تركيا تخشى وضعاً مؤسسياً للمسلحين الأكراد في سوريا... وتنتظر موقف ترمب

تحركات دبلوماسية مكثفة وتمهيد أرضية إقليمية لضرب «العمال الكردستاني» و«قسد»

السور الخارجي لسجن «الصناعة» الذي يضم عناصر من «داعش» وأسرهم في الحسكة والخاضع لحراسة «قسد»... (رويترز)
السور الخارجي لسجن «الصناعة» الذي يضم عناصر من «داعش» وأسرهم في الحسكة والخاضع لحراسة «قسد»... (رويترز)
TT
20

تركيا تخشى وضعاً مؤسسياً للمسلحين الأكراد في سوريا... وتنتظر موقف ترمب

السور الخارجي لسجن «الصناعة» الذي يضم عناصر من «داعش» وأسرهم في الحسكة والخاضع لحراسة «قسد»... (رويترز)
السور الخارجي لسجن «الصناعة» الذي يضم عناصر من «داعش» وأسرهم في الحسكة والخاضع لحراسة «قسد»... (رويترز)

تراقب تركيا موقف إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، تجاه الوضع الجديد في سوريا، وتعمل بالتوازي عبر تحركات دبلوماسية مكثفة، وترتيبات إقليمية، واستعداد عسكري، للضغط باتجاه منع إضفاء وضع مؤسسي على «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» التي تقودها «وحدات حماية الشعب» الكردية.

وأظهرت سلسلة التحركات التركية الأخيرة التي بدأت بزيارة وفد سوري؛ ضم وزيرَي الخارجية والدفاع ورئيس المخابرات في الإدارة السورية الجديدة، أنقرة واجتماعاتهم مع نظرائهم، ولقائهم الرئيس رجب طيب إردوغان، ثم الزيارتين المتزامنتين، يوم الأحد الماضي، من وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى بغداد، ورئيس المخابرات، إبراهيم كالين، إلى دمشق، أن أنقرة تسعى إلى تشكيل محور إقليمي هدفه تطويق «حزب العمال الكردستاني» وامتداده في سوريا «وحدات حماية الشعب» الكردية.

رسائل متكررة

ووجهت تركيا، مراراً، رسائل تستهدف، في الأساس، واشنطن التي تدعم «وحدات الشعب الكردية» في سوريا، بوصفها حليفاً في الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي.

وزيرا الخارجية العراقي فؤاد حسين والتركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي في بغداد الأحد (رويترز)
وزيرا الخارجية العراقي فؤاد حسين والتركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي في بغداد الأحد (رويترز)

وأكد فيدان، أكثر من مرة، آخرها في بغداد الأحد، أن الإدارة السورية الجديدة قادرة على تأمين السجون التي تؤوي مقاتلي «داعش» وأسرهم، الخاضعة لحراسة «قسد» في شمال شرقي سوريا، وتحدث بشكل مباشر عن عمليات مشتركة ضد «حزب العمال الكردستاني» و«داعش».

في السياق ذاته، قال نائب رئيس حزب «العدالة والتنمية» الحاكم المتحدث باسمه، عمر تشيليك، في تصريحات ليل الاثنين - الثلاثاء عقب اجتماع اللجنة المركزية للحزب برئاسة إردوغان، إن المعادلة في المنطقة تغيرت بشكل كامل مع انهيار نظام حزب «البعث»، الذي لم يتبقَّ منه سوى «نموذج مصغر»، هو حزب «الاتحاد الديمقراطي» وذراعه المسلحة «وحدات حماية الشعب».

وأضاف تشيليك أن «قسد»، التي تقودها «الوحدات» الكردية، هي في نهاية المطاف تعمل حارساً لسجون «داعش» في سوريا، متسائلاً: «ما علاقة خدمة الأكراد في المنطقة بهؤلاء الذين يقومون بمهمة كلفهم بها الغرب؟».

مخاوف تركية

وعدّت مصادر دبلوماسية أن تركيا لديها مخاوف من إضفاء طابع مؤسسي على «قسد» في سوريا بدعم غربي (أميركي وأوروبي)، لافتة إلى أنها ظهرت في بيان مجلس الأمن القومي التركي، عقب اجتماعه الأسبوع الماضي برئاسة إردوغان، والذي أكد، صراحة، أن تركيا ترى أن إضفاء الطابع المؤسسي على «حزب العمال الكردستاني» في سوريا يشكل التهديد الأمني ​​الأول لها.

جانب من اجتماع مجلس الأمن القومي التركي برئاسة إردوغان الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)
جانب من اجتماع مجلس الأمن القومي التركي برئاسة إردوغان الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وحمل البيان إشارة إلى إمكانية التدخل العسكري، وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن تركيا قد تعيد خيار العمل العسكري إلى جدول أعمالها، لافتة إلى تصريحات فيدان في بغداد عن النضال المشترك ضد «حزب العمال الكردستاني» والمنظمات التابعة له في العراق وسوريا.

ورأت المصادر أنه يبدو أن الحوار بين أنقرة وواشنطن في المدة الأخيرة، الذي تضمن جولة مباحثات لوفد أميركي برئاسة نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، جون باس، لم يحقق النتائج المرجوة بالكامل بعد، فضلاً عن إصرار العسكريين الأميركيين على الاستمرار في دعم «قسد» في المرحلة المقبلة.

وعبرت عن اعتقادها بأن ملف المسلحين الأكراد من قنديل (شمال العراق) إلى دمشق، ينتظر المحادثات بين إردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبأنه إما تؤدي هذه المحادثات إلى اتفاق مُرضٍ لتركيا، وإما تتسبب في عاصفة.

موقف ترمب

وعدّت المصادر أن التحركات التركية الأخيرة مع بغداد ودمشق، استهدفت تهيئة الأرضية لضربة مشتركة للمسلحين الأكراد، وتعني في جانب آخر منها أن أنقرة تريد أن تقول لواشنطن إنها بذلت كثيراً من المساعي الدبلوماسية لحل المشكلة دون الاضطرار للعمل العسكري.

وعبر وزير الخارجية، هاكان فيدان، في تصريحات عقب زيارته بغداد عن الأمل في أن يتم التوصل في هذه المرحلة الجديدة بأميركا إلى أعلى مستوى للتفاهم بشأن سوريا ومحاربة الإرهاب وأمن دول المنطقة، لافتاً إلى أن هناك خلافات بين أنقرة وواشنطن بشأن سوريا، وأن بلاده ستعمل من أجل إزالتها.

جانب من مباحثات القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع ورئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين في دمشق الأحد (أ.ف.ب)
جانب من مباحثات القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع ورئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين في دمشق الأحد (أ.ف.ب)

وبعث ترمب، قبل تسلم الرئاسة في أميركا، برسائل إيجابية لتركيا بشأن سوريا، وأشاد بدورها في إرسال مجموعات تحت أسماء مختلفة نجحت في إسقاط نظام بشار الأسد، وقال إن مسألة انسحاب القوات الأميركية في سوريا عائدة إلى تركيا.

وكان ترمب تدخل خلال ولايته الأولى لوقف عملية «نبع السلام» العسكرية التركية ضد «قسد» في شمال شرقي سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وتحدث عن سحب القوات الأميركية من سوريا، لكنه لم يستطع تنفيذ هذه الخطوة بسبب معارضة الجناح العسكري في إدارته، وهو الموقف الذي لا يبدو أنه سيتغير، بينما ترغب أنقرة في تولي ملف حراسة سجون «داعش» من خلال دعمها الإدارة السورية في دمشق حتى لا تكون هناك ذريعة لاستمرار الدعم الأميركي لـ«قسد».

الاشتباكات مع «قسد»

في غضون ذلك، استمرت الاشتباكات العنيفة بين القوات التركية ومعها فصائل «الجيش الوطني السوري»؛ الموالي لأنقرة، وبين «قسد» على محور شرق حلب، وأيضاً الاستهدافات التركية لمواقع «قسد» في شمال شرقي سوريا.

قصف تركي في محيط سد «تشرين»... (أ.ف.ب)
قصف تركي في محيط سد «تشرين»... (أ.ف.ب)

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن الطيران الحربي التركي شن، الثلاثاء، غارات عدة على محيط سَدّ «تشرين» في ريف حلب الشرقي، وفي المقابل، استهدفت «قسد» بالمسيّرات تجمعات للفصائل الموالية لتركيا في محيط تلة سيريتل بالقرب من السد، وقصفت بالأسلحة الثقيلة نقطة للفصائل في الموقع ذاته؛ ما أسفر عن مقتل أحد عناصر الفصائل وإصابة آخرين.

كما قصفت مسيّرات «قسد» تجمعات للفصائل في قرية إيمو وتلة عرش بمحور جسر قره قوزاق في ريف منبج الشرقي، ما أدى إلى مقتل عنصرين من الفصائل وإصابة اثنين آخرين، وتدمير دبابة.

وقصفت الفصائل بالطيران المسيّر والصواريخ وقذائف الـ«هاون» نقاطاً عدة تابعة لـ«قسد» في محور دير حافر، وسط أنباء عن أضرار مادية نتيجة القصف المكثف.

مدنيون يعتصمون قرب سد «تشرين» شرق حلب... وتظهر سحب دخان نتيجة القصف التركي (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
مدنيون يعتصمون قرب سد «تشرين» شرق حلب... وتظهر سحب دخان نتيجة القصف التركي (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

وأفاد «المرصد السوري» بأن القوات التركية كررت استهدافها، بشكل مباشر، المدنيين المعتصمين قرب سَدّ «تشرين» احتجاجاً على هجماتها على مواقع «قسد» في منطقة السد وجسر قره قوزاق بريف منبج الشرقي.

في الوقت ذاته، استهدفت المدفعية التركية، فجر الثلاثاء، منزلاً في قرية أم حرمل بريف أبو راسين شمال غربي الحسكة ضمن مناطق «قسد»، ما أسفر عن مقتل 3 مدنيين، بينهم طفل، من عائلة واحدة، وإصابة 4 نساء بجروح بليغة.

بالتوازي، واصل «التحالف الدولي للحرب ضد (داعش)» بقيادة أميركا تعزيز قواعده في شمال شرقي سوريا.

ونقلت طائرة شحن رفقة مروحيتين عسكريتين، بالقاعدة الأميركية في خراب الجير بريف رميلان شمال الحسكة؛ شحنة أسلحة وذخائر وعتاد عسكري ولوجيستي إلى القاعدة، وذلك بعد يومين من استقدام قوات «التحالف الدولي» تعزيزات عسكرية ولوجيستية وطبية على متن طائرة شحن إلى قاعدتها في الشدادي جنوب الحسكة.

مشكلة الرسوم الجمركية

على صعيد آخر، نفى مدير العلاقات في المنافذ البرية والبحرية السورية، مازن علوش، صدور أي قرار من الجانب السوري بتخفيض الرسوم الجمركية على 269 منتجاً تركياً، كما أعلن وزير التجارة التركي عمر بولاط.

وأفاد علوش موقع «تلفزيون سوريا»، القريب من إدارة دمشق، بأن اجتماعاً عُقد مع الجانب التركي بهدف مناقشة إعادة تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، ومراجعة الرسوم الجمركية المفروضة على بعض المنتجات، وأن الإدارة السورية لم تتخذ أي قرار بهذا الشأن حتى الآن.

وزير التجارة التركي عمر بولاط خلال زيارة لبوابة «زيتين دالي - غصن الزيتون» الحدودية مع سوريا مطلع يناير الحالي (حسابه على إكس)
وزير التجارة التركي عمر بولاط خلال زيارة لبوابة «زيتين دالي - غصن الزيتون» الحدودية مع سوريا مطلع يناير الحالي (حسابه على إكس)

وأعلن وزير التجارة التركي، عمر بولاط، الاثنين، أن الإدارة السورية قررت تخفيض الرسوم الجمركية على 269 منتجاً تركياً، تشمل سلعاً غذائية وبعض منتجات الحديد والصلب والتنظيف، بعد رفع التعريفات الجمركية سابقاً بنسب تراوحت بين 300 و500 في المائة.

وتشهد الحدود التركية - السورية أزمة تتعلق بعبور الشاحنات التجارية، وتحدثت تقارير عن وجود نحو 3 آلاف شاحنة تركية عالقة بسبب تأخر الإجراءات الجمركية، وذلك بعد إعلان توحيد الرسوم الجمركية السورية لتشمل جميع الدول، مما دفع بوزارة التجارة التركية إلى العمل على تعزيز التنسيق مع الجانب السوري لمعالجة الأزمة وتخفيف الازدحام على المعابر الحدودية.

وزار وفد تركي برئاسة مصطفى طوزجو، نائب وزير التجارة، دمشق، الخميس الماضي، وعقد لقاءات مع وزير التجارة وحماية المستهلك السوري ماهر خليل الحسن، ورئيس هيئة الحدود البرية والبحرية قتيبة بدوي، ونائب وزير الخارجية أحمد دخان.


مقالات ذات صلة

أميركا تبدأ سحب قواتها من ريف دير الزور شرق سوريا

العالم جنود من القوات الأميركية في ريف دير الزور بسوريا (أرشيفية - الشرق الأوسط)

أميركا تبدأ سحب قواتها من ريف دير الزور شرق سوريا

بدأت القوات الأميركية الموجودة في محافظة دير الزور شرق سوريا سحب عدد من قواتها من حقل «كونيكو» للغاز باتجاه محافظة الحسكة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي إزالة السواتر الترابية وفتح الطرقات في حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب (الدفاع المدني السوري)

فتح الطرق وإزالة السواتر الترابية في حيَّين بحلب بعد انسحاب القوات الكردية

أعلن الدفاع المدني السوري انطلاق أعمال إزالة السواتر الترابية وفتح الطرق في حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب؛ لتسهيل حركة المدنيين والواقع الخدمي.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي وزير الدفاع التركي يسار غولر وقائد القوات المسلحة خلال اجتماع بالفيديو مع قادة وحدات الجيش داخل وخارج البلاد الاثنين (الدفاع التركية- إكس)

تركيا تؤكد استمرارها في دعم بناء القدرات الدفاعية والأمنية لسوريا

أكد وزير الدفاع التركي يشار غولر استمرار دعم بلاده لبناء القدرات الأمنية والدفاعية في سوريا، وأنها ستواصل حربها ضد المنظمات الإرهابية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوة من الجيش العراقي خلال عملية استهدفت تنظيم «داعش» في صحراء الأنبار (إعلام وزارة الدفاع)

مسؤول عراقي يحذر من محاولات «داعش» الهجوم على سجن مخيم الهول في سوريا

حذر رئيس جهاز الأمن الوطني العراقي، عبد الكريم عبد فاضل، من محاولات تنظيم «داعش» في سوريا مهاجمة سجن «مخيم الهول» والسعي لإطلاق سراح آلاف الإرهابيين الموقوفين.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مقاتلون من «قسد» في عرض عسكري بحقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي (أرشيفية - الشرق الأوسط)

عناصر عربية تنشق من «قسد» إلى مناطق سيطرة الحكومة

أفادت مصادر سورية محلية بانشقاق عشرات العناصر من قوات «قسد» على محور تل تمر شمال الحسكة مع عتادهم الكامل، ودخولهم منطقة راس العين حيث يوجد الجيش السوري.


بيروت تنفض عنها غبار «الصور السياسية»

إزالة صورة للقيادي في «حماس» صالح العاروري (بلدية بيروت)
إزالة صورة للقيادي في «حماس» صالح العاروري (بلدية بيروت)
TT
20

بيروت تنفض عنها غبار «الصور السياسية»

إزالة صورة للقيادي في «حماس» صالح العاروري (بلدية بيروت)
إزالة صورة للقيادي في «حماس» صالح العاروري (بلدية بيروت)

بدأت بيروت نفض غبار «الصور السياسية» عن شوارعها، حيث انطلقت عملية إزالة الأعلام والصور والشعارات الحزبية من جميع الشوارع والأحياء، وصولاً إلى مطار رفيق الحريري الدولي، تنفيذاً لتعليمات وزير الداخلية أحمد الحجار، ومحافظ بيروت مروان عبود.

وأوضح وزير الداخلية والبلديات اللبناني أحمد الحجار، لـ«الشرق الأوسط»، أن عملية إزالة الصور والشعارات «تأتي ضمن خطة الحكومة الشاملة لتحسين صورة لبنان تجاه الوافدين من لبنانيين وأشقاء وأصدقاء، ولتنشيط السياحة في لبنان».

وتزامن ذلك مع إجراءات أمنية وتجميلية لطريق المطار، في مشروع أطلقه رئيس الحكومة نواف سلام، لإعادة تأهيله، عادّاً «تعزيز أمن طريق المطار أولوية». وقال وزير النقل فايز رسامني، إن مشروع تطوير طريق المطار «لا يقل أهمية عن تطوير المطار نفسه».