كيف تعزز قيمة توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

دليل علمي أميركي للشركات والمؤسسات

كيف تعزز قيمة توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
TT

كيف تعزز قيمة توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

كيف تعزز قيمة توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

من المنظور التجاري، تكمن الإمكانات الواعدة للذكاء الاصطناعي التوليدي في القيمة - إيرادات أعلى، وكفاءة، وعملية صنع قرار أكثر ابتكاراً. وفي الوقت ذاته، فإن توظيف هذه القيمة على أرض الواقع ليس بالأمر الهين، أما تعظيمها فهو أصعب.

حنسو هوانغ رئيس «نفيديا» يستعرض أهم اتجاهات التطوير في مجال الذكاء الاصطناعي بداية هذا العام في معرض الاستهلاكيات الإلكترونية في لاس فيغاس

رؤى الخبراء

يقدم الدليل التنفيذي المنشور في مجلة «سلون مانجمنت ريفيو» لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا رؤى عدد من الخبراء حول الاستراتيجيات اللازمة لتحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي.

قبل أقل من عامين، تصدر الذكاء الاصطناعي التوليدي عناوين الأخبار، بفضل قدراته الجديدة المذهلة، فقد أصبح بإمكانه المشاركة في المحادثات؛ وترجمة وتفسير كميات هائلة من النصوص أو الصوت أو الصور؛ وحتى إنشاء مستندات وأعمال فنية جديدة. وفي أعقاب أسرع عملية تبني للتكنولوجيا في التاريخ -مع اجتذاب أكثر من 100 مليون مستخدم في أول شهرين- شرعت الشركات في كل الصناعات في تجريب هذا النمط من الذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، ورغم مرور عامين من الاهتمام الإداري الواسع والتجريب المكثف، فإننا حتى يومنا هذا لم نشهد بعد التحولات التجارية واسعة النطاق، المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، التي تصورها كثيرون في البداية.

مقابلات مع مديري الشركات

أجرى فريق مؤلف من كل من ميليسا ويبستر، محاضرة في مجال الاتصالات الإدارية، في كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجورج ويسترمان، المحاضر في كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومؤلف مشارك للكتاب الحائز على جوائز، «قيادة الرقمنة: تحويل التكنولوجيا إلى تحول الأعمال»، أجرى مقابلات مع عدد من كبار المديرين بمجالات متنوعة، منها الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، والابتكار، والعمليات، والمبيعات، داخل 21 شركة كبرى.

وتركز اهتمامنا على محاولة استيعاب ما تنجزه المؤسسات، التي تبنت الذكاء الاصطناعي التوليدي في مرحلة مبكرة وعلى نطاق واسع، ولماذا تبنته؟ كما تولينا مراجعة معلومات عامة بخصوص شركات مشابهة لتلك التي درسناها.

وفي الآونة الأخيرة، أعاد برنامج «تشات جي بي تي»، من شركة «أوبن آي»، صياغة تعريف التحول الرقمي ليصبح على النحو الآتي: «التكامل الشامل للتكنولوجيات الرقمية، على نحو يعيد تصور نماذج الأعمال والعمليات بشكل أساسي، على النقيض من التغيير التدريجي، الذي يركز على التحسينات التدريجية».

تحولات رقمية

بوجه عام، تتألف التحولات الرقمية من العديد من التحسينات التي تدعمها التكنولوجيا، والتي غالباً ما يجري تجميعها بمرور الوقت، لإحداث تغيير أوسع في كيفية عمل الشركة. ولا يجري دفعها بواسطة تقنية واحدة، بل باستخدام التكنولوجيات المناسبة للمهام الصحيحة، لطرح طريقة جديدة لإدارة الأعمال.

وخلصت أبحاثنا إلى أن أغلب الشركات تتبع نهجاً أكثر استهدافاً تجاه التحول، اعتماداً على الذكاء الاصطناعي التوليدي. وفي حين يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يعزز سرعة وجودة الكثير من المهام، فإنه ينطوي على مجموعة متنوعة من المخاطر المتعلقة بالدقة والأمن وإدارة الملكية الفكرية.

ويميل القادة الذين أجرينا معهم مقابلات إلى تطبيق فكرة «متحدر المخاطر» لدى اتخاذ قراراتهم، مع ربطهم المخاطر الأعلى بالعمليات التي تواجه العملاء، مقارنة بالعمليات الداخلية. ويرى القادة في صناعات مثل الطب والخدمات المالية، هذه المخاطر كذلك من منظور الالتزام التنظيمي.

تمثل ثلاث فئات من التحول مناطق مختلفة من متحدر المخاطر، بدءاً من الاستخدامات الفردية منخفضة المخاطر، ثم المهام الخاصة بالدور والفريق، وأخيراً المنتجات والتجارب التي تواجه العملاء.

شيوع الذكاء الاصطناعي بين العاملين

1. توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في المهام الشائعة بين الأفراد في الكثير من الأدوار.

في الطرف الأدنى من متحدر المخاطر، يعتمد الموظفون على النماذج اللغوية الكبيرة للاضطلاع بالكثير من الأدوار، مثل الكتابة، وتلخيص المعلومات، وتوليد الصور، وتوثيق الاجتماعات. ويمكن أن يكون للطبيعة شبه الشاملة للذكاء الاصطناعي التوليدي تأثير حقيقي داخل المؤسسة.

وفي الوقت الذي كان المتبنون الأوائل يفكرون في الأدوات التي يجب توفيرها لكل موظف، بدأ هؤلاء الموظفون في استخدام أدوات عامة مثل «تشات جي بي تي» و«جيميني»، دون طلب إذن من الرؤساء. وبسبب الحذر من المخاوف المتعلقة بالخصوصية والدقة، مع مراعاة التكلفة الإضافية، شرع الكثير من الشركات في توفير أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لبعض من موظفيها، على الأقل. وبدأت بعض الشركات، اليوم، في شراء أو إنشاء مجموعات أدوات متكاملة، تربط الذكاء الاصطناعي التوليدي بوظائف أخرى يؤديها الموظفون عادة. وتختلف الفوائد باختلاف الاستخدام والمستخدم، في الوقت الذي تؤثر مهارات المبادرة الفردية والتحفيز، على القيمة المستمدة من مثل هذه الأدوات.

توصيات استخدام الذكاء الاصطناعي

ضع في اعتبارك التوجهات الآتية.

* ترخيص نماذج لغوية كبيرة خاصة بالشركات

من بين سبل تناول المخاوف المرتبطة بالخصوصية والأمان، ترخيص نسخ خاصة من برامج النماذج اللغوية الكبيرة، مثل «تشات جي بي تي» أو «كلود» من شركة «أنثروبيك»، التي يمكن الوصول إليها عبر منصات سحابية آمنة. ويمكن للموظفين استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المستقلة هذه في مهام الكتابة وإنشاء المحتوى الأخرى، دون تسريب معلومات سرية.

* التكامل المدمج مع أدوات الإنتاج المكتبي الشائعة

تتوسع حالات الاستخدام ومكاسب الإنتاجية، عندما تتمكن المؤسسة من دمج برنامج نموذج لغوي كبير مع معلومات الشركة وأدوات سطح المكتب، مثل «كوبيلوت» و«مايكروسوفت 365» و«جيميني» و«غوغل وورك سبيس». وتخلق هذه الأدوات ما أطلق عليه أحد المديرين «محرك بحث خارق»، قادر على تحديد المستندات المفيدة، سواء داخل الفريق أو عبر جنبات شركة عالمية. ويسمح التكامل للموظفين بسحب المحتوى من مصادر مختلفة، مثل رسائل البريد الإلكتروني ونصوص الاجتماعات والمستندات الداخلية.

* التكامل المخصَّصْ

تتجاوز بعض الشركات التكامل الأساسي لأدوات سطح المكتب، لإضافة ذكاء خاص بالشركة، وذلك عبر تدريب النماذج على المصطلحات والمعلومات التي هي ملك للشركة. وبالفعل، أنشأت شركة الاستشارات العالمية «ماكينزي» ببناء «لي لي» ـ منصة تربط الذكاء الاصطناعي التوليدي بملكيتها الفكرية من أكثر من 40 مصدراً داخلياً.

* الأدوات الخارجية

يمكن أن تكون الأدوات الخاصة بالشركات مفيدة وآمنة، لكن بعض الأشخاص يبحثون في أماكن أخرى عن أدوات لا يمكنهم العثور عليها داخلياً. في هذا السياق، أخبرنا أحد مديري البرامج في شركة تقنية كبيرة، أنه يستعين بـ«تشات جي بي تي» للاضطلاع بمهام تتضمن معلومات غير سرية، مثل كتابة المواصفات أو هيكلة المستندات، بينما يستخدم «دال إي» لإنشاء صور مرئية بسيطة بسهولة، بدلاً من استخدام أدوات أشد تعقيداً يمكنه الوصول إليها.

ويستعين زميل في إدارة المنتجات بـ«سوبر ويسبر» - أداة تحويل الصوت إلى نص تحتفظ بكل المعلومات- لإملاء أفكاره وتلخيصها وترتيبها في أثناء مراجعات الأداء. كما يستخدم أدوات مثل «بيربليكستي»، للتحقق من صحة المعلومات والإشارة إليها في مهام الكتابة التي يتولى إنجازها.

نظام سامسونغ لتنظيم حركة السير المدعوم بالذكاء الاصطناعي عرض بداية الشهر الحالي

تخصص الذكاء الاصطناعي التوليدي

2. أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المتخصصة في أدوار ومهام محددة.

تعمل الشركات التي تشق طريقها نحو متحدر المخاطرة، على تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي من شأنها تحسين الإنتاجية والجودة في إطار أدوار وظيفية محددة أو عمليات تجارية. وهنا، ثمة قدر أقل من التسامح تجاه الناتج غير المقبول، وإن لم يصل بعد إلى الدرجة نفسها المرتبطة بالتطبيقات التي تواجه العملاء. وعادة ما تحافظ هذه الحلول على وجود عامل بشري داخل الحلقة، حيث يتفاعل الموظفون مع الأدوات ويراجعون المخرجات، بدلاً من السماح لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي باتخاذ القرارات تلقائياً أو إنتاج المخرجات.

الآن، فكر في حالات الاستخدام الآتية:

* الترميز وعلوم البيانات

تعد هذه إحدى أقدم المهام وأكثرها شيوعاً، التي يجري إنجازها بالاستعانة بـ«تشات جي بي تي». وقد أظهرت دراسات دقيقة مكاسب إنتاجية كبيرة لمهندسي البرمجيات، الذين يستخدمون أدوات الترميز المساعد لتسريع وتيرة المهام، مثل كتابة الترميز أو العثور على مكتبات مفيدة أو إجراء مراجعات التعليمات البرمجية.

* دعم الأفراد الذين يتعاملون مع العملاء (مع وجود عنصر بشري داخل الدائرة)

شكلت خدمة العملاء واحدة من الاستخدامات الأولى لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المرتبطة بأدوار محددة، في مجال التعامل مع العملاء. ويمكن للأدوات مساعدة الوكلاء في العثور على المعلومات بسرعة واقتراح الإجراءات في الوقت الفعلي. كما يمكن لبعضها حتى تدريب الوكيل لاحقاً، وتلخيص الكثير من المكالمات لتحديد الأنماط وفرص التحسين.

وتتضمن الأمثلة الحالية لكيفية مساعدة الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدمة العملاء:

- يمكن لبرنامج الدردشة الآلي الداخلي لشركة «أمازون»، ويدعى «فارماسي»، لدعم ممثلي خدمة العملاء في استرداد الإجابات من قاعدة المعرفة، داخل مركز المساعدة وتلخيص المعلومات، ما يسمح للمندوبين بالإجابة عن أسئلة العملاء في وقت أقل، بحسب الشركة.

- وجدت شركة «مورغان ستانلي» أن أداة مساعد المعرفة الخاصة بها، التي جرى تدريبها على أكثر من مليون صفحة من المستندات الداخلية، تعمل على تسريع عملية العثور على المعلومات للمستشارين الماليين، ما يسمح لهم بتوفير المزيد من الوقت للتركيز على احتياجات العملاء.

- تستعين شركة «سيسكو»، أكبر موزع أغذية بالجملة في العالم، بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في مهام تتنوع بين تقديم توصيات القائمة للعملاء عبر الإنترنت وإنشاء نصوص مخصصة لمكالمات المبيعات، بناءً على بيانات خاصة بالعملاء.

* دعم إنشاء المحتوى عبر الإنترنت

تعد شركة «كارماكس»، أكبر بائع تجزئة متعدد القنوات للسيارات المستعملة بالولايات المتحدة، من أوائل مَن تبنوا أدوات «أوبن آي» التوليدية. وتعتمد «كارماكس» على الذكاء الاصطناعي، لإنتاج نصّ لصفحات البحث عن السيارات، التي تساعد العملاء على اتخاذ قرار الشراء، وتضمين الكلمات الرئيسة وتنظيم المحتوى، بهدف تعزيز ترتيب البحث لصفحة الويب.

* العمليات الإبداعية

تستخدم شركة «دنتسو»، إحدى أكبر الوكالات الإبداعية بالعالم، الذكاء الاصطناعي التوليدي في جميع مراحل العملية الإبداعية، من الاقتراح إلى تخطيط المشروع إلى الأفكار الإبداعية. ويمكن للموظفين استخدامه لتحويل بضعة أسطر من نص إلى اقتراح، أو إدارة جداول بيانات الميزانية المعقدة، أو فهم الملاحظات من اجتماعات التخطيط الكثيرة.

* التمويل والتنظيم

أظهر عدد من الدراسات الاستقصائية أن فرق التمويل متأخرة نسبياً في تبني التقنيات الجديدة. وأوعز عدد من المديرين الماليين هذا التأخير إلى الفجوات التكنولوجية ومخاوف تسرب البيانات والتضارب بين الأولويات. ومع ذلك، تتقدم بعض الشركات على صعيد الابتكار، في إطار هذه الوظيفة التجارية.

تسويق المنتجات وخدمة الزبائن

3. الذكاء الاصطناعي التوليدي في المنتجات والتفاعلات مع العملاء.

عندما يسأل الناس عن التحول التجاري المدعوم من الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإنهم غالباً ما يقصدون التغييرات في المنتجات وتجارب العملاء الأخرى. ومع ذلك، غالباً ما تكون هذه التغييرات في نقطة أعلى على متحدر المخاطرة للشركة، مما يبرر الالتزام بخطوات حذرة، حتى مع تفكير الشركات بشكل استراتيجي في تطبيقات مستقبلية أكثر شمولاً. وبالفعل، بدأت الشركات التقليدية في تطبيق خدمة العملاء المدعومة من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي للإجابة عن الاستفسارات البسيطة وتمكين عملية البيع.

بالوقت ذاته، تتولى شركات البرمجيات الكبرى بالفعل دمج الوظائف المدعومة بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها. وعليك أن تضع في اعتبارك الاستخدامات الآتية:

* التفاعلات المباشرة مع العملاء

يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على رفع قائمة الهاتف التقليدية، أو روبوت المحادثة المدعوم بأتمتة العمليات الآلية، إلى مستوى جديد من التطور. ويوفر تفاعلات باللغة الطبيعية ومرونة يتعذر تحقيقها باستخدام الذكاء الاصطناعي القائم على القواعد، علاوة على إضافة قدرات متعددة اللغات.

* تجارب التسوق المخصصة

اعتاد العملاء الحصول على المقترحات المتعلقة بمنتجات التجارة الإلكترونية، بناءً على ما اشتروه (أو اشتراه الآخرون)، بناءً على ما شاهدوه. اليوم، تستعين شركات بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في تخصيص تجربة التسوق على طول رحلة العميل.

من جهتها، تعمل «أمازون» على تخصيص رحلة العميل، عبر تقديم توصيات وأوصاف للمنتجات تناسب العطلات التي يحصل عليها العميل أو رياضته أو تفضيلات نظامه الغذائي، أو حجم أسرته.

* تحسين منتجات البرمجيات الحالية

حتى مع إقدام الشركات التقليدية على تجربة الذكاء الاصطناعي التوليدي في تفاعلات العملاء، شرعت شركات البرمجيات الرائدة بالفعل في دمج قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها، سواء لتحسين الميزات الحالية أو إضافة ميزات جديدة.

توليد التحولات

الآن، ما النمط الصحيح من التحول باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ تشير أبحاثنا إلى عدد من الإجراءات التي يمكن للقادة اتخاذها، لتوليد التحول باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي.

- تحديد الرواد الرئيسيين في مؤسستك، من صناع القرار وأصحاب المصلحة إلى المستخدمين الأقوياء، وتطوير رسالتك لهم.

- تقييم مكان شركتك في اللحظة الراهنة على متحدر المخاطرة، مقارنة بالشركات التي وصفناها.

- النظر في قابلية التوسع. وصف العديد من المشاركين في البحث كيف أن عملية الانتقال من المشروع التجريبي إلى التوسع ليست بالأمر الهين.

- ضمان دعم الإدارة. يعد دعم الإدارة ضرورياً للمشروعات الأكبر حجماً، خاصة أن المديرين ربما سمعوا عن مخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي، وربما أصبحوا متشككين حيال إمكانات التقنيات الجديدة.

- التحقيق في الاستثمارات الأساسية التي يمكن أن تحسن نسبة المخاطرة إلى العائد في أعلى سلم المخاطر.

- الحفاظ على منظور طويل الأجل. إذ إن عقلية البحث عن الذهب حقيقية، ولكن التكاليف وعدم اليقين حقيقيان كذلك. عن ذلك، قال كريس بيدي، كبير مسؤولي خدمة العملاء في شركة البرمجيات «سيرفيس ناو»: «تستغرق الحالات التحويلية وقتاً أطول لبناء الحالة التجارية، واختبار النماذج، وتغيير السلوكيات، وما إلى ذلك. التحدي لا يرتبط بالجانب التكنولوجي فقط، بل كذلك في أن القادة يأخذون الوقت لإعادة تصور مستقبلهم، بناءً على أفكار كبيرة».


مقالات ذات صلة

الصين تصدر مسوّدة قواعد لتنظيم الذكاء الاصطناعي المحاكي للتفاعل البشري

تكنولوجيا امرأة في معرض حول الذكاء الاصطناعي وعالم الإنترنت بمقاطعة جيجيانغ الصينية (رويترز)

الصين تصدر مسوّدة قواعد لتنظيم الذكاء الاصطناعي المحاكي للتفاعل البشري

أصدرت هيئة الفضاء الإلكتروني الصينية مسودة ​قواعد لتشديد الرقابة على خدمات الذكاء الاصطناعي المصممة لمحاكاة الشخصيات البشرية والتفاعل العاطفي مع المستخدمين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
تكنولوجيا سام ألتمان رئيس شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

ما الاختراق القادم في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يتوقعه رئيس «أوبن إيه آي»؟

توقع سام ألتمان، رئيس شركة «أوبن إيه آي»، أن يكون الإنجاز الكبير التالي نحو تحقيق ذكاء اصطناعي فائق القدرة هو اكتساب هذه الأنظمة «ذاكرة لا نهائية، ومثالية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «أوبن إيه آي» في رسم توضيحي (رويترز)

حمّى الذكاء الاصطناعي... مليارات الدولارات تُعيد تشكيل صناعة التكنولوجيا

يشهد قطاع التكنولوجيا العالمي أضخم موجة استثمارية في تاريخه الحديث؛ إذ تحولت حمى الذكاء الاصطناعي من مجرد ابتكارات برمجية إلى معركة وجودية على البنية التحتية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)

اقتصاد كوريا الجنوبية 2026: رهان «أشباه الموصلات» في مواجهة الحمائية العالمية

مع توقع استمرار حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وتأثيرها على رابع أكبر اقتصاد في آسيا خلال عام 2026، من المتوقع أن تسعى كوريا الجنوبية لمواجهة هذه التحديات.

«الشرق الأوسط» (سيول)
صحتك قلب مطبوع من خلايا المريض تحت إشراف الذكاء الاصطناعي

5 قفزات في الذكاء الاصطناعي الطبي عام 2025

انتقالة نوعية من مرحلة «الاختبار البحثي» إلى «القرار السريري»

د. عميد خالد عبد الحميد (لندن)

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟
TT

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

يعتمد العلماء منذ سنوات طويلة على خرائط الجينات البشرية لفهم كيفية عمل الجسم وتفسير أسباب الأمراض، بل أيضاً لتطوير علاجات دقيقة لها.

بيانات وراثية أوروبية

لكنّ دراسة علمية حديثة كشفت أن هذه الخرائط رغم أهميتها لا تُمثل البشرية جمعاء بعدالة؛ لأنها بُنيت في الأساس على بيانات وراثية لأشخاص من أصول أوروبية، ما أدّى إلى تجاهل جزء كبير من التنوع الجيني العالمي.

وتُشير الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2025 إلى أن هذا الخلل العلمي ليس تفصيلاً بسيطاً، بل قد يؤثر مباشرة في فهمنا للأمراض، وكيف تختلف بين الشعوب، ولماذا تظهر بعض الحالات الصحية بشكل أكثر شيوعاً أو بشدة أكبر لدى مجموعات سكانية دون غيرها.

ما هي خرائط الجينات؟

خرائط الجينات بمثابة دليل إرشادي يوضح مواقع الجينات في الحمض النووي «دي إن إيه» (DNA)، ويشرح كيف تُستخدم هذه الجينات داخل الخلايا لإنتاج البروتينات، وهي الجزيئات المسؤولة عن معظم وظائف الجسم. لكن الجين الواحد لا يعمل دائماً بالطريقة نفسها، إذ يمكنه إنتاج أكثر من نسخة من التعليمات الجينية تُعرف بجزيئات الحمض النووي الريبي «RNA»، من خلال عملية تُسمى «التضفير» (splicing). وقد تؤدي هذه النسخ المختلفة إلى بروتينات متباينة، ومن ثم إلى اختلافات في وظائف الخلايا والاستجابة للأمراض.

ما التضفير الجيني؟

عند قراءة الخلية للتعليمات الوراثية لا تستخدم النص الخام كما هو، فبعد نسخ الجين إلى الحمض النووي الريبي «RNA» تقوم الخلية بعملية تُسمى التضفير؛ حيث تُزال الأجزاء غير الضرورية، وتُربط الأجزاء المفيدة فقط لتكوين رسالة جينية جاهزة لصنع البروتين.

الأهم من ذلك أن الخلية قد تُغيّر طريقة الربط أحياناً في عملية تُعرف بـالتضفير البديل، ما يسمح للجين الواحد بإنتاج عدة بروتينات مختلفة، وهذه الآلية تفسر التنوع الكبير في وظائف الخلايا، كما تُساعد العلماء على فهم سبب اختلاف الأمراض واستجابتها للعلاج بين الأفراد والشعوب.

أين تكمن المشكلة؟

المشكلة الأساسية، حسب الدراسة، أن معظم خرائط الجينات الحالية اعتمدت على عينات وراثية من أشخاص ذوي أصول أوروبية. ورغم أن البشر يتشابهون جينياً بنسبة تقارب 99.9 في المائة فإن النسبة المتبقية تعكس تاريخاً طويلاً من التطور والاختلافات التي نشأت بسبب العزلة الجغرافية والبيئية.

ويضيف المؤلف المشارك الرئيسي الدكتور روديريك غويغو من مركز «تنظيم الجينوم» بمعهد «برشلونة للعلوم والتكنولوجيا» بإسبانيا، أنه وبسبب هذا التركيز الأوروبي لم تُسجَّل الكثير من النسخ الجينية الموجودة لدى سكان أفريقيا وآسيا والأميركتين، ونتيجة ذلك ظلّت أجزاء مهمة من النشاط الجيني البشري غير مرئية للعلماء.

ماذا اكتشف الباحثون؟

واستخدم فريق البحث تقنية متطورة تُعرف باسم «تسلسل الحمض النووي الريبي طويل القراءة»، وهي تقنية تسمح بقراءة جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» كاملة، وليس على شكل أجزاء صغيرة كما في الطرق الأقدم.

وقام الباحثون بتحليل خلايا دم من 43 شخصاً ينتمون إلى مجموعات سكانية متنوعة حول العالم. وكانت النتيجة مفاجئة؛ حيث جرى اكتشاف نحو 41 ألف نسخة من جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» لم تكن مدرجة في خرائط الجينات الرسمية. والأهم من ذلك أن نسبة كبيرة من هذه النسخ يمكن أن تنتج أشكالاً جديدة أو مختلفة من البروتينات لم يكن العلماء على علم بوجودها من قبل.

وتبيّن أن هذه النسخ الجديدة تظهر بشكل أكبر لدى الأشخاص من أصول غير أوروبية، في حين كانت معظم النسخ لدى الأوروبيين معروفة مسبقاً، ما يؤكد وجود تحيّز علمي غير مقصود في قواعد البيانات الجينية.

لماذا يهمنا هذا الاكتشاف؟

وتكمن أهمية هذه النتائج في ارتباط بعض النسخ الجينية المكتشفة حديثاً بجينات معروفة لها علاقة بأمراض مثل الربو والذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي واضطرابات الكولسترول. وهذا لا يعني بالضرورة أن هذه النسخ تسبب الأمراض، لكنه يعني أن العلماء قد يكونون قد أغفلوا إشارات جينية مهمة تُساعد على فهم اختلاف المرض بين الشعوب.

فإذا كانت الخرائط الجينية لا تتضمن كل النسخ الموجودة فعلياً فإن الأبحاث الطبية التي تعتمد عليها قد تكون ناقصة، وقد لا تُفسر بدقة لماذا يستجيب بعض المرضى للعلاج في حين لا يستجيب آخرون.

نحو طب أكثر عدالة

تُشير الدراسة إلى أن الاعتماد على «جينوم مرجعي واحد» لجميع البشر لم يعد كافياً، فعندما استخدم الباحثون خرائط جينية شخصية لكل فرد ظهرت نسخ إضافية لم تكن مرئية من قبل، خصوصاً لدى ذوي الأصول الأفريقية.

ولهذا يدعو العلماء إلى العمل على إنشاء ما يُعرف بـ«البانترانسكريبتوم البشري» (pantranscriptome) وهو مشروع طموح يهدف إلى جمع كل نسخ الحمض النووي الريبي «RNA» المستخدمة في مختلف أنسجة الجسم وعبر مراحل العمر ولدى جميع الشعوب.

الخطوة التالية

ويعترف الباحثون بأن دراستهم ما زالت محدودة، إذ شملت نوعاً واحداً من الخلايا وعدداً صغيراً نسبياً من الأشخاص. ومع ذلك فإن حجم الاكتشافات يُشير إلى أن ما نعرفه اليوم قد لا يكون سوى «قمة جبل الجليد».

ويؤكد العلماء أن بناء خرائط جينية أكثر شمولاً لن يكون مجرد إنجاز علمي بل خطوة أساسية نحو طب جينومي أكثر دقة وعدالة يراعي التنوع الحقيقي للبشرية، ويضمن أن يستفيد الجميع من التقدم العلمي، لا فئة واحدة فقط.


بين عدالة الخوارزمية وضمير الطبيب

الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
TT

بين عدالة الخوارزمية وضمير الطبيب

الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض

لم يعد الذكاء الاصطناعي في الطب ضيفاً تجريبياً، ولا فكرةً مستقبلية تُناقَش في مؤتمرات النخبة. لقد دخل العيادة بهدوء، وجلس إلى جوار الطبيب دون معطف أبيض، وبدأ يشارك في قراءة الأشعة، واقتراح خطط العلاج، وكتابة ملاحظات السجل الطبي، وأحياناً في ترتيب أولويات المرضى أنفسهم.

تساؤلات أخلاقية

ومع هذا الدخول الصامت، وُلد سؤال أكبر من التقنية ذاتها: ما الذي يجب أن يعرفه المريض؟ ومَن يضمن عدالة القرار؟ ومَن يتحمّل الخطأ إن وقع؟

هذه ليست أسئلة فلسفية مجردة، بل أسئلة أخلاقية يومية، يواجهها الطب الحديث في عام 2025، في غرف الطوارئ، وعيادات الأورام، ومراكز الأشعة، وحتى في التطبيقات الصحية التي يحملها المرضى في جيوبهم.

حين يُصبح القرار مشتركاً... مَن المسؤول؟

في الطب التقليدي، كانت المسؤولية واضحة نسبياً: الطبيب يشخّص، ويقرّر، ويتحمّل تبعات قراره. أما في الطب المدعوم بالذكاء الاصطناعي، فقد أصبح القرار مشتركاً، ولكنه غير متكافئ:

- خوارزمية تقترح.

- طبيب يراجع أو يثق.

- مريض لا يرى إلا النتيجة.

فإذا أخطأت الخوارزمية في قراءة صورة، أو بالغت في تقدير خطر، أو تجاهلت متغيراً نادراً... من يُسأل؟ هل هو الطبيب الذي اعتمد عليها؟ أم المستشفى الذي اشترى النظام؟ أم الشركة التي درّبت الخوارزمية على بيانات غير مكتملة؟

هنا، لا يكفي أن نقول إن الذكاء الاصطناعي «أداة مساعدة»، فالأداة التي تُغيّر مسار قرار علاجي قد تُغيّر مصير إنسان.

قرار واحد... ووجوه مختلفة: سؤال العدالة الخوارزمية

عدالة الخوارزمية... هل هي محايدة حقّاً؟

يُروَّج للذكاء الاصطناعي بوصفه أكثر عدالة من البشر، لأنه لا يتعب ولا يتحيّز عاطفياً، لكن الحقيقة العلمية تقول شيئاً أكثر تعقيداً: الخوارزمية ترث تحيّزات البيانات التي دُرِّبت عليها. فإذا كانت البيانات تمثّل فئات عمرية أو عرقية أو جغرافية دون غيرها، فإن القرار الناتج قد يكون دقيقاً لفئة... وخاطئاً لأخرى.

وإذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية تُدرَّب في بيئات صحية غربية متقدمة، فهل تكون قراراتها عادلة حين تُستخدم في سياقات صحية مختلفة في العالم العربي أو الدول النامية؟

العدالة هنا ليست شعاراً أخلاقياً، بل شرط علمي وسريري. خوارزمية غير عادلة قد تكون أخطر من طبيب متعب.

حق المريض في المعرفة... إلى أي حدّ؟

أحد أكثر الأسئلة حساسية اليوم هو: هل يحق للمريض أن يعرف أن قرار علاجه أسهم فيه ذكاء اصطناعي؟ أخلاقياً، يميل الجواب إلى «نعم»، فالمريض ليس مجرد متلقٍّ للعلاج، بل شريك في القرار، ومن حقه أن يعرف كيف صُنِع هذا القرار، وبأي أدوات، وعلى أي افتراضات.

لكن الواقع السريري أكثر تعقيداً. لا أحد يريد أن يُربك المريض بتفاصيل تقنية لا يفهمها، أو أن يُضعف ثقته بالعلاج، أو أن يحوّل العيادة إلى قاعة شرح خوارزميات. هنا يظهر التحدي الحقيقي: كيف نُفصح دون أن نُرهق؟ وكيف نُصارح دون أن نُقلق؟

الطريق الأخلاقي ليس في الصمت، ولا في الإغراق بالمصطلحات، بل في الإفصاح الذكي: أن يُقال للمريض، بلغة إنسانية بسيطة، إن النظام ساعد الطبيب في التحليل، لكن القرار النهائي بقي بيد الإنسان، وتحت مسؤوليته.

الطبيب بين الثقة والكسل المعرفي

مع ازدياد دقة الأنظمة الذكية، يواجه الأطباء خطراً صامتاً لا يُناقَش كثيراً: الكسل المعرفي. إذ حين يعتاد الطبيب على أن «الخوارزمية لا تخطئ»، قد يتراجع دوره من ناقد علمي إلى مُصدِّق تقني. وهنا لا يصبح الذكاء الاصطناعي مساعداً، بل سلطة خفية.

الطب، في جوهره، ليس قراءة أرقام فقط، بل فهم سياق: مريض قلق، تاريخ اجتماعي، عوامل نفسية، تفاصيل لا تظهر في البيانات. والخطر الحقيقي ليس أن تُخطئ الخوارزمية، بل أن يتوقف الطبيب عن مساءلتها.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لا تُطالب الأطباء برفض التقنية، بل تطالبهم بشيء أبسط وأعمق: أن يبقى الضمير يقظاً، والعقل ناقداً، وألا يُسلِّم القرار الطبي النهائي إلا بعد فهمه، لا بعد نسخه.

حين يتقدّم القرار الآلي... مَن يقود الضمير؟

الشفافية... حين لا نفهم كيف وصل القرار

واحدة من أعقد المعضلات الأخلاقية اليوم هي ما يُعرف بـ«الصندوق الأسود»، فكثير من أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية تصل إلى قرارات دقيقة إحصائياً، لكنها تعجز عن شرح كيف ولماذا وصلت إلى هذه النتيجة.

فكيف يُحاسَب قرار لا يمكن تفسيره؟ وكيف يُناقَش تشخيص لا نعرف مساره المنطقي؟ وهل يجوز أخلاقياً أن نُخضع مريضاً لعلاج، لأن «الخوارزمية قالت ذلك»، دون تفسير قابل للفهم البشري؟

الطب لا يعيش على الدقة وحدها، بل على الشرح والثقة. والمريض لا يطلب دائماً نسبة مئوية، بل يريد أن يفهم. ولهذا، فإن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الطب تدفع اليوم بقوة نحو ما يُسمّى «الذكاء القابل للتفسير»، لا لأنه أجمل علمياً، بل لأنه أكثر إنسانية.

المساءلة القانونية... فراغ يتّسع

إذا حدث الخطأ، يبدأ السؤال الأصعب: مَن يُحاسَب؟ القوانين الصحية في معظم دول العالم لم تُصمَّم لعصر تشارُك القرار بين الإنسان والآلة. فلا هي تُدين الخوارزمية، ولا تُعفي الطبيب، ولا تُحدِّد بوضوح مسؤولية الشركات المطوِّرة.

هذا الفراغ القانوني ليس تفصيلاً إدارياً، بل خطر أخلاقي حقيقي.

فمن دون مساءلة واضحة، قد يُغري الذكاء الاصطناعي بعض الأنظمة الصحية بتوسيع استخدامه بلا ضوابط، أو تحميل الطبيب وحده مسؤولية قرار لم يصنعه منفرداً، ولهذا، فإن النقاش الأخلاقي اليوم لم يعد ترفاً أكاديمياً، بل ضرورة تشريعية: قوانين تُحدِّد المسؤولية، وتحمي المريض، وتُعيد رسم حدود الثقة بين الإنسان والتقنية.

الخلاصة: حين تسبق الخوارزمية... يجب أن يتقدّم الضمير

الذكاء الاصطناعي في الطب ليس شراً ولا خلاصاً. إنه مرآة لما نضعه فيه: بياناتنا، وقيمنا، وانحيازاتنا.

فإن قُدِّم بلا أخلاق، تحوّل إلى أداة باردة، وإن وُضع في يد طبيب بلا مساءلة، أصبح سلطة صامتة. وإن أُدير بحكمة، أعاد للطب جوهره الأصيل: أن يُنقذ الإنسان دون أن يُلغيه.

وكما قال ابن سينا قبل ألف عام: «العلم بلا ضمير خطر على النفس». وفي عصر الخوارزميات، لعل أخطر ما نخسره ليس الخطأ التقني... بل أن ننسى أن الطب، في النهاية، فعل رحمة قبل أن يكون قراراً ذكياً.


دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
TT

دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة

لطالما كان توقيت وصول الإنسان الحديث إلى أستراليا وكيفية حدوث ذلك واحداً من الأسئلة المثيرة في تاريخ البشرية. وتشير دراسة جينية جديدة إلى أن البشر وصلوا إلى القارة القديمة المعروفة باسم «ساهول» قبل نحو 60 ألف عام، وقد سلكوا في ذلك مسارَيْن مختلفَيْن عبر البحر، في واحدة من أقدم الأدلة المعروفة على الملاحة البحرية المتعمدة.

وقد نُشرت نتائج الدراسة في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 بمجلة «Science Advances»، إذ دعّمت ما يُعرف بفرضية «التسلسل الزمني الطويل» التي تفترض أن أولى موجات الاستيطان البشري في أستراليا حدثت قبل ما بين 60 و65 ألف سنة، وليس في فترة لاحقة، كما افترضت بعض النظريات السابقة.

قارة قديمة ونقاش طويل

كانت «ساهول» (Sahul) قارة واحدة تضم ما يُعرف اليوم بأستراليا وغينيا الجديدة وتسمانيا. ومع ارتفاع مستويات البحار بعد العصر الجليدي الأخير قبل نحو 9 آلاف عام انفصلت هذه اليابسة إلى القارات والجزر الحالية.

وعلى مدى عقود اختلف العلماء حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى هذه المنطقة، ففي حين افترضت بعض الدراسات وصولاً متأخراً نسبياً قبل نحو 47 إلى 51 ألف عام، قدمت الدراسة الجديدة أدلة قوية على استيطان أقدم بكثير.

ويقول عالم الآثار كريستوفر كلاركسون، من جامعة غريفيث في أستراليا الذي لم يشارك في الدراسة، إن هذه أول دراسة شاملة تربط بين علم الآثار والوراثة والمناخ والملاحة البحرية، وتقدم حجة قوية للغاية حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى أستراليا.

تتبع الأصول عبر خط الأم

وقد اعتمد الباحثون على نوع خاص من الحمض النووي (دي إن إيه) DNA يُعرف بالحمض النووي للميتوكوندريا، الذي يُورث غالباً من الأم فقط. وتُعد هذه المادة الوراثية أداة مهمة لتتبع السلالات البشرية عبر آلاف الأجيال.

وحلل الفريق الجينومات الميتوكوندرية لنحو ألف شخص معظمهم من السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة إلى جانب نحو 1500 جينوم منشور سابقاً. ومن خلال تتبع الطفرات الوراثية الصغيرة تمكّن الباحثون من إعادة بناء سلالات بشرية قديمة تعود إلى نحو 60 ألف عام.

مساران للهجرة نحو «ساهول»

ومن أبرز نتائج الدراسة أن البشر الأوائل لم يصلوا إلى «ساهول» عبر طريق واحد فقط بل عبر مسارَين مختلفين في الفترة الزمنية نفسها تقريباً.

كما يرجّح الباحثون أن إحدى المجموعتَين سلكت مساراً شمالياً عبر ما يُعرف اليوم بالفلبين وشرق إندونيسيا، في حين جاءت مجموعة أخرى عبر مسار جنوبي انطلقت فيه من جنوب شرق آسيا القارية مع عبور مساحات من البحر المفتوح.

وتشير النتائج إلى أن معظم السلالات الحية اليوم بين السكان الأصليين لأستراليا وغينيا الجديدة تعود إلى أسلاف اتبعوا المسار الشمالي.

ويقول عالم الآثار، آدم بروم، من جامعة غريفيث الأسترالية الذي لم يشارك أيضاً في الدراسة، إن هذه النتائج تقدم دعماً قوياً لفكرة أن المسار الشمالي كان المفتاح في الاستيطان الأول لأستراليا، مشيراً إلى اكتشافات حديثة لفنون كهوف قديمة جداً في إندونيسيا تدعم هذا الطرح.

أصل أفريقي واحد

وعلى الرغم من اختلاف المسارات تشير الدراسة إلى أن المجموعتَين تنحدران من سلالة بشرية واحدة خرجت من أفريقيا قبل نحو 70 إلى 80 ألف عام. ويُعتقد أن هذا الانقسام حدث في جنوب أو جنوب شرق آسيا قبل 10 إلى 20 ألف عام من الوصول إلى «ساهول».

ويؤكد الباحث المشارك في كلية العلوم التطبيقية بجامعة هدرسفيلد في المملكة المتحدة، مارتن ريتشاردز، أن السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة يمتلكون أقدم سلالة بشرية متصلة خارج أفريقيا دون انقطاع.

دليل مبكر على الملاحة البحرية

ولا تقتصر أهمية الدراسة على الجانب الجيني فحسب، بل تسلط الضوء أيضاً على القدرات التقنية للإنسان القديم، فالوصول إلى «ساهول» تطلّب عبور مسافات طويلة من البحر المفتوح حتى في فترات انخفاض مستوى سطح البحر.

وتقول الباحثة المشاركة هيلين فار، من مركز علم الآثار البحرية بقسم الآثار في جامعة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة، إن هذه الرحلات لم تكن نتيجة انجراف عشوائي بل دليل على استخدام القوارب والقيام برحلات بحرية محددة ومقصودة قبل نحو 60 ألف عام.

إعادة رسم تاريخ الهجرة البشرية

وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن الإنسان الحديث كان أكثر قدرة على التخطيط والتنقل والاستكشاف عما كان يُعتقد سابقاً، وأن استيطان أستراليا لم يكن حدثاً واحداً بسيطاً بل عملية معقدة شاركت فيها مجموعات متعددة ومسارات مختلفة.

ومع استمرار تطور تقنيات تحليل الحمض النووي واكتشاف مواقع أثرية جديدة يتوقع العلماء أن تتضح صورة أكثر دقة عن بدايات انتشار الإنسان الحديث حول العالم، لتؤكد أن أستراليا كانت من أوائل محطات هذه الرحلة البشرية الكبرى.