سياسة «الفيدرالي» الغامضة تزيد من تعقيدات سوق السندات في 2025

وسط زيادة العجز المالي والإصدار المتوقع لديون الخزانة الأميركية

متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
TT

سياسة «الفيدرالي» الغامضة تزيد من تعقيدات سوق السندات في 2025

متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

نادراً ما واجه تجار السندات هذا القدر من التحديات في دورة التيسير التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي. ومع ذلك، يشعرون الآن بقلق زائد من أن عام 2025 قد يشهد مزيداً من التعقيدات المشابهة. وعليه، تتجه أنظار المستثمرين إلى كيفية أداء سوق السندات في هذا العام، في ظل حكومة جمهورية جديدة وزيادة متوقعة في العجز المالي، مما يستدعي مزيداً من إصدارات ديون الخزانة.

وقد ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بأكثر من ثلاثة أرباع نقطة أساس منذ أن بدأ محافظو البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة القياسية في سبتمبر (أيلول)، ووصلت يوم الثلاثاء إلى 4.579 في المائة. وعلى مدار العام، شهد العائد زيادة بأكثر من 60 نقطة أساس، وهو أفضل مكسب سنوي له في عامين. وفي أواخر أبريل (نيسان)، بلغ العائد 4.739 في المائة، وهو أعلى مستوى في عام 2024. بينما سجل الذروة في 26 ديسمبر (كانون الأول) عند 4.641 في المائة، رغم قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة على التوالي، وهو أعلى مستوى في أكثر من ستة أشهر، حيث كانت السوق تتوقع مزيداً من ضغوط التضخم في عام 2025 تحت حكم الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترمب، مع فرض التعريفات الجمركية وتخفيضات الضرائب، وفق «رويترز».

وقال شون سيمكو، رئيس إدارة محفظة الدخل الثابت العالمية لدى «إس إي آي إنفستمنتس»: «تمت إعادة تسعير سندات الخزانة وفقاً لفكرة أسعار فائدة أعلى لفترة أطول، وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأكثر تشدداً». وأضاف أن هذا الاتجاه سيستمر، بقيادة العوائد المرتفعة على المدى الطويل، وفقاً لـ«بلومبرغ».

وتؤكد العوائد المرتفعة على تفرد هذه الدورة الاقتصادية والنقدية. وعلى الرغم من ارتفاع تكاليف الاقتراض، نجح الاقتصاد المرن في إبقاء التضخم بعناد أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما أجبر المتداولين على التراجع عن الرهانات على تخفيضات أسعار الفائدة العدوانية، والتخلي عن الآمال في ارتفاع أسعار السندات على نطاق واسع. وبعد عام من التقلبات الجامحة، يواجه المتداولون الآن عاماً آخر من خيبة الأمل، حيث بالكاد تحقق سندات الخزانة الأميركية ككل التعادل.

وأشار تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين والشريك في شركة «أبوللو غلوبال مانجمنت» في نيويورك، في مدونته اليومية، يوم الثلاثاء، إلى أن علاوة الأجل (العائد الزائد المتوقع) التي يحصل عليها المستثمرون جراء احتفاظهم بسندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل قد ارتفعت بمقدار 75 نقطة أساس في الأشهر الثلاثة الماضية. وقال: «بعبارة أخرى، ارتفعت أسعار الفائدة لمدة 10 سنوات بمقدار 75 نقطة أساس إضافية أكثر مما يمكن تبريره بتغيير توقعات (الفيدرالي)، مما يعكس على الأرجح المخاوف الزائدة في الأسواق بشأن الاستدامة المالية للولايات المتحدة».

الخبر السار

الخبر السار هو أن الاستراتيجية الشعبية التي نجحت إلى حد كبير خلال دورات التيسير السابقة قد اكتسبت زخماً متجدداً. هذه التجارة، المعروفة باسم «منحدر المنحنى»، هي رهان على أن سندات الخزانة الأميركية قصيرة الأجل والحساسة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي ستتفوق على نظيراتها الأطول أجلاً - وهو الأمر الذي حدث بشكل عام في الآونة الأخيرة.

ومع ذلك، فإن التوقعات ستكون صعبة. فلا يتعين على مستثمري السندات فقط التعامل مع الفيدرالي الذي من المرجح أن يظل في مرحلة التوقف لفترة من الوقت، بل سيواجهون أيضاً اضطرابات محتملة نتيجة الإدارة المقبلة للرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي تعهد بإعادة تشكيل الاقتصاد بسياسات تتراوح بين التجارة والهجرة، التي يراها كثير من الخبراء تضخمية.

وقال جاك ماكنتاير، مدير المحفظة لدى «برانديواين غلوبال إنفستمنت مانجمنت»: «لقد دخل (الفيدرالي) مرحلة جديدة من السياسة النقدية - مرحلة التوقف». وأضاف: «كلما طالت مدة هذه الفترة، زادت احتمالات اضطرار الأسواق إلى تسعير زيادات أسعار الفائدة بدلاً من خفضها على قدم المساواة. وسوف يؤدي عدم اليقين السياسي إلى مزيد من التقلبات في الأسواق المالية في عام 2025».

والآن أصبح الاجتماع الأخير لـ«الفيدرالي» هذا العام في الخلفية، ومن المرجح أن تدعم نتائجه انحدار المنحنى عند مطلع العام. ومع ذلك، بمجرد تولي إدارة ترمب زمام الأمور في يناير (كانون الثاني)، فقد تتوقف هذه الديناميكية وسط حالة من عدم اليقين المحيطة بالسياسات الجديدة للحكومة.

فقد فوجئ تجار السندات بعد أن أشار صناع السياسات في الفيدرالي إلى مزيد من الحذر بشأن سرعة تقليص تكاليف الاقتراض وسط مخاوف التضخم المستمرة. وقد توقع مسؤولو «الفيدرالي» خفضين فقط بمقدار ربع نقطة في عام 2025، بعد خفض أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة من أعلى مستوى لها في عقدين من الزمان. ويرى 15 من 19 مسؤولاً في بنك الاحتياطي الفيدرالي مخاطر تصاعدية للتضخم، مقارنة بثلاثة فقط في سبتمبر.

وسارع التجار إلى إعادة معايرة توقعاتهم للأسعار. وأظهرت مقايضات أسعار الفائدة أن التجار لم يحسبوا بالكامل تخفيضاً آخر حتى يونيو (حزيران). وهم يراهنون على خفض إجمالي بنحو 0.36 نقطة مئوية في العام المقبل، وهو أقل من متوسط توقعات نصف النقطة على ما يسمى بمخطط النقاط لبنك الاحتياطي الفيدرالي. ومع ذلك، في سوق الخيارات، انحرفت تدفقات التجارة نحو مسار غير معقد.

البحث عن فرص في السندات القصيرة

انخفض مؤشر «بلومبرغ» القياسي لسندات الخزانة للأسبوع الثاني على التوالي، مما أدى إلى محو مكاسب هذا العام تقريباً، حيث قادت السندات طويلة الأجل عمليات البيع. ومنذ أن بدأ «الفيدرالي» في خفض أسعار الفائدة في سبتمبر، انخفضت ديون الحكومة الأميركية بنسبة 3.4 في المائة. بالمقارنة، حققت السندات عوائد إيجابية في الأشهر الثلاثة الأولى من كل من دورات التيسير الست الماضية.

ولم تجذب الانخفاضات الأخيرة في السندات طويلة الأجل كثيراً من صائدي الصفقات. وفي حين أوصى الاستراتيجيون في «جيه بي مورغان تشيس آند كو»، بقيادة جاي باري، العملاء بشراء سندات مدتها عامان، قالوا إنهم لا «يشعرون بالإلزام» بشراء الديون ذات الأجل الأطول، مشيرين إلى الافتقار إلى البيانات الاقتصادية الرئيسة في الأسابيع المقبلة، وضعف التداول في نهاية العام، فضلاً عن العرض الجديد.

ويوم الثلاثاء، استقر العائد على السندات لأجل عامين عند 4.252 في المائة، بعد أن سجل أدنى مستوى في أسبوعين عند 4.217 في المائة في وقت سابق من الجلسة. وبدأ العائد على السندات لأجل عامين عام 2024 عند 4.328 في المائة، وانتهى العام بانخفاض بنحو 7 نقاط أساس إلى 4.254 في المائة. ولم يكن هذا الانخفاض مفاجئاً نظراً لأن «الفيدرالي» بدأ دورة التيسير النقدي في سبتمبر.

الاستراتيجية الرابحة

خلقت البيئة الحالية الظروف المثالية لاستراتيجية الانحدار. ففي اليوم الأخير من ديسمبر، انحدر منحنى العائد الأميركي، حيث وصل الفارق بين العائدات لأجل عامين وعشرة أعوام إلى 34.3 نقطة أساس، وهو الأكثر انحداراً منذ مايو (أيار) 2022. ويعكس هذا التغير عادةً التوقعات بتخفيضات في أسعار الفائدة في المستقبل، خاصة في أوقات التيسير النقدي.

ومن السهل فهم المنطق وراء هذه الاستراتيجية. فقد بدأ المستثمرون في ملاحظة القيمة فيما يُسمى «النهاية القصيرة»، حيث إن العوائد على السندات لأجل عامين، التي تبلغ 4.3 في المائة، تقترب بشكل كبير من عوائد سندات الخزانة لأجل ثلاثة أشهر، مما يجعلها معادلة تقريباً للنقود. لكن السندات لأجل عامين تتمتع بميزة إضافية تتمثل في احتمال ارتفاع أسعارها إذا قرر «الفيدرالي» خفض الفائدة بشكل أكبر من المتوقع. علاوة على ذلك، تقدم هذه السندات قيمة استثمارية من منظور الأصول المتقاطعة، خاصة عند النظر إلى التقييمات المرتفعة للأسهم الأميركية.

وقال مايكل دي باس، رئيس تداول الأسعار العالمي في «سيتادل» للأوراق المالية: «تنظر السوق إلى السندات على أنها رخيصة، وبالتأكيد بالنسبة للأسهم، وترى أنها تمثل تأميناً ضد التباطؤ الاقتصادي». وأضاف: «السؤال هو، كم عليك أن تدفع مقابل هذا التأمين؟ إذا نظرت إلى الواجهة الأمامية الآن، فلن تضطر إلى دفع الكثير».

تحديات السندات طويلة الأجل

وعلى النقيض من ذلك، تواجه السندات طويلة الأجل صعوبة في جذب المشترين في ظل التضخم المستمر والاقتصاد القوي. ويشعر بعض المستثمرين بالقلق أيضاً من المنصة السياسية لترمب وإمكاناتها ليس فقط في تغذية النمو والتضخم، بل وأيضاً في تفاقم العجز الكبير في الموازنة بالفعل.

وقال مايكل هانستاد، نائب الرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة «نورثرن تراست» لإدارة الأصول التي تشرف على 1.3 تريليون دولار: «عندما تبدأ في الأخذ في الاعتبار إدارة ترمب والإنفاق، فإن هذا قد يدفع بالتأكيد العوائد طويلة الأجل إلى الارتفاع». وأضاف أنه يفضل السندات المرتبطة بالتضخم بصفتها «تأميناً رخيصاً إلى حد ما» ضد ارتفاع أسعار المستهلك.

تأثير الإدارة الجديدة في 2025

ومن بين الأمور التي تشغل بال المستثمرين أيضاً ما إذا كان فريق إدارة الديون التابع لترمب سيختار تغيير نمط إصداره في عام 2025. فقد اختار الرئيس المنتخب مدير صندوق التحوط سكوت بيسنت ليكون وزيراً للخزانة، وهو المنصب الذي لا يزال يحتاج إلى تأكيد من الكونغرس. وفي بيان على منصته «تروث سوشيال»، أعلن أنه يرشح ستيفن ميران لقيادة مجلس مستشاريه الاقتصاديين.

وانتقد كل من بيسنت وميران في وقت سابق من هذا العام إدارة وزيرة الخزانة جانيت يلين لإصدار الديون.

وفي ما أصبح الآن تقليداً مقدساً في «وول ستريت»، وضع كبير خبراء الاقتصاد في شركة «أبوللو غلوبال مانجمنت» تورستن شميت في مذكرة توقعاته للمخاطر التي تواجهها الأسواق في عام 2025 واحتمالات كل نتيجة. وقد قدّم بوب ميشال، كبير مسؤولي الاستثمار في الدخل الثابت العالمي لدى «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول، تحليلاً مماثلاً الأسبوع الماضي.

وفي قائمة المخاطر المكونة من 12 سيناريو، رأى أن هناك فرصة بنسبة 85 في المائة لتسارع الاقتصاد الأميركي مجدداً، وأن تكون هناك حالة من التفاؤل أو النشاط الاقتصادي المكثف. بالإضافة إلى احتمال بنسبة 40 في المائة لرفع «الفيدرالي» لأسعار الفائدة في عام 2025. أما بالنسبة للركود الاقتصادي في الولايات المتحدة، فقد قدر الاحتمال بنحو صفرٍ لهذه النتيجة.


مقالات ذات صلة

أسواق الخليج ترتفع بدعم النفط وتوقعات «الفيدرالي الأميركي»

الاقتصاد مستثمر يراقب شركة التداول في السوق القطرية (أ.ف.ب)

أسواق الخليج ترتفع بدعم النفط وتوقعات «الفيدرالي الأميركي»

ارتفعت الأسواق الرئيسية في الخليج في ختام تعاملات، الخميس، مدفوعة بصعود أسعار النفط وتوقعات اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد متداولو العقود الآجلة والخيارات يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)

الأسهم العالمية تتوهج بتوقعات «الفيدرالي»... والين تحت مراقبة التدخل

شهدت الأسهم الآسيوية ارتفاعاً، يوم الخميس، بينما تراجع الدولار، مدفوعة بتزايد التوقعات بخفض وشيك لسعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد رجل يمر أمام شعار السوق المالية السعودية (تداول) (رويترز)

الأسواق الخليجية تفتح على تباين في ظل توقعات خفض الفائدة الأميركية

تباين أداء أسواق الأسهم الرئيسة في الخليج في التعاملات المبكرة، يوم الثلاثاء، بعد أن أحيت التصريحات المائلة نحو التيسير النقدي آمال خفض أسعار الفائدة الأميركية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مستثمر يتابع تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)

الأسواق الخليجية تتراجع وسط ضغط أسعار النفط وترقُّب الفائدة الأميركية

تراجعت أسواق الأسهم في منطقة الخليج خلال جلسة الاثنين، متأثرة بانخفاض أسعار النفط، واستمرار ضبابية مسار أسعار الفائدة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شعار شركة «دار جلوبال» في بورصة لندن بعد قرع الجرس (الشرق الأوسط)

«دار جلوبال» تنتقل إلى فئة الشركات التجارية في بورصة لندن

سجّلت شركة «دار جلوبال» المدرجة في بورصة لندن خطوة جديدة في مسارها، بانتقالها إلى فئة «أسهم رأس المال الشركات التجارية».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.


وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
TT

وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)

شكلت تصريحات وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد الكعبي، خلال «منتدى الدوحة 2025»، نقطة محورية في مناقشات المنتدى الذي افتتحه أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نسخته الثالثة والعشرين تحت شعار: «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى واقع ملموس». وأكد الكعبي على رؤية متفائلة للغاية لمستقبل الغاز، مشدداً على أنه «لا قلق لديه على الإطلاق» بشأن الطلب المستقبلي بفضل الحاجة المتزايدة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي.

وأكد الكعبي أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيظل قوياً بفضل تزايد احتياجات الطاقة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي، متوقعاً أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي المسال إلى ما بين 600 و700 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035. وأبدى في الوقت نفسه، قلقه من أن يؤثر نقص الاستثمار على الإمدادات المستقبلية للغاز الطبيعي المسال والغاز.

وقال الكعبي: «لا أشعر بأي قلق على الإطلاق بشأن الطلب على الغاز في المستقبل»، مُضيفاً أن الطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي ستكون مُحرّكاً رئيسياً للطلب. عند بلوغه كامل طاقته الإنتاجية، من المتوقع أن يُنتج مشروع توسعة حقل الشمال 126 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً بحلول عام 2027، مما سيعزز إنتاج قطر للطاقة بنحو 85 في المائة من 77 مليون طن متري سنوياً حالياً.

وأضاف أن أول قطار من مشروع «غولدن باس» للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع مشترك مع «إكسون موبيل» في تكساس، سيبدأ العمل بحلول الربع الأول من عام 2026.

وأكد الكعبي أن أسعار النفط التي تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل ستوفر إيرادات كافية للشركات للاستثمار في احتياجات الطاقة المستقبلية، مضيفاً أن الأسعار التي تتجاوز 90 دولاراً ستكون مرتفعة للغاية.

كما حذّر من كثرة العقارات التي تُبنى في الخليج، ومن احتمال «تشكُّل فقاعة عقارية».

الاتحاد الأوروبي

كما أبدى الكعبي أمله أن يحل الاتحاد الأوروبي مخاوف الشركات بشأن قوانين الاستدامة بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول).

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، أعربت يوم الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية. وأكّدت دول المجلس أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

كما أعربت قطر عن استيائها من توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وهدّدت بوقف إمدادات الغاز. ويتمحور الخلاف حول إمكانية فرض توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات غرامات على المخالفين تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية. وقد صرّح الوزير مراراً بأن قطر لن تحقق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الصفرية.

من جهة أخرى، أطلق الكعبي تحذيراً بشأن النشاط العمراني في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك «بناءً مفرطاً للعقارات في منطقة الخليج»، ما قد يؤدي إلى «تشكُّل فقاعة عقارية».

استراتيجية مالية منضبطة

من جهته، أكد وزير المالية القطري، علي أحمد الكواري، خلال المنتدى، قوة ومتانة المركز المالي للدولة. وأوضح أن التوسع المخطط له في إنتاج الغاز الطبيعي المسال سيعمل كعامل تخفيف رئيسي يقلل من تأثير أي انخفاض محتمل في أسعار النفط مستقبلاً. وأضاف أن السياسة المالية «المنضبطة» التي تتبعها قطر تمنحها مرونة كبيرة، مما يعني أنها لن تضطر إلى «اللجوء إلى أسواق الدين» لتلبية احتياجاتها من الإنفاق في أي مرحلة.