استعراضات «حماس» تستفزه... ما كواليس تعطيل نتنياهو لصفقة الأسرى؟

قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي فاجأ قادة الجيش والمخابرات وخالف توصياتهم

مقاتلون من «حماس» يحمون منطقة تسليم رهائن إسرائيليين لفريق الصليب الأحمر بخان يونس في جنوب قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
مقاتلون من «حماس» يحمون منطقة تسليم رهائن إسرائيليين لفريق الصليب الأحمر بخان يونس في جنوب قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

استعراضات «حماس» تستفزه... ما كواليس تعطيل نتنياهو لصفقة الأسرى؟

مقاتلون من «حماس» يحمون منطقة تسليم رهائن إسرائيليين لفريق الصليب الأحمر بخان يونس في جنوب قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
مقاتلون من «حماس» يحمون منطقة تسليم رهائن إسرائيليين لفريق الصليب الأحمر بخان يونس في جنوب قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

جاء قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعطيل تحرير الأسرى الفلسطينيين، رغم اتفاق الهدنة مع حركة «حماس»، بعد مخاضٍ دامَ ساعاتٍ طويلة، وبشكل مفاجئ حتى لقادة الجيش والمخابرات، ومعاكساً لتوصياتهم.

بدأ نتنياهو مساره بـ«مشاورات أمنية» محمومة، انتهت في ساعات فجر الأحد وتخلّلتها سلسلة أحداث دلّت على هزال التفكير، والتمسك بالصغائر لدى القيادة الإسرائيلية، وبغضّ النظر عن أهدافه، يدلّ بالأساس على غياب «مستوى الدولة» في حسابات وتفكير هذه القيادة.

وقد بدأت القصة منذ بداية انطلاق عملية تطبيق الاتفاق، قبل ستة أسابيع، لكنها بلغت أوْجَها يوم السبت.

وكما هو معروف، فإن إسرائيل اختارت تنفيذ عملية تبادل إطلاق الأسرى في أيام السبت، حيث يكون المتدينون اليهود في عطلة، ولا يشاهدون البث التلفزيوني، وهؤلاء هم بالأساس من قوى اليمين والمتدينين الذين يشكلون القاعدة الشعبية لحكومة نتنياهو.

استفزاز للغرور

الحكومة الإسرائيلية توقعت أن ترى استعراض قوة من «حماس» في لحظات التسليم؛ فالاتفاق ينص على أن تحرس عناصر «حماس» المحتجَزين الإسرائيليين.

لكن استعراض «حماس» الكبير أَظهر المئات من مسلَّحيها باللباس العسكري الذي تميَّز بملابس نظيفة وأنيقة وعليها درجات عسكرية، وبأسلحة حديثة غالبيتها من غنائم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، من الجيش الإسرائيلي، والحرص على بث رسائل في كل مرة تستفز الغرور الإسرائيلي.

عناصر من حركة «حماس» خلال الاستعداد لتسليم أسري يوم السبت إلى ممثلي «الصليب الأحمر» في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)

وزادت «حماس» من رسائلها فرفعت الأعلام وجلبت ألوف المواطنين، وأذاعت الأناشيد وقدَّم عناصرُها التحية العسكرية كما لو أنهم في جيش نظامي.

في أيامٍ خَلَت، كانت إسرائيل تتعامل مع مظاهر كهذه بشيء من الترفع، وتمضي الأمور بتعليقات ساخرة وتقول: «فليضحكوا على شعبهم كما يشاؤون، فنحن السيادة على الأرض».

لكن في ظل هذه القيادة، التي يراها إسرائيليون «معدومة الثقة بالنفس»، زاد الشعور بـ«الإهانة» من سلوك «حماس»، خصوصا عندما بالغت، وحاولت من خلاله أن تبث رسائل للمجتمع الإسرائيلي بأن حديث نتنياهو عن «النصر الكامل» سخيف، وأن الحركة موجودة، وتتحرك بقوة، وتفرض حضوراً مهيباً بالنسبة لجمهورها، وللفلسطينيين عموماً.

إحباط رغم التعتيم

بدا أن نتنياهو يتلقى رسائل «حماس» بإحباط شديد. وعلى الرغم من أن الإعلام العبري كان قد قرر بشكل جماعي عدم بث مشاهد تسليم الأسرى؛ فإنه ضجَّ بالتعليقات الساخرة من حكومة نتنياهو وتصريحاتها، وأن محاولات التعتيم ثبَتَ فشلها وضحالتها، إذ إنه في عصر الشبكات الاجتماعية لا يمكن إخفاء شيء.

وفي يوم الخميس الماضي، ومع تسليم أول دفعة من جثامين الأسرى القتلي، طفح كيل الحكومة، ومَن تابع الإعلام العبري وهو يغطي الحدث، أدرك أن نتنياهو سيفقد صوابه.

لقد تعمدت «حماس» تسليم الجثامين في توابيت سوداء، ومن خلال استعراض قوة، مع العلم بأن الجثامين ضمَّت رفات عائلة بيباس، وهم: طفل رضيع وشقيقه وأمُّهما، ورجل مُسن في الثالثة والثمانين، كما أعلنت «حماس» أنهم قُتلوا من جراء غارات إسرائيلية قضت عليهم وعلى حراسهم.

وراح الإعلام ينشر تقارير تؤكد رواية «حماس»، ولا تقتنع برواية نتنياهو والجيش بأنه جرى خنقهم.

حاول نتنياهو أولاً افتعال قضية كبيرة عن تبديل رفات الأم، شيري بيباس، لكن «حماس» استدركت الأمر، وسارعت في تحرير الرفات الحقيقي، وسحبت البساط من تحت أقدام نتنياهو، الذي هدَّد بالانتقام.

وزاد الطين بلة أن عائلة بيباس رفضت أن يشارك أي ممثل للحكومة في الجنازة، ما يعني أنها لا تُصدِّق رواية الحكومة والجيش.

قبلة عفوية أم مسرحية؟

وفي يوم السبت الماضي، استهلّت «حماس» استعراضها بإظهار ثلاثة شبان من المحتجَزين الإسرائيليين وهم يلوّحون للحاضرين بالتحية، وقام أحدهم بطبع قُبلة على جبينَي اثنين من عناصر «حماس». وحاولوا في تل أبيب ادعاء أن هذه «مسرحية من إخراج (حماس)»، لكن شقيقة المحتجَز عومير شيم توف قالت للإعلام الإسرائيلي إن شقيقها «تصرَّف بشكل صادق وطبيعي».

وأضافت: «أخي ملاك، يحب الحياة ويحب الناس، يجد في كل إنسان شيئاً إيجابياً، يبث المودة في كل مكان. وفي البداية نحن أيضاً لم نكن مرتاحين من تصرُّفه، لكن عندما تحدَّثنا معه فهمنا

أنه تصرَّف بشكل تلقائي وعفوي، فهو كان يشكر اثنين من خاطفيه تعامَلا معه بشكل ودي».

الأسير الإسرائيلي السابق عومير شيم توف يُقبّل رأس أحد عناصر «كتائب القسام» (صورة وزّعتها «حماس»- أ.ف.ب)

لكن، عندما نشرت «حماس» شريطاً يُظهر اثنين من المحتجَزين، لم يتحررا بعدُ، وهما يشاهدان حفل التسليم ويتوسلان للحكومة بأن تُسرع إلى إكمال الصفقة وإطلاق سراح جميع المخطوفين، كان هذا يعني أن «حماس» تتحدى الجيش الإسرائيلي ومخابراته، الذين لم يتخيلوا مشهداً كهذا يحدث أمام عيونهم وهم لا يعرفون، ولا يستطيعون التصرف.

الشريط احتوى أيضاً على مشاهد عَدَّها إسرائيليون «ساذَجة»، من إخراج «حماس»؛ إذ إن المحتجَزيْن الإسرائيليين هاجما الحكومة ورئيسها نتنياهو، على قصفها «شجرة زيتون عُمرها أطول من عمر دولتنا»، وفق ما قالوا.

وقال أحدهما إن جدَّيْه قَدِما إلى أرض فلسطين من المغرب ومن تركيا، وزاد أنه «يجب على كل يهودي أن يعود إلى البلاد التي جاء منها»، وحتى عند هذه النقطة السابقة كان بإمكان إسرائيل كحكومة أن تتهم «حماس» بإخراج تمثيلية مفضوحة، والسخرية منها؛ إذ لا يوجد إسرائيليون يسمُّون إسرائيل «فلسطين»، أو يطالبون بـ«العودة إلى الخارج»، لكن القادة الإسرائيليين الحاليين باتوا يتشبثون بـ«صغائر الأمور».

وعَدُّوا هذا العرض «قمة في الإهانة لهم»، وعبَّروا عن ذلك جهاراً، وقرروا تعطيل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، في البداية حتى المساء، ثم قرروا تمديد التأجيل إلى حين تنتهي المشاورات الأمنية.

اليمين على الخط

استغلَّ قادة اليمين المتطرف موقف نتنياهو ليطالبوه بوقف الصفقة واستئناف القتال، وقالوا له إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب فتح له الطريق ليقرر ذلك، فقد أعلن أنه يتفهم غضب نتنياهو، ويؤيد أي قرار يتخذه، حتى لو كان ذلك استئناف الحرب.

كما تبيَّن لاحقاً أن عدداً من الأسرى الفلسطينيين في سجن عوفر تمرَّدوا على الأوامر، ورفضوا الركوع في قاعة الانتظار، وأعلنوا: «الموت ولا المذلة».

وطلبت مصلحة السجون تأجيل إطلاق سراحهم عقاباً لهم، وجرى جلب قوات خاصة لقمعهم، ولم يرضخوا.

وكان نتنياهو يأمر بتأجيل إطلاق سراحهم، ساعة تلو الأخرى. وفي ساعة متأخرة تبيَّن أن نتنياهو حدد الساعة الواحدة من فجر الأحد موعداً لتحرير الأسرى، وجرى وضع قسم من الأسرى في الحافلات، وغادرت الحافلات السجن.

لكن نتنياهو عاد، وأمرها بالعودة إلى السجن، مقرراً «إرجاء تحرير الأسرى حتى ضمان الإفراج عن المختطَفين المتبقّين دون مراسم استفزازية».

حافلة تصل إلى سجن عوفر العسكري قبل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين نوفمبر 2023 (إ.ب.أ)

ونقل موقع «واللا» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن القرار اتُّخذ بعد عقد نتنياهو جلستيْ مشاورات، مشيراً إلى أن قادة الأجهزة الأمنية أوصوا بعدم إرجاء تحرير الأسرى الفلسطينيين؛ حتى لا يضر ذلك عودة جثث الأسرى الإسرائيليين يوم الخميس.

لكنه ووزراءه الحاضرين في المشاورات؛ وزير أمنه يسرائيل كاتس، ووزير الخارجية غدعون ساعر، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، قرروا إلغاء إطلاق سراحهم، مع كل ما يحمله مثل هذا القرار من تبِعات، فطلبوا من قادة الأجهزة الأمنية الخروج، واتخذوا القرار وأبلغوهم فيه: «تتوقف عملية إطلاق الفلسطينيين إلى أجل غير مسمّى».

العائلات الإسرائيلية تحذر

أثار قرار نتنياهو قلق عائلات الأسرى الإسرائيليين، الذين كانوا قد تظاهروا بالألوف في تل أبيب، فأصدروا بياناً يحذّرون فيه نتنياهو من مغبّة تخريب الاتفاق مرة أخرى.

كما توجهوا بحديثهم إلى الرئيس الأميركي حتى يُسارع إلى إنقاذ الاتفاق من التخريب، وردَّ مكتب نتنياهو ببيان قال فيه إنه «حتى الآن استعدنا 192 مختطَفاً؛ بينهم 147 على قيد الحياة، و45 ممن فارقوا الحياة، وبقي 63 مختطفاً لدى (حماس)». وأضاف: «حكومة إسرائيل ملتزمة بمواصلة العمل بعزم من أجل عودة جميع المختطفين الأحياء والأموات».

وقد أثار بيان الحكومة قلق العائلات أكثر، وعَدُّوه لائحة «دفاع عن النفس لفترة ما بعد موت المحتجَزين».

وقالت عنات إنغرست، والدة الجندي الأسير متان، إن «نتنياهو قرر إجهاض الصفقة تماماً والعودة إلى الحرب، وبذلك حَكَم بالإعدام على أولادنا، وهو يمهد من الآن ماذا سيقول في لجنة التحقيق، وربما في المحكمة التي ستحاكمه بتهمة قتل أولادنا».

وواصلت: «لن ننتظر حتى ذلك الحين، ونرجو من الرئيس الأميركي، الذي نثق بصدق نياته في تحرير المخطوفين وهم أحياء، أن يتدخل فوراً، ويمنعه من تخريب الصفقة».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن قتل رجل حاول دهس جنود في الضفة الغربية المحتلة

المشرق العربي جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن قتل رجل حاول دهس جنود في الضفة الغربية المحتلة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، أنه قتل رجلاً حاول دهس مجموعة من الجنود بسيارته في شمال الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ) play-circle

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

بدأت الحكومة الإسرائيلية سحب تصاريح منظمات إنسانية دولية تعمل في قطاع غزة والضفة الغربية، بحجة عدم استكمال إجراءات التسجيل المطلوبة لممارسة أي نشاط.

«الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب)
شؤون إقليمية موظف يرتدي سترة منظمة «أطباء بلا حدود» (رويترز)

صحيفة: إسرائيل ستسحب تراخيص 37 منظمة إنسانية بدعوى «صلتها بالإرهاب»

نقلت صحيفة «هآرتس» عن الحكومة الإسرائيلية قولها، الثلاثاء، إنها تعتزم سحب تراخيص 37 منظمة إنسانية منها «أطباء بلا حدود» و«أكشن إيد» و«أوكسفام».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جنود إسرائيليون خلال تشييع زميل لهم قُتل في غزة (أ.ب) play-circle

إسرائيل تعترف بجنودها المنتحرين بعد مشاركتهم في الحرب

قرر الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع الإسرائيلية، منح صفة «المتوفى بعد الخدمة» للجنود الذين خدموا في الحرب على غزة وجبهات أخرى خلال العامين الأخيرين.

«الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب)
شؤون إقليمية جنود إسرائيليون يراقبون بينما ينتظر الفلسطينيون عند حاجز قلنديا بين الضفة الغربية والقدس (إ.ب.أ) play-circle

تحقيقات إسرائيلية: جنودنا تلقوا رشى من فلسطينيين يبحثون عن عمل

كشفت تحقيقات في الشرطة العسكرية والشرطة القضائية الإسرائيلية أن الفلسطينيين في الضفة الغربية قدموا رشى للعشرات من جنود الاحتلال العاملين على الحواجز العسكرية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

أوجلان يشيد بـ «اتفاق 10 مارس»


رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
TT

أوجلان يشيد بـ «اتفاق 10 مارس»


رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)

وأعياد صاخبة لكسر الخوف عدَّ زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين في تركيا عبد الله أوجلان، اتفاقَ 10 مارس (آذار) الموقع بين «قوات سوريا الديمقراطية» والحكومة السورية، نموذجاً للحكم الذاتي المشترك، داعياً أنقرة إلى لعب دور يسهل تنفيذه.

وحثَّ أوجلان، في رسالة بمناسبة العام الجديد نشرها حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد في تركيا على «إكس»، الثلاثاء، أنقرةَ على أداء دور تيسيري وبنّاء يركّز على الحوار في هذه العملية.

وجاءت رسالة أوجلان في الوقت الذي كادت تنتهي فيه المهلة المحددة لتنفيذ «اتفاق 10 مارس» نهاية العام الحالي، وسبقتها رسالة كشفت عنها وسائل إعلام تركية قريبة من الحكومة، الأسبوع الماضي، بعث بها إلى مظلوم عبدي مطالباً فيها بإنهاء وجود العناصر الأجنبية ضمن صفوف «قسد».


احتجاجات إيران من البازار إلى الجامعات

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء
صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء
TT

احتجاجات إيران من البازار إلى الجامعات

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء
صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء

اتَّسعتِ الاحتجاجات في إيران مع انتقالها من الأسواق التجارية في طهران إلى الجامعات وعدد من المدن، في تطوّر لافت للحراك الذي بدأ الأحد، على خلفية تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتراجع الريال إلى مستويات قياسية، وارتفاع معدلات التضخم وتزايد الضغوط المعيشية.

وأفادت وسائل إعلام إيرانية بتنظيم مظاهرات طلابية في جامعات عدة بالعاصمة، إضافة إلى أصفهان، مع تسجيل تجمعات في كرمانشاه وشيراز ويزد وهمدان وأراك، وحضور أمني مكثف في مشهد.

ودعتِ الحكومة إلى التهدئة عبر الحوار، إذ أعلن الرئيس مسعود بزشكيان تكليفَ وزير الداخلية الاستماعَ إلى «المطالب المشروعة» للمحتجين. في المقابل، حذّر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من محاولات «استغلال الاحتجاجات».

وقالتِ المتحدثة باسم اللجنة الاقتصادية في البرلمان، النائبة فاطمة مقصودي، لوكالة «إيلنا»، إنَّ تقلباتِ السوق ترتبط أساساً بالأجواء السياسية والحديث عن الحرب. وأضافت: «يكفي أن يقول ترمب لنتنياهو: تعالَ نشرب قهوة، حتى ترتفع أسعار العملات فجأة».


احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
TT

احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران

اتسعت الاحتجاجات في إيران لليوم الثالث على التوالي، مع انتقالها من الأسواق التجارية في طهران إلى جامعات ومدن أخرى، في وقت تزامن فيه الحراك مع إجراءات أمنية وتحذيرات رسمية، وخطوات حكومية اقتصادية طارئة وإعلانات عن تعطيل مؤسسات عامة.

وبينما دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى الإنصات للمحتجين عبر الحوار، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من محاولات استغلال التطورات، وسط تفاعلات داخلية وخارجية رافقت أحدث موجة من الاحتجاجات، عكست حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد.

وفي تطور لافت، برز انضمام طلاب الجامعات إلى الحراك الاحتجاجي. وأفادت وكالة «إيلنا» الإصلاحية بأن مظاهرات طلابية نُظّمت في عدد من الجامعات بطهران، إضافة إلى مدينة أصفهان وسط البلاد. وحسب الوكالة، شملت التحركات جامعات «بهشتي، وخواجة نصير، وشريف، وأمير كبير، وجامعة العلوم والثقافة، وجامعة العلوم والتكنولوجيا» في طهران، إلى جانب جامعة التكنولوجيا في أصفهان.

كما أظهرت مقاطع فيديو متداولة تجمعات ومسيرات طلابية تضامناً مع الاحتجاجات على الغلاء والأزمة الاقتصادية، فيما رددت شعارات احتجاجية مناهضة لنظام الحكم، في بعض الجامعات، وفق ما نقلته قنوات طلابية على تطبيق «تلغرام». وفي مقطع فيديو نُشر من تجمع احتجاجي في شارع ملاصدرا بطهران، يظهر محتجون يرددون شعار: «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران».

طهران تستعد للذكرى السادسة لمقتل الجنرال قاسم سليماني بضربة أميركية يناير 2020 في بغداد (إ.ب.أ)

وأفاد مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية في طهران بأن معظم المتاجر والمقاهي في العاصمة كانت مفتوحة كالمعتاد، صباح الثلاثاء، على امتداد جادة ولي عصر، التي تمتد لمسافة 18 كيلومتراً من شمال العاصمة إلى جنوبها، رغم استمرار الاحتجاجات في مناطق أخرى. وأضافت الوكالة أن شرطة مكافحة الشغب كانت تراقب الساحات الرئيسية في وسط المدينة، من دون الإشارة إلى مواجهات واسعة النطاق خلال ساعات النهار.

في المقابل، أظهرت صور ومقاطع فيديو من مناطق أخرى، من بينها ميدان شوش، استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين، إضافة إلى دخول قوات أمنية إلى بعض الأسواق وتهديد التجار بإعادة فتح محالهم.

إلى جانب طهران وأصفهان، أفادت تقارير إعلامية بوقوع تجمعات احتجاجية في مدن أخرى، من بينها كرمانشاه، وشيراز، ويزد، وهمدان وأراك، فضلاً عن كرج وملارد وقشم خلال اليومين السابقين. وفي سياق امتداد التحركات إلى مدن أخرى، أظهرت الصور وجوداً كثيفاً لقوات الأمن ومكافحة الشغب في مشهد، ثاني كبريات المدن في البلاد، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية وشبكات اجتماعية.

بالتزامن مع الاحتجاجات، أفادت وسائل إعلام رسمية بأن مدارس ومصارف ومؤسسات عامة ستغلق في طهران و19 محافظة أخرى، الأربعاء، بسبب موجة البرد ولتوفير الطاقة. وأوضحت السلطات أن هذا القرار لا يرتبط بالاحتجاجات، مشيرة إلى أن المراكز الطبية والإغاثية، والوحدات الأمنية، وفروع البنوك المناوبة، مستثناة من التعطيل.

حسب مصادر محلية، جاءت الاحتجاجات رداً على الغلاء المتزايد، والتضخم المرتفع، وتراجع القدرة المعيشية. وسجل الريال الإيراني، وفق سعر السوق السوداء غير الرسمي، مستوى قياسياً جديداً مقابل الدولار، الأحد، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 1.4 مليون ريال، مقارنة بنحو 820 ألف ريال قبل عام، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

إيرانية تمر من دار صرافة بينما تظهر أسعار العملة الثلاثاء (رويترز)

ورغم تسجيل تحسُّن طفيف في قيمة العملة، الاثنين، فإن تقلبات سعر الصرف المستمرة أدت إلى تضخم مرتفع وتقلبات حادة في الأسعار، حيث ترتفع بعض أسعار السلع من يوم لآخر.

انطلقت التحركات، الأحد الماضي، من أكبر أسواق الهواتف المحمولة في طهران، حيث أغلق تجار محالهم بشكل عفوي احتجاجاً على الركود الاقتصادي وتدهور القدرة الشرائية، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.

وتوسعت الاحتجاجات لتشمل مناطق أوسع من وسط العاصمة، حيث واصل التجار إغلاق محالهم ونظموا تجمعات محدودة، تعبيراً عن استيائهم من الانخفاض السريع لقيمة الريال تحت وطأة العقوبات الغربية.

وذكرت وكالة «إرنا» الرسمية أن عدداً من التجار فضلوا تعليق أنشطتهم «لتجنب خسائر محتملة»، في وقت ترددت فيه شعارات احتجاجية داخل بعض الأسواق.

وفق مركز الإحصاء الإيراني الرسمي، بلغ معدل التضخم في ديسمبر (كانون الأول) نحو 52 في المائة على أساس سنوي. غير أن وسائل إعلام محلية، بينها صحيفة «اعتماد»، أشارت إلى أن هذه النسبة لا تعكس بالكامل الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية.

ونقلت الصحيفة عن أحد المتظاهرين قوله: «لم يدعمنا أي مسؤول أو يسعَ لفهم كيف يؤثر سعر صرف الدولار على حياتنا»، مضيفاً: «كان يجب أن نظهر استياءنا».

الحكومة وخيار الحوار

في وقت متأخر الاثنين، دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للاستماع إلى «المطالب المشروعة» للمتظاهرين. وقال بزشكيان، في منشور على منصة «إكس» نقلته وكالة «إرنا»: «طلبت من وزير الداخلية الاستماع إلى مطالب المحتجين المشروعة من خلال الحوار مع ممثليهم، حتى تتمكن الحكومة من التصرف بمسؤولية وبكل ما أوتيت من قوة لحل المشاكل والاستجابة لها».

كما أشار إلى أن «معيشة الناس» تشكل هاجسه اليومي، مؤكداً أن الحكومة تضع «إجراءات أساسية لإصلاح النظام النقدي والمصرفي والحفاظ على القوة الشرائية» على جدول أعمالها.

وقالت المتحدثة باسم ‌الحكومة، ⁠فاطمة ​مهاجراني، إنه ‌سيتم إطلاق آلية حوار تشمل إجراء محادثات مع قادة الاحتجاجات.

وحسب وكالة «مهر» شبه الرسمية، التقى بزشكيان، الثلاثاء، مسؤولين نقابيين، واقترح عدداً من الإجراءات الضريبية المؤقتة التي يفترض أن تساعد الشركات لمدة عام، في محاولة لتخفيف الضغوط الاقتصادية.

ولم تورد الوكالة تفاصيل إضافية عن طبيعة هذه الإجراءات أو آلية تنفيذها.

وقالت مهاجراني، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام رسمية، إن الحكومة «ستستمع بصبر حتى لو واجهت أصواتاً حادة». ونقلت «رويترز» قولها في هذا الصدد: «نتفهم الاحتجاجات... نسمع أصواتهم وندرك أن هذا نابع من الضغط الطبيعي الناجم عن الضغوط المعيشية على الناس». وأضافت أن الحكومة «تعترف بالاحتجاجات»، وتؤكد «حق التجمعات السلمية المعترف به في دستور الجمهورية الإسلامية».

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» من ثاني أيام احتجاجات البازار (أ.ب)

وكانت إيران قد شهدت خلال الأعوام الماضية احتجاجات واسعة لأسباب اقتصادية واجتماعية، من بينها موجة 2022 التي اندلعت عقب وفاة مهسا أميني، وتعاملت معها السلطات بإجراءات أمنية مشددة.

وأشارت مهاجراني إلى أن الحكومة تعمل على «إعداد برنامج للظروف الطارئة»، موضحة أن اجتماعاً للفريق الاقتصادي عُقد لوضع برنامج لإدارة الوضع الاقتصادي على المدى القصير، ضمن إطار زمني يقارب 15 شهراً، بهدف تحقيق الاستقرار.

وكانت الحكومة قد أعلنت، الاثنين، استبدال حاكم البنك المركزي. وقال مهدي طباطبائي، مسؤول الإعلام في الرئاسة الإيرانية، في منشور على منصة «إكس»: «بقرار من الرئيس، سيتم تعيين عبد الناصر همتي حاكماً للبنك المركزي».

ويعود همتي إلى هذا المنصب بعد أن كان البرلمان قد عزله في مارس (آذار) الماضي من منصبه كوزير للاقتصاد، بسبب فشله في معالجة المشاكل الاقتصادية في ظل الانخفاض الحاد لقيمة الريال، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.

يواجه الاقتصاد الإيراني صعوبات متراكمة جراء عقود من العقوبات الغربية، التي ازدادت وطأتها بعد إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، عقب انهيار الترتيبات المرتبطة بالاتفاق النووي. وحسب تقارير اقتصادية، ساهمت هذه العقوبات في تقييد التجارة الخارجية، والضغط على العملة الوطنية، ورفع معدلات التضخم.

تحذيرات البرلمان

في المقابل، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من مخاطر «استغلال التظاهرات لبث الفوضى والاضطرابات».

وأعلن قاليباف أن النواب عقدوا اجتماعاً مغلقاً لبحث التطورات الأخيرة، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية حول جدول الأعمال أو مخرجات الجلسة.

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء

وقال قاليباف، في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي، إن «الأعداء» يسعون إلى جر مطالب الناس إلى الفوضى، مضيفاً أن الشعب «سيمنع انحراف الاحتجاجات».

وقالت المتحدثة باسم اللجنة الاقتصادية في البرلمان، النائبة فاطمة مقصودي، لوكالة «إيلنا» إن تقلبات سوق العملة والذهب ترتبط أساساً بالأجواء السياسية وتصريحات قادة دوليين ومحليين، لا بتطورات اقتصادية فعلية، مؤكدة أن تصاعد الحديث عن الحرب أو صدور خبر واحد كفيل بدفع الأسعار إلى الارتفاع.

وأضافت مقصودي: «يكفي أن يقول ترمب لنتنياهو: تعال نشرب قهوة، حتى ترتفع أسعار العملات فجأة. إذا تحدث نتنياهو بكلمة واحدة، فترتفع الأسعار».

في الداخل، أفاد عدد من مستخدمي الهواتف المحمولة بتلقي رسائل نصية تحذيرية من جهاز استخبارات «الحرس الثوري» الإيراني، تحذرهم من المشاركة في تجمعات وصفت بأنها «غير قانونية»، حسبما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي.

ردود داخلية وخارجية

على الصعيد السياسي، أصدر حزب «نهضت آزادى (حركة الحرية)» رسالة مفتوحة انتقد فيها أداء الحكومة، معتبرة أن «تجاوز التحديات من دون إصلاح بنيوي لن يكون سوى وهم». وقالت الحركة إن سجل الحكومة خلال العام ونصف العام الماضيين «غير قابل للدفاع عنه إلى حد كبير، ولا ينسجم مع مطالب الشعب».

كما وصف مصطفى تاج زاده، السجين السياسي ونائب وزير الداخلية السابق، الاحتجاجات بأنها «حق» للمواطنين، معتبراً أن جذور الأزمة تعود إلى «البنية السياسية الحاكمة»، حسبما نقلت منصات إعلامية معارضة.

في الخارج، عبّر رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران، عن دعمه العلني للاحتجاجات، معتبراً أن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيستمر «ما دام هذا النظام في السلطة». وفي رسالة نشرها على منصة «إكس»، دعا بهلوي مختلف فئات المجتمع إلى الانضمام للاحتجاجات، كما وجه نداءً إلى القوات الأمنية والعسكرية بعدم الوقوف في وجه المحتجين، لصالح «نظام في طور الانهيار».

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، عبر حسابها الناطق بالفارسية على منصة «إكس»، دعمها لما وصفته بـ«صوت الشعب الإيراني»، معتبرة أن الاحتجاجات تعكس حالة السخط الواسع من «السياسات الفاشلة وسوء الإدارة الاقتصادية».

ودعت الوزارة السلطات الإيرانية إلى احترام الحقوق الأساسية للمواطنين والاستجابة لمطالبهم المشروعة، مؤكدة أن الولايات المتحدة تتابع التطورات عن كثب. وفي منشورات لاحقة، نشرت الخارجية الأميركية مقاطع مصورة من مدن إيرانية عدة، مشددة على أن موقف واشنطن ينسجم مع دعمها المعلن لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وقال مايك والتز، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إن الشعب الإيراني يريد الحرية وقد عانى سنوات من حكم رجال الدين.

في إسرائيل، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على الاحتجاجات الجارية في إيران عبر رسالة مصوّرة نشرها على منصة «إكس»، قال فيها إن المتظاهرين الإيرانيين يستحقون «مستقبلاً أفضل» و«شرق أوسط أكثر استقراراً». واعتبر بينيت أن ما يجري يعكس، على حد تعبيره، فشل السياسات الاقتصادية والسياسية في طهران، موجهاً حديثه مباشرة إلى المحتجين.