منصوري لـ«الشرق الأوسط»: سعر صرف الليرة اللبنانية مستقر... ولا اقتصاد بلا مصارف

انتخاب الرئيس اللبناني ضخ 300 مليون دولار في احتياطات المصرف المركزي

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (الشرق الأوسط)
حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (الشرق الأوسط)
TT

منصوري لـ«الشرق الأوسط»: سعر صرف الليرة اللبنانية مستقر... ولا اقتصاد بلا مصارف

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (الشرق الأوسط)
حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (الشرق الأوسط)

شكّل قرار حاكم مصرف لبنان بالإنابة، الدكتور وسيم منصوري، إزالة العوارض الأسمنتية من أمام المقر الرئيس للبنك المركزي في أول «شارع الحمراء» الشهير في قلب بيروت، وإعادة فتح متحف العملات واللوحات أمام الجمهور، رسالة إيجابية مضافة تعكس برمزيتها استعادة هيبة الدولة وحضورها المحوري في إدارة البلد، والمترجم تباعاً بانتهاء حقبة الفراغات والشلل العام عبر استكمال انتظام السلطات الدستورية والتحولات الاستثنائية الواعدة التي يشهدها لبنان على المستويات السياسية والاقتصادية.

ولا يتردّد الحاكم «بالإنابة» في جلسات نقاش مع «الشرق الأوسط»، في إبداء استعداده وارتياحه إلى «تسليم أمانة قيادة صناعة القرار النقدي بأحوال أفضل للموقع والمؤسسة والدور والفاعلية إلى الخلف، عقب تأليف الحكومة الجديدة وافتراض إقرار التعيينات الأساسية في المراكز الحساسة، وبما يطابق المغزى المقصود لقرار (تحرير) المقر المركزي من حصاره الذاتي الذي فرضته المواجهات المتكررة والخاطئة مع المودعين وأصحاب الحقوق في البنوك، جراء انحرافات سابقة ساهمت في تعميق حدة الانهيارات المالية والنقدية».

ويصارح منصوري اللبنانيين من دون لبس: «إحدى مشاكل لبنان الكبيرة هي أنه حين يكون شخص في موقعه، يبدأ النظر إلى مواقع أخرى. وبالتالي، أؤكد أنني أتحضر فقط للقيام بواجبي في المكان الذي أشغله، وسوف أكمل هذا الأمر حتى اللحظة الأخيرة، وآمل أن يكون وجودي في منصبي مؤقتاً؛ لأن انتخاب حاكم أصيل لـ(المركزي) هو إعادة لانتظام المؤسسات في لبنان، وهذا ما طالبت به قبل تسلمي مهامي في الأول من أغسطس (آب) من عام 2023، وهو ما أؤكد عليه اليوم».

إعادة بناء الثقة

وفي الخلفية، يختصر الحاكم الهدف المنشود بعبارة: «إعادة بناء الثقة». ذلك بدءاً، وبالضرورة البديهية، من ترميم كيان الدولة وتعزيز حضورها اللازم وغير القابل للتعويض أو التغطية في الميادين السيادية، والذي يستلزم إرساء توافق وطني عريض ينشد بلوغ محطة الهيكلة السليمة والمنتظمة للمؤسسات، ويستتبع بتحسين الأداء في إدارة المسؤوليات والأدوار المناطة بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبما يكفل حتماً إنتاج بيئة مناسبة للشروع بالاحتواء المنهجي لرحلة الانهيار التي حاصرت البلد وقطاعاته لأكثر من 5 سنوات متتالية.

وبالحماس عينه، يواظب على التدقيق في كل شاردة وواردة في «جردة الحساب» لفترة السنة ونصف السنة التي مضت على قبول النائب الأول بموجبات قانون النقد والتسليف، تسلم زمام القيادة «الشاغرة» بفعل انتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة، وتعذر تعيين البديل من قبل الحكومة «المستقيلة» قانونياً، إنّما بشروط مسبقة ومعلنة ترتكز إلى مندرجات القانون عينه الذي يحمي استقلالية المؤسسة ويحدّد مهامها.

حوكمة وشفافية

وبقناعة الاعتماد على منهجية فريق العمل، يفضّل منصوري، رغم مركزية صناعة القرار النقدي وحمل مسؤولية أي إخفاق محتمل، التنويه بالجهود الجماعية وبتشاركية أي إنجاز محقّق مع نواب الحاكم والمجلس المركزي للمصرف ومديرياته، ولا سيما ما يخص «إعادة الاعتبار لأصول الحوكمة والشفافية في ممارسة مهام البنك المركزي وعزله عن التدخلات والضغوط السياسية، بموازاة مواكبة المهمات المعقّدة لإدارة السيولة والتدفقات النقدية واحتياطي العملات الأجنبية، وبما يشمل خصوصاً تمكين المصارف من الإيفاء المتدرج للحد الأقصى الممكن من حصص حقوق المودعين».

وبالمثل، فهو يعتزّ خصوصاً بحقيقة قطع أشواط مهمة وتسجيل تقدم كبير في عملية الإصلاح الإداري داخل البنك المركزي. وهذا ما أتاح إعادة هيكلة البيانات المالية للميزانية، و«هي عملية مستمرة بالتعديل والتحديث حتى بلوغ هدف الشفافية المطلقة، والتطبيق الصارم للمعايير المحاسبية الدولية، بالاستناد إلى توحيد سعر الصرف في كل البنود. وهي عملية لاقت أصداء تأييد وثناء المؤسسات المالية الدولية». لكن، رغم الإدراك المسبق بإمكانية مواجهة معوّقات مهنية وغير مهنية على مسار التقدّم المنشود، فلم يرد حكماً في ترقبات منصوري، أن تندلع حرب غزة وتتمدّد في اليوم التالي إلى حدود لبنان الجنوبية، بعد شهرين وبضعة أيام من استلام المهمة الشائكة أساساً. ثم يشهد البلد واقتصاده إرباكات أوسع في النطاق والنتائج، وتتصاعد تباعاً لتتفلّت لاحقاً من إطار المواجهات «المنضبطة» نسبياً إلى اشتعال الحرب التدميرية الواسعة بتكلفة إنسانية جسيمة للغاية، وبإنتاج خسائر هائلة تراوح أرقامها التقديرية بين 8.5 و10 مليارات دولار.

بذلك، وتحت وطأة التطورات الدراماتيكية غير المسبوقة في وقائعها وحصيلتها، وفي ظل الفراغات الدستورية وشلل الإدارات العامة، لا بد من الإشارة إلى أهمية المواكبة الاستثنائية للتطورات، والمتمثلة خصوصاً بحفظ الاستقرار النقدي أولاً، وبضخ سيولة إضافية بالدولار لصالح المودعين في زمن الحرب وبعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار. وهنا برز نجاح السياسات النقدية المحدثة التي اعتمدها منصوري، والتي ارتكزت إلى أساسيات التحكم الصارم بكتلة النقد بالعملة الوطنية، ومنع تمويل الاحتياجات المالية للدولة من السيولة المتوفرة لدى البنك المركزي وميزانيته.

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في مؤتمر صحافي سابق (أرشيفية - إ.ب.أ)

 

كبح المضاربات... وطوارئ نقدية

عبارة: «لقد نجونا»... تريح الحاكم بعد معاناة موصوفة بتعميق حال عدم اليقين. وحتى في غمرة التحولات الإيجابية الكبيرة والمتلاحقة بدءاً من انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية وتكليف القاضي نوّاف سلام بتشكيل الحكومة الجديدة، أثبتت استراتيجيات إدارة المسؤوليات النقدية فاعليتها في كبح المضاربات العكسية في أسواق القطع، وصدّ محاولات محمومة لزعزعة الاستقرار النقدي القائم توخياً لتحقيق أرباح غير مشروعة على حساب العملة الوطنية.

تكشف «الشرق الأوسط» أن منصوري ومساعديه، إبّان يوم انتخاب الرئيس وطوال الأيام التالية، اعتمدوا قراراً ضمنياً وغير معلن يقضي بالانخراط في شبه حال «طوارئ» نقدية. وهو ما تمت ترجمته بالوجود والدوام في مقر البنك لعدد من المديريات وكبار المديرين المعنيين على مدار الساعة ولغاية الفجر، وحتى في عطلة نهاية الأسبوع، بغية مواكبة القرار الحاسم بوقف المضاربات المعزّزة بإقبال غير عادي من قبل مخزّني الدولار النقدي على احتمالات وإشاعات حصول تحسّن فوري وكبير في سعر صرف الليرة إزاء الدولار.

وفي الوقائع، اقتضت المهمة ضخ ما يزيد على 20 تريليون ليرة خلال خمسة أيام، تضاف إلى نحو 10 تريليونات ليرة لتلبية احتياجات البنوك. في الحصيلة، تمت حماية الاستقرار النقدي وجمع نحو 300 مليون دولار من وفورات الدولارات المعروضة في الأسواق، ليرتفع إجمالي الاحتياطي السائل مجدداً إلى نحو 10.35 مليار دولار، مقابل نحو 8.57 مليار دولار يوم استلام موقع الحاكم.

هذه الوقائع تم إبلاغها كاملة وبشفافية إلى رئيس الجمهورية في سياق زيارة التهنئة. بالتالي، تأكدت الأسواق أن سياسة المصرف المركزي هي الاستمرار باستقرار سعر الصرف، وكل من يعتقد أنه يمكنه من خلال بيع الليرة أو الدولار، تحقيق أرباح حالية أو مستقبلية والتأثير على سعر الصرف، فالأمر لا يحصل بهذه الطريقة.

مليارا دولار

وفي الواقع، فإن الزيادة المحققة وحدها في احتياطات المصرف، والبالغة نحو مليارَي دولار، تتكفل بحماية الاستقرار النقدي، سنداً إلى أن حجم كتلة الليرة يقل عن مليار دولار رغم التدفق الإضافي الكبير في الأيام الأخيرة. وهذا مرتكز حيوي لمهام البنك المركزي في المرحلة القادمة، والتي يؤمل أن تشهد تدفقات دولارية وازنة من خلال تنشيط قطاعات الاقتصاد، ولا سيما المورد السياحي الذي يتهيأ لانطلاقة كبيرة معززة ببشائر عودة السياحة العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، فضلاً عن الترقبات الإيجابية الخاصة بتدفقات المغتربين واللبنانيين العاملين في الخارج.

يقول منصوري: «نأمل أن تكون الظروف المقبلة أكثر إيجابية، ويصبح الطلب على الليرة اللبنانية مرتبطاً بمؤشرات اقتصادية وليس فقط بأخبار إيجابية أتمنى أن تستمر. المؤشرات الاقتصادية حتى الآن لا تبرر لـ(المركزي) تغيير سعر الصرف الذي يحصل بالتوافق مع الحكومة على أسس اقتصادية ومالية واضحة، ومع توجهات حكومية في هذا الخصوص. وعليه، فإن الاستقرار في سعر الصرف سيستمر، ولا تغيير فيه، وأتمنى أن تبقى الثقة في الليرة اللبنانية».

الودائع العالقة

عن أكثر قضية حضوراً وثقلاً في التداول والاهتمام، والمتمثلة بقضية المودعين من مقيمين وغير مقيمين، لا يتحفظ منصوري عن موجبات الصراحة والمكاشفة: «الحقوق المشروعة يجب الإقرار بها، وبوضع برنامج واضح لإيفائها. لذا لا مفر من إقرار خطة حكومية متكاملة، وما يلزم من تشريعات لمعالجة هذه المسألة الأساسية، وبتفاعل إيجابي بين الأطراف المعنية؛ أي الدولة والبنك المركزي والمصارف وأصحاب الحقوق، مع الانطلاق من مبدأ المشروعية والعدالة في كل مقاربة وتحديثات».

ويؤكد: «هناك أمور جيدة قام بها مصرف لبنان في المرحلة الماضية تطمئن الناس، ولكن ما دمنا لم نصل بعدُ إلى آلية واضحة للقول للمودعين إنهم سيحصلون على أموالهم، أخجل منهم في الحديث عن هذا الموضوع. ولكن يمكنني القول إن العمل في المصرف المركزي مستمر منذ تسلمي مهامي وحتى اليوم، والأمور أفضل من السابق. تم وضع دراسة كاملة لمليون و260 ألف حساب موجودة في المصارف، وقيمتها 86 مليار دولار، تم تفصيلها لمعرفة كيفية تقسيمها وفق الودائع والأعمار والشركات وغيرها. هذه الدراسة المفصلة التي تم الانتهاء منها تقريباً، تسمح للحكومة، ولاحقاً للبرلمان، بوضع تصور أوضح لإعادة الأموال إلى المودعين».

في الخلاصة: «يمكن أن أقول لأول مرة، إننا اقتربنا من إيجاد حل مقبول لهذه المسألة. لطالما قلت إنه لا وجود لاقتصاد من دون قطاع مصرفي، والذي لا وجود له من دون ثقة المودعين، فهذه الأمور مترابطة ولا يمكن النهوض بالبلد ما لم يستعد المودع وديعته، ويشعر بأن هناك دولة تقف إلى جانبه وتحاول إنصافه في هذا الأمر».

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (رويترز)

 

القائمة الرمادية

وفي جانب لا يقل أهمية على المستوى السيادي، «ساهم الحراك الاستباقي من قبل قيادة السلطة النقدية واستثمار رصيد الثقة التاريخي لدى البنوك العالمية بكفاءة القطاع المالي المحلي وصرامته في تطبيق المعايير الدولية في منع مرور أي عمليات مشبوهة، بفاعلية في تأمين هبوط سلس لقرار مجموعة العمل الدولية بإدراج لبنان ضمن القائمة الرمادية للدول التي تعاني قصوراً في مكافحة غسل الأموال. وبالتالي باستمرار عمليات التحويلات وفتح الاعتمادات وفق نسقها وتكلفتها السارية ما قبل التصنيف المستجد».

ومن المهم الإشارة إلى أن تقرير «FATF» الصادر بنهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، استثنى في مقدمته المصرف المركزي من أي مسؤولية، معتبراً أنه قام بواجبه وأصدر التعاميم اللازمة. وبناء على ذلك، فإن المصرف المركزي والقطاع المصرفي الذي يراقبه، لا يحتاجان إلى القيام بأي شيء من الموجبات العشرة المطلوبة من الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية.

كذلك، فإن الاقتصاد النقدي ليس ضمن الموجبات الواردة. وبذلك يجد الحاكم أن «الرقابة على دخول وخروج الأموال نقدياً أو عبر المصارف، يتم قبولها من قبل منظمة دولية معنية بمكافحة الجرائم المالية. وهو ما يبعث على الطمأنينة، ويعني أننا نحمي قطاعنا المالي والمصرفي، ويفترض أن نستمر في هذه الحماية في المستقبل، وأي مساعدة ستأتي يجب أن تتم عبر القطاع الشرعي اللبناني ضمن آليات تضعها الحكومة اللبنانية مستقبلاً، وأعتقد أن المؤشرات الموجودة تتجه نحو هذا المجال».


مقالات ذات صلة

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

يوميات الشرق كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور...

فاطمة عبد الله (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة النبطية في مايو 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ)

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات على الجنوب

حسمت إسرائيل الخميس التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» جراء المفاوضات المدنية مع لبنان، أو عزلها عن المسار العسكري.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نواف سلام مستقبلاً السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

ترحيب لبناني ودولي بتعيين كرم رئيساً للجنة الـ«ميكانيزم»

أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن ترؤس السفير سيمون كرم الوفد اللبناني في لجنة الـ«ميكانيزم» «يشكّل خطوة مهمة في دفع عملها».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي «حزب الله» غير راضٍ عن التفاوض السياسي مع إسرائيل... ولن يواجهه

«حزب الله» غير راضٍ عن التفاوض السياسي مع إسرائيل... ولن يواجهه

تفادى مسؤولو «حزب الله» التعليق على قرار «لبنان الرسمي» بتعيين السفير السابق، سيمون كرم، رئيساً للوفد اللبناني بإطار لجنة «الميكانيزم».

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي دورية لـ«يونيفيل» على الحدود مع إسرائيل في منطقة الناقورة بجنوب لبنان (أ.ف.ب) play-circle 02:21

لبنان يوكّل مدنياً للتفاوض مع إسرائيل لاحتواء الضغوط وإحباط التصعيد

خطا لبنان، الأربعاء، خطوة كبيرة باتجاه محاولات احتواء الضغوط الأميركية وإحباط التهديدات الإسرائيلية بشن حرب عليه، عبر تكليف مدني ترؤس وفد البلاد للمفاوضات.

نذير رضا (بيروت)

من منفاهما في روسيا.. رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)
عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)
TT

من منفاهما في روسيا.. رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)
عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)

نشرت وكالة «رويترز» تحقيقاً من دمشق، اليوم (الجمعة)، ذكرت فيه أن اثنين كانا ذات يوم من أقرب رجال بشار الأسد وفرا من سوريا بعد سقوطه، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين، أملاً في إشعال انتفاضتين ضد الحكومة الجديدة واستعادة بعض ما فقدوه من نفوذ.

وقال أربعة أشخاص مقربين من العائلة إن الأسد، الذي فر إلى روسيا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، استسلم إلى حد كبير لفكرة العيش في المنفى بموسكو. لكن شخصيات بارزة أخرى في دائرته المقربة بينهم شقيقه لم تتقبل فكرة فقدان السلطة.

وجدت «رويترز»، بحسب ما جاء في تحقيقها، أن اثنين كانا من أقرب رجال الأسد، وهما اللواء كمال حسن وابن خاله الملياردير رامي مخلوف، يحاولان تشكيل ميليشيات في الساحل السوري ولبنان تضم أفراداً من الطائفة العلوية التي تنتمي لها عائلة الأسد. ويموّل الرجلان وفصائل أخرى تتنافس على النفوذ أكثر من 50 ألف مقاتل أملاً في كسب ولائهم.

وقال الأشخاص الأربعة إن ماهر، شقيق الأسد، المقيم أيضاً في موسكو والذي لا يزال يحتفظ بولاء آلاف الجنود السابقين، لم يقدّم بعد أموالاً أو يوجّه أي أوامر.

ويسعى حسن ومخلوف حثيثاً للسيطرة على شبكة من 14 غرفة قيادة تحت الأرض شُيّدت عند الساحل السوري قرب نهاية حكم الأسد، بالإضافة إلى مخابئ أسلحة. وأكد ضابطان ومحافظ إحدى المحافظات السورية وجود غرف القيادة السرية التي تظهر تفاصيلها في صور اطلعت عليها «رويترز».

شابان سوريان يقفان على تلة في داريا مُطلّة على القصر الرئاسي الفسيح للرئيس السابق بشار الأسد في دمشق أواخر أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

يواصل حسن، رئيس المخابرات العسكرية في عهد بشار الأسد، بلا كلل إجراء مكالمات هاتفية وإرسال رسائل صوتية إلى قيادات ومستشارين يعبّر فيها بغضب شديد عن فقدان نفوذه ويرسم رؤى طموحة للطريقة التي سيحكم بها الساحل السوري، موطن غالبية السكان العلويين وقاعدة نفوذ الأسد السابقة.

واستغل مخلوف، ابن خال الأسد، إمبراطوريته التجارية في تمويل الرئيس المخلوع خلال الحرب الأهلية قبل أن يصطدم بأقاربه الأكثر نفوذاً وينتهي به الأمر تحت الإقامة الجبرية لسنوات. ويصوّر مخلوف نفسه في أحاديثه ورسائله لأتباعه على أنه «المُخِلص» الذي سيعود إلى السلطة بعد أن يقود «المعركة الكبرى». ويستند في ذلك إلى خطاب ديني ويربط الأحداث بنبوءات تتعلق بنهاية الزمان.

وذكرت «رويترز» أن حسن ومخلوف لم يردا على طلبات للتعليق على هذا التقرير. ولم يتسن الوصول إلى بشار وماهر الأسد. كما حاولت «رويترز» الحصول على تعقيب منهما عبر وسطاء ولم تتلق أي رد.

من منفاهما في موسكو يرسم الرجلان صورة لسوريا مقسّمة ويريد كل منهما السيطرة على المناطق ذات الأغلبية العلوية. وتوصلت «رويترز» إلى أن كليهما ينفق ملايين الدولارات لتشكيل قوات موالية له. وهناك ممثلون لهما في أكثر من دولة.

وللتصدي لهما، استعانت الحكومة السورية الجديدة بشخص آخر كان موالياً للأسد، هو صديق طفولة للرئيس الجديد أحمد الشرع. وكان هذا الرجل، خالد الأحمد، قائداً لقوات شبه عسكرية في عهد الأسد قبل أن يغيّر ولاءه في منتصف الحرب بعدما انقلب الرئيس المخلوع عليه.

جانب من تظاهرات العلويين في اللاذقية في 25 نوفمبر الماضي (رويترز)

وتتمثل مهمة هذا الرجل في إقناع العلويين، سواء الجنود السابقين أو المدنيين، بأن مستقبلهم مع سوريا الجديدة.

وقالت الباحثة أنصار شحود، التي درست الأوضاع في سوريا لأكثر من عقد: «ما يجري هو امتداد لصراع القوة الذي كان سائداً في نظام الأسد. فالمنافسة مستمرة للآن، لكن بدلاً من أن تكون بهدف التزلف للأسد، باتت بهدف خلق بديل له يقود المجتمع العلوي».

وتستند تفاصيل المخطط إلى مقابلات مع 48 شخصاً على دراية مباشرة به اشترطوا جميعاً عدم نشر أسمائهم. وراجعت «رويترز» أيضاً السجلات المالية والوثائق العملياتية والرسائل الصوتية والنصية المتبادلة.

وقال أحمد الشامي، محافظ طرطوس الواقعة على الساحل السوري، إن السلطات السورية على دراية بالخطوط العريضة لهذه المخططات ومستعدة للتصدي لها. وأكد وجود شبكة غرف القيادة أيضاً، لكنه قال إنها «ضعفت بشكل كبير».

وأضاف الشامي لـ «رويترز»، رداً على أسئلة مفصلة حول المخطط: «نحن على يقين بأنهم غير قادرين على تنفيذ أي شيء فعال، نظراً لعدم امتلاكهم أدوات قوية على الأرض وضعف إمكانياتهم».

ولم تستجب وزارة الداخلية اللبنانية ووزارة الخارجية الروسية لطلبات الحصول على تعقيب. وصرح مسؤول إماراتي بأن حكومته ملتزمة بمنع استخدام أراضيها في «جميع أشكال التدفقات المالية غير المشروعة».

وقد تزعزع أي انتفاضة استقرار الحكومة السورية الجديدة في الوقت الذي تلقي فيه الولايات المتحدة وقوى إقليمية بثقلها خلف الشرع الذي أطاح بالأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، ويخوض الآن غمار مشهد سياسي متصدع.

وقد تشعل أي انتفاضة أيضاً شرارة موجة جديدة من العنف الطائفي الدموي الذي عصف بسوريا الجديدة خلال العام المنصرم.

صورة ضخمة لبشار الأسد على الأرض بعد هروبه ملقاة على أرضية القصر الرئاسي في دمشق 8 ديسمبر العام الماضي (أ.ب)

وتبدو فرص نجاح أي انتفاضة ضئيلة في الوقت الراهن.

فالمتآمران الرئيسيان، حسن ومخلوف، على خلاف شديد، وتتضاءل آمالهما في كسب دعم روسيا التي كانت من قبل أقوى داعم سياسي وعسكري للأسد. وكثير من العلويين في سوريا، الذين عانوا أيضاً في عهد الأسد، لا يثقون بالرجلين والحكومة الجديدة تعمل على إحباط خططهما.

وفي بيان مقتضب رداً على نتائج «رويترز»، قال الأحمد، المسؤول عن ملف العلويين في الحكومة السورية، إن «العمل على تحقيق التعافي واقتلاع جذور الكراهية الطائفية وتكريم الموتى هو السبيل الوحيد نحو سوريا قادرة على التصالح مع نفسها من جديد».

يزعم حسن إنه يسيطر على 12 ألف مقاتل، بينما يقول مخلوف إنه يسيطر على 54 ألف مقاتل على الأقل، وفقاً لوثائق داخلية لفصائلهما. وذكر قادة على الأرض أن المقاتلين يتقاضون أجوراً زهيدة ويتلقون أموالاً من الجانبين. وأشار الشامي، محافظ طرطوس، إلى أن عدد المقاتلين المحتملين «في حدود عشرات الآلاف».

ولا يبدو أن حسن أو مخلوف قد حشدا أي قوات حتى الآن. ولم تتمكن «رويترز» من تأكيد أعداد المقاتلين أو تحديد خطط عمل بعينها.

وفي المقابلات، قال مقربون من حسن ومخلوف إنهما يدركان أن عشرات الآلاف من العلويين السوريين قد يتعرضون لانتقام عنيف إذا نفّذا مخططاتهما ضد القيادة السورية الجديدة. وتولت الحكومة الجديدة السلطة بعد أن خرجت منتصرة في الحرب الأهلية التي استمرت قرابة 14 عاماً وأغرقت البلاد في موجات من الاقتتال الطائفي.

وفي مارس (آذار)، قتلت قوات تابعة للحكومة ما يقرب من 1500 مدني على ساحل البحر المتوسط بعد فشل انتفاضة في بلدة علوية. وتعهد حسن ومخلوف بحماية العلويين من انعدام الأمن المستمر منذ ذلك الشهر والذي أدى إلى عمليات قتل وخطف شبه يومية.

وانفجر غضب العلويين تجاه الحكومة الجديدة في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما خرج الآلاف إلى شوارع حمص ومدن ساحلية للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي، والإفراج عن المعتقلين، وإعادة نساء مختطفات. وشكّلت هذه الاحتجاجات أول مظاهرات واسعة النطاق تشهدها سوريا منذ سقوط الأسد.

لم يكن مخلوف أو حسن وراء هذه الاحتجاجات بل رجل دين يعارض كلا الرجلين ودعا الناس علناً إلى التظاهر سلمياً.

وهاجم مخلوف رجل الدين في اليوم التالي في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً «هذه التحركات لن تجلب إلا البلاء لأن الوقت لم يحن بعد».

مقاتل من المعارضة يحمل صاروخاً مضاداً للطائرات أمام صورة مزقها الرصاص للرئيس السابق بشار الأسد (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال أحد كبار المنسقين العسكريين التابعين لحسن لـ «رويترز» إن القتال هو السبيل الوحيد لاستعادة كرامة العلويين.

وأضاف المنسق، وهو ضابط سابق في المخابرات العسكرية في عهد الأسد ويقيم حالياً في لبنان: «نحمد الله أنه حتى الآن لم يمت علويون أكثر من الذين ماتوا برغم كل ما حصل. يمكن أن يموت ألف أو ألفان، ولكن يجب أن يكون هناك كبش فداء لنحمي الطائفة».

ووفقاً لوثائق بتاريخ يناير (كانون الثاني) 2025 اطلعت عليها «رويترز»، وضعت قوات موالية للأسد خططاً أولية لبناء قوة شبه عسكرية قوامها 5780 مقاتلاً وتزويدهم بالعتاد من مراكز القيادة السرية. وهذه المراكز هي بالأساس مخازن كبيرة مجهزة بأسلحة وطاقة شمسية وإنترنت وأجهزة تحديد المواقع (جي.بي.إس) ومعدات اتصال لاسلكية.

لم يُنفذ شيء من تلك الخطة. وكشف مصدران وصور اطلعت عليها «رويترز» أن غرف القيادة، المنتشرة على شريط من الساحل السوري يمتد حوالي 180 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، لا تزال موجودة لكنها شبه معطلة.

وظهرت في صورة غرفة بها خمسة صناديق مكدسة، ثلاثة منها كانت مفتوحة وبداخلها مجموعة من بنادق إيه.كيه-47 (كلاشنيكوف) وذخيرة وعبوات ناسفة. احتوت الغرفة أيضاً على ثلاثة أجهزة كمبيوتر، وجهازين لوحيين، ومجموعة من أجهزة اللاسلكي، وبنك طاقة (باور بنك). وفي المنتصف، وُضعت طاولة خشبية تعلوها خريطة كبيرة.

وقال أحد المصدرين، وهو ضابط يراقب جاهزية الغرف، إن هذه المراكز بالنسبة لحسن ومخلوف «هي جزيرة الكنز، وكلهم مثل القوارب يحاولون أن يصلوا إليها».

وقال الشامي، محافظ طرطوس، إن الشبكة حقيقية لكنها لا تشكل خطراً يُذكر. وأضاف: «هذه المراكز ضعُفت بشكل كبير بعد التحرير... ولا يوجد قلق من استمرار وجودها».

فر كبار المسؤولين العسكريين وشخصيات حكومية بارزة إلى الخارج في ديسمبر (كانون الأول) 2024، لكن القادة من المستوى المتوسط بقوا ​​في سوريا ولجأ معظمهم إلى المناطق الساحلية التي يهيمن عليها العلويون الذين يشكلون ما يزيد قليلاً على 10 في المائة من سكان سوريا.

وبدأ هؤلاء الضباط في تجنيد مقاتلين، وفقاً لقائد متقاعد شارك في ذلك. وقال القائد: «الجيش والعسكر كانوا أرضية خصبة. آلاف الشباب من الطائفة كانوا مجندين في الجيش الذي انحل فجأة وقت السقوط، وفجأة وجدوا أنفسهم بلا شيء».

رفع صورة رئيس المجلس الأعلى للعلويين في سوريا غزال الغزال خلال تظاهرة في اللاذقية في نوفمبر الماضي (رويترز)

ثم جاءت الانتفاضة الفاشلة في السادس من مارس (آذار)، عندما نصبت وحدة علوية تعمل بشكل مستقل، كميناً لقوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة في ريف اللاذقية، مما أسفر عن مقتل 12 رجلاً وأسر أكثر من 150، وفقاً للضابط الذي قاد الكمين -وهو برتبة عميد- وغادر منذ ذلك الحين إلى لبنان.

وقالت الحكومة السورية الجديدة إن المئات من قواتها الأمنية لقوا حتفهم في القتال الذي اندلع بعد ذلك. وأكد المقاتلون الموالون للأسد ذلك إلى حد كبير.

وذكر العميد أن 128 من القوات الموالية للأسد لقوا حتفهم في الانتفاضة التي أحبطتها الحكومة الجديدة، لكنها أشعلت شرارة أعمال انتقامية أودت بحياة ما يقرب من 1500 علوي.

وقال ضباط كانوا هناك إن التحرك لم يبدأه أو يقوده حسن أو مخلوف، لكن تلك الأيام مثّلت نقطة تحوّل شرعا بعدها في تنظيم صفوفهما.

خلاف داخل عائلة الأسد

بدأ مخلوف في التاسع من مارس (آذار) يُطلق على نفسه «فتى الساحل المؤيد بقوة من الله، لنصرة المظلومين، وتقديم يد العون للمحتاجين«. وقال في بيان «عدنا، والعودُ أحمد». ولم يذكر البيان أنه في موسكو.

هيمن مخلوف على الاقتصاد السوري لأكثر من عقدين بثروات قدرتها الحكومة البريطانية بأكثر من مليار دولار في قطاعات متنوعة، مثل الاتصالات والبناء والسياحة. وموّل مخلوف وحدات الجيش السوري والفصائل المتحالفة معه خلال النزاع الأهلي الذي اندلع في عام 2011.

وأعلن مخلوف ذلك عندما بدا انتصار الأسد مؤكداً في عام 2019، لكن الأسد بعد ذلك بقليل استولى على شركات ابن خاله بحجة أنها مدينة للدولة ووضعه قيد الإقامة الجبرية لسنوات.

هرب مخلوف إلى لبنان في سيارة إسعاف ليلة الثامن من ديسمبر 2024 مع سقوط دمشق في أيدي مقاتلين يقودهم الشرع.

وقال أربعة مقربين من العائلة ومسؤول في الجمارك مطلع على الأحداث إن إيهاب، شقيق مخلوف، حاول الفرار في تلك الليلة بسيارته الفارهة من طراز مازيراتي، لكنه قُتل بالرصاص قرب الحدود وسُرقت ملايين الدولارات التي كانت بحوزته نقداً. لم تتمكن «رويترز» من التحقق بشكل مستقل من أحداث تلك الليلة.

وذكر تسعة مساعدين وأقارب أن مخلوف يعيش حالياً في طابق خاص بفندق راديسون الفاخر في موسكو تحت حراسة أمنية مشددة. ويستشهد كثيراً بآيات من القرآن الكريم في أحاديثه التي يُسهب فيها كثيراً ولا يترك مجالاً للآخرين للرد أو المشاركة. وقالوا إنه أصبح متديناً جداً خلال سنوات الإقامة الجبرية، واستغل وقت العزلة في كتابة سلسلة من ثلاثة مجلدات عن التفسير والتراث الإسلامي.

ولم يرد فندق راديسون في موسكو أو المقر الرئيسي للمجموعة في بروكسل على طلب للحصول على تعقيب.

وكشفت منشورات مخلوف على فيسبوك ورسائله على واتساب إلى مقربين عن اعتقاده بأن الله منحه المال والنفوذ ليتمكن من لعب دور المنقذ في نبوءة دينية عن معركة هرمجدون في دمشق.

صورة ممزقة لماهر الأسد ملقاة على الأرض في فيلته في بلدة يعفور (أ.ف.ب)

ويعتقد مخلوف أن نهاية العالم ستكون بعد انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وكشف مدير مالي وإيصالات وكشوف رواتب اطلعت عليها «رويترز» أن مخلوف يحوّل أموالاً عن طريق مديري أعمال يثق بهم في 3 دول إلى ضباط علويين لدفع الرواتب وشراء معدات. تُظهر الوثائق أن الأموال تُحوّل عبر ضابطين سوريين بارزين اجتمع شمل مخلوف بهما في موسكو هما سهيل الحسن وقحطان خليل وكان كل منهما يحمل رتبة لواء.

زعم الحسن وخليل، في وثائق اطلعت عليها «رويترز»، أنهما شكلا قوة موالية لمخلوف يبلغ قوامها 54053 شخصاً يرغبون في القتال، من بينهم 18 ألف ضابط، موزعين على 80 كتيبة ومجموعات في وحول مدن حمص وحماة وطرطوس واللاذقية. لكن العديد من الجنود الذين تم تجنيدهم في عهد الأسد تركوا القتال عندما سقط حكمه.

ولم يرد الحسن ولا خليل على طلبات للتعليق بشأن دورهما في تحويل الأموال.

وأكد مسؤول إماراتي أن الحكومة تمارس رقابة صارمة على جميع قطاعاتها الاقتصادية، وتدعم بشكل كامل أمن وسيادة سوريا على كافة أراضيها.

وقال أحد المديرين الماليين لمخلوف لـ «رويترز» إنه أنفق ستة ملايين دولار على الأقل على الرواتب. وأظهرت كشوف الرواتب وإيصالات استلامها، والتي أعدها مساعدوه الماليون في لبنان، أن مخلوف أنفق 976705 دولارات في مايو (أيار)، وأن مجموعة من خمسة آلاف مقاتل تلقت 150 ألف دولار في أغسطس (آب).

وذكر خمسة قادة لمجموعات عسكرية في سوريا، ممن يتقاضون رواتب من مخلوف ويقودون حوالي خُمس أتباعه، أن إجمالي عدد القوات حقيقي. لكن تمويل مخلوف لا يلبي احتياجاتهم، إذ لا يتجاوز 20 إلى 30 دولاراً شهريا لكل مقاتل.

بالإضافة إلى ذلك، سعى فريق مخلوف لتوفير أسلحة. فقد حددوا المواقع المحتملة لعشرات المخابئ من عهد الأسد، والتي تضم بضعة آلاف من الأسلحة، وفقاً لمخططات اطلعت عليها «رويترز». وهذه المخزونات غير تلك الموجودة في غرف القيادة السرية.

كما أجروا محادثات مع مهربين في سوريا للحصول على أسلحة جديدة، لكن أشخاصاً مطلعين على المناقشات قالوا إنهم لا يعرفون ما إذا كانت أسلحة جديدة قد تم شراؤها أو تسليمها بالفعل.

وذكر القادة العسكريون الخمسة أنهم يقودون في المجمل حوالي 12 ألف رجل في مراحل مختلفة من الجاهزية. وقال أحدهم لـ «رويترز» إن الوقت لم يحن بعد للتحرك.

وسخر قائد آخر من الخمسة من مخلوف، ووصفه بأنه يحاول شراء الولاء بمبالغ ضئيلة.

وأكد القادة الخمسة أنهم قبلوا أموالاً من مخلوف ورئيس المخابرات حسن ولا يرون أي مشكلة في تداخل مصادر التمويل.

وقال أحدهم إن «آلاف العلويين ممن كانوا في الجيش أو المدنيين الي طردوا من وظائف بالدولة يعيشون في حالة فقر مدقع... ليست مشكلة أن يأخذ الشخص قرشين من هذه الحيتان التي مصّت دمنا لسنوات».

مقبرة جماعة وإخفاء الفظائع

أدار حسن منظومة الاحتجاز العسكري في عهد الأسد، المعروفة بابتزاز الأموال على نطاق واسع من عائلات السجناء، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2024. وخلص تحقيق أجرته «رويترز» هذا العام إلى أن حسن هو من اقترح نقل مقبرة جماعية تحتوي على آلاف الجثث إلى صحراء الضمير خارج دمشق لإخفاء حجم الفظائع التي ارتكبتها حكومة الأسد.

ومع انهيار جيش الأسد، لجأ حسن إلى السفارة الروسية في دمشق في ديسمبر (كانون الأول) 2024 لمدة أسبوعين تقريباً. وقال شخصان مقربان منه إنه شعر بالغضب إزاء ما اعتبره سوء معاملة من جانب مضيفيه، الذين وفروا له غرفة واحدة بها كرسي خشبي واحد فقط للجلوس عليه.

امرأتان في مدينة حمص يوم 21 نوفمبر مع اقتراب ذكرى مرور سنة على سقوط نظام بشار الأسد (أ.ب)

وذكر في رسالة صوتية عبر تطبيق واتساب إلى دائرته المقربة في الربيع الماضي اطلعت عليها «رويترز»: «ليس كمال حسن الذي يتم إجلاسه على كرسي خشبي لأيام!». وقال ضابط التقى به خلال الصيف إن حسن انتقل في نهاية المطاف للإقامة في فيلا مكونة من ثلاثة طوابق في ضاحية بموسكو. ووفقاً لشخصين مطلعين على تحركات حسن، فإنه قابل ماهر الأسد مرة واحدة منذ ذلك الحين ويحافظ على علاقات وثيقة مع الروس.

وقال منسق عمليات حسن في لبنان إن رئيس المخابرات العسكرية السابق أنفق 1.5 مليون دولار منذ مارس (آذار) على 12 ألف مقاتل في سوريا ولبنان.

وقال حسن في رسالة صوتية أخرى عبر تطبيق واتساب في أبريل (نيسان) الماضي، والتي بدت موجهة إلى القادة، «اصبروا يا أهلي ولا تسلموا سلاحكم... ونحن الذين سنرجع كرامتكم».

وفي منتصف العام، تم الإعلان عن إنشاء منظمة خيرية أطلق عليها اسم «منظمة إنماء سوريا الغربية»، والتي ذكر أحد أوائل منشوراتها على فيسبوك أنها ممولة «من المواطن السوري اللواء كمال حسن«. ووصف ثلاثة ضباط مرتبطين بحسن ومدير لبناني في المنظمة الأمر بأنه غطاء إنساني حتى يتمكن حسن من بناء نفوذ بين العلويين.

وفي أغسطس (آب)، دفعت الجمعية الخيرية 80 ألف دولار لإيواء 40 عائلة علوية سورية، بحسب إعلان عن أول نشاط لها. ووفقا لوثيقة رواتب اطلعت عليها «رويترز»، أرسل حسن في الشهر نفسه 200 ألف دولار نقداً إلى 80 ضابطاً في لبنان.

وذكر مساعد لحسن في موسكو وأحد المتسللين الإلكترونيين، وهو مهندس كمبيوتر، أن حسن قام أيضاً خلال الصيف بتجنيد حوالي 30 متسللاً إلكترونياً كانوا ينتمون في السابق إلى المخابرات العسكرية. وكانت الأوامر الموجهة لهم هي تنفيذ هجمات إلكترونية ضد الحكومة الجديدة وزرع برامج تجسس في أنظمة الكمبيوتر الخاصة بها.

وبحلول سبتمبر (أيلول)، كانت مجموعات بيانات الحكومة السورية التي قال المهندس إن فريقه سرقها معروضة للبيع على شبكة الإنترنت المظلمة (دارك ويب) مقابل ما بين 150 و500 دولار. وعثرت «رويترز» على عدة مجموعات من البيانات التي حددها المهندس على الإنترنت، بما في ذلك قواعد بيانات موظفي وزارتي الاتصالات والصحة.

وقال المهندس إن رئيس المخابرات السابق حسن يخطط لهجوم متعدد الأوجه لاستعادة مكانته في سوريا. وأضاف أن «اللواء كمال يعرف أن الحرب على كل الجبهات وليست فقط على الأرض».

ماهر الأسد

اللاعب الرئيسي المحتمل في محاولات التحريض على الانتفاضة هو ماهر الأسد، الشقيق الأصغر للديكتاتور السابق.

سيطر ماهر على إمبراطورية تجارية وقاد أقوى وحدة في الجيش السوري وهي الفرقة الرابعة المدرعة. وكشف بحث أجراه معهد نيو لاينز للأبحاث في الولايات المتحدة أن في عهده، اكتسبت الفرقة نفوذاً واستقلالاً مالياً جعلها أشبه بدولة داخل الدولة، إلى الحد الذي جعل الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي تفرض عليها عقوبات خاصة.

وقال قائد كبير في الفرقة، موجود الآن في لبنان، إن إمبراطورية ماهر المالية لا تزال تعمل إلى حد كبير باستثناء مبيعاته المزعومة من مخدر الكبتاغون وهو أمفيتامين يُنتج بشكل غير مشروع. ويُعتقد رجل أعمال مقرب من ماهر أن أمواله مخبأة في شركات وهمية داخل سوريا وخارجها.

وذكر القائد أنه بينما يركّز بشار على حياته الخاصة وأعماله، لا يزال ماهر يسعى خلف استعادة النفوذ في سوريا. وأضاف أن الأخ الأصغر لا يستطيع استيعاب كيف يمكن طرد أبناء حافظ الأسد، الرئيس الأسبق ومؤسس حكم العائلة، من سوريا.

ويقول ضابطان في الفرقة إن الكثير من مقاتليها البالغ عددهم 25 ألفاً، داخل سوريا وخارجها، ما زالوا يعتبرون ماهر الأسد قائدهم ويمكنه حشدهم إذا أصدر الأمر.

ولا يسعى مخلوف للحصول على دعم آل الأسد، فقد سخر علناً من أبناء عمته ووصفهم بأنهم «الهاربون». وذكرت ثلاثة مصادر بارزة في كلا المعسكرين أن حسن يعتمد على سنوات من العلاقات الشخصية والتعاون مع آل الأسد، ويسعى للحصول على دعم ماهر.

ووفقاً لستة أشخاص على علم مباشر بمحاولات الرجلين لكسب دعم الكرملين، تحجم روسيا حتى الآن عن دعم حسن ومخلوف. وبينما تؤوي موسكو الرجلين، كانت الحكومة الروسية واضحة في أن أولويتها هي استمرار الوصول إلى القواعد العسكرية التي لا تزال تديرها على الساحل السوري، وفقاً لدبلوماسيين اثنين مطلعين على موقف موسكو.

وفي محاولة للحصول على مساعدة روسيا، تدخلت شخصية رئيسية هي الضابط السوري الكبير أحمد الملا، الذي يحمل الجنسية الروسية منذ بداية الحرب الأهلية. وكشف محضر مكتوب بخط اليد لأحد الاجتماعات اطلعت عليه «رويترز»، أن الملا توسط لعقد اجتماعات غير رسمية منفصلة في موسكو ابتداء من مارس (آذار) بين مسؤولين روس وممثلين عن حسن ومخلوف يقيمان في روسيا. ووفقاً لما ورد فيه، قال الروس «نظموا أنفسكم ودعونا نرى خططكم».

ولم يستجب الملا لطلبات التعليق على دوره في تنظيم الاجتماعات.

لكن شخصين على دراية مباشرة بمواعيد الاجتماعات ذكرا أن هذه الاجتماعات أصبحت نادرة. وقالا إنه لم تُعقد أي لقاءات منذ زيارة الرئيس الشرع لموسكو في أكتوبر (تشرين الأول) سعياً للحصول على دعم الكرملين.

وخلال الزيارة، أثار الشرع قضية حسن ومخلوف مع الحكومة الروسية، وفقاً لما ذكره الشامي محافظ طرطوس. قال الشامي «خلال زيارة السيد الرئيس إلى روسيا، جرى النقاش مع القيادة الروسية حول هذه الشخصيات، إضافة إلى التواصل مع الجانب اللبناني، وقد أبدت الحكومات المذكورة تجاوباً لزيادة التنسيق ومنع أي نشاط لهذه الشخصيات داخل أراضيها».

وقال أحد الدبلوماسيين إن اجتماع الشرع في الكرملين «أرسل إشارة إلى المتمردين العلويين: لا أحد في الخارج سيأتي لإنقاذكم».

وتوجد مؤشرات على أن مخلوف، الذي جُمدت حساباته التجارية بسبب العقوبات، يعاني من مشاكل في السيولة النقدية. ولم تصل رواتب شهر أكتوبر تشرين الأول بعد، وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على التحويلات.

القائد على الأرض

منذ أعمال القتل التي وقعت في مارس (آذار)، اعتمدت حكومة دمشق بشكل محوري على خالد الأحمد، صديق الطفولة للرئيس الشرع، لمواجهة المؤامرة.

كان الأحمد، العلوي، ذات يوم ضمن الدائرة المقربة للأسد. عمل دبلوماسياً في الظل وأحد مؤسسي قوات الدفاع الوطني، أكبر قوة شبه عسكرية متحالفة مع الأسد.

ومثل مخلوف، اعتقد الأحمد أنه مسؤول عن انتصار الأسد في الحرب الأهلية. لكن الأسد عامله بنفس الطريقة التي عامل بها ابن خاله وجرّده من الامتيازات وأمر بتجنيده، بحسب ما قال مساعدان.

فر الأحمد إلى قبرص، ثم سافر في عام 2021 إلى إدلب بشمال غربي سوريا للقاء صديقه القديم الشرع حسب روايات ثلاثة أشخاص عملوا مع الرجلين. وأضافوا أنهما ناقشا خطة الشرع للإطاحة بالأسد وهو ما تحقق بالفعل في ديسمبر 2024.

واطلعت «رويترز» على رسائل صوتية من الأحمد عبر تطبيق واتساب أواخر عام 2024 أخبر فيها مسؤولين عسكريين بارزين أنه من غير المجدي التمسك بالديكتاتور الخاسر، ووعدهم بالعفو عنهم إذا تخلوا عنه ومنعوا سفك الدماء.

في بيانه لـ «رويترز»، قال الأحمد إن هدفه كان منع المزيد من الصراع الدموي، لكنه أقرّ بعدم قدرته على «تجنيب السوريين المزيد من الخسائر، أو إرث الطائفية التي لا تزال تُخيم على مجتمعنا».

اليوم يعد الأحمد أبرز شخصية علوية في سوريا، ويتنقل بين شقة فاخرة مطلة على البحر في بيروت وفيلا محصنة في دمشق.

يقول الشامي: «يعمل خالد الأحمد بقوة في مسار السلم الأهلي، منطلقاً من الحرص على أبناء الطائفة العلوية ودمجهم في الحكومة الجديدة. ويُعتبر الدور الذي يقوم به دوراً مهماً في تعزيز الثقة بين المكون العلوي والحكومة الجديدة».

وأشار أربعة مساعدين إلى أن الأحمد يموّل وينسق برامج لتوفير فرص عمل وتنمية اقتصادية، لأنه يعتقد أنهما الحل لارتفاع معدلات البطالة المزعزعة للاستقرار التي أعقبت سقوط الأسد، عندما تم حل الجيش وخسر العلويون وظائفهم الحكومية.

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت وزارة الداخلية اعتقال خلية في منطقة الساحل قالت إنها ممولة من مخلوف وكانت تخطط لاغتيال صحافيين وناشطين. وبحسب محافظ طرطوس أحمد الشامي، بلغ عدد المعتقلين المرتبطين بمخلوف وحسن «حدود العشرات».

وعلى طول الساحل نفسه، تتراكم معدات عسكرية في غرف تحت الأرض، وفقاً لقائد ميداني يشرف على العديد منها. وقال إنها ستكون جاهزة عند الحاجة، لكنه حتى الآن لا يرى أي جانب يستحق أن ينحاز إليه.


إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
TT

إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

​اتفق وزيرا المالية والدفاع في إسرائيل، على تقليص ميزانية وزارة الدفاع التي طلبتها الأخيرة في إطار إعداد الموازنة العامة لعام 2026، من 144 مليار شيقل، إلى 112، وبما يمثل زيادة وصلت إلى نحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025، بما يخدم بشكل أساسي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على حساب حاجة الجيش الإسرائيلي لقوات أكبر مع عجز التجنيد.

وعُقد ليل الخميس - الجمعة، اجتماع مطول بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي كان أعد موازنة وزارته بالتنسيق مع قيادة الجيش الإسرائيلي، التي أكدت الحاجة الماسة لزيادة موازنتها لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وزير الدفاع يسرائيل كاتس طالب بزيادة موازنتة وزارته لمواجهة التحديات (د.ب.أ)

وظهر الجمعة، أقرت الحكومة الإسرائيلية بأغلبية مطلقة الموازنة الجديدة لعام 2026، التي بلغت 662 مليار شيقل، فيما سيبلغ سقف العجز 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث ستعرض لاحقاً للتصويت في الهيئة العامة للكنيست.

وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، فإن تقليص الموازنة المطلوبة من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية، يعدّ انتصاراً لصالح الخزينة العامة، رغم أن رفعها بنحو 20 مليار شيقل، سيرفع العجز في الميزانية التي يتم إعدادها بنسبة 1 في المائة إضافية، ليكون الإجمالي حتى نحو 4 في المائة.

وقال كاتس في تصريح له عقب الاتفاق مع سموتريتش، إن الميزانية المتفق عليها ستعتمد على استدعاء نحو 40 ألف جندي من الاحتياط للخدمة العسكرية خلال متوسط العام المقبل، وإن الهدف من ذلك تخفيف العبء على جنود الاحتياط في ظل واقع الحرب متعددة الجبهات.

وكانت قيادة الجيش الإسرائيلي طالبت خلال الجلسات التحضيرية لإعداد الموازنة، بالعمل على استدعاء 60 ألف جندي لقوات الاحتياط.

ووفقاً للصحيفة العبرية، فإنه تم الاتفاق على حزمة ميزانية تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 725 مليون شيقل، توزع على 3 سنوات، بهدف تعزيز الأمن في الضفة الغربية، بما في ذلك حماية طرق التنقل وتعبيد الطرق، وإنشاء قواعد عسكرية للجيش الإسرائيلي في تلك المناطق، إلى جانب مشاريع تتعلق بالحدود الشرقية مع الأردن، ما يشير إلى وجود اتفاق غير معلن على خفض عدد القوات بالضفة، خصوصاً عند الحدود الشرقية، وتخصيص أموال أكثر بكثير لبناء مزيد من البؤر الاستيطانية، وإعادة تأهيلها وشق طرق لصالحها.

وزير المالية بتسلئيل سموتريتش شكر وزارة الدفاع على تعاونها في عملية تقليص ميزانيتها (رويترز)

وأشارت الصحيفة إلى أن قانون تجنيد الحريديم المتزمتين، الذي يدرس حالياً للتصويت عليه قريباً في الكنيست، سيتسبب في تكاليف باهظة تصل إلى مليارات الشواقل حتى عام 2026، مبينةً أن الإعفاء من التجنيد سيثقل كاهل جنود الاحتياط وميزانية وزارة الدفاع.

وبينت أن تكلفة نشاط الكتائب النظامية أكثر من نصف تكلفة كتائب الاحتياط، ويبدو أن حل كاتس لسد هذه الفجوة يتمثل في تمديد مدة الخدمة الإلزامية العامة إلى 3 سنوات، بينما سيقر الكنيست قانوناً يعفي الشباب الحريديين من التجنيد الإجباري.

وتشير الصحيفة إلى أن الفجوة في التكاليف بين الكتيبة النظامية والاحتياطية شاسعة لدرجة أنها، في بعض الحسابات، تقترب من 50 في المائة، إذ يكلف كل جندي احتياطي إسرائيل 48 ألف شيقل شهرياً، مقارنةً بنحو نصف هذا المبلغ، في المتوسط، للجندي النظامي في الخدمة الإلزامية، وفقاً لحساب أجرته وزارة المالية العام الماضي. إضافةً إلى ذلك، ووفقاً لحسابات الوزارة، يفترض أن تكون تكلفة 60 ألف جندي احتياطي في أي وقت أقل بكثير، بل وأكثر بكثير، مما هي عليه في سنة غير حربية تعرف بـ«زيادة الخدمة العسكرية»، أي ما يقارب 13 - 14 مليار شيقل في عام 2026.

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

وقدم سموتريتش شكره لوزارة الدفاع الإسرائيلية على تعاونها في عملية تقليص ميزانيتها، معتبراً أنها ستعمل على إعادة مسار النمو، وستوفر أفضلية اقتصادية للإسرائيليين، وتتيح تخفيفاً ضريبياً في إطار الميزانية العامة.

وعقدت الحكومة الإسرائيلية، صباح الخميس، اجتماعاً بحث بشكل أساسي إقرار الميزانية، التي ستحدد مسار الاقتصاد الإسرائيلي خلال عام 2026، وعرض سموتريتش كثيراً من الإصلاحات التي يسعى إلى إقرارها.

وفاجأ سموتريتش، وزراء الحكومة الإسرائيلية، حين أبلغهم بأن العجز السنوي سيبلغ ما بين 3.2 و3.6 في المائة، بينما سيصل إلى نحو 4 في المائة بعد الاتفاق مع وزارة الدفاع.

واحتج أمام مقر الحكومة الإسرائيلية بعض رؤساء بلديات مستوطنات وبلدات غلاف غزة، بعد أن تقرر تقليص الموازنة المخصصة لإعادة الإعمار في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023.


الرئاسة العراقية تنفي علمها بقرار اعتبار «حزب الله» والحوثيين «جماعتين إرهابيتين»

مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)
مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)
TT

الرئاسة العراقية تنفي علمها بقرار اعتبار «حزب الله» والحوثيين «جماعتين إرهابيتين»

مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)
مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)

نفت رئاسة الجمهورية العراقية علمها أو مصادقتها على قرار اعتبار جماعتَي «أنصار الله (الحوثيين)»، و«حزب الله» اللبناني جماعتَين إرهابيَّتين، وتجميد الأصول والأموال العائدة إليهما.

وأكدت الرئاسة أنه «لا تُرسل مثل هذه القرارات إلى رئاسة الجمهورية، ولا يُرسل إليها للتدقيق والمصادقة والنشر سوى القوانين التي يُصوِّت عليها مجلس النواب، والمراسيم الجمهورية».

وأوضحت أن «قرارات مجلس الوزراء، وقرارات لجنة تجميد أموال الإرهابيين، وقرارات لجنة غسل الأموال، والتعليمات الصادرة عن أي جهة لا تُرسَل إلى رئاسة الجمهورية». ولفتت إلى أن الرئاسة لم تطَّلع أو تعلم بقرار اعتبار «أنصار الله»، و«حزب الله» جماعتَين إرهابيَّتين وتجميد أموالهما، إلا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.