ماكري «بطل اليمين» قائد الأرجنتين الجديد

أول رئيس ينتخب ديمقراطيًا من خارج التيارات الراديكالية والبيرونية منذ 1916

ماكري «بطل اليمين» قائد الأرجنتين الجديد
TT

ماكري «بطل اليمين» قائد الأرجنتين الجديد

ماكري «بطل اليمين» قائد الأرجنتين الجديد

في نتيجة خالفت اتجاه معظم نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في دول أميركا الجنوبية فاز موريسيو ماكري، عمدة العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، ومرشح اليمين الليبرالي برئاسة الجمهورية، متغلبًا في الجولة الثانية الحاسمة من الانتخابات على منافسه مرشح «جبهة النصر» ممثلة اليسار البيروني وحاكم ولاية بوينس آيرس دانيال سيولي. وكان سيولي، الذي اختارته ودعمته الرئيسة المنتهية ولايتها كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر، قد تصدر الجولة الأولى من الانتخابات، غير أنه أخفق في حسم المعركة لصالحه بعد انقسام القاعدة الشعبية للبيرونيين وتوزع أصواتهم بين سيولي ورئيس مجلس الوزراء السابق سيرجيو ماسا الذي انشق عنها بعد تأسيسه تجمعًا على يمين الوسط هو «حركة التجديد».
من هو ماكري؟ وماذا يعني انتصاره بالنسبة لمستقبل البيرونيين والأرجنتين؟ واستطرادًا لمستقبل التجربة الديمقراطية في أميركا الجنوبية؟
كثيرون من راصدي السياسة الأرجنتينية اعتبروا فوز موريسيو ماكري، رجل الأعمال اليميني وعمدة العاصمة بوينس آيرس، برئاسة جمهورية الأرجنتين خطوة كبرى نحو «السياسة الواقعية» البعيدة عن الشعبوية الجماهيرية التي أتقن استثمارها التيار البيروني، أحد أقوى التيارات الوطنية واليسارية المناوئة تقليديًا لنفوذ الولايات المتحدة والعسكر والكنيسة الكاثوليكية في أميركا الجنوبية.
المحللون الاقتصاديون كانوا يأخذون على الرئيسة البيرونية المنتهية ولايتها كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر الهروب من المعضلات الاقتصادية وتداعيات الفساد بإجراءات إنفاق شعبوية ما كان يمكن أن تزيد الأوضاع إلا تفاقمًا. ثم إن كثيرين حتى من مناصري الرئيسة التي حكمت البلاد منذ عام 2007، والتي خلفت زوجها الرئيس الراحل نستور كيرشنر الذي تولى المنصب بين 2003 و2007، شعروا خلال السنوات القليلة الماضية بالامتعاض إزاء تورط مقربين منها بفضائح فساد وإثراء غير مشروع. ومن ثم، فإن كثير من الراصدين السياسيين رأوا في نتيجة الجولة الأخيرة والحاسمة من انتخابات الرئاسة الأرجنتينية التي أجريت يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي هزيمة للرئيسة دي كيرشنر أكثر منها انتصارًا للتيار اليميني يمكن أن يشكل بالضرورة منعطفًا تاريخيًا في التطور السياسي للأرجنتين. وبعض هؤلاء يشيرون إلى تجربة مماثلة سجلت في تشيلي، «جارة» الأرجنتين إلى الغرب، حيث نجح رجل الأعمال الملياردير سباستيان بينييرا بالفوز بالرئاسة، مستفيدًا من انقسام أصوات اليسار وتوزّعها في انتخابات عام 2010 التي تعذّر دستوريًا على الرئيسة اليسارية المنتهية ولايتها ميشيل باشليت خوضها. ولكن، بعد انتهاء فترة بينييرا الرئاسية، خاضت باشليت الانتخابات عام 2014 وفازت مجددًا بمنصب الرئاسة.
* النشأة والبداية
موريسيو ماكري، مهندس مدني ورجل أعمال ثري، حتمًا أقل ثراء من الملياردير بينييرا، لكنه أكثر «كاريزمية». ولد ماكري يوم 8 فبراير (شباط) 1959 في منطقة تانديل التابعة لبوينس آيرس، لعائلة ثرية، إذ إن أباه فرانشيسكو ماكري مليونير إيطالي هاجر أبوه جورجيو إلى الأرجنتين بعد قيام الجمهورية في إيطاليا، وبنى ثروته فيها، أما أمه فهي من أصول إسبانية.
تلقى ماكري تعليمه الجامعي في الجامعة الكاثوليكية البابوية للأرجنتين في بوينس آيرس وتخرج فيها بدرجة البكالوريوس في الهندسة المدنية. وانتظم لاحقًا في دراسات جامعية فصلية قصيرة في الولايات المتحدة حملته إلى معهد إدارة الأعمال التابع لجامعة كولومبيا في نيويورك ومعهد وارتون للتمويل التابع لجامعة بنسلفانيا، كما انتظم في دراسات بجامعة سيما في العاصمة الأرجنتينية.
وبعد إكماله دراسته الجامعية انخرط في شركة «سيديكو»، وهي إحدى شركات البناء والمقاولات التي تملكها شركة والده القابضة «مجموعة سوكما». وعمل في الشركة لبضع سنوات، قبل أن ينتقل للعمل في فرع مصرف سيتي بنك - الأرجنتين. لكنه سرعان ما عاد عام 1985 ليتولى منصب مدير عام في «مجموعة سوكما».
عام 1991 تعرض موريسيو ماكري للخطف على أيدي ضباط في الشرطة الاتحادية الأرجنتينية، وبعد 12 يومًا أفرج عنه في أعقاب دفع فدية كبيرة. ويقال إن هذه التجربة أقنعت ماكري بالتفكير جديًا باقتحام عالم السياسة. وعام 1992، شغل ماكري منصب نائب رئيس شركة سيفيل أرجنتينا (التابعة لـ«مجموعة سوكما» التي كانت تصنع سيارات «بيجو» و«فيات» في الأرجنتين بترخيص من الشركتين الأم؛ الفرنسية والإيطالية. ثم أصبح رئيسًا للشركة عام 1994.
وخلال عام 1995 كسب ماكري شهرة عريضة على مستوى البلاد لدى انتخابه رئيسًا لنادي بوكا جونيورز الرياضي، الذي يعد مع غريمه التقليدي نادي ريفر بليت «قطبي كرة القدم الأرجنتينية». ولقد تكرر انتخابه رئيسًا لبوكا - الذي لعب في صفوفه دييغو مارادونا - عامي 1999 و2003. وشهدت سنوات رئاسة ماكري للنادي الشعبي «الأزرق والأصفر» إحدى فترات عصره الذهبي، إذ فاز النادي بسبع بطولات محلية و11 مسابقة دولية.
* اقتحام ساحة السياسة
دخل ماكري الساحة السياسية عام 2003 عندما أسس حزبه السياسي «لجنة التغيير» الذي يمثل تيار يمين الوسط، وفي فترة لاحقة من ذلك العام خاض انتخابات عمودية (رئاسة بلدية) بوينس آيرس غير أنه خسر الجولة الثانية الحاسمة.
ثم، عام 2005 أسهم في تأسيس تنظيم جديد يمثل اليمين هو «المقترح الجمهوري»، وانتخب عضوًا في مجلس النواب. ولاحقًا عام 2007 أعلن ماكري نيته الترشح للانتخابات البلدية في العاصمة على رأس قائمة «المقترح الجمهوري»، وبالفعل فاز على مرشح السلطة دانيال فيلموس حاصلاً في الجولة الثانية الحاسمة على نحو 61 في المائة من الأصوات.
عام 2011 طرح اسم موريسيو ماكري ليخوض انتخابات الرئاسة، لكنه شعر أن الوقت غير ملائم، وفضل خوض انتخابات رئاسة البلدية مجددًا، وفاز فيها للمرة الثانية متغلبًا أيضًا على فيلموس. وكانت تلك آخر معركة انتخابية له قبل خوضه الانتخابات الرئاسية التي انتصر فيها وأصبح أول رئيس يميني يفوز برئاسة الأرجنتين عبر انتخابات ديمقراطية منذ عام 1916.
في الجولة الأولى التي أجريت يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تقدم المرشح البيروني اليساري سيولي جامعًا أكثر من 37 في المائة من الأصوات مقابل حصول ماكري - الذي اختار حليفته غابرييلا ميكيتي لمنصب نائب الرئيس - على 34.15 في المائة. غير أن ماكري وحليفته اليمينية فازا في الجولة الثانية الحاسمة على سيولي - والمرشح لنيابته كارلوس زانيني - جامعًا 51.34 في المائة مقابل 48.66 في المائة (12.988.349 مليون صوت مقابل 12.309.301 صوت).
* عائلة ماكري
كما سبقت الإشارة، انطلقت مسيرة ماكري من طموحه الشخصي، بجانب ثراء عائلته. فأبوه فرانشيسكو (فرانكو) الذي هو اليوم في منتصف الثمانين من العمر، والمولود في روما، أيضًا ينحدر من أصول غنية من جانبي أمه وأبيه. غير أنه بدأ حياته العملية بداية متواضعة قبل أن يغدو مقاولاً ورجل أعمال ثريًا.
أما زوجة الرئيس الجديد جوليانا عواضة، فهي سيدة أعمال من أصول لبنانية - سورية مسلمة، أبوها إبراهيم عواضة من مدينة بعلبك في شمال شرقي لبنان، وأمها إلزا بكر من سوريا، ولديها شقيقان أحدهما الممثل أليخاندرو عواضة والثاني رجل الأعمال دانيال، وشقيقتان هما سيدة الأعمال زريدة والفنانة ليلى، وعائلتها ناشطة في صناعة النسيج.
ولقد ولدت جوليانا عام 1974 وتنقلت في طفولتها وصباها في أوروبا ودرست في بريطانيا. ولقد التقت بموريسيو ماكري عام 2009 وتزوجا في العام التالي وأنجبت له بنتًا، وكان قد رزق ببنتين وولد من زواج سابق.

* رؤساء الأرجنتين منذ حكم بيرون
خوان بيرون 1952 - 1955
إدواردو لوناردي 1955
بدرو أوجينيو آرامبورو 1955 – 1958
ارتورو فرونديزي 1958 – 1962
خوسيه ماريا غيدو 1962 – 1963
ارتورو أومبرتو إيليا 1963 – 1966
خوان كارلوس أونغانيا 1966 – 1970
روبرتو ليفينغستون 1970 – 1971
آليخاندرو لانوسي 1971 – 1973
هيكتور كامبورا 1973
راوول ألبرتو لاستيري 1973
خوان بيرون 1973 – 1974
إيزابيلا مارتينيز بيرون 1974 - 1975
خورخي رافاييل فيديلا 1975 – 1981
روبرتو إدواردو فيولا 1981
ليوبولدو غالتييري 1981 - 1982
رينالدو بينيوني 1982 – 1983
راوول آلفونسين 1983 - 1989
كارلوس منعم 1989 - 1999
فرناندو دي لا روا 1999 - 2001
أدولفو رودريغير ساآ ديسمبر 2001
إدواردو دو هالدي 2002 - 2003
نستور كيرشنر 2003 - 2007
كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر 2007 - 2015
موريسيو ماكري 2015...



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».