فرحة الفلسطينيين تتحول إلى يأس وسط معاناة العائدين إلى شمال غزة

بدأ الكثير من النازحين يشكون من شُح مياه الصنابير (د.ب.أ)
بدأ الكثير من النازحين يشكون من شُح مياه الصنابير (د.ب.أ)
TT
20

فرحة الفلسطينيين تتحول إلى يأس وسط معاناة العائدين إلى شمال غزة

بدأ الكثير من النازحين يشكون من شُح مياه الصنابير (د.ب.أ)
بدأ الكثير من النازحين يشكون من شُح مياه الصنابير (د.ب.أ)

تحولت فرحة آلاف الأسر الفلسطينية العائدة إلى ديارها في شمال قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار مع إسرائيل إلى حالة من البؤس وسط واقع مرير من منازل مدمرة غير صالحة للسكنى ونقص حاد في المستلزمات الأساسية.

وبدأ الكثير من النازحين يشكون من شُح مياه الصنابير، الأمر الذي يضطرهم إلى الوقوف في طوابير لساعات طويلة لملء حاويات بلاستيكية لأغراض الشرب أو التنظيف، وفقاً لـ«رويترز».

ومع تحول معظم المنازل الآن إلى أكوام من الأنقاض على مد البصر، جمع العائدون كل ما تبقى من ممتلكاتهم من مواد مفيدة لإقامة خيام مؤقتة.

وعلى مدار الليل تغرق الأحياء السكنية التي دمرتها الغارات الجوية والقصف الإسرائيلي في ظلام دامس بسبب نقص الكهرباء والوقود اللازم لتشغيل المولدات الاحتياطية.

وقال هشام العر، اليوم الأربعاء، وهو واقف بجوار أنقاض منزله المكون من عدة طوابق في أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية القديمة المبنية من الطوب في قطاع غزة وأكثرها سكاناً: «لا فيه حياة ولا فيه ماي ولا أكل ولا شرب، ولا إشي للحياة. حياة صعبة جداً جداً. معسكر جباليا مافيش».

وتتجمع عائلته الكبيرة الآن في الخيام، التي لا توفر حماية تذكر من برد الشتاء في غزة.

وبحلول مساء الثلاثاء، قالت سلطات «حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية» (حماس) في غزة، إن معظم الذين نزحوا من شمال القطاع بسبب الحرب وعددهم نحو 650 ألفاً عادوا إلى مدينة غزة والحدود الشمالية للقطاع من مناطق إلى الجنوب، حيث كان القتال أقل كثافة وتدميراً.

وكان الكثير من العائدين قد ساروا مسافة 20 كيلومتراً أو أكثر على الطريق الساحلي السريع. وكان معظمهم يحمل ما تبقى له من ممتلكات شخصية بعد التنقل لأشهر من مكان إلى آخر بسبب تغير مواقع القتال.

وعاد فهد أبو جلهوم مع عائلته إلى جباليا من منطقة المواصي في جنوب غزة، لكن الدمار الذي وجدوه كان واسع النطاق لدرجة أنهم أُجبروا على العودة جنوباً.

وقال أبو جلهوم لـ«رويترز» في المواصي: «أشباح بلا أرواح (في الشمال). واحنا كنا مشتاقين للشمال. وصلت للشمال انصدمت، قلت أرجع للمواصي خان يونس على الله يفرجها. أنا متوجه إلى خان يونس».

تضارب بشأن تسليم المساعدات

قال مسؤول في «حماس» تحدث شريطة عدم نشر اسمه: «ما دخل قطاع غزة من وقود وغاز طهي لم يتجاوز عشرة في المائة؜ من الكميات المتفق عليها».

وأشارت تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي الذي تديره «حماس» في غزة إلى الحاجة بشكل مبدئي لنحو 135 ألف خيمة، لكن المسؤول في «حماس» قال: «عدد الخيام التي دخلت إلى غزة لم يتجاوز ألفي خيمة» منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني).

وأضاف: «كذلك لم يتم البدء في ترميم المستشفيات والمخابز التي دمرتها المعارك». وقال لـ«رويترز»: "«هذا كله أدى إلى حالة من عدم الرضا لدى المقاومة (الفلسطينية) وقد يؤثر على السير الطبيعي لتنفيذ الاتفاق... نرجو من الوسطاء والضامنين أن يبذلوا أكبر قدر ممكن من الجهد للإيفاء بما ورد في الاتفاق».

وقال متحدث باسم وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الجهة الإسرائيلية التي تتواصل مع الفلسطينيين، إن عشرات الآلاف من الخيام دخلت غزة منذ وقف إطلاق النار، وإن الغاز والوقود يتم تسليمهما يومياً ووفقاً للاتفاقيات.

ينص الاتفاق على إطلاق سراح 33 رهينة محتجزين لدى مسلحين فلسطينيين في غزة في الأسابيع الستة الأولى من وقف إطلاق النار في مقابل مئات السجناء الفلسطينيين، وكثير منهم يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد في إسرائيل.

وتمت حتى الآن مبادلة سبع رهائن مع 290 سجيناً. وأشارت «حماس» وحليفتها الأصغر «حركة جماعة الجهاد الإسلامي» إلى أنه من المقرر مبادلة ثلاث رهائن آخرين مقابل عشرات المعتقلين الفلسطينيين، غداً الخميس.

جانب من قطاع غزة المدمر (أ.ب)
جانب من قطاع غزة المدمر (أ.ب)

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل تلقت قائمة بأسماء رهائن من المقرر الإفراج عنهم من قطاع غزة، غداً الخميس. ولم يتطرق لمزيد من التفاصيل، لكن السلطات قالت في وقت سابق إن القائمة ستشمل امرأتين، إحداهما مجندة، ورجلاً.

وذكرت القناة «12» الإسرائيلية أنه قد يُطلق سراح خمس رهائن تايلانديين غداً أيضاً.

وتستهدف مرحلة ثانية من الاتفاق، المقرر أن تبدأ بحلول الرابع من فبراير (شباط)، فتح الطريق لإطلاق سراح أكثر من 60 رهينة آخرين، بينهم رجال في سن الخدمة العسكرية، والانسحاب العسكري الإسرائيلي الكامل من غزة.

وإذا نجح ذلك، فقد يتبع ذلك إنهاء الحرب رسمياً إلى جانب إجراء محادثات بشأن التحدي الهائل المتمثل في إعادة إعمار غزة التي دمرها الهجوم الإسرائيلي الذي تقول السلطات الصحية الفلسطينية إنه أودى بحياة أكثر من 47 ألف شخص.

واندلع صراع في أعقاب هجوم عبر الحدود قادته «حماس» على جنوب إسرائيل، تشير الإحصائيات الإسرائيلية إلى أنه تسبب في مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة.

وفي جباليا، عاد خميس عمارة إلى منزله الذي تحول إلى أنقاض للبحث عن رفات والده وشقيقه، وهما من بين المفقودين الذين يُخشى أنهم ماتوا في غزة، والذين تشير تقديرات الدفاع المدني إلى أنهم في حدود عشرة آلاف.

وقال عمارة: «أبويا وأخويا تحت أنقاض زي ما هما وأنا طلعت من تحت الأنقاض».

وأضاف: «الوضع في غزة مأساوي... عن جد كله كذب... اللي في الجنوب يضله في الجنوب أشرف له».


مقالات ذات صلة

«حماس» تسلم جثامين 4 مختطفين... وترقب لالتزام إسرائيل بالبروتوكول الإنساني

شؤون إقليمية مقاتلون قرب توابيت المحتجزين الأربعة وخلفهم ملصق يحمل صورة نتنياهو بهيئة مصاص دماء بخان يونس الخميس (أ.ف.ب)

«حماس» تسلم جثامين 4 مختطفين... وترقب لالتزام إسرائيل بالبروتوكول الإنساني

سلمت حركة «حماس»، صباح الخميس، جثث 4 مختطفين إسرائيليين كانوا قد قتلوا داخل قطاع غزة بعد أسرهم من قبل عناصر مسلحة تتبع لفصائل فلسطينية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)

نتنياهو يتعهد بالثأر من «وحوش حماس» واستعادة كل الرهائن

بعد تسليم «حماس» جثث أربع رهائن إسرائيليين كانوا محتجَزين في غزة، عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي عن حزن الشعب الإسرائيلي، وتعهّد بالثأر وتدمير «حماس».

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي جرحى فلسطينيون يتلقون العلاج في «مستشفى العريش» شمال سيناء بمصر (إ.ب.أ)

غزة: 578 مريضاً غادروا للعلاج عبر معبر رفح منذ وقف إطلاق النار

أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، اليوم الخميس، بأن 578 مريضاً غادروا القطاع للعلاج عبر معبر رفح منذ بدء وقف إطلاق النار في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أ.ف.ب)

عباس يقدم الرؤية الفلسطينية لمواجهة التحديات خلال القمة العربية بالقاهرة

أعلنت الرئاسة الفلسطينية، الخميس، أن الرئيس محمود عباس سوف يقدم الرؤية الفلسطينية لمواجهة التحديات التي تتعرض لها قضية فلسطين خلال اجتماع القمة العربية.

«الشرق الأوسط» (غزة)

عرض إماراتي لتطوير وسط القاهرة على غرار دبي يثير جدلاً مصرياً

مبنى تراثي بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مبنى تراثي بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT
20

عرض إماراتي لتطوير وسط القاهرة على غرار دبي يثير جدلاً مصرياً

مبنى تراثي بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مبنى تراثي بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

أثار عرض إماراتي لتطوير منطقة وسط العاصمة المصرية القاهرة، على غرار «داون تاون دبي»، جدلاً واسعاً في مصر، تزامناً مع تأكيدات حكومية بتكليف مكتب استشاري وضع رؤية متكاملة بشأن المنطقة، المصممة على طراز باريس، وتسمى «القاهرة الخديوية» نسبة إلى الخديو إسماعيل، الذي حكم مصر في منتصف القرن التاسع عشر.

وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحافي، الأربعاء، «تكليف مكتب استشاري ليضع الرؤية الكاملة لتطوير منطقة وسط البلد، وطرح المنشآت الموجودة في المنطقة التابعة للدولة داخل وسط البلد بعد نقل منشآتها إلى العاصمة الإدارية للاستثمار»، بحسب ما نقلته «وكالة أنباء الشرق الأوسط» المصرية الرسمية.

وأشار مدبولي إلى وجود عدد من الكيانات الاستثمارية سواء الدولية أو المحلية أبدت اهتماماً شديداً لتشارك الدولة في تنمية منطقة وسط البلد، موضحاً أن اجتماعات متواصلة مع اللجان الاستشارية التابعة لمجلس الوزراء، على مدار الأسبوع الماضي، توافقت على خطوات تنفيذية سيتم العمل عليها خلال الفترة المقبلة؛ بهدف تعظيم العوائد من تصدير العقار، واجتذاب الجنسيات المختلفة للاستثمار العقاري داخل الدولة المصرية.

وأكد رئيس الوزراء أن «الحكومة تولي اهتماماً خاصاً بتطوير منطقة وسط البلد ضمن خططها الأوسع لتصدير العقار، وجذب الاستثمارات الأجنبية».

ميدان التحرير بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
ميدان التحرير بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وتأتي تصريحات مدبولي، في أعقاب إعلان رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، عن «تطلعه للمساهمة في تطوير منطقة وسط البلد، بالشراكة مع الحكومة المصرية»، مشيراً إلى مفاوضات تجري مع الحكومة في هذا الشأن، وأن شركته «ستكون أول المتقدمين عندما تُطرح المنطقة للاستثمار على الشركات المحلية والعالمية».

وتحدث العبار، في تصريحات إعلامية، عن تصوراته لتطوير منطقة وسط البلد على غرار «داون تاون دبي»، الذي يستقطب 120 مليون زائر سنوياً، على حد تعبيره. وقال: «وسط القاهرة لديه إمكانات هائلة تجعله أحد أهم الوجهات السياحية والاستثمارية في العالم».

وأضاف: «المشروع يمكن أن يمتد على مساحة 40 إلى 50 فداناً، مع تخطيط حديث للشوارع والمطاعم والفنادق؛ ما يعيد للمنطقة بريقها التاريخي ويجذب مستثمرين من مختلف الدول».

وسبق أن أبدى العبار اهتمامه بمنطقة وسط القاهرة، وقال في تصريحات إعلامية في 21 أغسطس (آب) 2023، إن «شركتي (إعمار) و(إيجل هيلز) تقدمتا بطلب رسمي للحكومة المصرية لإعادة هيكلة المباني الحكومية في وسط القاهرة، سواء من خلال الترميم أو إعادة البناء».

وأثار الحديث عن تطوير «وسط البلد» ردود فعل متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من رحب بالفكرة في إطار «سعي الحكومة للحفاظ على التراث»، وبين مخاوف من أن «تهدد مشروعات التطوير مباني المدينة التراثية».

وعدّ المدون المصري لؤي الخطيب، في منشور عبر حسابه على منصة «إكس»، حديث رئيس الوزراء عن تكليف مكتب استشاري وضع تصور لتطوير منطقة وسط البلد بمثابة «نفي لكل ما كان يتردد عن تدمير القاهرة التاريخية لصالح العاصمة الإدارية الجديدة، وتأكيداً على وجود مخطط لتحويل العاصمة لمزار سياحي».

بينما أعرب آخرون عن أملهم في أن يتم تطوير وسط البلد بأيدي شركات مصرية؛ خشية امتلاك الأجانب تراثاً مصرياً عريقاً.

وتفاعل البعض مع الانتقادات والمخاوف بشأن «تدمير التراث»، مؤكدين أن الهدف من المشروع هو «تطوير المصالح الحكومية في وسط البلد لتكون تراثاً وليس طمسها».

وأبدت أستاذة التخطيط العمراني الدكتورة جليلة القاضي، عبر منشور على حسابها على منصة «فيسبوك» مخاوفها بشأن «المساس بعمارة وسط البلد التراثية»، مطالبة العبار بالتعاون مع «شركة الإسماعيلية» التي «لها تجربة في تطوير بعض المباني والشوارع في وسط القاهرة».

وقالت: «تحسين الفراغ العام وتنظيف المباني والاستفادة من عمل امتد لسنوات في الحفاظ على تراث المدينة مقبول، لكن تحويل القاهرة الخديوية لدبي أمر مرفوض».

ثم عادت وأكدت في منشور آخر «ثقتها في المكتب الاستشاري المكلف وضع تصور للمنطقة، وأنه لن يسمح بهدم أي من مبانيها التراثية». وقالت: «نريد مشروعاً للحفاظ على المنطقة بمعنى صيانتها وترميمها وإحياء الفراغ العام وفق الاشتراطات التراثية وليس مشروعاً لتطويرها».

ممر «بهلر» من الطُرز المعمارية المميّزة في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ممر «بهلر» من الطُرز المعمارية المميّزة في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

ووفقاً لموقع وزارة السياحة والآثار المصرية، فإن زيارة الخديو إسماعيل للمعرض العالمي بباريس عام 1867 شكَّلت تحولاً في تاريخ القاهرة، لتبدأ حركة العمران في المدينة، مع تعيين الخديو إسماعيل، علي باشا مبارك وزيراً للأشغال العمومية ومشرفاً على مخطط تطوير المدينة على غرار العاصمة الفرنسية.

بدورها، تساءلت أستاذة العمارة والتصميم العمراني لدى قسم الهندسة المعمارية في جامعة القاهرة، الدكتورة سهير حواس، عن «الهدف من تحويل القاهرة الخديوية لدبي».

وقالت حواس لـ«الشرق الأوسط» إن «القاهرة مدينة عمرها أكثر من 150 سنة وتتميز بعمارتها التراثية المميزة، وهي تختلف عن دبي المدينة الحديثة»، مشيرة إلى أنه «يمكن المقارنة بين القاهرة وباريس أو مدن إسبانيا».

وأضافت: «هناك مشروعات وخطط عدة وُضعت للحفاظ على القاهرة الخديوية منذ عام 1996، ونفذت مشروعات بالفعل في عدد من المباني»، مطالبة بالاستفادة من العمل السابق، مشددة على ضرورة أن يستهدف أي مشروع تطوير لوسط القاهرة «الحفاظ عليها والارتقاء بالبيئة العمرانية»، رافضة إنشاء أبراج في المنطقة، وعدَّته «مخالفاً لطبيعتها التراثية».