باسم مغنية لـ«الشرق الأوسط»: لا أقبل بشخصية مصنوعة بلا روح

يقول إن شخصيته في «بالدم» تشبهه من نواحٍ كثيرة

مع رولا بقسماتي في ثنائية ناجحة (إنستغرام الفنان)
مع رولا بقسماتي في ثنائية ناجحة (إنستغرام الفنان)
TT

باسم مغنية لـ«الشرق الأوسط»: لا أقبل بشخصية مصنوعة بلا روح

مع رولا بقسماتي في ثنائية ناجحة (إنستغرام الفنان)
مع رولا بقسماتي في ثنائية ناجحة (إنستغرام الفنان)

لم يخذل الممثل اللبناني باسم مغنية جمهوره يوماً. وفي كل مرّة يجسّد شخصية مختلفة، ويتابعه المتفرج بحماس وكأنه يراه لأول مرة في عمل درامي.

يؤدي باسم مغنية في مسلسل «بالدّم» دور وليد أو «ولاويلو» كما تحبّ أن تناديه شريكته في العمل جيسي عبدو التي تلعب دور «تمارا». ويتميز وليد بشخصية جميلة قريبة إلى القلب وخفيفة الظل، كما أنه يتخبّط بمشاعر عدّة محورها الأساسي رغبته في أن يُرزق بطفل يشبه والده الراحل، يربّيه على صورته. عدم استطاعة زوجته (رولا بقسماتي) على الإنجاب يقف بينه وبين حلمه هذا. يضعف مرات ويكون صلباً وقوياً مرات أخرى. كل هذه التقلبات في شخصيته يترجمها بتلقائية الممثل المحترف. فكيف حضّر لهذا الدور؟ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تصرّفاتي في حياتي اليومية تأتي وليدة اللحظة. فأنا من مدرسة العفوية التي أطبِّقها في عملي أيضاً، ولا أقبل تركيب شخصية مصنوعة بلا روح. دائماً تلد الشخصية من خلال خطوط كاركتير تتصّف به. أرسم بذهني كيف تمشي وتتحرّك، ولكن في الوقت نفسه لا أحمّلها ردود فعل مسبقة، فأترك إحساسي يوجهني ويحرّكني. ويمكن أن أعيد تمثيل مشهدٍ واحدٍ بأساليب مختلفة».

لا يقبل مغنية أن يصنع دوره بلا روح (إنستغرام الفنان)

يحصد مسلسل «بالدم» في موسم رمضان 2025 نجاحاً كبيراً، ويحقِّق نِسَب مشاهدة عالية في لبنان والعالم العربي. ويندرج على لائحة أكثر المسلسلات الرمضانية مشاهدة ضمن الـ«توب فايف»، فيخرق بهويته وصناعته اللبنانيتين الساحة الدرامية العربية بتفوّق.

يرى مغنية أن ركون منتج العمل جمال سنان إلى العمل المحلِّي في رمضان ليس بالمجازفة. فهو يدرك تماماً أن الدراما اللبنانية محبَّذة في السوق العربية كما على منصّة «شاهد» الإلكترونية حيث يُعرض.

ويتابع: «لا أُعدُّ المسلسلات الرمضانية السابقة التي أنتجتها شركة (إيغل فيلمز) في مواسم رمضان الماضية غير لبنانية، على الرغم من مشاركة نجوم سوريين فيها. وكما (للموت) و(ع أمل) وغيرها فهي مسلسلات حصدت نجاحات كبيرة؛ وهي لبنانية لأن كاتبتها ومخرجها ومنتجها ومعظم ممثليها هم لبنانيون. وكما استفادت أعمالنا من المشاركة السورية، فالعكس كان صحيحاً. وأجزم بأن جمال سنان يُدرك تماماً قدرات الفنانين اللبنانيين في جميع المجالات الدرامية».

ويشير مغنية إلى أن قصة «بالدم» المرتكزة على موضوع العائلة، تُساهم في انتشاره. فالمشاهد يحب هذا النوع من الأعمال التي تشبه واقعه اليومي. وفي شهر رمضان تكون لمّة العائلة أساسية، فجاء العمل عزّ الطلب وضمن أجواء تناسبه.

يُجسِّد باسم مغنية شخصية وليد في «بالدم» (إنستغرام الفنان)

يؤكّد مغنية أن المنتج سنان طالب الممثلين ببذل جهد لدعم هذا العمل اللبناني الوحيد في روزنامة دراما رمضان؛ والفريق برمّته قَبِل التَّحدي فكان دؤوباً ومجتهداً. ولعلّ تعدُّد وتنوع القصص التي يحملها ألغى إمكانية الملل في متابعته. فشخصياته كما قصصهم دخلت قلوب الناس من دون استئذان. بيد أنه يلفت إلى أمر آخر أيضاً ساهم في نجاحه. «أولاً معظم الممثلين المشاركين أصحاب خلفية أكاديمية. وكذلك يملكون خزاناً من التجارب المتراكمة من أعمال مسرحية ودرامية وسينمائية. وثانياً عدم وجود مشاعر الغيرة بين الممثلين زوَّد العمل بروح حلوة. فجميعنا نفرح لبعضنا عندما نتألّق في مشهد أو نلمع في دور. وهذا الانسجام شكَّل روح العمل الذي انعكس على الشاشة ولمسه الناس».

أثَّر مغنية في الدراما اللبنانية من خلال أدوار عدّة جسَّدها، فتألق بوصفه ممثلاً غير اعتيادي في «للموت»، و«تانغو»، و«كل الحب كل الغرام»، و«سرّ»، و«ثورة الفلاحين» وغيرها من المسلسلات. وهو من الممثلين الباحثين عن دور يترك بصمته. ولا بأس في أن يغيب عن الساحة الدرامية في حال لم يوفّق بدور يؤمّن له هدفه هذا. «أحبّ أن أترك هذا الأثر فلا أمرُّ مرور الكرام. ولذلك شخصياتي التمثيلية لا تشبه بعضها. أهرب من التكرار. وللأسف نرى نجوماً كباراً يقعون فيه اليوم، فيستمرون في تقديم شخصية البطل نفسها الذي لا يُقهر».

في كواليس تصوير «بالدم» (إنستغرام الفنان)

يشير مغنية إلى أن خطوطاً كثيرة في شخصية وليد التي يؤديها في «بالدم» تشبهه في حياته العادية. ويوضح، أنه يتمتع بخفّة الظل، «بيد أنني في المقابل خجول إلى حدّ كبير، وخلال المناسبات العامة أبتعد عن الأضواء وأُفضّل البقاء في الظّل. وهو ما يعتقده البعض نوعاً من التكبّر. كما أن وليد يتعرّض لمواقف صعبة جداً، فيُصبح شخصاً يفكِّر بعمق بعيداً عن السطحية».

وفي مشهد يتحدَّث فيه وليد عن والده الراحل يستعير باسم مغنية مشاعر عاشها شخصياً، عندما مات والده. «لقد تذكّرته كثيراً في هذا المشهد وتأثرت بالفعل. فعادة ما أركن إلى واقع عشته لأستنير بما خزّنته منه».

مع الممثلة جيسي عبدو في أحد مشاهد «بالدم» (إنستغرام الفنان)

ولكن ماذا عن أدائه ومشاعره في مشاهد يتحدّث فيها وليد عن أزمة يعانيها، بسبب تمنيه بأن يرزق بطفل؟ يجيب: «لم يُشكِّل لي هذا الأمر أي أزمة في حياتي. تكلّمت عن هذا الموضوع علناً، لأنني من الأشخاص الذين يتجاوزون أزماتهم ولا يتوقفون عندها. أحدّث نفسي بأن الحياة طويلة ولا نعرف ماذا تخبئ لنا. فعندما أقدّم شخصية ما ليس من الضروري أن أكون عشت أزمتها لأنجح في ترجمتها تمثيلياً. وهو ما حصل عندما جسَّدت شخصية عمر المدمنة على المخدرات في (للموت). قدّمتها على المستوى المطلوب مع أنني لم أتعاطَ المخدرات يوماً في حياتي. لا شك أن هناك ما أُخزِّنه في ذاكرتي من مشاهد حياة عشتها أو رأيتها. فأنا من الممثلين الذين يراقبون انفعالات الآخرين، وأدرك بماذا يُحسُّون».

ويختم مغنية متحدثاً عن تجربته في مسلسل «بالدم»: «مرّت فترة التَّصوير بسرعة فائقة لشدَّة استمتاعنا بأدوارنا وأجواء العمل. وشخصية وليد كانت جديدة عليّ. أحببت هذا الاختلاف الذي نقلته لي. لا أعلم إلى أين سأمضي بعد هذا الدور، وأي شخصية سأجسّد. فأنا لا أحبّ التخطيط للمستقبل. وكل ما أقوم به هو وليد اللحظة. وانتظروا مفاجآت وأحداثاً كثيرة لم تتوقعوها سيحملها مسلسل (بالدم) في الحلقات المقبلة».


مقالات ذات صلة

«هنومة»... مسلسل عن هند رستم يجدد أزمات دراما السيرة الذاتية

يوميات الشرق الفنانة هند رستم وابنتها بسنت رضا (خاص لـ«الشرق الأوسط»)

«هنومة»... مسلسل عن هند رستم يجدد أزمات دراما السيرة الذاتية

جدد الحديث عن صناعة عمل فني يتناول سيرة الفنانة المصرية الراحلة هند رستم بعنوان «هنومة»، أزمات دراما «السير الذاتية».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق من كواليس التصوير (حساب ياسمينا العبد على «فيسبوك»)

«ميد تيرم»... حكايات طلابية في زمن الخصوصية الهشّة

يقدّم مسلسل «ميد تيرم» معالجة درامية تنطلق من الحياة اليومية داخل الجامعة بوصفها مساحة تتكثف فيها الأسئلة والضغوط والتجارب الأولى.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق خيرية نظمي في مشهد من فيلم «هجرة» (الشرق الأوسط)

خيرية نظمي لـ«الشرق الأوسط»: حياتي الفنّية بدأت بعد الخمسين

تعود خيرية نظمي إلى فكرة السلام الداخلي، مؤكدةً أنها تعيش حالة رضا وتصالح مع الذات...

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق سمية الألفي (وزارة الثقافة المصرية)

رحيل «الوجه الأرستقراطي» سمية الألفي

صدم خبرُ وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاماً الوسطَ الفني. ونعى وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو، الراحلة، مؤكداً أنَّها «أسهمت بأعمالها المتنوعة.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق سمية الألفي (وزارة الثقافة المصرية)

حزن في الوسط الفني المصري لرحيل الوجه الأرستقراطي سمية الألفي

خيَّمت حالة من الحزن على الوسط الفني بمصر، السبت، لرحيل الفنانة سمية الألفي، التي توفيت بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 72 عاماً.

أحمد عدلي (القاهرة )

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.


معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
TT

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً ضم مجموعة من اللوحات التي تُبرز جماليات فن الخط العربي، إلى جانب معرض متميز لأعمال ومقتنيات عائلة صوفي زاده، شمل لوحات فنية وأفلاماً تسجيلية توثّق مسيرتها الفنية بوصفها رائدة في فنون الخط العربي.

وتحت شعار «إرث يتجدد بخط يتألق»، جاءت الفعاليات المتنوعة، بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، وجمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، ومشيخة الأزهر الشريف، والمجمع اللغوي بالقاهرة، وعائلة صوفي زاده؛ تأكيداً على الدور المحوري للغة العربية بوصفها أحد أهم روافد الهوية الثقافية والإنسانية.

واحتفلت أكثر من مؤسسة مصرية باليوم العالمي للغة العربية المقرر في 18 ديسمبر (كانون الأول) عبر ندوات وأنشطة ومعارض متنوعة، من بينها: ندوة مشتركة بين كلية دار العلوم ودار الكتب والوثائق القومية، واحتفالية بجامعة الدول العربية، وفعاليات ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي الذي أقيم في قصر الفنون وضم لوحات العديد من رواد الخط العربي فضلاً عن الفنانين المعاصرين.

وتسعى الفعاليات التي نظمها متحف الحضارة إلى «نشر الوعي بالتراث المصري وتعزيز قيمه الحضارية، وإيماناً بأهمية اللغة العربية ومكانتها التاريخية بوصفها وعاءً للهوية وذاكرة للأمة»، وفق بيان للمتحف.

وأكد الدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، أهمية هذه الفعاليات في «صون التراث المصري وتعزيز الوعي به»، مشيراً في البيان إلى أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء الحضارة وذاكرة الأمة، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، بما تحمله من قيم ثقافية وجمالية قادرة على التعبير عن هوية الشعوب وصون تراثها عبر العصور».

ولفت إلى أن مقتنيات المتحف تضم العديد من القطع الأثرية، لا سيما الإسلامية منها، التي تزخر بنماذج راقية من الفنون والزخارف والخطوط العربية، وتعكس تطور الكتابة وجمالياتها عبر العصور، بما يجعلها شاهداً حياً على عبقرية الفنان المصري وقدرة اللغة العربية على التجدد والتألق.

فيما عدّ المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، اللغة العربية «ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الحضارية المصرية ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة»، مشيداً بالدور الذي يقوم به المتحف في صون هذا الإرث الثقافي.

وتضمّنت الفعالية عرض فيلم تسجيلي قصير عن تراث عائلة صوفي زاده، إحدى أعرق العائلات التي توارثت فنون الخط العربي والزخرفة والرسم والنحت والتذهيب عبر خمسة أجيال متعاقبة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً عام 1973 بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل بالأمم المتحدة، في 18 ديسمبر، وهي المناسبة التي تم خلالها عدّ هذا اليوم يوماً عالمياً للغة العربية.


مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)
صحن مسجد محمد علي (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)
صحن مسجد محمد علي (وزارة السياحة والآثار)

تجددت الانتقادات والجدل في أوساط الآثاريين والمهتمين بالسياحة بمصر حول استخدام المواقع الآثارية في استضافة الفعاليات والاحتفالات الجماهيرية الصاخبة، عقب ظهور فيديو يصور عمليات تجهيز مسجد محمد علي بالقلعة لاستقبال حفل زفاف، مساء السبت، وطالب خبراء آثار بالتوقف عن تلك النشاطات، لما تمثله من خطورة بالغة على الأثر، فيما دعا آخرون لفرض مزيد من الإجراءات والضوابط حتى لا تتضرر المواقع وتتعرض للتشويه.

وذكر خبراء آثار أن استضافة المواقع الآثارية حفلات الزفاف وعقد القران، وغير ذلك مما تسمح به وزارة الآثار والسياحة المصرية داخل ساحاتها، يمثل خطراً كبيراً على الأثر، وقال الدكتور فاروق شرف، استشاري ترميم الآثار، ومدير عام إدارة ترميم الآثار الإسلامية والقبطية السابق، إن مسجد محمد علي مبني على أطلال قصر الأبلق، وأغلب الظن أن هناك أسفل المسجد فراغات كثيرة أقيمت فوقها أساساته، وهي على هذه الحال يمكن أن تتأثر سلبياً في حالة تسرب المياه إليها من الأمطار، أو حتى من مخلفات تلك الاحتفالات، مما يؤدي لخلخلة في التربة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مخاوف من حدوث أي انهيار في بعض أجزاء المسجد»، مشيراً إلى أن «وجود أعداد ضخمة من الحضور والمعازيم يمكن أن يؤدي لكارثة، يجب أن يوضع كل هذا في الحسبان، من أجل تلافي أي أضرار قد تلحق بالمسجد، ناهيك عن عمليات تجهيز مسرح في صحن المسجد ووضع المقاعد، وما يصاحب كل هذا من عمليات طرق بأدوات شديدة الخطورة على المسجد، تتسم بالاستهتار واللامبالاة في التعامل مع أرضياته الرخامية الأصلية المصنوعة من الألبستر المصري»، على حد تعبيره.

جانب من تنظيم الحفلات بمسجد محمد علي (صورة من فيديو نشرته المرشدة السياحية هدى راضي)

وأظهر فيديو بثته هدى راضي، وهي مرشدة سياحية كانت توجد في المسجد أثناء عمليات تجهيزه لاستقبال عقد قران، عدداً من الأفراد يستخدمون مطارق حديدية ثقيلة، ويقومون برص قوائم من الحديد على أرضيات صحن المسجد، فضلاً عن تجهيزات مسرح، وقالت المرشدة السياحية وهي تستعرض حجم الضجيج الحادث في المكان: «هذا لا يليق بأثر مهم مثل مسجد محمد علي، ناهيك عن حرمة المسجد أصلاً، الرخام معظمه تضرر، وحين تحدثنا مع المسؤولين قالوا إنه غير أصلي، ويمكن استبداله». وأضافت أن «التعامل مع الأثر غير حذر ولا يحترم قيمته، ناهيك عن قدسية المكان بصفته مسجداً تقام فيه الصلاة، ولا يجب أن يشهد مثل هذه الممارسات».

ويتضمن المسجد مئذنتين، ارتفاع كل واحدة منهما 83 متراً، وهما وفق الدكتور فاروق شرف «معرضتان للسقوط حال حدوث أي هبوط أرضي للمسجد». والمئذنتان مصممتان على الطراز العثماني، وتتميزان بانسيابية ورشاقة كبيرة، وتشبهان القلم الرصاص، وعن المردود المالي المتحصل من تأجير المناطق الأثرية في غير ما خُصصت له، يقول شرف: «لا قيمة له، فلن تعوض النقود ضياع أثر يشكل جزءاً من التراث المصري الذي لا يُقدر بثمن».

وأشار إلى أنه مقتنع تماماً بتوظيف الأثر، وليس ضد السعي لتحقيق أي مردود اقتصادي منه، لكن يجب أن يكون هذا وفقاً لشروط تحمي المواقع من أي ضرر، وأضاف: «في أوروبا يفعلون هذا عندما يكون لديهم مكان ذو قيمة تاريخية، لكنهم يمنعون بتاتاً استخدام النار، والمياه، ويوفرون إجراءات تأمين قوية حال حدوث أي طارئ».

من جهته، قال الباحث الآثاري إبراهيم طايع إن «السماح باستخدام المساجد والمواقع الأثرية في الحفلات والفعاليات غير المنضبطة يمثل خطراً داهماً على الآثار»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «طالبنا كثيراً بمنع تلك الممارسات، لكن دون جدوى، وصار مسجد محمد علي مقصداً لحفلات الزفاف، بما فيها من ضجيج وتجهيزات يراها الجميع، ويدركون مخاطرها، ناهيك عما فيها من انتهاك لحرمة المسجد، بصفته مكاناً للصلاة».

بدأ تشييد مسجد محمد علي عام 1830 ميلادياً، واستمر بناؤه 19 عاماً على مساحة 5 آلاف متر، ويتضمن المقبرة التي دفن فيها الملك عام 1849، ويتميز المسجد الذي يحاكي مسجد «السلطان أحمد» بإسطنبول باستخدام المرمر أو الألبستر في تكسية أرضياته وجدرانه، كما يتميز بقباب المآذن المتعددة، وهو المبنى الأكثر بروزاً في القلعة، وبه منبران أحدهما من الخشب المطليّ بالأخضر والذهبي، وهو المنبر الأصلي، بالإضافة إلى منبر آخر من الرخام أضيف إلى المسجد لاحقاً، وفق وزارة السياحة والآثار المصرية.​

من جهتها، قالت أماني توفيق مدير عام قلعة محمد علي لـ«الشرق الأوسط » إن «أي يوم يشهد احتفالاً بالمسجد، تكون هناك مجموعة كاملة تعمل طوال اليوم تتكون من خبراء آثار، وحماية مدنية وفنيين، ورجال أمن يعملون جميعاً على صون المسجد، وتطبيق البروتوكول الموقّع مع شركة (كنوز) المسؤولة عن تنظيم الاحتفالات للحفاظ على المسجد، وفي حالة المخالفة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية الكاملة».