معرض «من القلب إلى الوطن» للبنانية غادة جمال: أماكن مألوفة تُثير التوقّعات

تمزج لوحاته بين الفرح والقلق ومشاركة وجهات النظر

مشاعر الحنين إلى الوطن وذكريات الطفولة في أعمال غادة جمّال (الشرق الأوسط)
مشاعر الحنين إلى الوطن وذكريات الطفولة في أعمال غادة جمّال (الشرق الأوسط)
TT
20

معرض «من القلب إلى الوطن» للبنانية غادة جمال: أماكن مألوفة تُثير التوقّعات

مشاعر الحنين إلى الوطن وذكريات الطفولة في أعمال غادة جمّال (الشرق الأوسط)
مشاعر الحنين إلى الوطن وذكريات الطفولة في أعمال غادة جمّال (الشرق الأوسط)

تفرُش التشكيلية اللبنانية غادة جمّال أرض مشغلها بقطع الكانفاس التي تنوي الرسم عليها. الواحدة تلو الأخرى، تصطفُّ أمامها مثل صفحات بيضاء تنتظر دفء ريشتها. وبخطوة غير متوقَّعة، تمسك دلو الألوان وتسكبها عليها. تشقّ طريقها بنفسها وهي تُشاهدها تنساب يميناً ويساراً، فتُكوّن بذلك عالمها الخاص من دون أيّ تدخُّل منها. تترك قماش الكانفاس يتصارع مع هذه الألوان إلى حين. ومن ثم تُلقي غادة جمّال نظرة عليها لتستشفَّ الرؤية التي ولّدتها الألوان بنفسها. هنا تمسك فرشاة الرسم لتفرّقها بعضها عن بعض، أو لتمزجها مع غيرها. ومرات تتدخّل للتخفيف من بحيرات ألوان مكدسّة. ومثل قارئة الفنجان، تُسافر مع لوحاتها إلى عالم الغيب، وتنطلق في تحديد الموضوع الذي تكتشفه من تعرّجات هذه الألوان.

تترك الإكريليك يشقَّ طريقه ويبتكر اللوحة (الشرق الأوسط)
تترك الإكريليك يشقَّ طريقه ويبتكر اللوحة (الشرق الأوسط)

في معرضها «من القلب إلى الوطن» في غاليري «آرت أون 56» ببيروت، تُقدّم لزائره مساحة حرّة، فيتلقف موضوع كل لوحة وفق رؤيته الخاصة. تقول الفنانة لـ«الشرق الأوسط»: «إنها تقنية توفّر لي الالتحام مع لوحاتي بشكل مباشر. أتدخّل في بنيتها لإضفاء بعض التطوّر عليها؛ يتمثّل برسم خطوط نافرة فيها. كذلك ألجأ أحياناً إلى حبال قطنية وقطعة (سِيْف) حديدية أو سكين، فأُخرج مع هذه الأدوات غضباً يتملّكني ويتحرّك مثل بركان في أعماقي؛ يأخذ مرات طابع القلق الذي أعيشه. وعندما أركن إلى ألوان قاتمة، فذلك للإشارة إلى مصير غامض يحضُر أمامي».

تقيم غادة جمّال بين أميركا ولبنان؛ مما يؤجّج مشاعر الحنين الدائم لوطنها. حتى وهي بعيدة عنه، تتابع أخباره وتعيش أزماته: «مرتبطة بجذوري ارتباطاً وثيقاً. كل ما ترينه في هذا المعرض هو مرآة حبّي الكبير للبنان».

الألوان تُشكّل العنصر الرئيسي في أعمالها. وتختار مساحات قماش واسعة لتبرز تدرّجاتها وانسيابيتها؛ وتوزّعها على 3 أقسام في معرضها بعناوين: «أوفوريا»، و«القلق»، و«أبعاد مشتركة».

في القسم الأول، يبهرك مزيج ألوان فاقعة تُثير البهجة، فيحضر الأحمر والزهري والأصفر والبرتقالي. يتألّف هذا القسم من لوحات «موعد»، و«ذكرى منظر جميل»، و«ليلة هانئة في بيروت»، و«مزاج لبناني»، و«فساتين لحلم النهار». عنه تقول: «إنه مسلسلٌ لقصص الفرح، وما حاولت إبرازه فيه هو الأحمر. تركته يشقّ طريقه كما يشاء، مما ألّف تدرّجات منه. لهذا اللون معانٍ كثيرة تتراوح بين الحبّ الجارف والعنف. وتدخّلتُ في بنية اللوحة بخطوط بيضاء تأخذ شكل قناطر البيت اللبناني العريق. وفي أخرى، أشرتُ إلى سماء بلدي الزرقاء المطلّة علينا من نافذة عالية».

«من القلب إلى الوطن» يتوزّع على 3 أقسام (الشرق الأوسط)
«من القلب إلى الوطن» يتوزّع على 3 أقسام (الشرق الأوسط)

فيما تتفرّج على لوحات غادة جمّال، تسرح بخيالك، وتنكبّ على البحث عن الأشكال المفروزة فيها. تُعلّق الفنانة: «أتفرّج عليها مثل أيّ زائر. أغوص بألوانها والنتوءات التي تستحدثها، فأتخيّلها جبلاً أو بحيرة أو منزلاً قروياً، وأطلق عليها الاسم الذي يناسبها».

تتراءى لمُشاهد لوحات معرض «من القلب إلى الوطن» مَشاهد مختلفة، تتألّف مرات من عازف بيانو أو من رجل معطاءٍ يمدّ يد العون لغيره. وفي قسمه الثاني بعنوان «أبعاد مشتركة»، نمرُّ على تقنية رسم ترتكز على الضوء، فنتنقّل فيها بين مشاعر النوستالجيا والوحدة والحزن والسكون الطاغي. من خلالها، تستعيد جمّال شريطاً من ذكرياتها الطفولية، فتتوقّف في العاصمة بيروت وتدخل أزقّتها والحيّ الذي يقع فيه منزلها. ويستوقفك سلّم خشبي ينتصب وحيداً على جدار بيت يطلّ على البحر: «إنه منظر أتذكّره باستمرار منذ صغري». وتتابع عن لوحتها «سلّم الطفولة»: «كنتُ أتسلّقه لأطلّ منه على مساحة بيتنا. كنتُ أراها صغيرة جداً كي تتسّع لنا بوصفنا عائلة. البيت تألّف من غرف صغيرة، ولكن مِن على هذا السلّم كنت أرى الأشياء بوضوح أكبر. يجول نظري في البيوت المحيطة بنا وفي منظر البحر في منطقة الرملة البيضاء. إنها جمالية المشهد التي أتمسّك بها في لوحاتي».

التشكيلية اللبنانية غادة جمّال أمام إحدى لوحاتها (الشرق الأوسط)
التشكيلية اللبنانية غادة جمّال أمام إحدى لوحاتها (الشرق الأوسط)

أما في قسم «القلق»، فتترجم مشاعر متناقضة. فقد رسمت لوحاتها بين عامي 2023 و2024، وأعطتها عناوين مثل «بدايات غير معنونة»، و«انعطافات عنيفة»، و«طموحات كبيرة»، لتختزل قلقاً كبيراً ولّدته عندها حرب غزة. تتابع: «شكّلت بالنسبة إليَّ محطة قاسية لم أستطع تحمّلها. وعندما رسمتُ لوحاتي في تلك المرحلة، تملّكني قلق كبير ترجمته في هذه المجموعة. يطالعك الأسود في نهايتها، وفي وسطها، ومرات يغطّي بعض معالمها».

لكنكِ تستعملين في لوحة «طموحات كبيرة» الزهري بشكل نافر؟ تردّ: «استخدام الألوان الفاقعة والزاهية لا يعني دائماً الفرح بالضرورة. فاللون عينه يمكن أن يترك مشاعر الحزن أيضاً. وهنا تكمن قوة الألوان من خلال أسلوب استخدامها».

أعمال غادة جمّال تُشكّل مرآة حبّها للبنان (الشرق الأوسط)
أعمال غادة جمّال تُشكّل مرآة حبّها للبنان (الشرق الأوسط)

هذه المجموعة سبقتها لوحات أطلقت عليها اسم «حدود وهوية». وعندما تُحدّثك عنها جمّال تشعر بالأثر الكبير الذي تركته هذه الحرب في أعماقها، فيخفُت صوتها وتتغيّر نبرته. تشعر بأنها تغصّ مرات وهي تتحدّث عنها. جمعتها تحت اسم واحد: «غزة». ومن خلالها تكتشف مفاعيل حرب جرحت مشاعر الفنانة، لذلك غمرتها بالحبر الأسود وبخطوط فوضوية رسمتها بالطول والعرض: «كنت أشعر مثل مَن يريد الهروب ولا طريق توصله إلى الأمان. فكل طرقات الحلّ كانت مقفلة».


مقالات ذات صلة

«مفكرة أبريل»: 3 أيام من الإنصات العميق لما تخفيه الذاكرة وتبوح به الأصوات

يوميات الشرق عمل الفنانة السعودية تارا الدغيثر استند إلى أساطير سومرية (الشرق الأوسط)

«مفكرة أبريل»: 3 أيام من الإنصات العميق لما تخفيه الذاكرة وتبوح به الأصوات

لا ترى «مفكرة أبريل» في بينالي الشارقة نقطة وصول، وإنما سبيل يتشعَّب إلى طرق وأساليب تُواصل التشكُّل والتطوُّر حتى بعد انتهاء الفعالية...

فاطمة عبد الله (الشارقة)
يوميات الشرق الورد جعله عطاراً (موقع متحف ديور)

حدائق «ديور» الساحرة تستقبل الزوار في منزل طفولة المُصمّم الشهير

من الأزياء الراقية إلى الإكسسوارات التي رأت النور عام 1947 وعطر «مِسْ ديور»، إلى أحدث الإبداعات التالية، يتجلّى موضوع الحدائق ويحضُر في جميع مجموعات الدار.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الطفولة تبرز في لوحات معرض «في الطريق إلى البيت» (الشرق الأوسط)

«في الطريق إلى البيت»... موعد مع شغف العودة

تروي ميسم هندي بلوحاتها الصراع الذي كانت تعيشه على طريق العودة إلى البيت وخوفها من الظلمة. فأدرجت ألوان الأكليريك الداكنة والفاتحة لتُترجم مشاعرها تلك.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفنانة والمغنية اليابانية يوكو أونو (د.ب.أ)

«موسيقى العقل»... يوكو أونو تحوّل «غروبيوس باو» إلى مساحة للتأمل والمشاركة

تُسلط العاصمة الألمانية برلين، الضوء على الرسامة اليابانية يوكو أونو بإقامة معرضين جديدين لها، افتُتحا في 11 أبريل (نيسان) الحالي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
كتب «الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

«الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

تقود هيئة الأدب والنشر والترجمة مشاركة الرياض الاستثنائية بصفتها «ضيف الشرف» في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025، ضمن دورته التاسعة والأربعين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ابتكار طلاء قاتل لفيروسات الإنفلونزا و«كورونا»

يمكن أن تُشكّل الأسطح مستودعاً للبكتيريا خصوصاً في البيئات الطبية وعلى أسرّة المستشفيات (جامعة نوتنغهام)
يمكن أن تُشكّل الأسطح مستودعاً للبكتيريا خصوصاً في البيئات الطبية وعلى أسرّة المستشفيات (جامعة نوتنغهام)
TT
20

ابتكار طلاء قاتل لفيروسات الإنفلونزا و«كورونا»

يمكن أن تُشكّل الأسطح مستودعاً للبكتيريا خصوصاً في البيئات الطبية وعلى أسرّة المستشفيات (جامعة نوتنغهام)
يمكن أن تُشكّل الأسطح مستودعاً للبكتيريا خصوصاً في البيئات الطبية وعلى أسرّة المستشفيات (جامعة نوتنغهام)

طوّر علماء بكلية الصيدلة بجامعة نوتنغهام الإنجليزية منتجاً جديداً من «الراتنج» الذي يستخدم في عمليات طلاء مجموعة متنوعة من الأسطح، للقضاء على البكتيريا والفيروسات بفاعلية.

ووفق نتائج دراسة جديدة نُشرت، الأربعاء، في دورية «ساينتفيك روبرتس»، فإن المنتج الجديد يحتوي على مادة الكلورهيكسيدين القاتلة للبكتيريا والفيروسات، التي يستخدمها أطباء الأسنان لتنظيف الفم وعلاج الالتهابات قبل العمليات الجراحية.

وتتفاعل الكلورهيكسيدين مع سطح الخلية الجرثومية، حيث تقوم بتدمير غشاء الخلية وقتل الجراثيم.

طبق باحثو الدراسة استخدام الطلاء على مجموعة متنوعة من الأسطح للقضاء على البكتيريا والفيروسات، بما في ذلك الأنواع التي يصعب القضاء عليها، مثل المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين MRSA)) وفيروسات الإنفلونزا وفيروسات «كورونا» المسببة للإصابة بـ«كوفيد - 19».

قالت الدكتورة فيليسيتي دي كوجان، الأستاذة المشاركة في العلوم الصيدلانية للأدوية البيولوجية، التي قادت هذه الدراسة: «من المثير للاهتمام للغاية أن نرى هذا البحث يُطبّق عملياً. في بحثنا دمجنا المطهر في بوليمرات الطلاء لإنشاء طلاء جديد مضاد للميكروبات يتميز بالفاعلية، كما أنه لا ينتشر في البيئة ولا يتسرب من السطح عند لمسه».

وأضافت في تصريح نشر، الأربعاء، على موقع الجامعة: «أظهرت هذه الدراسة بوضوح أن الأسطح المطلية بهذا الطلاء خالية من البكتيريا، وأن أثر هذا الطلاء ينشط بمجرد جفافه»، وأكدت أنه سهل التطبيق وفعّال من حيث التكلفة.

أسطح من دون ميكروبات

ووفق الدراسة، يمكن تطبيق الطلاء الجديد على مجموعة متنوعة من الأسطح البلاستيكية والصلبة غير المسامية لتوفير طبقة مضادة للميكروبات.

ويمكن أن تُشكّل الأسطح مستودعاً للبكتيريا، خصوصاً في البيئات الطبية، من أسرة المستشفيات ومقاعد المراحيض. وكذلك الأسطح التي تُلمس كثيراً في الأماكن العامة، مثل الطائرات والمقاعد وطاولات الطعام. وتستطيع بعض الأنواع الميكروبية البقاء على قيد الحياة على الرغم من إجراءات التنظيف المُحسنة المعتادة.

ويمكن لهذه الكائنات الدقيقة البقاء على قيد الحياة، وأن تبقى معدية على الأسطح، لفترات طويلة، قد تصل أحياناً إلى عدة أشهر.

عمل الفريق البحثي مع شركة Indestructible Paint لإنشاء نموذج أولي لطلاء مضاد للميكروبات باستخدام هذه المادة الجديدة، ووجدوا أنها تنشط بفاعلية عند تجفيفها لقتل مجموعة من مسببات الأمراض. وهو ما علق عليه برايان نورتون، المدير الإداري للشركة: «نسعى دائماً إلى ابتكار طرق جديدة لمنتجاتنا، وهذه المادة تتيح لنا فرصة ابتكار منتج قد يُحدث تأثيراً إيجابياً في منع نمو وانتشار البكتيريا والفيروسات في بيئات متنوعة».

وأضاف: «نعمل في كثير من القطاعات، حيث يُمثل هذا المنتج فائدة كبيرة، على سبيل المثال، في طلاء مقاعد الطائرات وطاولات الطعام، وهي مناطق معروفة بنمو البكتيريا. لا يزال العمل في مراحله الأولى، لكننا نتطلع إلى إجراء مزيد من الاختبارات بهدف طرحه تجارياً».