في قسم «البداية» ببينالي الفنون الإسلامية... من السماء للأرض وما بينهما

أعمال لفنانين من الشرق والغرب تخاطب الإنسان المعاصر بلغة المقدس

TT

في قسم «البداية» ببينالي الفنون الإسلامية... من السماء للأرض وما بينهما

معروضات جناح «البداية» (ماركو كابيليتي - مؤسسة بينالي الدرعية)
معروضات جناح «البداية» (ماركو كابيليتي - مؤسسة بينالي الدرعية)

التجول عبر قاعات بينالي الفنون الإسلامية يمكن للزائر رؤية الكثير وبالطريقة التي يريدها، ولكن لمن يريد التجول في الأقسام الداخلية أولا عبر القاعات الخمس، وهي البداية، المدار، المقتني، المكرمة والمنورة، فالأفضل الانطلاق من القاعة الأولى، وهي «البداية».

ننطلق في هذه القاعة من لوحة تعريفية ضخمة مكتوب عليها الآية الكريمة: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، تأخذ بيد الزائر لفهم عنوان البينالي وهو «وما بينهما». ما بين السماء التي تمثل المقدس والأرض التي يقطنها الإنسان هناك المساحة الوسطى «وما بينهما».

«البداية» يتفرع إلى ثلاثة أقسام رئيسة، يعرض الأول مقتنيات ترتبط باثنين من أعظم المقدسات لدى المسلمين، القرآن والكعبة، كلام الله وبيت الله الحرام. ثم تعرض الأقسام التالية أعمالاً تركيبية ضخمة تعكس أحاسيس الهيبة على مستوى الفرد والجماعة، وينتهي العرض في القاعة بأعمال معاصرة تتأمل في النور الإلهي الذي يتجاوز الإدراك.

«نفس» للفنان السعودي سعيد جبعان (الشرق الأوسط)

لننطلق إذن مع أول المعروضات، وهو للحق يعتمد على خطف البصر أولاً بحجمها الضخم ثم بقيمتها التاريخية والمعنوية.

مصحف أثري صنع في الهند وأوقف على المسجد النبوي (الشرق الأوسط)

تبدأ القاعة بعرض سلم خشبي أو مدرج ضخم كان يستخدم للوصول للكعبة المشرفة في أوقات الزيارة وتغيير الكسوة. صنع المدرج في الهند ثم شحن على جدة في عام 1826 ميلادية، وقد استخدمه الملك عبد العزيز في أثناء مراسم تغير الكسوة بحسب صورة تاريخية مرفقة.

يجاور المدرج مصحف ضخم الحجم أحدث وجوده نوعاً من التوازن في القاعة إلى جانب المدرج الخشبي التاريخي. نعرف أنه نسخ في الهند، وأوقف على المسجد النبوي الشريف، ولا يعرف اسم الواقف حتى الآن، وبحساب بطاقة التعريف فقد تميزت هذه النسخة بغلاف مرصع بالجواهر، وقد أرسلت من الهند للمدينة، ورُكِّبت في عام 1834 - 35. تضم القاعة أيضاً عدداً من المصاحف التاريخية التي أوقفت كلها على كيانات دينية في المدينة المنورة وكثير منها أوقف على المسجد النبوي.

نمر من القاعة للمساحة التالية، ونلاحظ ميزاب الكعبة الذهبي معلقاً عالياً، القطعة ومكان تعليقها الذي يماثل ارتفاع الكعبة يحرك لدى الزوار مشاعر يختلط فيها الإجلال والانبهار. المعروف أن زوار الكعبة المشرفة كانوا يتبركون بمياه الأمطار التي كان الميزاب يصرفها للأرض، وبشكل ما يحس الزائر بأنه في مثل الموقف، وهو يمر أسفل الميزاب، وكأنها ينتظر تساقط قطرات الماء التي تباركت بالمرور على سطح الكعبة.

كسوة الكعبة في قاعة «البداية» (ماركو كابيليتي - مؤسسة بينالي الدرعية)

 

الكسوة والمفتاح

الغرفة التالية تحمل عنوان «ذو الجلال والإكرام» ربما أكثر ما تحدث عنه زوار البينالي حتى الآن، فهنا تعرض الكسوة الكاملة للكعبة الشريفة للمرة الأولى. معلقة أجزائها في منتصف القاعة بالتوازي بدلاً من شكلها المعتاد، تسيطر هيبة وبهاء الكسوة على كل من مر بالقاعة، وكأنما تجسد معنى عنوان البينالي وهو «وما بينهما». تمتص كل الطاقة الروحانية والأحاسيس الإيمانية للزوار، وتصبح هي المنطقة الوسطى التي تربط الزائر بالمقدس. يكتمل العرض بإضافة نسخة من مفتاح الكعبة، وهو الوحيد الذي لا يزال ضمن مجموعة خاصة، ويعود تاريخه إلى فترة تمتد ما بين أربعينيات القرن السابع وأربعينات القرن الثامن الهجري.

 

من التاريخي للمعاصر

في القاعة التالية، نرى بعض القطع المعاصرة التي تكمل السردية الفنية للعرض، فنرى عمل الفنانة الليبية نورة جعودة المعنون «قبل السماء الأخيرة»، ويتكون من ثلاث منسوجات ضخمة الحجم موضوعة باتجاه مكة المكرمة في تعبير عن هيئات الصلاة من الوقوف والركوع والسجود. تعبر المنسوجات عن أثر سجادات الصلاة المتنقلة، وفي تحويل البقعة العادية التي تغطيها إلى مساحة مقدسة لتصبح بمكانة جسر يصل بين العالمين المادي والروحي.

 

بوابات ناعمة

نعبر لممر مبطن بلفافات القماش الملون الناعم الملمس، وهو للفنانة السعودية حياة أسامة بعنوان «بوابات ناعمة». نمر عبر الممر الملون نلمس الأقمشة الملونة الزاهية بينما نستمع لشرح الفنانة التي تقول لـ«الشرق الأوسط» إنها تعبّر بعملها عن مجتمع مصغر عاشت فيه لـ16 عاماً «هو مجتمع يتكون من جنسيات مختلفة، ولكنهم مجتمعون في تكوين هوية خالصة لهم». وتستطرد: «دأب سكان الحي على إضفاء لمسة ناعمة على منازلهم، وعلى الجدران للتخفيف من حدتها، وأيضاً لتكوين هوية خاصة لمجتمعهم تتميز بالألوان الحية والملمس الناعم». تقول إن أهم ما يميز المنطقة هو المناسبات والأفراح، حيث يحرص أهل المنطقة على إضافة الألوان التي تعبر عنهم عبر إسدال الأقمشة الملونة على الجدران والأبواب والنوافذ. تشير إلى شرائط بارزة على الأعمدة، وتقول إنَّها قطع أخذتها من سيدات الحي لتضيفها لعملها، وكأنها تحرص على وجودهن معها في هذا العمل.

«بوابات ناعمة» للفنانة السعودية حياة أسامة وفي الخلفية عمل الفنانة الليبية نورة جعودة المعنون «قبل السماء الأخيرة» (ماركو كابيليتي - مؤسسة بينالي الدرعية)

من السماء للأرض

نمر من بوابات حياة أسامة الناعمة حاملين معنا ترددات من مجتمع صغير مترابط لنصل لغرفة ضخمة تأخذنا لمفاهيم وأجواء أوسع. الغرفة ثنائية الألوان، الأبيض يحتل الخلفية، ويتداخل مع الأسود الذي يسيطر على الأعمال والقطع المعروضة التي تنوعت في أحجامها ما بين الضخم جداً والصغير. يلفتنا العمل الجداري الضخم للفنان عبد القادر بن شامة «بين كل سماء»، حيث الرسوم المنفَّذة على الجدار، وكأنما تمثل حركة دائبة في رحاب واسع، هل هي السموات تتشكل في بداية الخلق؟ يعتمد الفنان على الحركة عبر إسقاطات ضوئية تتحرك على الجدارية.

تنتظم سبعة أعمدة أثرية أمام الجدارية، وكأنما تحيط بمشهد السماء، وترفعها عن الأرض. تكتسب الأعمدة بهاء خاصاً؛ إذ إنَّها كانت موجودة في الحرم المكي قبل التوسعة الأخيرة.

«بين كل سماء» للفنان عبد القادر بن شامة (الشرق الأوسط)

كيف يمكن لمشهد مهيب محلق مثل هذا أن ينزل على الأرض مرة أخرى؟ هذا ما نجح العمل الضخم على الجدار المقابل في تحقيقه وهو تحت عنوان «ذاكرة التحول»، هنا نرى قرصاً من اللون الأسود، دائم الدوران والذوبان، بالاقتراب نرى أن سائلاً أسود لزجاً يتساقط من القرص ليستقر في حاويات أسفل منه. العمل للفنان أركانجيلو ساسولينو من إيطاليا، ويعكس التوازن الحساس ما بين القوى الطبيعية والتغيير الحتمي.

 

نور على نور

تختتم القاعة بعرض للفنان آصف خان، «مصحف الزجاج» اسم العمل، ويتناول القرآن الكريم باعتباره مصدراً للنور واستلهاماً من قوله تعالى «نُّورٌ عَلَىٰ نُورۗ»، يتجاوز الشكل المعتاد للمصحف ليتخلى عن الورق، وعن الحبر، تاركاً المجال للضوء الغامر الذي ملأ الخزانة ليعبر عن الإيمان. يتألف العمل من 604 صفحات زجاجية، كل منها مطلية يدوياً بذهب عيار 24 قيراطاً بخط الخطاط عثمان طه.

«مصحف الزجاج» للفنان آصف خان (الشرق الأوسط)

يقول آصف خان لـ«الشرق الأوسط» إن عمله «تعبير عن القرآن بمادتين، هما الزجاج والذهب، استوحيت عملي من الآية «نُّورٌ عَلَىٰ نُورۗ»، ما أحاول تقديمه هو إعادة طباعة القرآن بالزجاج بدلاً من الورق، بكيفية تسمح للنور باختراق المصحف؛ وهو ما يعني أن كل كلمة تسبح في الضوء، وتعكسه لنا. «عبر صناعة المصحف بهذا الشكل يصبح أداة بصرية مثل العدسة التي تأخذ الضوء من العالم، وتعكسه وهو تجسيد لمفهوم الإيمان».


مقالات ذات صلة

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

يوميات الشرق رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

المعرض يهدف إلى تعزيز الوعي بالهوية المصرية وبقيمة المتاحف، ويقدّم أعمالاً متنوعة تمزج بين السخرية والطرح الإنساني لإيصال رسائل ثقافية وفنية قريبة من الجمهور.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق إحدى لوحات المعرض (المتحف المصري بالتحرير)

المتحف المصري يحتضن لوحات «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»

تحت عنوان «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»، استضاف المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً فنياً يضم لوحات وأعمالاً تستلهم الحضارة المصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.