«كبح الديون» ورقة في صندوق الانتخابات الألمانية

إعادة تفعيل الاقتصاد المحتضر أبرز أولويات المستشار المقبل

شخص يدلي بصوته خلال الانتخابات العامة في ميسباخ بألمانيا (رويترز)
شخص يدلي بصوته خلال الانتخابات العامة في ميسباخ بألمانيا (رويترز)
TT
20

«كبح الديون» ورقة في صندوق الانتخابات الألمانية

شخص يدلي بصوته خلال الانتخابات العامة في ميسباخ بألمانيا (رويترز)
شخص يدلي بصوته خلال الانتخابات العامة في ميسباخ بألمانيا (رويترز)

مع توجه الألمان إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية يوم الأحد، يبرز الاقتصاد المحتضر والوعود بإصلاحه على رأس اهتماماتهم.

فإعادة تشغيل النمو ورفع مستويات المعيشة هي القضية الرئيسة على ورقة الاقتراع، في ظل دخول البلاد في حالة ركود فعلي بعد انكماش اقتصادها عامين متتاليين، في 2023 و2024، وللمرة الثالثة فقط منذ الخمسينات.

لقد وعدت الأحزاب الرئيسة كلها بإحياء الاقتصاد، من خلال سياسات متعددة إما بخفض الضرائب وإما بزيادة الإنفاق بشكل كبير لضخ النمو. هذه الخيارات تتطلب تخفيف كبح الديون.لقد كانت هذه الآلية المالية المعروفة باسم «كبح الديون»، والتي تحد بشكل صارم من الاقتراض الحكومي، بمثابة خط صدع في السياسة الألمانية. إذ أدى شح المال إلى انهيار الحكومة الاتحادية السابقة التي كانت مكونة من «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» و«حزب الخضر»، و«الحزب الديمقراطي الحر» (الليبرالي). فعند إعداد موازنة عام 2025، كان هناك نقص بقيمة 25 مليار يورو (26 مليار دولار). ولذلك، أراد «الديمقراطيون الاجتماعيون» و«الخضر» تعويض هذا العجز من خلال القروض، وهو ما رفضه «الحزب الديمقراطي الحر» رفضاً تاماً، وأراد التوفير في النفقات الاجتماعية. وعندما لم هذه الأحزاب الثلاثة من الاتفاق، انهار الائتلاف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

و«كبح الديون» هو قاعدة دستورية ألمانية تم إدخالها خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2009، في عهد المستشارة أنجيلا ميركل، لضمان الاستقرار المالي للبلاد، بعدما تكبدت الحكومة تكاليف باهظة لبرامج الإنقاذ بلغت نحو 464 مليار يورو، مما تسبب في ارتفاع الدين العام إلى نحو 81 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010.

فقد وضع نظام «كبح الديون» حداً أقصى للاقتراض الجديد للحكومة الاتحادية عند 0.35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا -باستثناء حالات الطوارئ- ويمنع الولايات الـ16 من الاقتراض الجديد. وهو مصمم لمنع الإنفاق الحكومي غير المسؤول؛ حيث لا يجوز أن تنفق الدولة إلا ما تحصل عليه.

ودخلت القاعدة حيز التنفيذ في عام 2016، ليصار إلى تعليقها خلال جائحة «كوفيد-19»، ومرة أخرى بعد الحرب الروسية - الأوكرانية. وأُعيد العمل بهذا التشريع العام الماضي.

العلم الوطني الألماني يرفرف أمام مبنى «الرايخستاغ» في برلين (إ.ب.أ)
العلم الوطني الألماني يرفرف أمام مبنى «الرايخستاغ» في برلين (إ.ب.أ)

بيد أنَّ إيرادات الضرائب لم تعد كافية من أجل سداد تكاليف جميع المهام الحكومية المطلوبة؛ للنفقات العسكرية المتزايدة، ودعم أوكرانيا، وإعادة إصلاح البنية التحتية التالفة، والرقمنة المتعثرة وغيرها. وهو ما يتطلب الاقتراض لتغطية هذا النوع من النفقات.وكان كبح جماح الديون موضوعاً مركزياً في الحملة التي سبقت الانتخابات المبكرة للبرلمان الألماني، بين مؤيد ومعارض. ففي حين دعا «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» و«الخضر» و«حزب العمال الاشتراكي الألماني» إلى تخفيف كبح جماح الديون وزيادة الإنفاق الاستثماري والحفاظ على مزايا الرعاية الاجتماعية الحالية، دعم «حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (الاتحاد الاجتماعي المسيحي)، و«الحزب الديمقراطي الحر»، و«حزب البديل من أجل ألمانيا» تقليص أو إلغاء بعض المزايا مع الحفاظ على القواعد المالية القائمة.

الركود الاقتصادي

ثم إن المشكلة الأكثر إلحاحاً التي تواجه ألمانيا هي توقف نموها الاقتصادي. وتتوقع المفوضية الأوروبية نمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 0.7 في المائة فقط في عام 2025، وهو ما يمثل أبطأ وتيرة بين دول الاتحاد الأوروبي. ومنذ عام 2017، نما الاقتصاد الألماني بنسبة 1.6 في المائة فقط، وهو أقل كثيراً من متوسط ​​الاتحاد الأوروبي البالغ 9.5 في المائة.

وقد أدت نقاط الضعف البنيوية، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة، وانخفاض الاستثمار العام، والإفراط في الاعتماد على الصادرات، إلى ترسيخ الركود.

كما أن القاعدة الصناعية الألمانية التي كانت ذات يوم العمود الفقري لاقتصادها، تتآكل. في وقت باتت فيه الشركات الألمانية البارزة تنقل بعض الإنتاج إلى الخارج، بحجة انخفاض التكاليف وقلة العقبات البيروقراطية.

الواقع أن الإنتاج الصناعي انخفض بشكل مطَّرد؛ حيث بلغ الناتج في عام 2024 نحو 90 في المائة فقط من مستويات عام 2015. وعلى النقيض من ذلك تماماً، نما الإنتاج الصناعي في بولندا إلى 152 في المائة من مستواه في عام 2015، وهو ما يعكس تحولاً أوسع نطاقاً في قدرات التصنيع إلى أوروبا الوسطى والشرقية.

ضربة ترمب

على مدى أشهر، كان ترمب يهدد بفرض رسوم جمركية أعلى على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة. ومنذ توليه منصبه في يناير (كانون الثاني)، أثبت أنه على استعداد للمضي قدماً في تنفيذ تهديداته؛ حيث أعلن فرض رسوم بنسبة 25 في المائة على جميع واردات الصلب والألمنيوم، ومن المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في مارس (آذار). ثم أمر بإجراء تحقيق فيما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة فرض رسوم جمركية متبادلة على السلع المستوردة، ما يعني فرض رسوم جمركية مماثلة للرسوم التي تفرضها الدول الأخرى على المنتجات الأميركية. وقال أيضاً إنه يخطط لفرض رسوم بنسبة 25 في المائة على السيارات المستوردة، ورقائق أشباه الموصلات والمستحضرات الصيدلانية في وقت مبكر من شهر أبريل (نيسان).

ومن شأن ذلك أن يضر بالمصدِّرين الألمان على وجه الخصوص؛ حيث إن الولايات المتحدة هي أكبر سوق لهم؛ حيث تمثل 10 في المائة من إجمالي الصادرات الألمانية، وفقاً للأرقام الرسمية.

امرأة ترتدي زياً كرنفالياً تدلي بصوتها خلال الانتخابات في كولونيا (رويترز)
امرأة ترتدي زياً كرنفالياً تدلي بصوتها خلال الانتخابات في كولونيا (رويترز)

كما تعتمد نحو 1.2 مليون وظيفة في ألمانيا، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الصادرات إلى الولايات المتحدة، وفقاً لشركة «بروغنوس» السويسرية للأبحاث. ويمثل هذا الرقم 2.6 في المائة من جميع الوظائف في البلاد، وفقاً لأحدث البيانات الحكومية.

وقال جاكوب كيركيجارد، وهو زميل بارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة، لشبكة «سي إن إن»: «إن العالم الذي لا تكون فيه التجارة الحرة هي الشعار الاقتصادي السائد يمثل مشكلة بالنسبة لألمانيا».


مقالات ذات صلة

تباين «عراقي - إيراني» بشأن طلب أميركي بحل «الحشد»

المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يتوسّط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض ورئيس أركانه «أبو فدك» (أرشيفية - إعلام حكومي)

تباين «عراقي - إيراني» بشأن طلب أميركي بحل «الحشد»

تباينت مواقف رسمية بين بغداد وطهران بشأن مطالب أميركية بحل «الحشد الشعبي» في العراق، بالتزامن مع إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مقاطعة الانتخابات المقبلة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي عراقيون في شط العرب قرب مرفأ البصرة يوم 20 يونيو الجاري (أ.ف.ب)

«محافظة الزبير» تثير جدلاً في العراق

أثار مقترح بتحويل أحد أقضية البصرة (جنوب العراق) إلى محافظة جديدة، جدلاً سياسياً حول تغييرات إدارية في البلاد بالتزامن مع انطلاق التحضيرات لانتخابات البرلمانية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي موظف في مفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

انتخابات العراق في موعدها... وتغيير القانون مستبعد

حسمت مفوضية الانتخابات العراقية، الجدل حول إمكانية تأجيل الاقتراع العام المقرر إجراؤه في نوفمبر (تشرين الثاني)، واستبعدت تغيير القانون.

فاضل النشمي (بغداد)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرد على أسئلة وسائل الإعلام في البيت الأبيض 25 مارس 2025 (إ.ب.أ)

ترمب يوقّع أمراً تنفيذياً لإصلاح الانتخابات الأميركية يتضمن شرط الجنسية

وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم (الثلاثاء)، أمراً تنفيذياً شاملاً لإصلاح الانتخابات في الولايات المتحدة، بما في ذلك اشتراط تقديم إثبات الجنسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم الرئيس الفرنسي حينها نيكولا ساركوزي يصافح الزعيم الليبي معمر القذافي لدى وصول الأول في زيارة رسمية إلى ليبيا في 25 يوليو 2007 (أ.ف.ب)

فرنسا: ساركوزي كان «صاحب القرار الفعلي» في الصفقة المبرمة مع القذافي

أكّدت النيابة المالية الفرنسية أن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي كان «صاحب القرار والراعي الفعلي» لصفقة الفساد التي أبرمها معاونان له مع القذافي سنة 2005.

«الشرق الأوسط» (باريس)

ولي العهد السعودي يوجه بتحقيق التوازن العقاري في الرياض

ولي العهد السعودي يوجه بتحقيق التوازن العقاري في الرياض
TT
20

ولي العهد السعودي يوجه بتحقيق التوازن العقاري في الرياض

ولي العهد السعودي يوجه بتحقيق التوازن العقاري في الرياض

وجّه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باتخاذ حزمة من الإجراءات التنظيمية تشمل رفع الإيقاف عن تطوير أكثر من 81 كيلومتراً مربعاً من الأراضي في شمال الرياض، وذلك من أجل تحقيق التوازن في القطاع العقاري بالعاصمة ومعالجة ارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات.

وتأتي التوجيهات بعد دراسة أجرتها الهيئة الملكية لمدينة الرياض بالتنسيق مع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، في ضوء ارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات في السنوات الماضية.

وجاء صدور الموافقة على ما درسته الهيئة الملكية لمدينة الرياض، وتوجيه ولي العهد، بعد مرحلة من التخطيط العمراني للمنطقة، لتعزيز مكانة الرياض بوصفها إحدى أفضل العواصم العالمية للحياة والعمل.

والإجراءات التي وجّه بها ولي العهد تؤكد مدى التزام القيادة بتوفير حلول فعالة وسريعة لمواجهة تحديات القطاع العقاري بشقيه السكني والتجاري، وتحقيق الاستقرار في السوق العقارية، وبما ينعكس إيجاباً على الأفراد والقطاع الخاص، ودعم أهداف «رؤية 2030» في توفير بيئة سكنية ميسّرة ومستدامة. كما تأتي استكمالاً للجهود المبذولة والهادفة إلى حفظ السوق من الممارسات الضارة، وكذلك ضمان توفير بيئة معززة للاستثمار التجاري.