ما «ديب سيك» الصينية؟ وماذا يعني ظهورها في سباق الذكاء الاصطناعي؟

تطبيق «ديب سيك» على جوال في بكين (أ.ف.ب)
تطبيق «ديب سيك» على جوال في بكين (أ.ف.ب)
TT
20

ما «ديب سيك» الصينية؟ وماذا يعني ظهورها في سباق الذكاء الاصطناعي؟

تطبيق «ديب سيك» على جوال في بكين (أ.ف.ب)
تطبيق «ديب سيك» على جوال في بكين (أ.ف.ب)

في عالم يشهد سباقاً محموماً نحو ريادة الذكاء الاصطناعي، ظهرت شركة ناشئة صينية تُدعى «ديب سيك» لتثير الارتباك في حسابات عمالقة التكنولوجيا، وتعيد صياغة قواعد اللعبة. ففي غضون عام واحد فقط، تمكنت «ديب سيك» من تقديم نماذج ذكاء اصطناعي تُنافس الأفضل عالمياً، ليس فقط من حيث الأداء، بل أيضاً من حيث التكلفة والكفاءة.

ما «ديب سيك»؟

«ديب سيك» هي شركة ناشئة صينية في مجال الذكاء الاصطناعي، تأسست في عام 2023 على يد ليانغ وينفنغ، رئيس صندوق التحوط القائم على الذكاء الاصطناعي «هاي فلاير».

تركز الشركة على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، ما يتيح للمطورين إمكانية فحص وتحسين البرمجيات بحرية.

وفي يناير (كانون الثاني)، صعد تطبيقها المحمول إلى قمة تصنيفات تنزيلات «آيفون» في الولايات المتحدة بعد إطلاقه، وفق «بلومبرغ».

وقد أثارت «ديب سيك» دهشة وقلقاً في وادي السيليكون بعد أن قدمت نماذج ذكاء اصطناعي تتسم بأداء مماثل لأفضل روبوتات المحادثة في العالم، لكن بتكلفة أقل بكثير. ويُعد ظهور «ديب سيك» نقطة تحول في الاعتقاد السائد بأن مستقبل الذكاء الاصطناعي سيعتمد بشكل زائد على كميات ضخمة من الطاقة والموارد لتطويره.

كيف يقارن «ديب سيك آر 1» مع «أوبن إيه آي» أو «ميتا إيه آي»؟

على الرغم من أن الشركة لم تكشف التفاصيل التقنية كافة، فإن تكلفة تدريب وتطوير نماذج «ديب سيك» تبدو جزءاً صغيراً من التكلفة التي تتطلبها نماذج «أوبن إيه آي»، أو منتجات «ميتا» المتطورة. وتثير الكفاءة العالية للنموذج تساؤلات جدية حول الحاجة إلى إنفاق ضخم للحصول على أحدث وأقوى مسرعات الذكاء الاصطناعي، مثل تلك التي توفرها شركة «إنفيديا». كما يبرز هذا التقدم في ظل القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على صادرات أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين، والتي كانت تهدف إلى إبطاء تقدم الصين في هذا المجال. ومع ذلك، أظهرت «ديب سيك» ما يكفي من التقدم لتُشير إلى أن القيود التجارية لم تكن فعّالة تماماً في إعاقة تقدمها.

تُصرح «ديب سيك» بأن «آر 1» يحقق أداءً يعادل أو يتفوق على النماذج المنافسة في عدة معايير رئيسة، مثل «إيمي 2024» للمهام الرياضية، و«إم إم إل يو» للمعرفة العامة، و«ألباكا إيفال 2.0» لأداء الأسئلة والإجابات. كما يعد من بين أفضل المؤدين في لوحة القيادة التابعة لجامعة بيركلي المعروفة باسم «تشات بوت أرينا».

لماذا يثير «ديب سيك» القلق في الولايات المتحدة؟

حظرت الولايات المتحدة تصدير تقنيات متقدمة، مثل رقائق «جي بي يو» إلى الصين، في محاولة لإبطاء تقدمها في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو المجال الذي يُعد من الجبهات الرئيسة في التنافس بين الولايات المتحدة والصين للهيمنة التقنية. لكن تقدم «ديب سيك» يشير إلى أن مهندسي الذكاء الاصطناعي في الصين تمكنوا من تجاوز هذه القيود عبر التركيز على زيادة الكفاءة باستخدام موارد محدودة. ورغم أنه غير واضح مدى وصول «ديب سيك» إلى الأجهزة المتقدمة للتدريب، فإن الشركة أظهرت ما يكفي للإشارة إلى أن هذه القيود التجارية لم تقف أمام تقدمها بالشكل المتوقع.

متى أثار «ديب سيك» الاهتمام العالمي؟

أصبح «ديب سيك» موضع اهتمام واسع النطاق بعد إطلاق أول نموذج له في عام 2023، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) قدمت الشركة للعالم لمحة عن نموذج «ديب سيك آر 1»، الذي صُمم لمحاكاة التفكير البشري. ويعتمد هذا النموذج على تطبيق روبوت المحادثة المحمول، الذي أصبح بديلاً أرخص وأكثر كفاءة لـ«أوبن إيه آي»، ووصفه المستثمر مارك أندريسن بأنه «لحظة سبوتنيك للذكاء الاصطناعي».

وبحلول 25 يناير، تجاوز تطبيق «ديب سيك» المحمول 1.6 مليون عملية تنزيل، واحتل المرتبة الأولى في متاجر تطبيقات «الآيفون» في أستراليا وكندا والصين وسنغافورة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفقاً لبيانات من شركة تتبع السوق «آب فيعارز».

من مؤسس «ديب سيك»؟

وُلد ليانغ وينفنغ في غوانغدونغ عام 1985، وحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الإلكترونية والمعلومات من جامعة تشجيانغ. أسس «ديب سيك» برأس مال مسجل قدره 10 ملايين يوان (نحو 1.4 مليون دولار)، وفقاً لقاعدة بيانات «تيانيانتشا». وفي مقابلة مع موقع «كيه آر 36» الصيني، أكد ليانغ أن التحدي الأكبر أمام تقدم الشركة لا يكمن في جمع مزيد من الأموال، بل في القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على الوصول إلى أحدث الرقائق.

أين تقف «ديب سيك» في مشهد الذكاء الاصطناعي في الصين؟

بينما تستثمر الشركات الكبرى في الصين، مثل «علي بابا»، و«بايدو»، و«تينسنت» بشكل كبير في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، تبرز «ديب سيك» بنهجها المفتوح المصدر، الذي يهدف إلى جذب أكبر عدد ممكن من المستخدمين بسرعة، قبل تطوير استراتيجيات التربح. وبفضل نماذجها ذات التكلفة المنخفضة، لعبت «ديب سيك» دوراً مهماً في خفض التكاليف لمطوري الذكاء الاصطناعي في الصين، ما أسهم في حرب أسعار بين الشركات الكبرى أدت إلى سلسلة من تخفيضات الأسعار خلال العام والنصف الماضيين.

ما تداعيات «ديب سيك» على سوق الذكاء الاصطناعي عالمياً؟

قد يدفع نجاح «ديب سيك» شركات، مثل «أوبن إيه آي» و«ميتا»، إلى خفض أسعار خدماتها للحفاظ على ريادتها. كما يثير هذا النجاح تساؤلات حول الإنفاق الضخم من قبل شركات مثل «ميتا» و«مايكروسوفت»، التي خصصت ميزانيات رأسمالية تتجاوز 65 مليار دولار هذا العام، معظمها موجه نحو البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. هذا التحول تسبب في اضطراب أسواق الأسهم الآسيوية، حيث بدأ المستثمرون في البحث عن الشركات الصينية المرتبطة بـ«ديب سيك»، مثل «إيفلايتك»، والتحول بعيداً عن شركات سلسلة إمدادات الرقائق مثل «أدفانتست»، التي قد تواجه نقصاً في الطلب على أشباه الموصلات الخاصة بالذكاء الاصطناعي.

بدأ المطورون في جميع أنحاء العالم في تجربة برمجيات «ديب سيك»، وبناء أدوات باستخدامها، ما قد يُسهم في تسريع اعتماد نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة في التفكير. إلا أن هذا قد يثير القلق بشأن الحاجة إلى وضع ضوابط على كيفية استخدام هذه التكنولوجيا. وقد يسهم تقدم «ديب سيك» أيضاً في تسريع فرض التنظيمات لمراقبة تطور الذكاء الاصطناعي.

ما عيوب «ديب سيك»؟

مثل جميع نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية، يعتمد «ديب سيك» على الرقابة الذاتية في التعامل مع المواضيع الحساسة في الصين. يتجنب روبوت المحادثة الإجابة عن استفسارات تتعلق باحتجاجات «تيانانمن» في عام 1989 أو القضايا الجيوسياسية المثيرة للجدل، مثل إمكانية غزو الصين لتايوان. وفي الاختبارات، يمكن لروبوت المحادثة من «ديب سيك» تقديم إجابات مفصلة عن شخصيات سياسية، مثل رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ولكنه يرفض تقديم إجابات عن الرئيس الصيني شي جينبينغ.

ونظراً لشعبيتها المفاجئة، من المحتمل أن تتعرض بنية «ديب سيك» السحابية لضغط هائل. وقد شهدت الشركة انقطاعاً كبيراً في الخدمة في 27 يناير، ما يشير إلى أنها ستحتاج إلى إدارة حركة مرور أكبر مع تدفق مزيد من المستخدمين الجدد والعائدين الذين يطرحون استفسارات إضافية على روبوت المحادثة.


مقالات ذات صلة

تطبيقات على الهاتف لممارسة التمارين المنزلية

صحتك يوجد عدد كبير من التطبيقات التي يمكن أن تساعدك على ممارسة الرياضية عامة والتمارين المنزلية خاصة (رويترز)

تطبيقات على الهاتف لممارسة التمارين المنزلية

لتحقيق الاستفادة والالتزام فيما يخص التمارين المنزلية، هناك عدد من التطبيقات المتخصصة في متابعة الأداء الرياضي للتمارين المنزلية، وتطبيقات للتواصل مع المدربين.

إبراهيم محمود (القاهرة)
يوميات الشرق عمال أنظمة الصرف الصحي يواجهون عدداً من التحديات المعقدة (جامعة جونز هوبكينز)

روبوتات ذكية لاستكشاف وصيانة شبكات الصرف الصحي

يعكف باحثون، بقيادة جامعة تالين للتكنولوجيا بإستونيا، على تطوير روبوتات ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة وصيانة شبكات الصرف الصحي بأوروبا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد صورة تعبيرية عن الذكاء الاصطناعي (رويترز)

قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي تدخل حيز التنفيذ اليوم

دخلت القواعد الجديدة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي، اليوم الأحد، مع تنفيذ «قانون الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ ترمب خلال الإعلان عن مشروع «ستارغيت» في البيت الأبيض 21 يناير 2025 (أ.ف.ب)

إدارة ترمب تضاعف الجهود لدفع قطاع التقنية الأميركية أمام المنافسة الصينية

بعد أيام من إعلان ترمب عن مشروع ضخم لإنشاء بنى تحتية للذكاء الاصطناعي بقيمة نصف تريليون دولار، أطلقت الصين تطبيق «ديب سيك»، الذي هزّ شركات التقنية الأميركية.

رنا أبتر (واشنطن)
يوميات الشرق الفنان المصري محمد رمضان (صفحته على فيسبوك)

«تشات جي بي تي» يعيد جدل «نمبر ون» إلى الواجهة في مصر

عاد جدل «نمبر ون» أو النجم الأول إلى الواجهة في مصر عبر استخدام فنانين لتطبيق «تشات جي بي تي» لسؤاله عن صاحب هذا اللقب.

محمد الكفراوي (القاهرة )

ترمب يعلن حرباً تجارية لـ«إعادة العصر الذهبي» لأميركا


رئيس الوزراء الكندي يتحدث لوسائل الإعلام عقب قرار ترمب (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الكندي يتحدث لوسائل الإعلام عقب قرار ترمب (د.ب.أ)
TT
20

ترمب يعلن حرباً تجارية لـ«إعادة العصر الذهبي» لأميركا


رئيس الوزراء الكندي يتحدث لوسائل الإعلام عقب قرار ترمب (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الكندي يتحدث لوسائل الإعلام عقب قرار ترمب (د.ب.أ)

دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب شعبه إلى تحمل «بعض الألم حتى يعود العصر الذهبي لأميركا»، وذلك بعد ساعات على فرضه رسوماً جمركية على كندا والمكسيك بنسبة 25 في المائة (10 في المائة على صادرات النفط من كندا)، و10 في المائة على الصين، وهو ما عدّه خبراء ومحللون حرباً تجارية عالمية. ومع الرد الانتقامي من كندا والمكسيك والصين، يتوقع أن تتلقى الأسواق العالمية صدمة جديدة اليوم (الاثنين) بعد ما حصل بسبب تطبيق «ديب سيك».

وبالتقاطع، تتجه الأنظار إلى اجتماع اللجنة الوزارية المشتركة للمراقبة في «أوبك بلس» اليوم، وهو الأول في ظل ولاية ترمب الذي أعلن أنه سيطلب من «أوبك» خفض أسعار النفط.