مظاهرة في درعا ضد التوغّل الإسرائيلي

وفد تركي برئاسة بلال إردوغان يصلي في «الأموي» بدمشق

طفل يحمل لافتة خلال المظاهرة بريف درعا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
طفل يحمل لافتة خلال المظاهرة بريف درعا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
TT

مظاهرة في درعا ضد التوغّل الإسرائيلي

طفل يحمل لافتة خلال المظاهرة بريف درعا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
طفل يحمل لافتة خلال المظاهرة بريف درعا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

واصلت إسرائيل توغلاتها في جنوب سوريا، في حين تظاهر العشرات في ريف درعا تنديداً بالعدوان، وفقاً لما ذكره «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

وتوغلت قوة عسكرية إسرائيلية بين قريتي جملة وصيصون في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي، حيث أقامت حاجزاً على مفرق وادي الرقاد شمال قرية جملة، بعد دخولها عبر طريق يربط بين هضبة الجولان المحتل وقرية جملة.

وفي سياق متصل، جمعت القوات الإسرائيلية استبيانات من بعض المنازل في بلدة الرفيد بريف القنيطرة، إلا أن توتراً ميدانياً نشب بعد مشاجرة مع الأهالي، دفع القوات إلى إطلاق النار في الهواء، وانسحابها الكامل من المنطقة من دون تسجيل إصابات.

كما رصد «المرصد السوري» توغل قوة إسرائيلية في بلدة الرفيد بريف القنيطرة الجنوبي، مدعومة بعدد من السيارات والعربات العسكرية. وجمع عناصر القوة الإسرائيلية استبيانات حول الأهالي في المنطقة، وسط توتر أمني وقلق بين السكان.

لافتات ضد العدوان الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

وكان «المرصد» قد قال، الخميس، إن قوات إسرائيلية مدعومة بالدبابات والجرافات توغّلت باتجاه منطقة السرايا العسكرية، ومحيط قرى رسم الخوالد وأم باطنة والصمدانية الشرقية في ريف القنيطرة. جاء ذلك بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء الماضي، أنه شنّ غارات على أهداف عسكرية في جنوب سوريا، شملت ما قال إنها مراكز قيادة ومواقع متعددة تحتوي على أسلحة، في حين قالت وسائل إعلام سورية إن الضربات الإسرائيلية أوقعت أربعة قتلى بجنوب العاصمة دمشق وريف درعا. وسيطرت إسرائيل على المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية، وتقصف أهدافاً عسكرية في جميع أنحاء البلاد منذ سقوط الرئيس بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وخرج العشرات من المتظاهرين في قرية خربة الغزالة بريف درعا، تنديداً بالهجمات والاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية.

ورفع المحتجون لافتات تحمل عبارات «تسقط إسرائيل ولن يسقط الجنوب»، مؤكدين أن أي توغل إسرائيلي في الأراضي السورية هو انتهاك لحقوق سكانها، مطالبين المجتمع الدولي بعدم التزام الصمت تجاه الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في سوريا، في حين أكدوا أن التوغل الإسرائيلي في درعا والقنيطرة هو اعتداء على السيادة السورية.

الوفد التركي في المسجد الأموي الجمعة (فيسبوك)

وكانت محافظتا القنيطرة والسويداء شهدتا موجة احتجاجات واسعة رفضاً لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن الجنوب السوري، حيث خرجت مظاهرات شعبية تؤكد وحدة الأراضي السورية، وترفض أي تدخل خارجي أو مشروعات تقسيمية تستهدف البلاد.

وفد تركي

أثارت زيارة وفد تركي، برئاسة بلال إردوغان، نجل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لدمشق، الجمعة، مشاعر متناقضة؛ إذ عبّر كثيرون عن سعادتهم وتفاؤلهم بتعاطي أنقرة مع بلدهم، في حين تخوّف البعض من هيمنة تركية اقتصادية وغيرها.

ووصل إلى دمشق وفد تركي شُوهد موكبه الرسمي يعبر شارع بغداد، وسط العاصمة دمشق، في الطريق نحو المدينة القديمة حيث الجامع الأموي.

وقالت مصادر إعلامية محلية إن الوفد ضم بلال رجب طيب إردوغان، نجل الرئيس رجب طيب إردوغان، ونواباً، ووزير العدل السابق عبد الحميد غول، ووزير الصناعة والتكنولوجيا السابق مصطفى ورانك، ووزير الشباب والرياضة السابق مهمت قصاب أوغلو، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية السابق فاتح دونماز، بالإضافة إلى رئيسة بلدية عنتاب فاطمة شاهين، والقائم بأعمال السفارة التركية في دمشق برهان كور أوغلو. واستقبل الوفد التركي محافظ دمشق ماهر محمد مروان في المسجد الأموي بدمشق القديمة.

الوفد التركي في المسجد الأموي الجمعة (فيسبوك)

وجاءت الزيارة بعد يوم من إعلان تركيا تعيين ملحق عسكري لها في سوريا سيتولى عمله قريباً، وأن وفداً من وزارة الدفاع التركية سيزور دمشق في إطار تعزيز العلاقات العسكرية. وحسب إفادة مصدر عسكري تركي مسؤول في وقت سابق، فإن تركيا تبذل جهوداً من أجل ضمان الأمن والاستقرار الدائمَيْن في سوريا، وتعزيز قدراتها الدفاعية والأمنية بالتعاون والتنسيق الوثيق مع الإدارة الجديدة.

وتثير العلاقات مع تركيا جدلاً بين السوريين كشفته قصة «سجاد الجامع الأموي» التي تفاعلت خلال الأسبوع الأخير مع تسارع تنظيف الجامع الأموي وتأهيله مع حلول شهر رمضان. فقد أثار شراء السجاد الجديد من تركيا انتقادات حادة، تتعلّق بما إذا كان سجاد الجامع الأموي تمّ التبرع به من قِبل تركيا أم أن الإدارة السورية اشترته على نفقة الدولة، حسب ما قاله مصدر رسمي سوري مؤكداً حرص القيادة السورية على أن يتم ذلك على نفقة حكومة البلاد بشكل كامل.

وكانت رئيسة بلدية غازي عنتاب التركية، فاطمة شاهين، التي تزور دمشق اليوم صرحت في 9 يناير (كانون الثاني) الماضي، بأن «صانعي السجاد في غازي عنتاب، الرائدين عالمياً، تكفّلوا بتغطية تكاليف سجاد الجامع الأموي، ليكون جاهزاً لأول صلاة تراويح في رمضان المقبل»؛ مما أثار ردود فعل سورية متباينة. حول جودة المنتج السوري المحلي من السجاد وضرورة تشجيع الصناعة المحلية، علّق الناشط السياسي السوري أحمد غضب لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً إن هناك مشكلة ستواجه العلاقات السورية - التركية، وأضاف: «نحن بلا شك نحتاج إلى خبرة تركيا في إعادة الأعمال، ويمكن أن تساعد أكثر من غيرها للتقارب التاريخي والجغرافي بين البلدَيْن، لكن ذلك لا ينفي التخوّف من أطماع تركية وتحويل سوريا إلى سوق للمنتجات التركية». ولفت أحمد غضب إلى أن «أحد أسباب اندلاع الثورة ضد بشار الأسد كان تشجيع الواردات التركية؛ ما أدى إلى انهيار الصناعات المحلية، وأبرزها صناعة الخشبيات». وتابع مستدركاً: «الوضع القاسي الذي تواجهه البلاد يحتّم علينا التعامل بواقعية».

وفي مؤشر على تحسّن طفيف بالخدمات المعيشية، لمس الدمشقيون زيادة في فترات تزويد الكهرباء، التي تبلغ في المتوسط خلال اليوم ساعتين، مقسمة على ثلاث فترات كل تسع ساعات، وأعلنت وسائل الإعلام الرسمية وصول أول ناقلة محمّلة بمادة «المازوت» بعد سقوط نظام الأسد إلى مصب بانياس على الساحل السوري يوم الخميس، بحمولة تبلغ 29794 طناً لم يعلن مصدرها.


مقالات ذات صلة

قادة سوريا وخطوات مثيرة للجدل لكسب ولاء العلويين

المشرق العربي رجال يدخنون الشيشة خارج محل لبيع تبغ في ريف اللاذقية 25 سبتمبر (رويترز)

قادة سوريا وخطوات مثيرة للجدل لكسب ولاء العلويين

الناطق باسم «اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي»: القيادة السورية ترى الأمور من منظور أوسع، وهذا لا يعني قبول الجرائم الكبرى بل محاسبة من ارتكب جرائم خطيرة.

«الشرق الأوسط» (القرداحة (سوريا))
أوروبا جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)

الشرطة الهولندية توقف سورياً للاشتباه بانتمائه لـ«داعش» والتخطيط لهجوم

كشف ممثلو ادعاء، اليوم الثلاثاء، أن الشرطة ​الهولندية ألقت القبض على رجل سوري عمره 29 عاماً يشتبه بانتمائه لتنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
المشرق العربي عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)

سوريا: توقيف 21 شخصاً على صلة بالأسد في اللاذقية بعد أعمال عنف

أوقفت السلطات السورية 21 شخصاً متهمين بالارتباط بحكم بشار الأسد في غرب البلاد وفقاً للتلفزيون الرسمي بُعيد فرض حظر تجوّل بمدينة اللاذقية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لبنانيون يعودون إلى الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 نوفمبر 2024 إثر دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (أرشيفية - إ.ب.أ)

تجمّع سكني لـ«حزب الله» في شرق لبنان يطرح تساؤلات أمنية وسياسية

تقدمت النائبة غادة أيوب بسؤال إلى الحكومة «حول قيام (حزب الله) بإنشاء هذا المجمع خارج أي إجراء رسمي واضح» في وقت لا تزال فيه المعلومات بشأنه ساكنيه غير واضحة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي انتشار قوات الأمن السورية بعد اندلاع اشتباكات خلال احتجاجات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)

سكان يلملمون آثار الدمار غداة أعمال عنف في اللاذقية غرب سوريا

يلملم سكان حي تقطنه غالبية من العلويين في اللاذقية غرب سوريا، شظايا الزجاج المتناثرة أمام واجهات محلاتهم المحطمة.

«الشرق الأوسط» (اللاذقية)

الجيش الإسرائيلي يعلن قتل رجل حاول دهس جنود في الضفة الغربية المحتلة

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (رويترز)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يعلن قتل رجل حاول دهس جنود في الضفة الغربية المحتلة

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (رويترز)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (رويترز)

أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، أنه قتل رجلاً حاول دهس مجموعة من الجنود بسيارته في شمال الضفة الغربية المحتلة.

ووفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، قال الجيش، في بيان: «ورد بلاغ عن إرهابي حاول دهس جنود من الجيش الإسرائيلي كانوا ينفّذون نشاطاً في منطقة عينابوس»، مضيفاً أنه «ردّاً على ذلك، أطلق الجنود النار على الإرهابي وتم تحييده».

ولم يقدّم البيان تفاصيل إضافية عن الحادث الذي وقع بعد أيام من إقدام مهاجم فلسطيني على قتل رجل وامرأة إسرائيليين دهساً وطعناً، قبل أن يُقتل، في الضفة الغربية المحتلة.

وعقب ذلك الحادث، الذي وقع الجمعة، نفّذ الجيش عملية استمرت يومين في بلدة قباطية، التي ينحدر منها المنفّذ، واعتقل عدداً من سكانها، بينهم والده وإخوته.

وارتفعت وتيرة العنف في الضفة الغربية المحتلة بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة إثر الهجوم الذي شنّته «حماس» على جنوب الدولة العبرية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ومذاك، قُتل ما لا يقل عن 1028 فلسطينياً، بينهم مسلحون، على أيدي جنود أو مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية، وفق أرقام وزارة الصحة الفلسطينية.

ومنذ بداية الحرب في غزة، قُتل ما لا يقل عن 44 شخصاً، بينهم أجنبيان، في هجمات نفّذها فلسطينيون أو خلال عمليات عسكرية إسرائيلية، وفق إحصاء لوكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى أرقام رسمية.


قادة سوريا وخطوات مثيرة للجدل لكسب ولاء العلويين

شاب يركض أمام جدار بشعار «سوريا حرة» في القرداحة محافظة اللاذقية سبتمبر الماضي (رويترز)
شاب يركض أمام جدار بشعار «سوريا حرة» في القرداحة محافظة اللاذقية سبتمبر الماضي (رويترز)
TT

قادة سوريا وخطوات مثيرة للجدل لكسب ولاء العلويين

شاب يركض أمام جدار بشعار «سوريا حرة» في القرداحة محافظة اللاذقية سبتمبر الماضي (رويترز)
شاب يركض أمام جدار بشعار «سوريا حرة» في القرداحة محافظة اللاذقية سبتمبر الماضي (رويترز)

كان خير الله ديب يريد وعداً بالعفو حتى يخرج من مخبئه. ديب العلوي، اختفى عن الأنظار لأسابيع بعد أن شنّ مسلحون علويون انتفاضة في مارس (آذار) ضد الحكومة السورية الجديدة. لم يحمل سلاحاً وساعد في حماية قوات الأمن الحكومية.

وتسببت انتفاضة الموالين للرئيس المخلوع بشار الأسد في مقتل ما يربو على 200 من قوات الأمن، وأشعلت فتيل أعمال انتقامية استمرت أياماً، وهو ما جعل ديب يعيش في خوف.

وأدّت عمليات نفّذتها قوات تابعة للحكومة إلى مقتل ما يقرب من 1500 علوي، ودفعت عشرات الآلاف إلى الفرار خوفاً على حياتهم. وانهارت مع هذه الأحداث العلاقة الهشّة بين العلويين، الطائفة التي ينتمي إليها الأسد، والحكومة الجديدة.

ومنذ ​ذلك الحين، تحاول الحكومة الجديدة تدارك الضرر من خلال منح العفو لأشخاص، مثل ديب وغيره ممن انجرفوا إلى أعمال العنف في مارس، وتقديم مساعدات اقتصادية محدودة للطائفة العلوية بشكل عام.

رجال يدخنون الشيشة خارج محل لبيع تبغ في ريف اللاذقية 25 سبتمبر (رويترز)

رافقت «رويترز» فريقاً من أعضاء اللجنة الحكومية المُشكلة للإشراف على هذه العملية في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، وتحدثت إلى عشرات العلويين الذين تلقوا دعمها، وإلى 15 مسؤولاً أمنياً سابقاً من العلويين يعملون حالياً مع الحكومة السورية. وتُعرف هذه الهيئة رسمياً باسم «اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي».

تحدثت اللجنة والمستفيدون منها عن محاولة ناشئة ومثيرة للجدل لكسب ولاء العلويين في سوريا، الذين عانى كثيرون منهم من الفقر تحت حكم الأسد، رغم تمتعهم بامتيازات في الوظائف الحكومية نظراً لانتمائهم الطائفي. ويمكن أن يُسهم كسب ولائهم في تمكين الحكومة الجديدة من بسط سيطرتها على المنطقة، وإظهار تقدم صوب تحقيق تعهد الرئيس أحمد الشرع بخدمة جميع السوريين.

يدير هذه المبادرة قادة سابقون في طرفي الحرب السورية التي استمرت 14 عاماً، وتقدم المبادرة مساعدات مالية وفرص عمل وخدمات طبية لمئات العلويين، بمن فيهم عشرات حاصلون على عفو مقابل تعهدهم بعدم القتال مجدداً، أو بالمساعدة في ثني آخرين عن حمل السلاح.

حسن صوفان عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي في سوريا (مواقع تواصل)

وردّاً على أسئلة من أجل هذا التقرير، قال عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي حسن صوفان لـ«رويترز»، إن الحكومة تسعى لتحقيق التوازن في جهودها تجاه العلويين والاحتياجات الواسعة للشعب السوري عموماً، بمن فيهم السنة المتضررون من نظام الأسد. وأضاف في مقابلة: «هناك توازن يجب أن نحققه» للتأكد من أن يشعر الجميع بالمعاملة العادلة.

وأقرّ صوفان بوجود بعض الغضب الشعبي إزاء تعاون السلطات الجديدة مع أعضاء من المؤسسة الأمنية للدكتاتور المخلوع. لكنه قال، إن القيادة السورية ترى الأمور من منظور أوسع. وأضاف: «يجب على الشعب السوري أن يمضي قدماً. هذا لا يعني قبول الجرائم الكبرى التي وقعت. تجب محاسبة من ارتكبوا جرائم خطيرة. ‌لكن الغالبية العظمى من السوريين أبرياء».

خير الله ديب داخل مقهاه في القرداحة بريف اللاذقية (رويترز)

وكان ‌ديب أحد المستفيدين من هذا النهج المتسامح. ونفى مشاركته في أي أعمال عنف خلال انتفاضة مارس. وقال إن دوره اقتصر على التواصل، وإنه ساعد أيضاً في إنقاذ ‌حياة ⁠العشرات من قوات ​الأمن الذين احتجزهم المسلحون ‌رهائن، وتوسط في عودتهم. وأكد مسؤول حكومي مطلع على جهود وساطته الرواية.

وقال ديب، من مقهى افتتحه في القرداحة، مسقط رأس الأسد، بأموال من اللجنة: «قررت أن أفعل شيئاً من أجل المستقبل».

ووجدت «رويترز»، خلال زيارة رتبتها اللجنة، أن المقهى يرتاده الطلاب والباحثون عن فرص عمل وكبار السن. وساعد المقهى ديب على جمع ما يكفي من المال للتقدم لخطبة فتاة، وهو أمر لم يكن بمقدوره تحقيقه في ظل حكم الأسد. كما يخطط لإنجاب أطفال. وقال: «بس بدي بنات. ألطف وأجمل... الأولاد دائماً يريدون حمل السلاح».

صناع سلم غير متوقعين

القائمون على اللجنة لديهم تاريخ في ميادين القتال. فصوفان، وهو سني من اللاذقية، قائد سابق في صفوف المعارضة المسلحة. وخالد الأحمد، ساعد الأسد على استعادة أراضٍ خلال الحرب عبر اتفاقيات استسلام «مصالحة» مع فصائل المعارضة، قبل أن يدب الخلاف مع الرئيس المخلوع، وفي النهاية قرر دعم الشرع، صديق طفولته.

القيادي في الدفاع الوطني في النظام المخلوع فادي صقر (متداولة)

أما رجل الأحمد على الأرض فهو فادي صقر، العلوي الذي قاد مجموعة مسلحة موالية للأسد سيئة السمعة تُعرف باسم «قوات الدفاع الوطني»، التي اتهمتها منظمات حقوق الإنسان بارتكاب مجازر وجرائم نهب وانتهاكات. وأدرجت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي صقر في قائمة للعقوبات لدوره في مذابح وقعت خلال الحرب. ونفى صقر أي دور له في تلك الجرائم في تصريحات لـ«رويترز»، لكنه أحجم عن الإجابة على مزيد من الأسئلة.

وأقرّ صوفان بأن الحكومة السورية تتعاون مع صقر، قائلاً إنه ساعد في منع إراقة الدماء عند سقوط الأسد. وأثار التعاون مع صقر انتقادات للجنة، بوصفها محاولة سطحية من الحكومة الجديدة لترسيخ حكمها، بينما تسمح لشخصيات النظام السابق سيئة السمعة بالإفلات من العقاب.

أسامة عثمان ساعد في تسريب صور ضحايا سجن صيدنايا (الشرق الأوسط) cut out

وقال أسامة عثمان، الذي ⁠ساعد قبل أكثر من عقد مضى في تسريب آلاف الصور، المعروفة باسم ملفات قيصر، لمعتقلين قضوا نحبهم في سجون الأسد: «من أنتم لتسامحوا من قتل أبناءنا بأبشع الطرق. وبالعكس، تجعلونهم رموزاً للسلم الأهلي».

وتقول الحكومة إن المرشحين لنيل العفو «يخضعون للتدقيق، لضمان عدم العفو عن أي شخص ارتكب جرائم خطيرة خلال الحرب». إلا أن العملية نفسها تتسم بالغموض. وتقول «الشبكة السورية ‌لحقوق الإنسان»، إن سلطة اللجنة في منح العفو والإفراج عن المعتقلين تقوض الشفافية والمساءلة واستقلال القضاء.

وقال جريجوري ووترز، الباحث البارز في برنامج سوريا التابع للمجلس الأطلسي: «أسهمت جهود ‍فادي صقر بشكل كبير في الحفاظ على السلام الظاهري، لكنها لم تُسهم بالقدر الكافي في تهدئة المخاوف وبناء الثقة وسط السكان ‍المحليين، مقارنة بمبادرات شعبية أخرى تعمل مع المسؤولين المحليين».

إطلاق سراح عدد من الموقوفين في مدينة طرطوس 29 ديسمبر (متداولة مواقع تواصل)

ويعارض عمل اللجنة كثيرون من أفراد الطائفة العلوية، ومنهم أصحاب مواقف متشددة يرون التعاون مع السلطات السورية ذات التوجه الإسلامي خيانة عظمى.

وأفاد أفراد على صلة باللجنة، لـ«رويترز»، أنهم يدركون احتمال أن يستهدفهم ‍مسلحون علويون، وقد اغتيل مرشح علوي «من طرطوس» في انتخابات برلمانية نظمتها الدولة في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفيما كانت «رويترز» تُغطي عمل اللجنة في الدالية، وهي قرية جبلية نائية وخلابة انطلقت منها انتفاضة مارس، قالت صفحة علوية مناهضة للحكومة على «فيسبوك»، إن صقر جلب الصحافيين إلى هناك ضمن مخططات «قذرة»، وتعقبت سيارة ذات نوافذ معتمة الصحافيين إلى خارج القرية قبل أن تُحذرها دورية أمنية حكومية في نهاية المطاف.

ولم يكن صقر موجوداً في مهمة التغطية الصحافية، لكن أعضاء فريقه المعني بالسلم الأهلي، كانوا على مقربة من المقابلات التي أجريت مع السكان. وتواصلت «رويترز» لاحقاً مع هؤلاء السكان عبر الهاتف.

تسرعت وتهورت!

رأى بعض العلويين في البداية، أن الإطاحة بالأسد العام الماضي فرصة لأبناء طائفتهم الذين يعاني كثيرون منهم من الفقر المدقع. ووقّع عشرات الآلاف من الجنود السابقين اتفاقيات تسوية مؤقتة مع الحكومة الجديدة وسلّموا أسلحتهم.

لكن شعورهم بالتهميش والخوف زاد عقب عمليات التسريح الجماعي ومقتل علويين في الأشهر اللاحقة. ثم زادت أحداث الساحل التي وقعت في مارس من انعدام الثقة.

وقال محافظ طرطوس أحمد الشامي، لـ«رويترز»، إن اللجنة منحت عفواً عاماً لما لا يقل عن 50 علوياً على صلة بأحداث الساحل، في بادرة حسن نية.

وقال الشامي: «قلنا لكل واحد منهم: أنت رجل تسرعت وتهورت. نحن سنكون رحيمين بك وسنعطيك فرصة ثانية لكي ⁠تثبت أنك ستمشي بالاتجاه الصحيح».

وأفاد مسؤول في اللجنة بأنها أطلقت سراح مئات الجنود من عهد الأسد، الذين قُبض عليهم بعد الإطاحة به، ورتب أكثر من 90 زيارة عائلية لبضعة آلاف من المحتجزين الآخرين.

وقالت أم لـ3 جنود سابقين مسجونين، إنها تمكنت من زيارة أحدهم في سبتمبر، وإن اللجنة تكفلت بتكاليف السفر التي كانت قليلة لكن الأم لم تتمكن من تحملها.

وأضافت الأم، التي طلبت عدم كشف اسمها، إن رؤية ابنها من وراء الزجاج آلمتها. مشيرة إلى أنه لم يُسمح لها إلا بإعطائه ملابس داخلية. وقالت باكية: «بعد ما شافوا سوريا الجديدة. ما بيعرفوا شي. بس بيعرفوا أنهم بالسجن».

جانب من أولى جلسات المحاكمة العلنية للمتهمين بأحداث الساحل في مدينة حلب (سانا)

ووفقاً للشامي، وبيان صادر عن قادة الأمن في اللاذقية وطرطوس، يقدم المقاتلون الحاصلون على العفو معلومات عن أشخاص ربما يخططون لهجمات، ويساعدون السلطات في العثور على مخابئ سرية للأسلحة الخفيفة والذخيرة. كما أنهم يقنعون آخرين بعدم القتال.

وبعد التوصل إلى اتفاق تسوية في أبريل (نيسان)، نال أحد المقاتلين السابقين التابعين لصقر فرصة عمل في النجارة. ورغم قوله إنه لا يزال يرغب في الثأر لدماء العلويين التي أُريقت، قال المقاتل، الذي طلب عدم كشف اسمه خشية الانتقام، إنه «لا أحد يرغب في القتال بعد الآن». وأضاف لـ«رويترز»: «الناس تعبوا. بس بدهم أمن ويطعمون أولادهم».

جهود رمزية وقيود مالية

قال سكان علويون في منطقة الساحل، إن الجهود المبذولة ضئيلة للغاية لمعالجة الأضرار الجسيمة التي خلفتها أحداث الساحل، فضلاً عن الفقر المستشري وانعدام الأمن المستمر في المناطق الساحلية. وأقرّ صوفان بوجود قيود مالية. وقال لـ«رويترز»: «فيه شريحة واسعة ما عم بيتم الوصول إليها بسبب الوضع الاقتصادي. فهي عم بتكون أقرب إلى الحل الرمزي ينقي الأجواء ويصححه».

وبعد مرور أكثر من 9 أشهر على أعمال العنف، تقول اللجنة إنها لم تُرمّم سوى أقل من 10 في المائة من نحو ألف منزل متضرر.

وائل حسن مع أفراد عائلته في حديقة منزله المحترق في جبلة بسوريا (رويترز)

وقال أسامة طوير، وهو علوي عمره 32 عاماً من ريف جبلة، إن 13 من منازل عائلته أضرمت فيها النيران، وسُرقت ماشيتها في مارس الماضي. وأضاف أن اللجنة لم تتمكن من العثور على اثنين من أقاربه مفقودين منذ ذلك الحين.

وبدأت اللجنة إجراء إصلاحات أساسية في بعض منازل أقاربه، لكن بعد زيارة «رويترز» في سبتمبر، قال طوير إن أعمال الإصلاح توقفت تماماً. وأضاف أن المخاوف من تجدد العنف تجعل السكان يتجنبون التردد على ورشته، ما أدى إلى انخفاض دخله بشكل كبير. وقال: «بعد الساعة السادسة... إذا بييجي أخوي ويدق على الباب ما بفتح».

وسلّطت مظاهرات العلويين في الأيام الماضية، والشهر الماضي، الضوء على التحديات التي تواجهها اللجنة. ففي 28 ديسمبر (كانون الأول)، هتف آلاف ‌العلويين مطالبين بحكم لامركزي والإفراج عن المعتقلين.

لم يدم احتجاجهم سوى ساعة قبل خروج مظاهرة مؤيدة للحكومة. وفضّت قوات الأمن ذلك الحشد بإطلاق أعيرة نارية، كما حدث في احتجاج آخر الشهر الماضي رفع مطالب مماثلة.

وبدأت السلطات محاكمات علنية، مؤخراً، بشأن أعمال العنف في مارس، وتعدّ نتائجها اختباراً حقيقياً للمساءلة في سوريا الجديدة.

وقال وائل حسن، وهو مزارع عمره 59 عاماً، تعهدت اللجنة بترميم منزله المحترق، لـ«رويترز»: إن الطريق لا يزال طويلاً قبل أن تتمكن جميع الطوائف السورية من العيش معاً دون خوف.

وأضاف: «هلق بعيدين (عن السلم الأهلي). داخلياً وباطنياً جاهزين... بس يكون فيه عدالة وقانون بينتهي كل ‌شيء».


إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)

بدأت الحكومة الإسرائيلية سحب تصاريح منظمات إنسانية دولية تعمل في مناطق قطاع غزة والضفة الغربية، بذريعة عدم استكمال إجراءات التسجيل المطلوبة، لممارسة أي أنشطة لها داخل تلك المناطق.

وقالت الحكومة الإسرائيلية إنها ستسحب تراخيص 37 منظمة إنسانية منها «أطباء بلا حدود» و«أكشن إيد»، بدعوى «صلتها بالإرهاب»، زاعمة أن تلك المنظمات الإنسانية توظف فلسطينيين ضالعين فيما تصفها بـ«الأنشطة الإرهابية».

وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الثلاثاء، بأن السلطات الإسرائيلية أرسلت بالفعل إخطارات إلى أكثر من 12 منظمة إنسانية دولية، بأن التصاريح الممنوحة لها للعمل داخل قطاع غزة والضفة الغربية، سيتم إلغاؤها بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، وأنه يجب إنهاء أنشطتها بالكامل في الأول من مارس (آذار) المقبل.

جنود إسرائيليون أمام مقر رئاسة «الأونروا» في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وادعت السلطات الإسرائيلية أن قسماً من تلك المنظمات رفض تقديم قوائم كاملة بأسماء الموظفين الفلسطينيين العاملين فيها لإجراء فحص أمني بشأنهم، مدعيةً أن فحصاً أمنياً لموظفين يعملون في منظمة «أطباء بلا حدود» أظهر تورط بعضهم في «نشاطات إرهابية»، حيث تم في يونيو (حزيران) 2024، تصفية ناشط في «الجهاد الإسلامي» كان يعمل لدى المنظمة، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، تم الكشف عن موظف آخر يعمل قناصاً لصالح حركة «حماس»، وفقاً لذات الصحيفة.

ويقود هذه الخطوة فريق وزاري مشترك برئاسة وزراء شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، الذي أرسل الخطابات الرسمية لتلك المنظمات، ومن بينها منظمة «أطباء بلا حدود».

وكانت الحكومة الإسرائيلية أمهلت المنظمات لاستيفاء المتطلبات حتى 9 سبتمبر الماضي، وتم تمديد القرار حتى 31 ديسمبر (كانون الثاني) الحالي.

وتزعم مصادر سياسية وأمنية إسرائيلية أنه «لا توجد نية لعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين في قطاع غزة». ووفقاً للمصادر التي نقلت عنها وسائل إعلام عبرية، فإن «المنظمات التي سُحبت تراخيصها لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي المساعدات، وأن الغالبية العظمى منها لا تزال تقدم عبر جهات أخرى وبوسائل خاضعة للرقابة».

موظفو منظمة «أطباء بلا حدود» في أثناء تنظيمهم مظاهرة يونيو الماضي في جنيف ضد عسكرة إمدادات المساعدات الإنسانية في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقال مكتب تنسيق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية إنه يتوقع أن تقود تلك المنظمات حملات «تضليلية تهدف لتشويه سمعة إسرائيل»، تدعي من خلالها أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، زاعماً أنه «لن يُلحق أي ضرر بنطاق المساعدات الإنسانية بعد تطبيق القانون».

وقال وزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، عميحاي شيكلي: «أنا فخور بأن الحكومة قد فوضت وزارتي بقيادة الفريق المكلف بوضع حد للأنشطة المعادية لدولة إسرائيل تحت ستار المساعدات الإنسانية. الرسالة واضحة: المساعدات الإنسانية نعم، لكن استغلالها لأغراض إرهابية لا».

وفي الثاني والعشرين من الشهر الحالي، حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، وهي إحدى أكبر المنظمات الطبية العاملة في غزة، من أن القواعد الإسرائيلية الجديدة لتسجيل المنظمات الدولية غير الحكومية قد تترك مئات آلاف الأشخاص في غزة من دون القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية المنقِذة للحياة بحلول عام 2026.

وقالت: «هذه المتطلبات الجديدة تهدّد بسحب تسجيل هذه المنظمات، ومن شأن عدم التسجيل هذا أن يحول دون تمكن منظمات، من بينها (أطباء بلا حدود)، من تقديم الخدمات الأساسية للناس في غزة والضفة الغربية».

ودعت المنظمة السلطات الإسرائيلية إلى ضمان تمكين المنظمات الدولية غير الحكومية من الحفاظ على استجابتها المستقلة وغير المتحيّزة في غزة والاستمرار فيها. فالاستجابة الإنسانية المقيّدة أساساً لا تحتمل مزيداً من التفكيك. كما قالت.