تحولت فرحة آلاف الأسر الفلسطينية العائدة إلى ديارها في شمال قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار مع إسرائيل إلى حالة من البؤس وسط واقع مرير من منازل مدمرة غير صالحة للسكنى ونقص حاد في المستلزمات الأساسية.
وبدأ الكثير من النازحين يشكون من شُح مياه الصنابير، الأمر الذي يضطرهم إلى الوقوف في طوابير لساعات طويلة لملء حاويات بلاستيكية لأغراض الشرب أو التنظيف، وفقاً لـ«رويترز».
ومع تحول معظم المنازل الآن إلى أكوام من الأنقاض على مد البصر، جمع العائدون كل ما تبقى من ممتلكاتهم من مواد مفيدة لإقامة خيام مؤقتة.
وعلى مدار الليل تغرق الأحياء السكنية التي دمرتها الغارات الجوية والقصف الإسرائيلي في ظلام دامس بسبب نقص الكهرباء والوقود اللازم لتشغيل المولدات الاحتياطية.
وقال هشام العر، اليوم الأربعاء، وهو واقف بجوار أنقاض منزله المكون من عدة طوابق في أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية القديمة المبنية من الطوب في قطاع غزة وأكثرها سكاناً: «لا فيه حياة ولا فيه ماي ولا أكل ولا شرب، ولا إشي للحياة. حياة صعبة جداً جداً. معسكر جباليا مافيش».
وتتجمع عائلته الكبيرة الآن في الخيام، التي لا توفر حماية تذكر من برد الشتاء في غزة.
وبحلول مساء الثلاثاء، قالت سلطات «حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية» (حماس) في غزة، إن معظم الذين نزحوا من شمال القطاع بسبب الحرب وعددهم نحو 650 ألفاً عادوا إلى مدينة غزة والحدود الشمالية للقطاع من مناطق إلى الجنوب، حيث كان القتال أقل كثافة وتدميراً.
وكان الكثير من العائدين قد ساروا مسافة 20 كيلومتراً أو أكثر على الطريق الساحلي السريع. وكان معظمهم يحمل ما تبقى له من ممتلكات شخصية بعد التنقل لأشهر من مكان إلى آخر بسبب تغير مواقع القتال.
وعاد فهد أبو جلهوم مع عائلته إلى جباليا من منطقة المواصي في جنوب غزة، لكن الدمار الذي وجدوه كان واسع النطاق لدرجة أنهم أُجبروا على العودة جنوباً.
وقال أبو جلهوم لـ«رويترز» في المواصي: «أشباح بلا أرواح (في الشمال). واحنا كنا مشتاقين للشمال. وصلت للشمال انصدمت، قلت أرجع للمواصي خان يونس على الله يفرجها. أنا متوجه إلى خان يونس».
تضارب بشأن تسليم المساعدات
قال مسؤول في «حماس» تحدث شريطة عدم نشر اسمه: «ما دخل قطاع غزة من وقود وغاز طهي لم يتجاوز عشرة في المائة من الكميات المتفق عليها».
وأشارت تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي الذي تديره «حماس» في غزة إلى الحاجة بشكل مبدئي لنحو 135 ألف خيمة، لكن المسؤول في «حماس» قال: «عدد الخيام التي دخلت إلى غزة لم يتجاوز ألفي خيمة» منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني).
وأضاف: «كذلك لم يتم البدء في ترميم المستشفيات والمخابز التي دمرتها المعارك». وقال لـ«رويترز»: "«هذا كله أدى إلى حالة من عدم الرضا لدى المقاومة (الفلسطينية) وقد يؤثر على السير الطبيعي لتنفيذ الاتفاق... نرجو من الوسطاء والضامنين أن يبذلوا أكبر قدر ممكن من الجهد للإيفاء بما ورد في الاتفاق».
وقال متحدث باسم وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الجهة الإسرائيلية التي تتواصل مع الفلسطينيين، إن عشرات الآلاف من الخيام دخلت غزة منذ وقف إطلاق النار، وإن الغاز والوقود يتم تسليمهما يومياً ووفقاً للاتفاقيات.
ينص الاتفاق على إطلاق سراح 33 رهينة محتجزين لدى مسلحين فلسطينيين في غزة في الأسابيع الستة الأولى من وقف إطلاق النار في مقابل مئات السجناء الفلسطينيين، وكثير منهم يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد في إسرائيل.
وتمت حتى الآن مبادلة سبع رهائن مع 290 سجيناً. وأشارت «حماس» وحليفتها الأصغر «حركة جماعة الجهاد الإسلامي» إلى أنه من المقرر مبادلة ثلاث رهائن آخرين مقابل عشرات المعتقلين الفلسطينيين، غداً الخميس.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل تلقت قائمة بأسماء رهائن من المقرر الإفراج عنهم من قطاع غزة، غداً الخميس. ولم يتطرق لمزيد من التفاصيل، لكن السلطات قالت في وقت سابق إن القائمة ستشمل امرأتين، إحداهما مجندة، ورجلاً.
وذكرت القناة «12» الإسرائيلية أنه قد يُطلق سراح خمس رهائن تايلانديين غداً أيضاً.
وتستهدف مرحلة ثانية من الاتفاق، المقرر أن تبدأ بحلول الرابع من فبراير (شباط)، فتح الطريق لإطلاق سراح أكثر من 60 رهينة آخرين، بينهم رجال في سن الخدمة العسكرية، والانسحاب العسكري الإسرائيلي الكامل من غزة.
وإذا نجح ذلك، فقد يتبع ذلك إنهاء الحرب رسمياً إلى جانب إجراء محادثات بشأن التحدي الهائل المتمثل في إعادة إعمار غزة التي دمرها الهجوم الإسرائيلي الذي تقول السلطات الصحية الفلسطينية إنه أودى بحياة أكثر من 47 ألف شخص.
واندلع صراع في أعقاب هجوم عبر الحدود قادته «حماس» على جنوب إسرائيل، تشير الإحصائيات الإسرائيلية إلى أنه تسبب في مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة.
وفي جباليا، عاد خميس عمارة إلى منزله الذي تحول إلى أنقاض للبحث عن رفات والده وشقيقه، وهما من بين المفقودين الذين يُخشى أنهم ماتوا في غزة، والذين تشير تقديرات الدفاع المدني إلى أنهم في حدود عشرة آلاف.
وقال عمارة: «أبويا وأخويا تحت أنقاض زي ما هما وأنا طلعت من تحت الأنقاض».
وأضاف: «الوضع في غزة مأساوي... عن جد كله كذب... اللي في الجنوب يضله في الجنوب أشرف له».