البحر في العين السخنة (خريطة مشاريع مصر)
جانب من مشروع تحلية مياه البحر في العين السخنة (خريطة مشاريع مصر)
TT
20

مصر: كيف تُسهم تحلية مياه البحر في تحجيم أزمة «الشح»؟

جانب من مشروع تحلية مياه البحر في العين السخنة (خريطة مشاريع مصر)
جانب من مشروع تحلية مياه البحر في العين السخنة (خريطة مشاريع مصر)

أثارت جهود الحكومة المصرية في ملف تحلية مياه البحر للحد من أزمة «الشح المائي»، تساؤلات بشأن هذه التحركات في خدمة «ملف المياه بالبلاد»، خصوصاً بعد إنشاء كثير من محطات التحلية.

وتعاني مصر من «عجز مائي» يقدَّر بنحو 54 مليار متر مكعب سنوياً، حيث تبلغ مواردها المائية نحو 60 مليار متر مكعب سنوياً، تقابلها احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً، حسب تصريحات لوزير الري المصري، هاني سويلم، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

كان رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قد قال في فبراير (شباط) الماضي، إن «حكومته تستهدف الوصول بكمية المياه المحلاة من البحر يومياً إلى 5 ملايين متر مكعب». كما شدد الشهر الماضي، على «أهمية اتخاذ مختلف الخطوات العملية مع الشركات الجادة التي تُبدي استعداداً لتنفيذ مشروعات كبيرة في مجال تحلية مياه البحر»، وفق بيان لـ«مجلس الوزراء».

تأتي التحركات الحكومية، في ظل استمرار أزمة «سد النهضة» الذي أقامته أديس أبابا على رافد نهر النيل الرئيسي، وتطالب دولتا المصب (مصر والسودان) باتفاق قانوني مُلزم ينظم عمليات «ملء وتشغيل السد».

وحسب أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، عباس شراقي، فإن مصر قطعت شوطاً كبيراً في ملف تحلية مياه البحر خلال السنوات الخمس الماضية، مما أسهم في مضاعفة الكميات المنتجة لنحو 10 أضعاف.

وأشار إلى أن «مصر كان يوجد بها نحو 60 محطة لتحلية المياه، لكن إنتاجها كان متواضعاً بنحو 100 ألف متر مكعب في اليوم، والآن بعد إنشاء كثير من المحطات عالية القدرة الإنتاجية، أصبح الإنتاج اليومي يصل إلى نحو مليون و200 ألف متر مكعب». لكنه أوضح أن هذا الملف «لا يزال محل عناية وخطط مستقبلية قيد التنفيذ».

مصطفى مدبولي خلال متابعته في وقت سابق ملف تحلية مياه البحر (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي خلال متابعته في وقت سابق ملف تحلية مياه البحر (مجلس الوزراء المصري)

وتضع مصر استراتيجية لتحلية مياه البحر تتضمن «5 خطط خمسية» خلال الفترة من 2025 إلى 2050 حسب وزير الإسكان المصري، شريف الشربيني، الذي قال أخيراً، إن «الخطة الأولى تبدأ من 2025 حتى 2030 وتشتمل على 23 مشروعاً بإجمالي إنتاج يبلغ 2.655 مليون متر مكعب يومياً».

ورغم الطفرة الكبيرة التي تحققت في ملف تحلية مياه البحر، فإن شراقي يرى انفصالاً بين هذا الملف و«العجز المائي»، على اعتبار أن «مياه التحلية تكلفتها عالية نسبياً، حيث تبلغ نحو دولار للمتر المكعب الواحد (الدولار يساوي 50.5 جنيه في البنوك المصرية)، كما أنها توظف بشكل أساسي إما في الشرب في المدن الساحلية أو في المشاريع الاستثمارية، بينما يتمثل العجز المائي في مصر بالأساس في توفير مياه للزراعة».

ودشَّنت مصر في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019 محطة «العين السخنة» التي تعد «الكبرى على مستوى العالم»، حسب «الهيئة العامة للاستعلامات». وتعمل على «تنقية 136 ألف متر مكعب يومياً لصالح المنطقة الاستثمارية والمنطقة الصناعية شمال غربي خليج السويس».

وأضاف شراقي لـ«الشرق الأوسط» أن «تكلفة مياه البحر المحلاة تظل ذات جدوى اقتصادية كبيرة عند توجيهها للشرب في المدن الساحلية التي تشهد امتدادات عمرانية وصناعية وسياحية، وتستطيع العوائد الكبيرة للسياحة أو الصناعة تغطية تكلفتها، لكن عند توجيهها للزراعة فإنها تفقد جدواها الاقتصادية؛ إذ تعد تكلفتها أعلى من المحاصيل التي ستُزرع بها». وأشار إلى أن «العجز المائي» يتم تعويضه من خلال عدة سبل من بينها «تحلية مياه الصرف الزراعي لإعادة استخدامها مرة أخرى في الري، واستنباط سلالات جديدة من المحاصيل التي لا تحتاج إلى كميات مياه كبيرة».

مصر تعتمد بشكل رئيسي على مياه النيل في تلبية احتياجاتها (أرشيفية - مجلس الوزراء المصري)
مصر تعتمد بشكل رئيسي على مياه النيل في تلبية احتياجاتها (أرشيفية - مجلس الوزراء المصري)

لكنَّ خبير المياه الدولي، ضياء الدين القوصي، يرى أن ثمة وسائل يمكن من خلالها الاستفادة من المياه المحلاة، بحيث تصبح إضافة إلى مياه النيل، ومن ثم استخدامها في الزراعة، وتقليص العجز المائي.

وتقدَّر حصة مصر في مياه نهر النيل بـ55.5 مليار متر مكعب، تعتمد عليها بنحو 97 في المائة في استخدامات الشرب والزراعة.

ووفق القوصي، فإن أولى هذه المزايا «وجود كميات هائلة من المياه الجوفية في مصر»، مشيراً إلى أن إنشاء محطات لـ«تحلية هذه المياه بالطاقة المتجددة، يُمكن أن يخفض تكلفة الإنتاج، ومن ثم تعظيم الاستفادة». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الميزة الأخرى لمصر، هي امتلاكها نحو 3 آلاف كيلومتر شواطئ، بين البحر المتوسط والأحمر والعقبة والسويس، مقترحاً أن تتم الاستفادة منها في شكل إنشاء محطات صغيرة تفي بأغراض التجمعات السكنية في هذه المناطق، مما يوفر مصروفات نقل المياه إلى المدن الساحلية.


مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى عودة سفن الشحن لعبور قناة السويس

شمال افريقيا عبور السفن بقناة السويس المصرية (مجلس الوزراء المصري)

مصر تدعو إلى عودة سفن الشحن لعبور قناة السويس

دعت الحكومة المصرية إلى «ضرورة عودة سفن الشحن العالمية للمرور عبر قناة السويس» مرة أخرى في ضوء أعمال التطوير التي تنفذها بالمجرى الملاحي.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا كانت أكبر نسبة تراجع لتحويلات المصريين بالخارج بين عامي 2022 و2023 (رويترز)

«قفزات متتالية» في تحويلات المصريين بالخارج... ما الأسباب؟

واصلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج تسجيل «قفزات قياسية متتالية» وغير مسبوقة، بحسب بيانات حكومية رسمية

هشام المياني (القاهرة)
يوميات الشرق إغلاق فروع لمحلات حلويات بالجيزة (محافظة الجيزة)

مصر: إغلاق فروع لشركة حلويات «شهيرة» يثير تساؤلات

أثار إغلاق عدد من الفروع التابعة لشركة حلويات شهيرة في مصر حالة من الجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي، الأربعاء، وسط تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار

رشا أحمد (القاهرة )
شمال افريقيا بنايات في وسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر تشدد على دعمها للأردن في مواجهة الإرهاب و«المخططات الهدّامة»

شددت مصر على وقوفها بشكل كامل جنباً إلى جنب مع الأردن في مواجهة كل أشكال الإرهاب والجماعات المتطرفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا طواقم طبية داخل مستشفيات مصرية (وزارة الصحة المصرية)

غضب بين أطباء مصر عقب مقترحات برلمانية وإعلامية للحد من «هجرتهم»

انتابت أطباء مصريين حالة غضب عقب مقترحات برلمانية وإعلامية تدعو إلى الحد من «هجرتهم» عبر منع سفر خريجي كليات الطب للخارج عدة سنوات.

أحمد إمبابي (القاهرة )

تحالف «تأسيس» يشرع في ترتيبات إعلان «الحكومة الموازية»

عبد الرحيم دقلو (شقيق حميدتي / وسط) محاطاً بممثلي الأحزاب السياسية المؤيدة لحكومة الوحدة في نيروبي أمس (أ.ف.ب)
عبد الرحيم دقلو (شقيق حميدتي / وسط) محاطاً بممثلي الأحزاب السياسية المؤيدة لحكومة الوحدة في نيروبي أمس (أ.ف.ب)
TT
20

تحالف «تأسيس» يشرع في ترتيبات إعلان «الحكومة الموازية»

عبد الرحيم دقلو (شقيق حميدتي / وسط) محاطاً بممثلي الأحزاب السياسية المؤيدة لحكومة الوحدة في نيروبي أمس (أ.ف.ب)
عبد الرحيم دقلو (شقيق حميدتي / وسط) محاطاً بممثلي الأحزاب السياسية المؤيدة لحكومة الوحدة في نيروبي أمس (أ.ف.ب)

خصص قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» جزءاً كبيراً من خطابه في الذكرى الثانية للحرب بين قواته والجيش السوداني، للحديث عن «حكومة السلام والوحدة» التي يسعى وحلفاؤه للإعلان عنها بموازاة الحكومة التي يسيطر عليها الجيش، وتتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية عاصمة لها.

وعلى غير العادة، كاد الخطاب يخلو من الإشارة إلى الأوضاع العسكرية لقواته في الميدان، وركز على «خطاب سياسي»، يمكن اعتباره البرنامج السياسي للحكومة المزمع تشكيلها، وفقاً لاتفاقيات «نيروبي» فبراير (شباط) الماضي، في حين ذكرت المصادر أن اللجان الفنية المكلفة بتحديد الحقائب الوزارية وشخوصها وبرامجها قد أوشكت على إكمال عملها.

وقال حميدتي بمناسبة دخول الحرب عامها الثالث، إن «السلاح وحده لا يكفي لحل المشكلات السياسية». وأضاف أنه يفخر بقيام حكومة السلام والوحدة عبر «تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان»، وهو أول تصريح للرجل منذ تكوين تحالف السودان التأسيسي «تأسيس» بشأن تشكيل الحكومة، وعدّه عدد من المراقبين بمثابة «إعلان رسمي» لتشكيل الحكومة التي تم الاتفاق عليها سابقاً، دون التطرق لتحديد مواقيت محددة للإعلان عنها.

مجلس رئاسي

وأكد الرجل التوافق على «مجلس رئاسي» من 15 عضواً، يتم اختيارهم من أقاليم السودان المختلفة، كـ«رمز للوحدة الطوعية»، وأعلى سلطة سيادية في هياكل الحكومة المزمعة، وفقاً لما نص عليه الدستور الانتقالي الموقع من قبل الفصائل المنضوية في «تحالف السودان التأسيسي».

من اجتماع نيروبي لتشكيل حكومة موازية بالسودان في 18 فبراير 2025 (أ.ب)
من اجتماع نيروبي لتشكيل حكومة موازية بالسودان في 18 فبراير 2025 (أ.ب)

وفي إشارة إلى ما أثارته عملية «التبديل الجزئي للعملة» التي تمت في مناطق سيطرة الجيش، وحرمان مواطنين من منطقة سيطرة «قوات الدعم السريع» من الحصول على جوازات سفر، أو حظر تجديدها لهم، قال حميدتي: «نحن نصنع عملة جديدة ونصدر هوية جديدة حتى لا يحرم أي سوداني من حقوقه، هذه ليست دولة أمراء حرب بل هي حكومة شعب». وأضاف حميدتي أن حكومته المزمعة معنية بتوفير الخدمات الأساسية؛ التعليم والصحة والعدالة، ليس في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» والحركات المسلحة، بل في جميع أنحاء البلاد.

وعزّز ما ورد في الدستور الانتقالي الذي أعدّه مع حلفائه بأن يكون السودان «دولة ديمقراطية علمانية لا مركزية» بقوله: «فصل الدين عن الدولة»، بأنه ضمان للحريات الدينية، وتأكيد لحياد الدولة».

رئيس «حزب الأمة» فضل برمة ناصر خلال كلمته أمام «اجتماع نيروبي» يوم 18 فبراير 2025 (أ.ف.ب)
رئيس «حزب الأمة» فضل برمة ناصر خلال كلمته أمام «اجتماع نيروبي» يوم 18 فبراير 2025 (أ.ف.ب)

وشدد على عدم كفاية السلاح وحده لحل المشاكل السياسية، وقال: «اخترنا نحن وحلفاؤنا المدنيون والعسكريون، في تحالف السودان التأسيسي، مساراً مختلفاً، مساراً يدرك أن السلاح وحده لا يكفي لحل المشكلات السياسية».

واعتبر توقيع «الدعم السريع» مع القوى المدنية والسياسية السودانية والجبهة الثورية والمجتمع المدني والمنظمات النسائية والحركات الشبابية ولجان المقاومة على الميثاق السياسي والدستور الانتقالي «تأريخاً لسودان جديد».

ومنذ التوقيع على الدستور الانتقالي في مطلع مارس (آذار) الماضي في العاصمة الكينية نيروبي، تجري اجتماعات متواصلة وترتيبات وسط تكتم شديد بين الفصائل العسكرية المدنية في «تحالف تأسيس» حول تشكيل الحكومة في مستوياتها الثلاثة: «مجلس رئاسي ومجلس وزراء والسلطة التشريعية».

توقعات

وأفادت مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» بأن اللجان المكلفة بالملف تعمل حالياً على تحديد الحقائب السيادية والوزارية لكل فصيل في التحالف، يعقب ذلك تسمية الفصيل أسماء مرشحيه للمناصب المحددة، وقالت إن خطوة تمسية شاغلي المناصب لا تزال قيد الأجراء.

وأكدت إحراز تقدم في المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة، لكنها أحجمت عن كشف مزيد من التفاصيل، موضحة أن الإعلان عن الحكومة متوقف على الفراغ من الاتفاق على هياكلها، ونفت بشدة ما تم تداوله من قبل وسائل إعلام محلية لأسماء تم ترشيحهم لشغل مناصب وزارية وسيادية.

وكانت مصادر في «تأسيس» قد كشفت لـ«الشرق الأوسط»، في وقت سابق، عن إجماع كبير بين الفصائل على تولي «حميدتي» رئاسة المجلس الرئاسي (أعلى سلطة سيادية في الحكومة الجديدة).

عبد العزيز الحلو زعيم «الحركة الشعبية لتحرير السودان» (موقع الحركة على «فيسبوك»)
عبد العزيز الحلو زعيم «الحركة الشعبية لتحرير السودان» (موقع الحركة على «فيسبوك»)

وقال مصدر آخر إن أعضاء التحالف في داخل السودان وخارجه يعكفون على الترتيبات النهائية بخصوص تكوين هياكل الحكومة في مستوياتها المختلفة، متوقعاً الإعلان عن تفاصيل الحكومة في وقت قريب.

وتذهب ترجيحات إلى أن قائد حركة تحرير السودان، الجنرال عبد العزيز آدم الحلو، من أقوى المرشحين للرجل الثاني في الحكومة، بحكم الثقل العسكري والسياسي الكبير لفصيله في ولاية جنوب كردفان وجبال النوبة، وداخل التحالف العريض.

وضم «تحالف تأسيس» عدداً من الشخصيات بصفة مستقلة، كانت قد شغلت مناصب رفيعة في الحكومة الانتقالية السابقة، أبرزهم عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي ووزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري، يتوقع أن يكونوا ضمن التشكيل الوزاري في الحكومة الجديدة.

ونص الدستور الانتقالي على اختيار رئيس الوزراء بالتشاور بين القوى الموقعة على الميثاق السياسي، بدوره يختار عدداً من الوزراء لا يتجاوز 16 وزيراً، في غضون شهر من تاريخ تعيينه.

ويضم التحالف «قوات الدعم السريع» وحزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وقوى سياسية ومدنية أخرى إلى جانب الحركة الشعبية شمال، بزعامة عبد العزيز آدم الحلو، وتحالف الحركات الدارفورية المسلحة في «الجبهة الثورية»، إلى جانب «قوات الدعم السريع».

واعتمد الدستور الانتقالي للسودان 3 مستويات للحكم (الاتحادي والإقليمي والمحلي)، وتم التقسيم الإداري والجغرافي في البلاد إلى 8 أقاليم؛ وهي إقليم الخرطوم، والإقليم الشرقي، والإقليم الشمالي، والإقليم الأوسط، وإقليم كردفان، وإقليم جنوب كردفان وجبال النوبة وإقليم الفونج الجديد.