ترمب يحضّ إيران على «سلام نووي»

طهران شدّدت على عدم السعي لأسلحة نووية وفشل «الضغوط القصوى»

ترمب خلال اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي الثلاثاء (إ.ب.أ)
ترمب خلال اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

ترمب يحضّ إيران على «سلام نووي»

ترمب خلال اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي الثلاثاء (إ.ب.أ)
ترمب خلال اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي الثلاثاء (إ.ب.أ)

حضّ الرئيس الأميركي، دونالد ترمب إيران على إبرام «سلام نووي»، غداة إصداره مذكرة بإعادة استراتيجية «الضغوط القصوى»، في حين قلل نظيره الإيراني مسعود بزشكيان من حملة واشنطن لحظر مبيعات بلاده من النفط.

ورفضت طهران الاتهامات الأميركية بالسعي لإنتاج أسلحة دمار شامل، وتوقعت «فشلاً جديداً» لاستراتيجية «الضغوط القصوى»، التي تهدف لإجبار حكام الجمهورية الإسلامية على قبول اتفاق شامل، يضمن حرمانها من إنتاج سلاح نووي، والحد من برنامجها للصواريخ الباليستية وأنشطتها الإقليمية.

وقال ترمب، الأربعاء، إنه يفضّل التوصل إلى اتفاق سلام نووي يمكن التحقق منه ويسمح لإيران بالنمو والازدهار بسلام. وأضاف في منشور عبر منصة «تروث سوشيال» إن «التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة بالتعاون مع إسرائيل ستفجّر إيران وتدمرها مُبالَغ فيها إلى حد كبير».

وأضاف: «يجب أن نبدأ العمل عليه (الاتفاق) فوراً، وأن نقيم احتفالاً كبيراً في الشرق الأوسط عند توقيعه وإنجازه».

ووقَّع ترمب، الثلاثاء، مذكرة رئاسية تعيد فرض سياسات صارمة على إيران، بما في ذلك محاولات لوقف صادرات النفط الإيراني، مؤكداً أن طهران يجب ألا تطور سلاحاً نووياً.

وعند سؤاله عن مدى قرب إيران من امتلاك سلاح نووي، قال: «إنهم قريبون للغاية». كما أعلن عن توجيه تعليمات لمستشاريه للعمل على «محو» إيران إذا اغتالته.

وفي الوقت نفسه، وصف ترمب قراره لإعادة «الضغوط القصوى» على طهران، بأنه صعب للغاية، وقال إنه كان متردداً بشأن اتخاذ هذه الخطوة. وأعرب عن استعداده للتحدث مع الرئيس الإيراني لتحسين العلاقات الثنائية.

وفي طهران، هوَّن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، من تهديد نظيره الأميركي بمنع إيران من تصدير النفط. وقال: «ظنوا أن كل شيء في حياتنا مرتبط بالنفط ويريدون منع ذلك، لكن هناك الكثير من الطرق أمامنا لحل مشاكلنا ومشاكل شعبنا».

بزشكيان ونائبه الأول محمد رضا عارف خلال اجتماع الحكومة الأربعاء (الرئاسة الإيرانية)

رفض التفاوض المباشر

بدوره، قال محمد رضا عارف، نائب الرئيس الإيراني، على هامش اجتماع الحكومة، إن لقاء بزشكيان وترمب والتفاوض المباشر مع الولايات المتحدة «ليس مدرجاً على جدول أعمال الجمهورية الإسلامية».

وأضاف عارف في تصريحات للصحافيين، إن «إذا كان ترمب يعتقد أن إيران يجب ألا تمتلك سلاحاً نووياً، فهذا موقفنا الدائم، وعليه أن يطمئن. نحن نواصل استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية فقط». وزاد: «نعتقد أن ليس فقط إيران، بل جميع الدول، يجب أن تستفيد من التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. لدينا فتوى واضحة تحظر أي أنشطة نووية غير سلمية».

وأردف: «استراتيجية الجمهورية الإسلامية واضحة ومستقرة. نحن نسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الدفاعي، ولسنا أهل حرب، لكننا أهل دفاع».

وفي موقف مماثل، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الأربعاء، على هامش اجتماع أسبوعي للحكومة: «إذا كان الموضوع الرئيسي هو أن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، فهذا أمر ممكن تحقيقه، الأمر ليس معقداً، إيران كانت دائماً عضواً ملتزماً في معاهدة حظر الانتشار النووي». وتابع: «مواقف إيران بشأن السلاح النووي واضحة تماماً، كما أنَّ هناك فتوى من المرشد (علي خامنئي) تحدد هذا الأمر بوضوح للجميع».

وهوَّن عراقجي من تأثير استراتيجية «الضغوط القصوى»، على طهران، وقال: «أعتقد أنها كانت تجربة فاشلة، وإعادة تطبيقها لن تؤدي إلا إلى فشل جديد».

وأجابت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني على سؤال حول استعداد ترمب للقاء نظيره الإيراني قائلة: «سياستنا الخارجية تحكمها المبادئ: كرامة بلادنا وشعبنا، والحكمة، والمصلحة». وأضافت: «الحكمة تعني فهم الأمور بشكل سليم والنظر لما خلف الكواليس».

من جانبه، قال نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، للصحافيين إن «التفاوض مع أميركا ليس حلاً لمشاكلنا... حل مشاكلنا يكمن في رفع العقوبات والعوائق»، حسبما أوردت وكالة «إرنا» الرسمية.

وأضاف: «أشك في أن يكون لدى أحد في الحكومة أمل في أميركا، بل نحن نريد إزالة العوائق وألا يتسبب الأميركيون في ضرر لنا»، منبهاً أن وزارة الخارجية «تعمل على إزالة هذه العوائق، بما في ذلك العوائق التي تقف في طريق علاقاتنا مع جيراننا، أفريقيا، الصين وروسيا».

وفي وقت لاحق، قال ظريف خلال مراسم الكشف عن مسودة استراتيجية «الوفاق لتأمين المصالح الوطنية»، إن «مستقبلنا لا يمكن ضمانه أميركا». وأضاف: «أعتقد أنه في الظروف المناسبة، يجب أن نتفاوض مع الجميع بخلاف النظام الصهيوني، لكن يجب أن نعرف الولايات المتحدة جيداً».

وحذرت إيران مراراً وتكراراً خلال الأشهر الأخيرة من تغيير عقيدتها النووية، خصوصاً بعد تصاعد التوترات مع إسرائيل. والشهر الماضي، أبلغ نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانتشي، دبلوماسيين من فرنسا وألمانيا وبريطانيا بانسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي وتغيير عقيدتها النووية، إذا ما قررت تحرك آلية «سناب باك» لإعادة العقوبات الأممية على إيران.

يبرز شعار «أرض الأمل» وسط لافتة تصور العَلم الإيراني في ميدان ولي عصر وسط طهران (إ.ب.أ)

فرصة لكبح جماح إسرائيل

وقال مسؤول إيراني كبير لـ«رويترز» إن طهران مستعدة لمنح الولايات المتحدة فرصة لحل الخلافات بعد إعادة ترمب تطبيق سياسة «أقصى الضغوط».

وأضاف المسؤول أن إيران تعارض تهجير سكان غزة، لكن المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي مسألة منفصلة. كما أكد أن طهران ترغب في أن تكبح الولايات المتحدة جماح إسرائيل إذا كانت تسعى للتوصل إلى اتفاق مع إيران.

من جانبه، قال مدير المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، محمد إسلامي إنّ بلاده تظلّ ملتزمة بمعاهدة حظر الانتشار النووي، وقال إنّ «إيران ليس لديها ولن تملك برنامجاً للأسلحة النووية».

وقال المحلل السياسي الإيراني، أمير علي أبو الفتح لوكالة «إيسنا» الحكومية إن «تصريحات ترمب عن إيران كانت مختلفة قليلاً عن السابق؛ في الواقع، تحدث بطريقة أكثر نضجاً مقارنة بالماضي، لكنه بالوقت نفسه يتابع سياسة العصا والجزرة... تصريحات ترمب عامة، لم يتضح ما إذا إن كان يقتصر على السلاح النووي أو يود أن تجري مفاوضات تشمل قضايا المنطقة والصواريخ».

واتهم ترمب سلفه المنتمي للحزب الديمقراطي جو بايدن بعدم فرض عقوبات صارمة على تصدير النفط الإيراني. ويقول ترمب إن هذا الأمر شجع طهران وسمح لها ببيع النفط لتمويل برنامج الأسلحة النووية والجماعات المسلحة في الشرق الأوسط. وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي الشهر الماضي إن إيران تُسرّع عمليات تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60 في المائة، وهو ما يقترب من المستوى اللازم لصنع الأسلحة والبالغ 90 في المائة تقريباً.

وتقول الدول الغربية إنه لا يوجد مبرر لتخصيب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي في إطار أي برنامج مدني موثوق به، وإنه لا توجد دولة وصلت لهذا المستوى من التخصيب، دون أن تنتج قنابل نووية.

ويأمر ترمب في المذكرة وزارة الخزانة، من بين أمور أخرى، بفرض «أقصى الضغوط الاقتصادية» على إيران بما في ذلك عقوبات وآليات تنفيذ تستهدف أولئك الذين ينتهكون العقوبات القائمة.


مقالات ذات صلة

إيران تعلن احتجاز ناقلة أجنبية تحمل وقوداً مهرباً في الخليج

شؤون إقليمية ناقلة نفط احتجزتها إيران في السابق (أرشيفية - رويترز)

إيران تعلن احتجاز ناقلة أجنبية تحمل وقوداً مهرباً في الخليج

ذكرت ​وسائل إعلام رسمية اليوم الجمعة أن إيران احتجزت ناقلة نفط أجنبية قرب جزيرة قشم الإيرانية في الخليج

«الشرق الأوسط» (لندن )
شؤون إقليمية صاروخ باليستي إيراني يُعرض في شارع وسط طهران بجوار لافتة تحمل صورة المسؤول السابق للعمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني ومسؤول البرنامج الصاروخي أمير علي حاجي زادة الذي قُتل بضربة إسرائيلية في يونيو الماضي (رويترز) play-circle

نتنياهو سيعرض معلومات استخباراتية على ترمب

قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن الهجوم على إيران «لا مفر منه» إذا لم يتوصل الأميركيون إلى اتفاق يقيد برنامج طهران للصواريخ الباليستية.

«الشرق الأوسط» (لندن-تل أبيب)
شؤون إقليمية صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس

عراقجي يحذر من «مؤامرة جديدة» تستهدف الداخل الإيراني

حذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من «مؤامرة جديدة» قال إن خصوم إيران يعملون على تنفيذها عبر تعقيد الأوضاع الاقتصادية وإذكاء السخط الاجتماعي

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية أكرم الدين سريع القائد السابق لشرطة ولايتي بغلان وتخار (إكس)

اغتيال مسؤول أمني أفغاني سابق في العاصمة الإيرانية

قتل أكرم الدين سريع، مسؤول أمني سابق في الحكومة الأفغانية السابقة، في هجوم مسلح وقع في العاصمة الإيرانية طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
خاص وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يبكي على نعش قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي خلال تشييع عسكريين كبار قتلوا في الضربات الإسرائيلية في طهران يوم 28 يونيو الماضي (أرشيفية- أ.ف.ب)

خاص «مطرقة الليل» في 2025... ترمب ينهي «أنصاف الحلول» في إيران

مع عودة دونالد ترمب إلى المكتب البيضاوي في مطلع 2025، لم تحتج استراتيجيته المحدثة لـ«الضغوط القصوى» سوى أقل من عام كي تفرض إيقاعها الكامل على إيران.

عادل السالمي (لندن)

إيران تعلن احتجاز ناقلة أجنبية تحمل وقوداً مهرباً في الخليج

ناقلة نفط احتجزتها إيران في السابق (أرشيفية - رويترز)
ناقلة نفط احتجزتها إيران في السابق (أرشيفية - رويترز)
TT

إيران تعلن احتجاز ناقلة أجنبية تحمل وقوداً مهرباً في الخليج

ناقلة نفط احتجزتها إيران في السابق (أرشيفية - رويترز)
ناقلة نفط احتجزتها إيران في السابق (أرشيفية - رويترز)

ذكرت ​وسائل إعلام رسمية اليوم الجمعة أن إيران احتجزت ناقلة نفط أجنبية قرب جزيرة قشم الإيرانية في الخليج، وقالت إنها كانت تحمل أربعة ملايين لتر ‌من الوقود المهرب.

ولم ‌تذكر السلطات ‌اسم ⁠السفينة ​أو ‌تكشف عن جنسيتها. وقالت إنه تم احتجاز 16 من أفراد الطاقم الأجانب بتهم جنائية.

وذكر التلفزيون الرسمي أن الناقلة احتُجزت يوم الأربعاء.

ناقلة نفط على ساحل بوشهر في إيران (أرشيفية - رويترز)

ونشرت ⁠مواقع إخبارية إيرانية مقاطع مصورة ‌وصوراً لما قالت إنها الناقلة المحتجزة.

كانت طهران قد ذكرت الأسبوع الماضي أنها احتجزت ناقلة أجنبية أخرى تحمل ستة ملايين لتر مما وصفته بالوقود المهرب ​في خليج عمان، دون أن تحدد هوية السفينة أو ⁠جنسيتها.


إسرائيل: تشكيل وحدة تدخل سريع جديدة لمنع حدوث توغلات برية على غرار هجوم «حماس»

سلاح الجو الإسرائيلي يجهز وحدة جديدة لمنع حدوث توغلات برية (أ.ف.ب)
سلاح الجو الإسرائيلي يجهز وحدة جديدة لمنع حدوث توغلات برية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل: تشكيل وحدة تدخل سريع جديدة لمنع حدوث توغلات برية على غرار هجوم «حماس»

سلاح الجو الإسرائيلي يجهز وحدة جديدة لمنع حدوث توغلات برية (أ.ف.ب)
سلاح الجو الإسرائيلي يجهز وحدة جديدة لمنع حدوث توغلات برية (أ.ف.ب)

كشف سلاح الجو الإسرائيلي، اليوم الخميس، عن وحدته الجديدة نسبياً المخصصة لمنع حدوث توغلات برية إلى إسرائيل على غرار هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وذلك في أعقاب حالة عدم الجاهزية الكاملة التي شهدتها البلاد للقيام بهذا الدور عام 2023.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، على المستوى النظري، تقوم الفكرة على ضرورة إتاحة نشر المروحيات، بعضها في غضون دقائق قليلة وأخرى في غضون ساعة، لسحق وقصف الغزاة، بما يضمن عدم ترك منظومات الدفاع البرية على الحدود دون دعم، وفقاً لما ذكرته صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية.

وتعد الوحدة الجديدة ضمن تحول أوسع يقوده البريجادير جنرال جلعاد بار تال، ويقضي بأن يتم إعادة توجيه مهام رئيسية لوحدات المروحيات في سلاح الجو الإسرائيلي نحو الدفاعات الحدودية.

ويشمل هذا التحول أيضاً زيادة عدد المروحيات والطائرات المسيرة والمقاتلات، التي تكون في حالة جاهزية دائمة للدفاع عن الحدود، مع توسيع نطاق تكليفها بمهام الدفاع الحدودي.

إضافة إلى ذلك، يشمل هذا التحول زيادة أكبر بكثير في عدد مروحيات سلاح الجو القادرة على التدخل خلال دقائق معدودة، وزيادة كمية القنابل التي يمكن لسلاح الجو الإسرائيلي إلقاؤها خلال ساعة واحدة، مقارنة بالسابق.

علاوة على ذلك، تمنح قواعد الاشتباك الخاصة بالمروحيات حالياً هامشاً أوسع بكثير للطيارين لفتح النار استناداً إلى تقدير كل طيار على حدة لطبيعة التهديد على الأرض، مقارنة بما كان معمولاً به قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول).


تصعيد في الخطاب الإسرائيلي - التركي... هل المراد صفقة متبادلة؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال مؤتمر صحافي مشترك عقب مباحثاتهم في إسرائيل 22 ديسمبر (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال مؤتمر صحافي مشترك عقب مباحثاتهم في إسرائيل 22 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

تصعيد في الخطاب الإسرائيلي - التركي... هل المراد صفقة متبادلة؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال مؤتمر صحافي مشترك عقب مباحثاتهم في إسرائيل 22 ديسمبر (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال مؤتمر صحافي مشترك عقب مباحثاتهم في إسرائيل 22 ديسمبر (أ.ف.ب)

على الرغم من تصاعد لهجة الخطاب السياسي بين إسرائيل وتركيا، وما حملته من تلميحات متبادلة رافقت حراكاً سياسياً وعسكرياً في بحر إيجه، رأى البعض أن هذا جزء من ضغوط لإبرام «صفقة تبادل مصالح»، تحديداً في سوريا وغزة؛ مستبعدين الانزلاق إلى هوة حرب أو مواجهة عسكرية.

وقالت مصادر سياسية في إسرائيل إن كلا الطرفين يعرف كيف يُفعّل الضوابط التي تمنع التدهور بينهما إلى صدام، خصوصاً مع وجود دونالد ترمب في سدة الرئاسة الأميركية، إذ من المعروف أن له روابط قوية مع الجانبين.

ومع ذلك، حذر الدبلوماسي المخضرم ألون ليئيل، المدير العام السابق لوزارة الخارجية بإسرائيل والذي كان سفيراً لها لدى تركيا، من أن يتسبب العداء المستحكم بين الجانبين في خطأ ما، أو في سوء تقدير يؤدي إلى تدهور العلاقات.

سفن حربية تركية خلال تدريب في البحر المتوسط 23 ديسمبر (الدفاع التركية - إكس)

كانت إسرائيل قد أقدمت على إجراءات لإقامة تحالف ثلاثي مع اليونان وقبرص، شمل تدريبات عسكرية مشتركة، وتُوج بلقاء في القدس الغربية، يوم الاثنين الماضي، بين رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس.

وفي مؤتمر صحافي عقب اللقاء، وجَّه نتنياهو إشارة ضمنية إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قائلاً: «إلى أولئك الذين يتوهمون قدرتهم على إقامة إمبراطوريات والسيطرة على بلادنا، أقول: انسوا الأمر. لن يحدث. لا تفكروا فيه حتى. نحن ملتزمون وقادرون على الدفاع عن أنفسنا، والتعاون يُعزز قدراتنا».

جاء ذلك في معرض رده على سؤال عما إذا كان التعاون مع اليونان وقبرص موجهاً ضد تركيا، وقال: «لا نريد استعداء أحد»، ثم تابع: «في الماضي، احتلتنا إمبراطوريات، وإذا كان لا يزال لدى أي شخص مثل هذه النيات، فعليه أن ينسى الأمر».

جانب من مباحثات نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس في إسرائيل 22 ديسمبر (د.ب.أ)

وعن الهدف من مثل هذه التحالفات الإقليمية قال نتنياهو: «لقد ثبَّتنا مكانتنا قوةً إقليميةً عظمى في مجالات معينة. هذا يقرّبنا من دول عديدة. هي تأتي إلينا لأنها استوعبت قاعدة مهمة، ألا وهي أن التحالفات تُعقد مع القَويّ وليس مع الضعيف، وأن السلام يُصنع مع القويّ وليس مع الضعيف».

«التهديد الأول»

نقل نتنياهو أيضاً رسالة أخرى موجهة مباشرةً إلى ترمب بالنسبة إلى صفقة بيع طائرات الشبح «إف-35» لتركيا ومشتريات أخرى من طائرات سلاح الجو قائلاً: «أود أن أوضح أن التفوق الجوي الإسرائيلي في الشرق الأوسط هو حجر أساس أمننا القومي».

وفي اليوم التالي من انعقاد القمة الثلاثية، نشرت صحيفة «يني شفق» التركية مقالاً على صفحتها الأولى بعنوان صارخ: «ابتداءً من اليوم، إسرائيل هي التهديد الأول».

وأشار المقال إلى انعقاد القمة، وإلى تبادل إطلاق النار في حلب السورية بين قوات النظام والقوات الكردية المعروفة باسم «قوات سوريا الديمقراطية»، على أنهما من مظاهر العداء؛ وأورد أن إسرائيل قامت خلال القمة بـ«تفعيل» القوات الكردية لإحراج الوفد التركي في سوريا.

وأضافت الصحيفة: «جميع المؤسسات التركية الأمنية تَعدّ إسرائيل تهديداً رئيسياً»، بل حددت المؤسسات الحكومية التي ستنظر إلى إسرائيل من الآن فصاعداً على أنها «التهديد الأول»: وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، وجهاز المخابرات التركي.

الرد التركي الرسمي

أما الرئيس التركي إردوغان، فقد وجَّه رسالة إلى الدول الثلاث، إسرائيل واليونان وقبرص، خلال اجتماع رؤساء فروع حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، الأربعاء، قائلاً: «ليعلم الجميع أننا لن ننتزع حقوق أحد، ولن نسمح لأحد بأن ينتزع حقوقنا».

وأضاف: «سنواصل التمسك بمبادئنا التاريخية والتصرف بكرامة وحكمة وعقلانية وهدوء، بما يليق بخبرتنا وتقاليدنا العريقة ولن نستسلم للاستفزازات».

إردوغان متحدثاً خلال اجتماع لرؤساء فروع حزب «العدالة والتنمية» في أنقرة 24 ديسمبر (الرئاسة التركية)

وقالت وزارة الدفاع التركية إنها تتابع من كثب مبادرات التعاون والبيانات التي صدرت عن الأطراف الثلاثة عقب القمة يوم الاثنين. وشدد المتحدث باسم الوزارة زكي أكتورك، على أن بلاده تؤكد التزامها بالحفاظ على الاستقرار واستمرار الحوار في المنطقة.

وقال أكتورك، خلال إفادة أسبوعية لوزارة الدفاع، الخميس، إن تركيا تؤيد الحوار البنّاء في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط انطلاقاً من علاقات التحالف في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو).

لكنه استطرد: «يجب أن يُفهم أن الخطوات المخالفة لروح التحالف لن تُغير الوضع على أرض الواقع، وأن موقف تركيا من أمن جمهورية شمال قبرص التركية (غير معترف بها دولياً) وحقوقها، واضح وثابت، ولن تتردد تركيا في استخدام الصلاحيات الممنوحة لها بموجب وضعها، بوصفها أحد الضامنين في المفاوضات بشأن الجزيرة القبرصية».

المتحدث باسم وزارة الدفاع التركي زكي أكتورك خلال مؤتمر صحافي في أنقرة الخميس (الدفاع التركية - إكس)

وأضاف أن تركيا «ليست هي من يصعّد التوترات في بحر إيجه وشرق المتوسط، بل الخطوات والنهج الإقصائي والأحادي الذي يهدف إلى فرض أمر واقع، بينما تُفضّل تركيا أن تكون المنطقة حوضاً للتعاون والاستقرار، لا ساحة صراع».

الصفقة المنشودة

وقال الخبير الإسرائيلي في الشؤون التركية، ليئيل، في حديث مع موقع «واي نت» العبري: «أعلم أن تركيا تستعد للحرب، وأرى استعداداتها عبر تعزيز الدفاعات الجوية وتقوية القوات الجوية وتخصيص ميزانيات ضخمة لهذا الغرض. إنهم في حالة ذعرٍ حقيقي من احتمال هجومنا عليهم، ويأخذون الأمر على محمل الجد».

وأشار إلى أن الأتراك «يُسلّحون أنفسهم بطائرات (إف-35) الجديدة، ويُغيّرون قواتهم الجوية بالكامل». وتابع: «لديهم قوة بحرية ومشاة قوية، ويُضاعفون إنتاج الطائرات المسيّرة».

وواصل حديثه قائلاً: «إذا لم نتوصل إلى اتفاق مع سوريا، فستكون أولى المواجهات العسكرية على الأراضي السورية. لن يجرؤ إردوغان على مهاجمة الأراضي الإسرائيلية، ولن نجرؤ نحن على مهاجمة تركيا. لكن كلا البلدين يمتلك جيشاً في سوريا، وإذا لم نتوصل إلى اتفاق ثلاثي أو رباعي مع السوريين والأميركيين، فستقع حوادث مع تركيا في وقت قريب».

أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد قدّر ليئيل أن واشنطن، على عكس الماضي، لم تعد تشعر بالذعر إزاء أي خلاف إسرائيلي - تركي، وباتت ترى أن الطرفين يمارسان ضغوطاً كي تسارع إلى إبرام صفقة بينهما، تقبل إسرائيل بموجبها بدور تركي في غزة، وتقبل تركيا بدور إسرائيلي في سوريا.

وتواترت في الآونة الأخيرة تقارير يونانية وإسرائيلية عن تحركات في شرق البحر المتوسط وعن أن إسرائيل تدرس، بالتعاون مع اليونان وقبرص، إمكانية إنشاء قوة تدخّل سريع مشتركة تضم وحدات من القوات المسلحة للدول الثلاث، بهدف تعزيز التعاون العسكري الاستراتيجي وردع الأنشطة العسكرية التركية في شرق المتوسط، لا سيما مع سعي تركيا لتعزيز نفوذها الإقليمي، بما في ذلك نشر أنظمة دفاع جوي في سوريا، ومحاولة المشاركة في القوة متعددة الجنسيات في غزة، وإجراء محادثات مع الحكومتين المتنافستين في ليبيا للتوصل لتوقيع اتفاقيات بحرية جديدة قد تمنحها دوراً مهيمناً في شمال وشرق البحر المتوسط.