تهديدات ترمب تدفع المستثمرين الأجانب للهروب من الأسواق الصينية

عجز تاريخي في تدفق المدفوعات وسط تقلبات في الأسهم واليوان

شاشة ضخمة تعرض مؤشرات الأسهم في شنغهاي (رويترز)
شاشة ضخمة تعرض مؤشرات الأسهم في شنغهاي (رويترز)
TT

تهديدات ترمب تدفع المستثمرين الأجانب للهروب من الأسواق الصينية

شاشة ضخمة تعرض مؤشرات الأسهم في شنغهاي (رويترز)
شاشة ضخمة تعرض مؤشرات الأسهم في شنغهاي (رويترز)

سجلت تدفقات أسواق رأس المال الصينية إلى الخارج مستوى قياسياً مرتفعاً بلغ 45.7 مليار دولار في نوفمبر (تشرين الثاني)، وفقاً للبيانات الرسمية التي تتابع المدفوعات عبر الحدود، حيث كان لفوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية تأثير كبير على تدفقات المحافظ العالمية.

وبلغت الإيرادات عبر الحدود من استثمارات المحافظ 188.9 مليار دولار، في حين وصل إجمالي المدفوعات إلى 234.6 مليار دولار، مما أسفر عن تسجيل أكبر عجز شهري على الإطلاق، وفقاً للبيانات الصادرة عن هيئة تنظيم النقد الأجنبي في الصين. وتأتي هذه البيانات في وقت تشهد فيه سوق الأسهم الصينية، التي كانت قد شهدت انتعاشاً منذ أواخر سبتمبر (أيلول)، تباطؤاً ملحوظاً، في حين يتراجع اليوان مقابل الدولار الأميركي، وفق «رويترز».

ويعكس العجز الكبير، الذي اتسع من تدفقات خارجية بلغت 25.8 مليار دولار في أكتوبر (تشرين الأول)، تراجعاً في ثقة المستثمرين، رغم السياسات التحفيزية التي أعلنتها الحكومة الصينية منذ أواخر سبتمبر لدعم الاقتصاد المتأثر بأزمة العقارات، وتراجع الاستهلاك، والانكماش المستمر. وفي مذكرة للعملاء، قال بنك «بي إن بي باريبا»: «إمكانية الحفاظ على زخم التعافي حتى الربع الأول من عام 2025 تعتمد على سرعة وحجم تنفيذ التحفيز المخطط له في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، إضافة إلى توقيت التعريفات الجمركية الأميركية المحتملة».

وفي مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الذي عُقد الأسبوع الماضي، تعهدت القيادة الصينية بزيادة العجز في الموازنة إلى 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام المقبل، مع إصدار المزيد من الديون وتخفيف السياسة النقدية. وتعثر ثاني أكبر اقتصاد في العالم هذا العام بسبب أزمة عقارية حادة، وارتفاع ديون الحكومات المحلية، وضعف الطلب الاستهلاكي. ورغم ذلك، تظل صادرات الصين، التي تُعد من النقاط المضيئة القليلة، مهددة من التعريفات الجمركية الأميركية التي قد تتجاوز 60 في المائة إذا نفذ ترمب تعهداته الانتخابية. ويربك هذا التهديد الصناعات الصينية، حيث قامت العديد من الشركات بنقل الإنتاج إلى الخارج لتفادي الرسوم الجمركية، مما قد يؤدي إلى انكماش الأرباح ويضر بالوظائف والنمو الاقتصادي.

وأشارت مصادر لـ«رويترز» إلى أن البنك المركزي الصيني سيعتمد سياسة «مرنة بشكل مناسب»، مما يزيد من التوقعات بخفض أسعار الفائدة وحقن المزيد من السيولة في الاقتصاد، في وقت شهد فيه الدين الإجمالي زيادة كبيرة مع توسع الاقتصاد. وتتبع بيانات المحفظة، التي أصدرتها إدارة الدولة للنقد الأجنبي، إحصاءات رأس المال الصينية الأخرى التي أظهرت اتجاهاً مماثلاً. وأفاد البنك المركزي الصيني يوم الاثنين أن المؤسسات الأجنبية خفضت حيازاتها في السندات الصينية المحلية للشهر الثالث على التوالي في نوفمبر.

وفي سياق منفصل، سجل المعهد الدولي للتمويل، الذي يتتبع تدفقات المحافظ العالمية، تدفقات خارجة من أسواق السندات والأسهم في الصين خلال الشهر ذاته. وأوضح المعهد أن تعزيز الدولار الأميركي بعد فوز ترمب كان له دور كبير في تشكيل تدفقات المحافظ في الأسواق الناشئة، بما في ذلك الصين. كما أفاد «غولدمان ساكس» في مذكرة للعملاء بأن مقياسه المفضل أظهر تدفقات خارجية ملحوظة من النقد الأجنبي في الصين بلغت 39 مليار دولار في نوفمبر، بزيادة كبيرة عن 5 مليارات دولار في أكتوبر. وقال إن التدفقات الكبيرة من النقد الأجنبي كانت أساساً ناتجة عن تدفقات اليوان عبر الحدود، ما يُحتمل أن يكون ناتجاً عن قناة استثمار المحافظ.

في المقابل، هبطت أسواق الأسهم في الصين وهونغ كونغ إلى أدنى مستوياتها في أكثر من أسبوع يوم الثلاثاء، وسط خيبة أمل المستثمرين بسبب نقص التفاصيل في خطط التحفيز التي أعلنتها السلطات، رغم أن أسهم شركات صناعة السيارات والبطاريات ساعدت في دعم مؤشر الأسهم القيادية في البر الرئيس. وعند استراحة منتصف النهار، انخفض مؤشر «شنغهاي» المركب بنسبة 0.57 في المائة إلى 3366.89 نقطة، في حين تراجع مؤشر «هانغ سانغ» في هونغ كونغ بنسبة 0.39 في المائة إلى 19718.56 نقطة، حيث لامس كلا المؤشرين أدنى مستوياتهما منذ السادس من ديسمبر (كانون الأول).

من جهة أخرى، ارتفع مؤشر «سي إس آي 300» للأسهم القيادية في الصين بنسبة 0.34 في المائة، مدفوعاً بارتفاع أسهم شركات صناعة السيارات والاتصالات الفرعية التي صعدت بأكثر من 1 في المائة لكل منها. وقال ستيفن ليونغ، الرئيس التنفيذي لشركة «يو أو بي كيه هيان» للوساطة في هونغ كونغ، إن المستثمرين غالباً ما يفضلون المضاربة قبل الاجتماعات الرسمية ثم تصفية مراكزهم بعدها، مضيفاً أنه يتوقع أن يتقلب مؤشر «هانغ سانغ» حول مستوى 20 ألف نقطة حتى نهاية العام. وأضاف: «بعد عمليات البيع الأخيرة، يجب أن تجد السوق بعض الدعم عند هذا المستوى... لا يوجد زخم كافٍ لرفع المؤشر بشكل كبير لبقية العام».

ومع ذلك، تسير الأسهم الصينية على الطريق الصحيح لتحقيق أفضل عام لها منذ عام 2016، حيث سجل مؤشر «هانغ سانغ» أكبر مكاسب سنوية له منذ عام 2017، بنسبة ارتفاع بلغت 16 في المائة حتى الآن هذا العام، رغم ابتعاد المستثمرين الأجانب إلى حد كبير. ومع قرب نهاية العام، تبقى خمسة أيام تداول فقط في أسواق هونغ كونغ، حيث يترقب المستثمرون قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة، حيث من المتوقع أن يعلن البنك عن خفض الفائدة يوم الأربعاء المقبل.

وكانت الأسواق قد سجلت خسائر أسبوعية في الأسبوع الماضي، بعد أن أكدت قراءة مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي التزام الحكومة بتعزيز الاستهلاك والنمو، ولكن دون تقديم تفاصيل جديدة قادرة على تحفيز الأسواق المالية. وقال مصدران مطلعان على الأمر إن زعماء الصين اتفقوا الأسبوع الماضي على رفع العجز في الموازنة إلى 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، مع الحفاظ على هدف النمو الاقتصادي عند نحو 5 في المائة.

وتعكس خطة العجز الجديدة تغييراً عن الهدف الأولي البالغ 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، وتتماشى مع سياسة مالية «أكثر استباقية» حددها كبار المسؤولين بعد اجتماع المكتب السياسي ومؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الأسبوع الماضي. ورغم الاتفاق على الأهداف، فإنه لم يتم الإعلان عنها رسمياً بعد. ويعني العجز الإضافي بمقدار نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي زيادة في الإنفاق بنحو 1.3 تريليون يوان (179.4 مليار دولار). وقال المصدران اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتهما لأنهما غير مخولين بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إن التحفيز الإضافي سيتم تمويله من خلال إصدار سندات خاصة خارج الموازنة، وفق «رويترز».

يتم الإعلان عن هذه الأهداف رسمياً في الاجتماع السنوي للبرلمان في شهر مارس (آذار)، ولكنها قد تتغير قبل الدورة التشريعية. ويعد التحفيز المالي الأقوى المخطط له في العام المقبل جزءاً من استعدادات الصين لمواجهة تأثير الزيادة المتوقعة في الرسوم الجمركية الأميركية على الواردات الصينية مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني). وقال المصدران إن الصين ستظل متمسكة بهدف نمو الناتج المحلي الإجمالي عند نحو 5 في المائة في عام 2025.

ويقول المحللون إنه من المرجح أن تعتمد الصين بشكل كبير على التحفيز المالي في العام المقبل، ولكنها قد تستخدم أيضاً أدوات أخرى للتخفيف من تأثير الرسوم الجمركية. وذكرت «رويترز» الأسبوع الماضي نقلاً عن مصادر أن كبار القادة وصناع السياسات يدرسون السماح لليوان بالانخفاض في العام المقبل للتخفيف من تأثير التدابير التجارية العقابية. وواصلت اللجنة الاقتصادية المركزية في ملخصها تعهدها «بالحفاظ على الاستقرار الأساسي لسعر الصرف عند مستوى معقول ومتوازن»، وهو الموقف الذي تمت الإشارة إليه أيضاً في قراءات عامي 2022 و2023.

ويوم الثلاثاء، استقر اليوان قرب أدنى مستوى له في 13 شهراً مقابل الدولار، مع توقعات المتعاملين باتخاذ إجراءات تحفيزية إضافية في أعقاب بيانات اقتصادية مخيبة للآمال، في حين تحول التركيز أيضاً إلى قرار مجلس الفيدرالي بشأن الفائدة. وبحلول الساعة 06:05 (بتوقيت غرينتش)، لم يطرأ تغير يذكر على اليوان عند 7.2844 مقابل الدولار بعد تداوله في نطاق بين 7.2756 و7.2870. وافتتح اليوان في المعاملات الفورية عند 7.2850 مقابل الدولار، بانخفاض 8 نقاط عن إغلاق الجلسة السابقة وأدنى مستوى له منذ نوفمبر 2023. وتداول اليوان في المعاملات الخارجية عند 7.2922 مقابل الدولار، بانخفاض 0.03 في المائة في التعاملات الآسيوية.

وانخفض اليوان بنسبة 0.6 في المائة مقابل الدولار هذا الشهر وضعف بنسبة 2.5 في المائة هذا العام، تحت ضغط مستمر منذ بداية عام 2023 حيث أدت المشكلات المحلية في قطاع العقارات المتدهور والاستهلاك الضعيف وانخفاض العائدات إلى تدفقات رأس المال إلى الخارج من اليوان.


مقالات ذات صلة

ترمب ينقلب على معايير «الكفاءة الخضراء»

الاقتصاد الرئيس دونالد ترمب محاطاً بعدد من كبار تنفيذيي صناعة السيارات الأميركية في المكتب البيضاوي يوم 3 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

ترمب ينقلب على معايير «الكفاءة الخضراء»

في خطوة تُعدّ انقلاباً مباشراً على إرث إدارة جو بايدن، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عن خطة شاملة لخفض معايير الكفاءة في استهلاك الوقود للسيارات والشاحنات.

إيلي يوسف (واشنطن)
العالم الرئيس الروسي خلال اجتماع في الكرملين (أ.ف.ب)

روسيا تسمح بدخول المواطنين الصينيين من دون تأشيرة

وقّع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الاثنين، أمراً تنفيذياً يقضي بالإعفاء المؤقت للمواطنين الصينيين من متطلبات التأشيرة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد عمال ينتجون أقمشة الجاكار لطلبيات التصدير لمصنع في نانتونغ بمقاطعة جيانغسو شرق الصين (أ.ف.ب)

النشاط الصناعي الصيني يواصل الانكماش للمرة الثامنة... والخدمات تتباطأ

أظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن الصين استمرار تباطؤ النشاط الاقتصادي في نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث سجلت المصانع انكماشاً للشهر الثامن على التوالي.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد تماثيل ألعاب صغيرة وعملة الـ«بتكوين» أمام صورة العَلم الصيني في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

المركزي الصيني يجدد تشدده ضد العملات الافتراضية ويتعهد بملاحقة «المستقرة»

جدَّد البنك المركزي الصيني موقفه الصارم والحازم تجاه العملات الافتراضية، متعهداً بمكافحة جميع الأنشطة غير القانونية المتعلقة بها.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد ترمب يتحدث إلى وسائل الإعلام على متن طائرة الرئاسة الأميركية في طريقها إلى فلوريدا (أ.ف.ب)

ترمب: الرئيس الصيني «وافق تقريباً» على تسريع مشتريات السلع الأميركية

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الثلاثاء، إنه ضغط على الرئيس الصيني شي جينبينغ لتسريع وزيادة مشتريات بكين من السلع الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.


وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
TT

وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)

شكلت تصريحات وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد الكعبي، خلال «منتدى الدوحة 2025»، نقطة محورية في مناقشات المنتدى الذي افتتحه أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نسخته الثالثة والعشرين تحت شعار: «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى واقع ملموس». وأكد الكعبي على رؤية متفائلة للغاية لمستقبل الغاز، مشدداً على أنه «لا قلق لديه على الإطلاق» بشأن الطلب المستقبلي بفضل الحاجة المتزايدة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي.

وأكد الكعبي أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيظل قوياً بفضل تزايد احتياجات الطاقة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي، متوقعاً أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي المسال إلى ما بين 600 و700 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035. وأبدى في الوقت نفسه، قلقه من أن يؤثر نقص الاستثمار على الإمدادات المستقبلية للغاز الطبيعي المسال والغاز.

وقال الكعبي: «لا أشعر بأي قلق على الإطلاق بشأن الطلب على الغاز في المستقبل»، مُضيفاً أن الطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي ستكون مُحرّكاً رئيسياً للطلب. عند بلوغه كامل طاقته الإنتاجية، من المتوقع أن يُنتج مشروع توسعة حقل الشمال 126 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً بحلول عام 2027، مما سيعزز إنتاج قطر للطاقة بنحو 85 في المائة من 77 مليون طن متري سنوياً حالياً.

وأضاف أن أول قطار من مشروع «غولدن باس» للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع مشترك مع «إكسون موبيل» في تكساس، سيبدأ العمل بحلول الربع الأول من عام 2026.

وأكد الكعبي أن أسعار النفط التي تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل ستوفر إيرادات كافية للشركات للاستثمار في احتياجات الطاقة المستقبلية، مضيفاً أن الأسعار التي تتجاوز 90 دولاراً ستكون مرتفعة للغاية.

كما حذّر من كثرة العقارات التي تُبنى في الخليج، ومن احتمال «تشكُّل فقاعة عقارية».

الاتحاد الأوروبي

كما أبدى الكعبي أمله أن يحل الاتحاد الأوروبي مخاوف الشركات بشأن قوانين الاستدامة بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول).

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، أعربت يوم الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية. وأكّدت دول المجلس أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

كما أعربت قطر عن استيائها من توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وهدّدت بوقف إمدادات الغاز. ويتمحور الخلاف حول إمكانية فرض توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات غرامات على المخالفين تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية. وقد صرّح الوزير مراراً بأن قطر لن تحقق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الصفرية.

من جهة أخرى، أطلق الكعبي تحذيراً بشأن النشاط العمراني في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك «بناءً مفرطاً للعقارات في منطقة الخليج»، ما قد يؤدي إلى «تشكُّل فقاعة عقارية».

استراتيجية مالية منضبطة

من جهته، أكد وزير المالية القطري، علي أحمد الكواري، خلال المنتدى، قوة ومتانة المركز المالي للدولة. وأوضح أن التوسع المخطط له في إنتاج الغاز الطبيعي المسال سيعمل كعامل تخفيف رئيسي يقلل من تأثير أي انخفاض محتمل في أسعار النفط مستقبلاً. وأضاف أن السياسة المالية «المنضبطة» التي تتبعها قطر تمنحها مرونة كبيرة، مما يعني أنها لن تضطر إلى «اللجوء إلى أسواق الدين» لتلبية احتياجاتها من الإنفاق في أي مرحلة.