«صندانس»: دورة جديدة لمهرجان مختلف

أفلامه التسجيلية تعكس ماضياً جميلاً

من «سيلينا ولوس دينوس» (صندانس)
من «سيلينا ولوس دينوس» (صندانس)
TT
20

«صندانس»: دورة جديدة لمهرجان مختلف

من «سيلينا ولوس دينوس» (صندانس)
من «سيلينا ولوس دينوس» (صندانس)

قبل 46 سنة أُسّس «مهرجان صندانس» أول مرّة. بدأ، سنة 1978 تحت اسم آخر هو «مهرجان يوتا السينمائي» ومن ثَم اعتمد، في 1981. اسماً آخر هو «مهرجان السينما والفيديو الأميركي» واعتمد سنة 1984 على اسمه الحالي. في عام 1991 ترأسه الممثل والمنتج والمخرج روبرت ردفورد قبل أن يستقيل من أعبائه في عام 2018.

حافظ المهرجان في معظم سنواته على اهتمامه الأساسي بالأفلام الأميركية المستقلة، لكنه جذب شركات هوليوود الكبيرة في وقت كانت الأسواق الأميركية أكثر قبولاً لمثل هذا النوع من الأفلام.

حالياً، ما زال مثابراً على تكوين بانوراما أميركية وعالمية مؤلفة من الأعمال الجديدة لمخرجين (غالبهم غير ذي شهرة) رغم تراجع الاهتمام الجماهيري بالأفلام المستقلة فعلياً. أي تلك التي تُصنع وفي البال جمهور مختلف في سياق لا يتنازل عن شروط فنية.

الذي حدث أن كثيراً من الأفلام المستقلة هي مستقلة من حيث إنها ليست من تمويل هوليوودي مباشر. صانعو هذه الأفلام استعاروا نمط هوليوود في النصوص والموضوعات وخفَّة السرد ليضمنوا شراء شركات هوليوود الكبيرة لها. الحاصل، بالتالي، أن هذه الأفلام غالباً ما تُصبح طرفاً في «التقليدي» وغير المبدع.

انفتاح «صندانس» على السينما العالمية منذ سنوات عدّة كان تجديداً نافعاً، إذ لم تعد العروض حكراً على إنتاج محلي، بل امتدت لتشمل أعمالاً من جميع الدول التي لديها ما ينسجم مع سمة المهرجان بوصفه حدثاً شبابياً يبحث عن الجديد ويعرضه. بذلك نشر جناحيه ليضم أفلاماً دولية، ولو أنه ما زال مهتماً بأن تكون التجارب جديدة والأفلام تحمل رحيق الأعمال الأولى لمخرجيها.

«سلاي يعيش» (هولو)
«سلاي يعيش» (هولو)

موسيقى وغناء

هذا العام، يزخر المهرجان بنسبة كبيرة من الأفلام المختلفة وخلال هذا النصف الأول من عروضه أطلق قرابة 70 فيلماً من مختلف الأنواع والدول.

السينما غير الروائية لها نصيب كبير مما عُرض ومما لا يزال ينتظر العرض. هناك أفلام روائية مثيرة ومهمّة أو - على الأقل - اللافتة، لكن ما يوفره هذا المهرجان على صعيد الأفلام الوثائقية والتسجيلية يحظى دوماً بنسبة عالية من الأهمية وإقبال روّاد المهرجان. هو بمثابة نافذة مشرعة على العالم.

واحد من بين أول ما عرض في هذا النطاق «تكلّم» (Speak) لجنيفر تياكسييرا وغاي موسمان. فيلم غريب من حيث ما يدور حوله، وهو مسابقة لإتقان الخطابة يستعد لها 5 صبايا وشباب يسعون للفوز ورحلة كل منهم للتدريب على الفوز بهذه الفرصة. بعد قليل يفتر الاهتمام بالحبكة لكنه يبقى مثيراً للاهتمام بالشخصيات ومشاهد التمارين.

«Sly Lives» فيلم تسجيلي آخر مختلف عن أترابه في كل لحظة منه‪.‬ سلاي هو مغني الصول ميوزك (اسمه الكامل سلاي ستون) الذي ألّف، في الستينات، فرقة اسمها «سلاي وفاميلي ستون». هذه أطلقت أغنية سياسية الكلمات راقصة النغمات وجيدة في الأداء الصوتي للمغني وأدواته الموسيقية اسمها «أناس كل يوم» (Everyday People). الفيلم، من إخراج سينمائي شاب باسم كويستلڤ (َQuestlove) لا يوفر فقط النوستالجيا ولا الموسيقى والغناء الممتعان لفرقة يعرفها اليوم أولئك الذين عرفوها سابقاً، بل يدخل في مجال تحليل الفترة وما حملته من تحديات بالنسبة للمغنين السود ويلتقي بعدد كبير ممن عرفوه شخصياً أو ارتبطوا بغنائه على نحو أو آخر.

فيلمان آخران من النوع العاشق للموسيقى ومواهبها عُرضا كذلك على مدار الأيام الخمسة الأولى، واحد عن المغنية اللاتينية سيلينا كونتانيللا بعنوان يحمل اسمها والفرقة التي صاحبتها Selena y Los Dinos لإيزابيل كاسترو والثاني «It‪’‬s Never Over‪، ‬ Jeff Buckley» عن المغني جيف بوكلي لإيمي بيرغ. كلاهما رحل شاباً وانتميا إلى الموسيقى الدارجة إنما بموهبة فنية بديعة.

حربان متباعدتان

فيلمان عن حربين متباعدتين يجمعهما الدمار الناتج عن مناهج سياسية تدفع أطرافاً لحل نزاعاتها على حساب أبرياء.

الفيلم الأول، نسبة لعرضه هو «المراسل» (The Stringer) للڤيتنامي باو غيوين حول الحرب التي شنّتها الولايات المتحدة على ڤيتنام. يتّخذ الفيلم من الصورة الشهيرة لفتاة صغيرة تركض عارية بين نساء وأطفال هاربين من القصف في النابالم. الفيلم يكشف عن أن القصف لم يكن أميركياً، بل تم عبر طائرة من السلاح الجوي التابع لڤيتنام الجنوبية على أبرياء من البلد نفسه. التبرير هو أن القصف نتج عن «نيران صديقة». لكن الصورة كان لها صوت مخالف، وأعلى من القذيفة، وتأثيرها ألهب احتجاجات ومظاهرات داخل أميركا وخارجها. لا يطلب الفيلم تصديق ذلك. هذه الصورة، المحور، هي مدخل لمعاينة الصحافة والميديا بشكل عام كما للتذكير بحرب دامت طويلاً وانتهت من دون أن يكسب الغرب شيئاً منها.

الفيلم الثاني هو «2000 متر إلى أندريڤكا» للمخرج ميتسيلاف شرنوڤ ويدور، كما فيلمه السابق «20 يوماً في ماريول» حول الحرب الدائرة في أوكرانيا.

لكنه فيلم مختلف عن سابقه في الوقت نفسه، من حيث إن الفيلم السابق كان عن الهجوم الروسي، وما أدّى إليه من خسائر بشرية في الجانب الأوكراني. أما الفيلم الجديد فهو عن الحملة العسكرية الأوكرانية وما نتج عنها من آلام فادحة في هذا الجانب. ليس أن الفيلم معادٍ للجانب الأوكراني (ولا للحرب نفسها)، بل يتحدّث عن تلك الآلام النفسية من ناحية، وعن التكنولوجيا المتقدِّمة التي تزيد من ضراوتها.

ما سبق من نماذج يشي، مع باقي الأفلام التي عُرضت حتى الآن، بأن مهرجان «صندانس» ما زال، بعد كل هذه السنوات، يعي دوره في تشجيع السينما الموازية لتلك الأوسع جماهيرياً. الأفلام التي تثري المخيلة وتكشف عما كان خافياً إلى حين قامت السينما بدورها التعريفي.


مقالات ذات صلة

كاترين دينوف شبحٌ يسهر على راحة الأحياء

يوميات الشرق ملصق فيلم «عالم الأرواح»

كاترين دينوف شبحٌ يسهر على راحة الأحياء

هو ليس فيلماً من أفلام الخيال العلمي أو الرعب، ولكن حكاية ناعمة مكتوبة بكثير من الحساسية والحنين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق انطلق عرض الجزء الرابع والأخير من سلسلة «بريدجت جونز» السينمائية (يونيفرسال بيكتشرز)

«بريدجت جونز»... لماذا كل هذا الحزن؟

عادت «بريدجت جونز» إلى صالات السينما في جزءٍ رابع وأخير من السلسلة الشهيرة. لكن مرور الزمن وتعاقب الخيبات أرخيا بثقلهما على الفيلم وشخصيته المحبوبة.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)

«المستعمرة»... فيلم مصري يطرح قضايا عمّال المصانع بـ«واقعية سوداء»

يوضح المخرج أنه تعمَّد الغموض في بعض الشخصيات والأحداث ليترك للجمهور مساحة تخيُّل، وتكوين وجهة نظرهم وتوقّعاتهم عما حدث بناءً على ما عرفوه عن كل شخصية.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق وجوهٌ لا تُنسى (غيتي)

ميدالية نادرة من «حرب النجوم» قد تُباع بـ476 ألف إسترليني

يُعتقد أنّ الميدالية ارتداها الممثل الأميركي هاريسون فورد، وقد لعب دور «هان سولو» خلال بروفات الفيلم الذي أنتج عام 1977

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما «مجمّع مقدّس» (إنديان بانتبرش)

موسم الأوسكار: من سيفوز بالجائزة الأبرز؟

الدورة الـ97 للأوسكار على بعد 9 أيام فقط... تُقام في الثاني من الشهر المقبل وتحمل معها تحديات مثيرة للاهتمام في كل ركن ومسابقة

محمد رُضا (لندن)

موسم الأوسكار: من سيفوز بالجائزة الأبرز؟

«مجمّع مقدّس» (إنديان بانتبرش)
«مجمّع مقدّس» (إنديان بانتبرش)
TT
20

موسم الأوسكار: من سيفوز بالجائزة الأبرز؟

«مجمّع مقدّس» (إنديان بانتبرش)
«مجمّع مقدّس» (إنديان بانتبرش)

الدورة السابعة والتسعين للأوسكار على بعد تسعة أيام فقط. تُقام في الثاني من الشهر المقبل وتحمل معها تحديات مثيرة للاهتمام في كل ركن ومسابقة.

المنافسات صعبة في كل قسم، فالعام الحالي شهد أعمالاً فنية غزيرة ومختلفة معظمها من صنع جيل جديد من المخرجين غرز أسنانه في العمل في السنوات العشرين الأخيرة أو ما جاورها.

من سيفوز ومن سيخرج من الحفل بالذكريات وحدها غير معروف، لكن التكهنات مطروحة والاتجاهات النقدية تؤم لعبة التنبؤات كما في كل عام. المختلف هو عناوين وأسماء المشاركين.

«أنا ما زلت هنا» (ڤيديو فيلمز)
«أنا ما زلت هنا» (ڤيديو فيلمز)

الأهم... ولكن

تأتي ترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم في المقدّمة بين السباقات الأخرى إن لم يكن بسبب أنها الأهم بين المسابقات فعلى الأقل لكون العديد من الأفلام المطروحة هذا العام توجد في سباقات أخرى مثل السيناريو والموسيقى والتوليف والإخراج والتمثيل. لذا القيام بحصر الاهتمام هنا بالأفلام المتنافسة على القمّة أمر صائب قبل النظر لاحقاً في الأقسام الأخرى.

على صعيد مؤكد الأوسكار هو الجائزة الأولى عالمياً في الأهمية. هو أهم من السعفة الذهبية التي يمنحها «كان» وأهم من الأسد الذهبي في ڤنيسيا أو الدب البرليني الذهبي (تنتهي دورته مساء اليوم). كذلك هو أشهر وأهم من المناسبات السنوية الأخرى التي تمنحها مؤسسات وجمعيات سينمائية مختلفة مثل البافتا والغولدن غلوبز والسيزار وسواها.

لكن حقيقة أن جوائز الأوسكار الأشهر والأهم لا يعني أنها أعلى قيمة من جوائز المهرجانات والمناسبات المذكورة. في الواقع تتوقّف مسألة القيمة الفنية الخالصة على الفيلم الفائز بالأوسكار لأنه كثيراً ما فاز فيلم لم يتجاوز في قيمته الفنية ذاك الذي خرج بجائزة أولى في مناسبة أو مهرجان آخر.

Anora‬ لقطة من «أنورا» المرشّح رقم 1 (فيلم ناشن إنترتاينمنت)
Anora‬ لقطة من «أنورا» المرشّح رقم 1 (فيلم ناشن إنترتاينمنت)

بين البافتا والأوسكار

إلى الآن، يبدو أن الفيلم الأميركي «أنورا» هو المرشّح الأقوى بين الأفلام المتنافسة. وللتذكير هذه الأفلام هي، لجانب «أنورا» «ذَ بروتاليست» لبرادي كوربت، و«أنا لست هنا» لولتر ساليس، و«المادة» لكورالي فارجَت، و«فتيان النيكل» لرامَل روس، و«إميليا بيريز» لجاك أوديار، و«مجمّع مقدس» لإدوارد برغر، و«ديون» لدَني ڤلنييف، و«ويكيد» لجون م. تشو، و«مجهول تماماً» لجيمس مانغولد.

إذ يتقدّم «أنورا»، حسب معطيات عديدة من بينها ارتفاع نسبة تأييده بين النقاد (91 في المائة حسب موقع Metacritic) يجب ألا يغيب عن البال أن فيلم شون بايكر هذا سقط في المواجهة مع فيلم «مجمّع مقدس» في سباق البافتا قبل أيام قليلة. كذلك «ذَ بروتاليست» و«إميليا بيريز» و«مجهول تماماً». هذا، على أهمية دلالاته، لا يؤكد أن «أنورا» (أو أياً من الأفلام المتسابقة) سيخسر حظوظه الأوسكارية. في الواقع تأثير «بافتا» على الأوسكار شبه معدوم لأنه لا يوجد في تاريخ الجوائز فيلم فاز بجائزة «بافتا» وحدها (أي من دون جوائز الغولدن غلوبز أو نقابة المخرجين أو «نقابة المنتجين») وفاز لاحقاً بالأوسكار.

في المقابل، يدعم فيلم «أنورا» أنه نال جائزتي نقابة المنتجين ونقابة المخرجين قبل أسابيع قليلة ما يعزز احتمال فوزه بالأوسكار، استناداً إلى حقيقة أن كل فيلم فاز بجوائز هاتين النقابتين فاز لاحقاً بالأوسكار باستثناء ستة أفلام منذ ذلك منتصف التسعينات.

الفيلم الأجنبي

المنافس الشرس في هذا الإطار هو «ذَ بروتاليست» لبرادي كوربت الذي نال قدراً موازياً من إعجاب النقاد منذ أن عرضه مهرجان ڤنيسيا في مسابقته هذا العام. على الهامش، لا بد من ذكر أن «أنورا» هو الفيلم الفائز في مهرجان «كان»، ما يجعل السباق على أشدّه بين المهرجانين في حفل الأوسكار المقبل.

بالنسبة لفيلم «مجمّع مقدس» الذي هو ثالث الأفلام المدرجة بقوّة في هذا التنافس تبدو حظوظه أقل من الفيلمين الآخرين؛ كون اسم برغر غائب عن قائمة المخرجين المرشّحين للأوسكار. المخرجون المرشّحون هم شون بايكر عن «أنورا»، وبرادلي كوربت عن «ذَ بروتاليست»، وجيمس مانغولد عن «مجهول تماماً»، وجاك أوديار عن «إميليا بيريز»، وكورالي فارجَت عن «المادة». كل واحد من هؤلاء لديه فيلم متنافس.

ولا بد من الإشارة كذلك إلى أن فيلمين فقط من الأفلام العشرة المتنافسة على أوسكار أفضل فيلم موجود في سباق أفضل فيلم أجنبي، وهما «أنا لا زلت هنا» لوولتر ساليس ممثلاً البرازيل و«إميليا بيريز» لجاك أوديار ممثلاً فرنسا. هذا يعني أن أحد هذين الفيلمين سيخطف أوسكار أفضل فيلم عالمي لأنه، على الأرجح، لن يحظى بأوسكار أفضل فيلم.

الأفلام الثلاثة الأخرى في قائمة أفضل فيلم عالمي هي «الفتاة ذات الأبرة» لماغنوس فون هورن (دنمارك) و«بذرة التين المقدّسة» لمحمد رسولوف (ألمانيا) و«فلو»، وهو فيلم رسوم نفّذه ماغويل غوميز (لاتڤيا).