«اللي شبكنا يخلّصنا»... جرعة درامية للشفاء الجماعي 

في شريط مؤثّر تُشكّل الحرية عنوانه العريض

جوزيف وزينة السجن جمعهما والغربة وحدتهما (الشرق الأوسط)
جوزيف وزينة السجن جمعهما والغربة وحدتهما (الشرق الأوسط)
TT
20

«اللي شبكنا يخلّصنا»... جرعة درامية للشفاء الجماعي 

جوزيف وزينة السجن جمعهما والغربة وحدتهما (الشرق الأوسط)
جوزيف وزينة السجن جمعهما والغربة وحدتهما (الشرق الأوسط)

مسرحية «اللي شبكنا يخلّصنا» لزينة دكاش تأخذك في رحلة فريدة من نوعها، تُهدئ من روعك وتلطّف أفكارك، ممّا ينعكس إيجاباً على مزاجك. تشعر وكأنك خضعت لجلسة علاج نفسية كنت بحاجة إليها. وتنجح زينة في تطبيق المثل اللبناني «عندما ترى مصيبة غيرك يصغر حجم مصيبتك». تقدم زينة قصصاً متعددة تختصر المعاناة والألم والفراق، مما يساهم في تعزيز الإحساس بالتعاطف.

تسمح زينة للمشاهدين بالتعرف إلى جزء من حياتها بصفتها كاتبة ومخرجة، حيث تفتح قلبها على مصراعيه وتقدّم مشاعرها بتفانٍ، مُعززة بذلك تجربتها الشخصية. وبالتعاون مع شريكيها في العمل جوزيف جول وسام غزال، وسمتها بنكهة إنسانية وبجرعات كوميدية.

دكاش وجول وغزال في «اللي شبكنا يخلصنا» (الشرق الأوسط)
دكاش وجول وغزال في «اللي شبكنا يخلصنا» (الشرق الأوسط)

الأول سجين سابق في حبس رومية أمضى فيه نحو 30 سنة. والثاني كوميدي لبناني يملك لكنة مميزة وأسلوباً خاصاً في إضحاك الناس،

أما زينة فلم تشأ أن تقف خارج الصحن هذه المرة، فتراقب العمل المسرحي مخرجة فقط. انخرطت بأحداثها وتقلّبت بين صفحاتها كمن يتمرّغ بالوحول قبل الاغتسال. فقد أرادتها وسيلة علاج تشفيها من زمن صمت طويل عاشته.

تبادلت الأدوار مع جوزيف الذي سبق أن عالجته بالدراما لسنوات عدة. في حين سام غزال شكّل بصيص أمل على كتف حقبة يسودها الشرّ. ومع هذه العناصر يُتابع المشاهد أحداث عمل مسرحي يتعمّق بالمشاعر، فيدخل في صميمه ليخرج منه كمن تخلّص من أثقاله. فعندما نرغب في وضع حدّ لآلامنا ما علينا سوى اتخاذ القرار بتذويبها، حتى لو بقيت هزيلة تترنح كهيكل عظمي على كاهلنا. فما علينا سوى دفنها كما هي من دون رجعة، مهما مررنا بخيبات أملٍ وتكبّدنا الجهد كي نفلت منها.

كل هذه الأفكار تمدّك بها مسرحية «اللي شبكنا يخلصنا». وتعترف في النهاية أن صاحب المشكلة وحده لديه القدرة على حلّها. ولدى شعوره بالحريّة سيُحلّق معها في سماء الأمل.

وزّعت زينة دكاش على رُوّاد مسرحها أوراقاً بيضاء، رسمت عليها طريقة صنع الطائرة الورقية. فأطلقوها بصورة عفوية في ختام العمل. ومعها تحرّروا من همومهم مستعيدين لحظة طفولة رغبت دكاش في استحضارها على الخشبة.

أداء زينة الطبيعي والمتفاعل مع جمهورها منذ اللحظة الأولى لعرض العمل ساهم في تلقُّف الموضوع بسهولة. واستعانت باللعبة البصرية عبر الشاشة الصغيرة لتمرّ على محطات من نجاحاتها.

زينة في مشهد من المسرحية (الشرق الأوسط)
زينة في مشهد من المسرحية (الشرق الأوسط)

عملت زينة نحو 14 سنة في سجن رومية مع المساجين. فكانت تخفّف عليهم أوجاعهم من خلال العلاج بالدراما. كما ساهمت في سَنِّ قوانين من بينها، تخفيض سنوات العقوبة. مما انعكس طاقة أمل على المساجين. ومن أهم تلك المحطات مسرحية «12 لبنانياً غاضباً» التي حوّلتها إلى فيلم سينمائي.

وفي سردية مشوقة نتعرّف إلى السجين جوزيف في جميع مراحل سجنه. كان شاباً عندما ارتكب جريمته ودخل السجن. وكان يحلم بالحرية التي لم يعانقها إلا بعد 30 عاماً مرتدياً البذلة نفسها. فبقيت كما هي رمادية تتزين بربطة عنق زهرية. ولكن كل التغيير كان قد أصاب صاحبها الذي تقدّم بالعمر وانتشر الشيب في شعر رأسه.

وخارج القضبان عاش جوزيف غربة قاسية لطّفها التقاؤه بوالدته بعد طول انتظار. الفرحة لم تكتمل إذ رحلت عن الدنيا بعد سنة من الإفراج عنه.

أما زينة التي قضم السجن سنوات من عمرها فأفلتت منه غصباً عنها. لقبُها «أم علي» رافقها بسبب جهدٍ متواصل، وحدهم الرجال يحتملونه. ولكنها تزوجت وأنجبت طفلتها أسما، وانغمست في حياتها العائلية، وأمضت القسم الأخير من حياتها مع والدتها المريضة؛ فكانت الأم والزوجة والمعالجة النفسية والممرضة في آن. غرقت في حالة صمت طويلة لم تستطع كسرها إلّا بعد أن قررت الفضفضة. فالانهيارات المتتالية التي شهدتها البلاد أثّرت عليها، وكذلك فراق والدتها. فكان المسرح ملجأها والخشبة صداها وجوزيف ثالثها. فبادر إلى معالجتها بعد أن صارت هي المريضة.

ومعاً يستعيدان ذكرياتهما داخل السجن وصولاً إلى الحرية. وضاقت دائرة نشاطات زينة لتقتصر على حفلات أعياد ميلاد أصدقاء طفلتها. في حين جوزيف عاش أزمة إقفال جميع الأبواب بوجهه. واقعٌ دفعهما للتمسّك، بعضهما ببعض، كخشبة خلاص تنقذهما من الغرق.

أما سام غزال فكان بين الفينة والأخرى يكسر شريط ذكريات زينة وجوزيف عنوة. يُمرِّر رسائل كوميدية بقصص من حياته. ويتوقف عند عرض زينة له بمشاركتها المسرحية. ويعلق بفكاهة «تساءلت كيف سأمثِّل مع اثنين من خريجي سجن رومية. وهل عليّ أن أرتكب جريمة لأعرف مواكبة أجوائهما؟». ويُخبر الناس بسخرية كيف أن والدته دعمته ليُمثّل.

محطات من جلسات علاج نظمتها في سجن رومية، وأخرى أطلّت فيها الإعلامية ماغي فرح والممثلة سينتيا كرم، لونت العمل. فالأولى كانت توقعاتها الفلكية تشجّع زينة للمضي قُدُماً. في حين جسّدت الثانية دور والدة جوزيف ببراعة وهي تحدّثه من السماء.

سينتيا كرم وزينة دكاش في مشهد افتراضي (الشرق الأوسط)
سينتيا كرم وزينة دكاش في مشهد افتراضي (الشرق الأوسط)

وتستذكر زينة والدتها الراحلة فيرجيني برسائل صوتية مسجّلة تحفظها على جهازها الخلوي. ومن ثَمّ تتقمّص شخصيتها في حوار تجريه معها من الملكوت. في المسرحية مقارنة عفوية بين الحياة في سجن رومية والحياة خارجه. ففي هذا الأخير كانت المياه كما الكهرباء والاستشفاء أموراً مؤمّنة عكس ما يجري خارج السجن. وكذلك نستشف مقاربة مشابهة نسمعها في رسائل زوج زينة الأردني الجنسية، الذي صُدم بحياة اللبنانيين ومعاناتهم من أمور كثيرة.

بدا المشهد الذي تتحدث فيه زينة دكاش عن والدتها وهي تخاطبها من عالم الغيب مؤثراً. استعرضت خلاله مشوارها معها خلال المرض. وكيف كان الفرح معها صعباً لخوفها الدائم من الوحدة والموت. لتطلب منها بالنهاية دوام الدعاء لها من السماوات. وبالتالي يفضفض جوزيف عن مكنوناته العميقة ويحاور والدته الراحلة بدوره. وكيف استسلمت للحياة البائسة بعد وفاة زوجها لتربي 4 أولاد وحدها. فكان هو أيضاً ضحية والدته، فانخرط في الأحزاب هرباً منها. ولكنه يشكرها لأنها انتظرته حتى خروجه من السجن.

وتختتم زينة المسرحية بمشهد يحاكي الوحدة، وكيف تبنّت جوزيف جول بصفته أخاً لها. معاً حاربا الوحدة وتطلعّا نحو مستقبلٍ أفضل، لتُسدل الستارة على مشهد التخلّص من الذكرى المريرة، التي لم تجد زينة من يساعدها لإتمام الأمر، فقرّرت أن تدفنها بنفسها وعلى طريقتها لتتصالح مع نفسها.


مقالات ذات صلة

مصر: المسرح القومي يحتضن الملتقى الدولي الأول للحكي 

يوميات الشرق افتتاح ملتقى القاهرة الدولي للحكي (فيسبوك)

مصر: المسرح القومي يحتضن الملتقى الدولي الأول للحكي 

برعاية وزارة الثقافة المصرية، احتضن «المسرح القومي» حفل افتتاح الدورة الأولى لـ«ملتقى القاهرة الدولي للحكي»، الذي شهد حضور نخبة من الفنانين.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق فيلم تسجيلي عن الفن في مكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)

مصر تحشد قواها الناعمة في اليوم العالمي للفن

تحشد مصر قواها الناعمة، ممثلة في الفعاليات الفنية والثقافية؛ احتفالاً باليوم العالمي للفن، الذي يحلُّ في 15 أبريل (نيسان) من كل عام.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من المسرحية تتناول الوظيفة الرسمية (الشرق الأوسط)

«مش مسرحية» لطارق سويد رسائل اجتماعية بومضات سريعة

من عنوانها «مش مسرحية» يُدرك المشاهد أن العرض لا بد أن يخرج عن المألوف.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حركات الفنانة المتكرّرة اختزلت رتابة المصير (الشرق الأوسط)

«وحدنا تحت الشمس نمشي»... مسرحٌ حركيّ يُجسّد الانعتاق من الشقاء

العرض يتمهّل في فَلْش أوراقه ويتعمّد خيار النار الهادئة. مساحته عريضة بوسع المعنى خلف الحركة. بعضُ لغز العالم تُفكّكه أنثى تتمايل في خفايا الصمت. 

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق جانب من العرض المسرحي «لعبة النهاية» لصامويل بيكيت (وزارة الثقافة)

مسرح بيرم التونسي بحُلّة جديدة على شاطئ الإسكندرية

على شاطئ الإسكندرية (شمال مصر) وفي حي الشاطبي المواجه للبحر، أُعيد افتتاح مسرح بيرم التونسي في حلّة جديدة، الأحد، بعد إغلاقه قبل عامين للترميم والتجديد.

محمد الكفراوي (القاهرة)

هزة أرضية شرق السعودية... ولا تأثيرات

تبعد الهزة الأرضية 66 كم عن شرق مدينة الجبيل (واس)
تبعد الهزة الأرضية 66 كم عن شرق مدينة الجبيل (واس)
TT
20

هزة أرضية شرق السعودية... ولا تأثيرات

تبعد الهزة الأرضية 66 كم عن شرق مدينة الجبيل (واس)
تبعد الهزة الأرضية 66 كم عن شرق مدينة الجبيل (واس)

رصدتْ «هيئة المساحة الجيولوجية» السعودية، مساء الثلاثاء، هزةً أرضيةً في الخليج العربي بلغ قدرها الزلزالي 4.36 درجات على مقياس ريختر تبعد 66 كم شرق مدينة الجبيل (شرق المملكة).

وأرجع طارق أبا الخيل، المتحدث الرسمي للهيئة، أسباب الزلزال إلى الإجهادات التي تتعرض لها صدوع قديمة موجودة في منطقة الخليج العربي تسببها حركة الصفيحة العربية واصطدامها بالصفيحة الأوراسية، موضحاً أن هذه الهزة تعد أقل من المتوسطة، ومؤكداً أن «الحدود السعودية لم تتأثر، والوضع آمن».

وهذه الهزة هي الثانية خلال أقل من شهر بعد أخرى في 4 أبريل (نيسان) الحالي تبعد 55 كم عن شرق الجبيل بلغ قدرها 4 درجات على مقياس ريختر، ولم تسجل أي تأثيرات ناتجة عنه، مضيفةً أنها «من الهزات الصغيرة».