العلاقات الفرنسية - الجزائرية إلى مزيد من التأزم وملف «المرحَّلين» يواصل التفجر

وزير خارجية فرنسا: نريد حل هذه التوترات بشدة ودون أي ضعف

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT
20

العلاقات الفرنسية - الجزائرية إلى مزيد من التأزم وملف «المرحَّلين» يواصل التفجر

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

يوماً يعد يوم، يبدو أن العلاقات الفرنسية - الجزائرية متجهة إلى مزيد من التصعيد. وتتأرجح التوصيفات بين الحديث عن «عملية لي ذراع» بين باريس والجزائر، و«حوار الطرشان» بين بلدين يجمع بينهما التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة.

وحتى الساعة، ليست هناك من مؤشرات تدل على بداية تهدئة، في ملف تلعب فيه السياسات الداخلية دوراً مهماً، إلى جانب اختلاف جذري في الرؤى بشأن مصير الصحراء التي بدَّلت باريس مقاربتها منها جذرياً، باعترافها بسيادة المغرب عليها.

اعتراف ماكرون بسيادة المغرب على صحرائه فاقم الخلافات بين فرنسا والجزائر (أ.ب)
اعتراف ماكرون بسيادة المغرب على صحرائه فاقم الخلافات بين فرنسا والجزائر (أ.ب)

وليس سراً عند متابعي هذا الملف المعقد أنه ليست هناك «سياسة ثنائية» فرنسية - مغربية، أو فرنسية - جزائرية؛ بل هناك سياسة «ثلاثية»، بحيث إن أي تقارب في هذه الناحية يترجم فتوراً في الناحية المقابلة. ولم تنجح العهود الفرنسية المختلفة في التغلب على هذه الإشكالية إلا لماماً، ولفترات قصيرة.

آخر ما استجد بين الطرفين كان في ملف الجزائريين المقيمين في فرنسا بصفة غير شرعية، أو أولئك الذين تسعى فرنسا لترحيلهم إلى بلدهم الأصلي، بعد صدور مذكرات عن السلطات الرسمية بهذا الشأن. ولكن ليس الجزائريون المعنيين الوحيدين بهذه المسألة.

وزير الداخلية الفرنسية برونو روتايو مع وزير العدل جيرلالد دارمان (رويترز)
وزير الداخلية الفرنسية برونو روتايو مع وزير العدل جيرلالد دارمان (رويترز)

وبعد عملية طعن في مدينة ميلوز (شرق فرنسا) في 22 من فبراير (شباط) الماضي، أسفرت عن مقتل شخص وجرح 5، ارتكبها مواطن جزائري سعت باريس لترحيله عشر مرات لكنها لم تنجح، ثارت ثائرة وزير الداخلية برونو روتايو، واليمين الفرنسي بجناحيه التقليدي والمتطرف، ووُجهت انتقادات حامية للجزائر التي ترفض استقبال مواطنيها، وترفض التعاون مع السلطات الفرنسية. وعلى أثرها، التأم اجتماع وزاري برئاسة رئيس الحكومة فرنسوا بايرو الذي وجه إنذاراً شديد اللهجة للجزائر، وأمهلها «ما بين 4 وستة أسابيع» لكي تقبل تسلُّم مجموعة من الجزائريين. أما في حال الرفض، فإن بايرو هدد بإعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة مع الجزائر التي توفر لمواطنيها منذ عام 1968 تسهيلات في الإقامة والعمل ولم الشمل العائلي.

الامتحان

يوم الجمعة الماضي، استُدعي القائم بالأعمال الجزائري إلى الخارجية الفرنسية؛ حيث سُلِّمت له قائمة تتضمن 60 اسماً من «المؤهلين» للترحيل، مع دعوة السلطات هناك للتعاون بشأنها. ولم تتأخر ردة الفعل الجزائرية؛ إذ عمدت الخارجية الجزائرية، الاثنين، إلى استدعاء القائم بأعمال السفارة الفرنسية في الجزائر؛ وسلمه لوناس مقرمان، أمين عام الخارجية، مذكرة شفوية تتضمن «رفض الجزائر القاطع لغة التهديد والوعيد (الفرنسية) والمهل، وكافة أشكال الابتزاز، واعتراضها على المقاربة الانتقائية التي تنتهجها فرنسا إزاء الاتفاقيات الثنائية والدولية» التي تربط البلدين. وشدد مقرمان على أن «المحرك الرئيسي للموقف الجزائري يتمثل في الوفاء بما يقع على بلادنا من واجب توفير الحماية القنصلية لرعاياها الموجودين بالخارج».

رئيس حزب اليمين المحافظ في فرنسا (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)
رئيس حزب اليمين المحافظ في فرنسا (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

وبكلام آخر، فإن الجزائر ترفض استقبال الأشخاص الستين، وترفض التعامل الفرنسي «شكلاً ومضموناً». وتعد برونو روتايو الساعي لترؤس حزب «الجمهوريين» اليميني التقليدي، يمارس الشعبوية على حساب الجزائريين، من خلال استغلال هذا الملف.

الرد المتدرج

لم تتأخر ردة فعل الأخير على «رسالة» الجزائر. وجاء رده مزدوجاً: فهو، من جهة، هدد بالاستقالة إذا تراجعت الحكومة عن سياسة التشدد مع الجزائر. ودأب روتايو على الدعوة لاتباع سياسة «لي الذراع» مع الجزائر، وكان قد نجح في دفع رئيس الحكومة للسير وراءه في تبني الخط المتشدد. ولأن وزير الداخلية يحظى بدعم شعبي في ملفي الهجرات والترحيل تظهره استطلاعات الرأي، فإن ماكرون وبايرو لا يستطيعان التخلي عنه في الوقت الحاضر، وهو يعي ذلك، ما يمكِّنه من ممارسة سياسة الضغط، وثمة من يسميها الابتزاز.

والقسم الثاني من مقاربته عنوانه «الرد المتدرج»، وقد عبَّر عن ذلك في تغريدة على منصة «إكس» بعد ساعتين فقط من وصول الرفض الجزائري. وكتب روتايو: «سيتم إطلاق استجابة متدرجة»، وفق ما قررت اللجنة الوزارية المشتركة برئاسة رئيس الحكومة».

التوترات بين الجزائر وفرنسا أخذت منحى تصاعدياً خطيراً في الأسابيع الأخيرة (متداولة)
التوترات بين الجزائر وفرنسا أخذت منحى تصاعدياً خطيراً في الأسابيع الأخيرة (متداولة)

والمقصود بذلك أن باريس لن تلجأ فوراً إلى تدابير جذرية بحق الجزائر؛ بل ستعمد إلى اتباع سياسة الخطوات، بمعنى اتخاذ تدابير أكثر إيلاماً شيئاً فشيئاً. وإذ لم يوضح روتايو تفاصيل الرد «المتدرج»، فمن المرجح جداً أن يبدأ في تعليق اتفاق عام 2007 المعدل في عام 2013 الذي يستفيد منه الحاصلون على جوازات السفر الدبلوماسية.

وليس سراً أن عدة آلاف من الجزائريين يستفيدون منه، وهم القريبون مع عائلاتهم من دوائر السلطة. وكتب روتايو: «يأتي الإجراء الخاص بجوازات السفر الدبلوماسية على رأس القائمة، ولكن سيتم تحديد الترتيب الذي سيتم العمل به في الأيام المقبلة». أما تعديل الاتفاقية الرئيسية الموقعة في عام 1968، وهي بمنزلة «معاهدة»؛ لأنها تحمل توقيع رئيس الجمهورية «الجنرال ديغول وقتها»، فإن إيمانويل ماكرون ليس من المدافعين عن إلغائها؛ بل يدعو إلى تعديلها. وثمة معلومات تفيد بتوتر بينه وبين بايرو الذي هدد يوم 26 فبراير بـ«إعادة النظر» فيها وفي غيرها من الاتفاقيات.

يريد روتايو أن يكون «بطل» الدفاع عن الفرنسيين. وقال لصحيفة «لوباريزيان» في مقابلة نشرت السبت الماضي: «إذا طُلب مني أن أتنازل في هذه القضية الرئيسية (المهمة) لأمن الشعب الفرنسي (الترحيل)، فسأرفض بالطبع»، وذلك لتبرير موقفه المتشدد من الملف الجزائري. والواضح اليوم أن لا الجزائر تريد الخضوع، ولا فرنسا قابلة بالهزيمة؛ الأمر الذي يفتح الباب لمزيد من التوتير والتصعيد.

يبقى أن جان نويل بارو، وزير الخارجية، يسعى لكيلا تذهب الأمور إلى حد القطيعة؛ لذا، فإن مبادرته لقبول الدعوة، مساء الثلاثاء، إلى إفطار رمضاني في «مسجد باريس الكبير» الذي تموله الجزائر يحمل كثيراً من المعاني، وأولها المحافظة على هذا الخيط الرفيع، بانتظار أن تهدأ النفوس، ويعود الطرفان للتعامل بعقلانية ودون تحدٍّ.

وثمة تطور جديد في هذه الأزمة، يتمثل في تصريحات إيجابية لوزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، والتي قال فيها إن بلاده ليست مسؤولة عن التوترات الأخيرة مع الجزائر. وأوضح أمام الجمعية الوطنية أن «فرنسا تتطلع إلى علاقة متوازنة وبناءة» مع الجزائر؛ مضيفاً: «نريد حل هذه التوترات بشدة ودون أي ضعف».

رئيس الوزراء فرنسوا بايرو دعا إلى التمييز بين الجزائريين والحكومة الجزائرية (رويترز)
رئيس الوزراء فرنسوا بايرو دعا إلى التمييز بين الجزائريين والحكومة الجزائرية (رويترز)

ورداً على الأسئلة الموجهة للحكومة في الجمعية الوطنية اليوم، دعا رئيس الوزراء فرنسوا بايرو إلى التمييز بين الجزائريين والحكومة الجزائرية التي تعيش فرنسا معها حالياً أزمة دبلوماسية كبيرة. ورفض تعليق منح التأشيرات لجميع المواطنين الجزائريين؛ وعدَّ أن من شأن ذلك «إنزال العقاب بشعب ومواطنين لا يستحقونه». وقال بايرو: «نحن لا نتحدث عن دولة مارقة. ولا ألوم الجزائريين على قرارات حكومتهم... وكثير من مواطنينا من أصل جزائري، وكثير منهم مزدوجو الجنسية الجزائرية والفرنسية. لن أحمِّلهم مسؤولية القرارات التي تتخذها حكومتهم».


مقالات ذات صلة

ماكرون وشولتس يتعهّدان مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا

أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (يمين) يصافح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

ماكرون وشولتس يتعهّدان مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا

تعهّد المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الثلاثاء، مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشاركاً في قمة افتراضية حول أوكرانيا السبت (أ.ف.ب)

ماكرون يعرض ملامح «قوة دعم» بعد وقف إطلاق النار في أوكرانيا

تسارع باريس ولندن الخطى لتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا، في وقت تدعو فيه واشنطن إلى إبرام اتفاق سلام مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رئيس الوزراء الكندي مارك كارني خلال حضور جلسة مجلس الوزراء في أوتاوا (رويترز) play-circle

ماكرون يستضيف رئيس وزراء كندا في باريس الاثنين

قال مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيجتمع مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في باريس يوم الاثنين، وذلك في أول زيارة خارجية لكارني منذ توليه منصبه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي الرئيس جوزيف عون مستقبلاً الرئيس ماكرون في قصر بعبدا يوم 17 يناير الماضي (أ.ف.ب)

الرئيس اللبناني في باريس بأول زيارة له خارج العالم العربي

الرئيس عون في باريس نهاية مارس والرئيس ماكرون يشدد على الربط بين الإعمار والإصلاحات وباريس ماضية في مساندة لبنان الباحث عن دعم لضمان خروج إسرائيل من كامل أراضيه

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا ماكرون وستارمر يرحبان باقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا (رويترز)

ترحيب أوروبي باقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا... وترقب للموقف الروسي

رحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الثلاثاء، باقتراح لوقف إطلاق نار لمدة 30 يوماً وافقت عليه أوكرانيا، وقال إن الأمر متروك الآن لروسيا لإنهاء القتال.

«الشرق الأوسط» (باريس - لندن)

قتال ضارٍ في الخرطوم والجيش السوداني يتقدم

مبنى متضرر بشدة جراء القتال في شمال الخرطوم 17 مارس 2025 (أ.ف.ب)
مبنى متضرر بشدة جراء القتال في شمال الخرطوم 17 مارس 2025 (أ.ف.ب)
TT
20

قتال ضارٍ في الخرطوم والجيش السوداني يتقدم

مبنى متضرر بشدة جراء القتال في شمال الخرطوم 17 مارس 2025 (أ.ف.ب)
مبنى متضرر بشدة جراء القتال في شمال الخرطوم 17 مارس 2025 (أ.ف.ب)

شهد محيط القصر الرئاسي وسط العاصمة السودانية، الخرطوم، معارك ضارية بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، منذ ليل الأربعاء حتى نهار أمس، حقّق خلالها الجيش تقدماً لافتاً، وألحق خسائر فادحة بـ«قوات الدعم»، المتحصنة بالقصر والمؤسسات الحكومية والبنايات المحيطة. وقُتل عشرات المدنيين جراء القصف داخل الخرطوم وفي محيطها.

ومنذ الشهر الماضي، استعاد الجيش كثيراً من المناطق في العاصمة الخرطوم، وتبقت مناطق محدودة تحت سيطرة «قوات الدعم السريع».

ويحاول الجيش، المدعوم بالمستنفرين وكتائب الإسلاميين، استرداد القصر بوصفه رمزاً للسيادة والسيطرة.

وفي شمال دارفور، قالت «قوات الدعم السريع» في نشرة وزّعها الإعلام التابع لها، إنها استولت على منطقة المالحة بولاية شمال دارفور، وهي منطقة استراتيجية تقع في قلب الصحراء بالقرب من الحدود مع ليبيا.