تصاعدت في ليبيا مطالب سياسيين ونشطاء بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية، مشددين على أهمية التصدي لـ«مهربي البشر» وكشف أسمائهم، وفق ما تعهد به عصام أبو زريبة، وزير الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب.

وكان أبو زريبة قد تعهد في منتصف مارس (آذار) الحالي بكشف أسماء المتورطين بـ«الاتجار بالبشر» في كل ليبيا خلال عشرة أيام، لكن المهلة انتهت دون الإعلان عن ذلك، وسط تساؤلات عن أسباب عدم تنفيذ وعده.
ويأتي ذلك وسط تزايد المطالب بسرعة إطلاع الرأي العام على ما توصل إليه لمواجهة هذه الظاهرة وتقديم المتهمين إلى العدالة. ويرى المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، أن أغلب تصريحات «وزيرَي» داخلية ليبيا «متناقضة مع الواقع» في ظل عجز كل منهما عن بسط نفوذ جهازه الأمني على عموم البلاد، لافتاً إلى تقارير أممية تفيد بتورط قيادات مسلحة وشرطية تتبع بشكل أو بآخر وزارة في نشاط «التهريب والاتجار».
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة وتتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، والأخرى مكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب، بقيادة أسامة حماد.
وبموازاة تصريحات أبو زريبة، كان نظيره في غرب ليبيا بحكومة «الوحدة» عماد الطرابلسي قد دعا إلى ضرورة «وضع ضوابط بشأن تدفقات المهاجرين إلى البلاد»، دون أن يتبع ذلك تحرك ملموس على الأرض حتى الآن. ورأى محفوظ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تعهدات أبو زريبة محاولة لإظهار قدرة حكومته على مكافحة قضية تهريب البشر في ظل تفجر المخاوف حينذاك من تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين ومساعي توطينهم في ليبيا.
وكانت تصريحات نُسبت إلى بدر الدين التومي، وزير الحكم المحلي بحكومة «الوحدة»، حذرت من أن عملية «توطين» المهاجرين في ليبيا، تسببت في حالة من الغضب الشعبي، رغم نفي الوزارة للأمر.
ويرى محفوظ أن مكافحة التهريب وضبط المتورطين بالاتجار بالبشر في ليبيا يتطلبان «آليات ومستويات عالية من التنسيق الإقليمي والدولي، في ظل ارتباط الأمر بعصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود. ودعا محفوظ المسؤولين «لترشيد تصريحاتهم التي تثير الجدل»، مذكراً «بعدم وفاء الطرابلسي بوعوده المتكررة بإخلاء العاصمة طرابلس من كل مظاهر التسلح وإخراج الأجهزة الأمنية كافة منهما.
ويحتل ملف الهجرة والتصدي لعمليات التهريب أولوية لدى الأطراف السياسية المحلية والدولية. فقد سبق وبحثت المبعوثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه مع القائم بأعمال السفارة الأميركية جيريمي برنت تداعيات الظاهرة، كما ناقش الطرابلسي تأثرات هذا الملف مع وفد أممي الأسبوع الماضي.
بدوره، أشاد الناشط الحقوقي الليبي طارق لملوم بقرار أبو زريبة لكشف أسماء المتورطين في الاتجار بالبشر عبر إعداد قوائم بأسمائهم، إلا أنه يرى أن المهلة الزمنية التي حددها لرئيس جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة اللواء صلاح الخفيفي، لتنفيذ المهمة تنبئ بدرجة ما «بعدم الجدية». وتابع لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مدة عشرة أيام أو حتى أسبوعين لا تكفي حتى لتجميع المطلوبين من بلدية واحدة بالمدن التي تشتهر بنشاط التهريب». وتساءل الناشط الحقوقي «عن قدرة أبو زريبة ومساعديه على التنسيق مع دول الجوار الليبي أو الدول الأوروبية في إطار مكافحة شبكات التهريب؛ في حين أن حكومته لا تحظى بالاعتراف الأممي، وانحصار أوجه التعاون الأمني والاستخباراتي مع حكومة الدبيبة».
وتوقع لملوم أن تتضمن تلك القوائم حال إعدادها «عناصر هامشية بنشاط التهريب مثل سائقي السيارات التي تنقل المهاجرين عبر الصحراء أو أصحاب مخازن صغيرة يتم تجميع هؤلاء بها، دون أن تمتد لأي أسماء نافذة»، مرجعاً ذلك «لتخوف كل حكومة على خسارة شعبيتها بمناطق نفوذها إذا سعت لملاحقة أسماء تنتمي إلى قبائل كبيرة هناك، أو قيادات تشكيلات مسلحة موالية لها».

وتنشط عصابات تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر في مدن ليبية عدة، خصوصاً تلك القريبة من المناطق الحدودية مع الدول الأفريقية التي تعد المصدر الأول للمهاجرين، وكذلك الواقعة على شواطئ المتوسط التي تنطلق منها الرحلات إلى أوروبا. وبعيدا عن تقييم تعهدات أبو زريبة وغيره من القيادات التنفيذية، أكد رئيس لجنة الأمن القومي بالمجلس الأعلى للدولة سعيد محمد ونيس، على أن معالجة قضية الهجرة وتداعياتها من الاتجار بالبشر «تتطلب تنفيذ رؤية وطنية شاملة». وقال ونيس لـ«الشرق الأوسط» إن «أسماء المتورطين في التهريب والاتجار بالبشر ضُمنت بالتقرير الأممي الذي نشر نهاية العام الماضي الصادر عن لجنة خبراء المعني بليبيا، وبالتالي نرى أن محاربة الهجرة تتطلب أموراً عدة كتعديل التشريعات لتغليط العقوبات على المهربين».
ورأى ونيس أن الأمر يتطلب تنسيقاً أمنياً وسياسياً مع دول المصدر لتلك الظاهرة العابرة للحدود، ومراجعة الاتفاقيات التي وقّعت بين بلادنا معهم وهو تحقق المرجو منها، وأيضاً تنظيم عمل المنظمات الدولية بشأن الهجرة في بلادنا. وأشار إلى أنه «في حال اتفقت لجنتا الأمن القومي بمجلسه والبرلمان على تلك المعالجة الوطنية التي توازن بين السيادة الليبية والالتزامات الدولية وتعنى بدراستها كقضية استراتيجية بأبعادها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، فإنه يمكن تطبيقها حتى في ظل وضعية الانقسام الحكومي الراهن عبر إقناع حكومتي طرابلس والشرق بتنفيذها كل بمنطقة نفوذها».
ورغم إقراره بأن سيطرة المجموعات المسلحة على مناطق بعينها ونفوذ بعض الأسر والقبائل قد يوفر ملاذاً آمناً للإفلات أسماء متورطة بنشاط التهريب والاتجار من العقاب، يؤكد ونيس أن إدانة هؤلاء تُعدّ خطوة رئيسية». وقال إن «الإدانة القانونية الموثقة تظل قائمة كالسيف على رقاب هؤلاء وإذا لم يطولهم العقاب اليوم فغداً قد يتغير الوضع أو حسابات المصالح وتطولهم، فربما نُفاجأ بأن المجتمع الدولي قرر بلحظة ما مساعدة الليبيين في تعقب هؤلاء».