السوريون يحتفلون بتحقيق حلم «ساحة الأمويين» بعد 13 عاماً

معهم أمنيات بالعيش «الكريم» وسحب السلاح ووقف الانتقامات

TT

السوريون يحتفلون بتحقيق حلم «ساحة الأمويين» بعد 13 عاماً

آلاف السوريين في ساحة الأمويين محتفين بسقوط نظام الأسد (رويترز)
آلاف السوريين في ساحة الأمويين محتفين بسقوط نظام الأسد (رويترز)

أخيراً، وصل السوريون إلى ساحة الأمويين، التي طالما حلم المحتجون عام 2011 بالوصول إليها لتكون مكاناً جامعاً يرابطون فيه حتى إسقاط نظام بشار الأسد، إلا أن هذا الحلم كان ثمنه غالياً جداً، دفع بعشرات الآلاف من ضحايا النظام والمعتقلين في زنازينه، إضافة إلى ملايين النازحين إلى بلاد العالم.

فتلك الساحة تغصّ اليوم بالآلاف فرحاً واحتفاء بالانتصار، بعدما كان أتباع النظام البائد يمنعون المتظاهرين في بداية الثورة من الوصول إليها، إذ كانوا يشغلونها في العام الأول من الاحتجاجات. ساحة الأمويين أكبر ساحات دمشق، حيث مبنى الإذاعة والتلفزيون ودار الأوبرا وقيادة الأركان والمكتبة الوطنية، بتجمعات الموالين ومنصات لإلقاء الخطب الحماسية وحفلات الغناء. وكذلك الأمر في ساحة السبع بحرات، التي تعتبر أصغر، لكنها تتوسط قلب دمشق التجاري، ويقع فيها مبنى مصرف سوريا المركزي، وكانت في تلك الساحات تعقد الدبكات تحت صور الأسد، في الوقت الذي ترتكب فيه المجازر على مداخل دمشق منعاً لتقدم المحتجين إلى ساحاتها، أبرزها مجزرة الزبلطاني 22 - 4 - 2012 ، كما تحوّلت ساحة العباسيين إلى ساحة حرب واشتباكات.

آلاف السوريين في ساحة الأمويين محتفين بسقوط نظام الأسد (أ.ب)

بعد 13 عاماً، تحقق الحلم ووصل السوريون إلى ساحة الأمويين، رافعين شعار «جمعة النصر»، ومعهم أمنيات بالعيش «الكريم» وسحب السلاح ووقف الانتقامات، والتركيز على بناء سوريا، في ساحة اختلط فيها المقاتلون القادمون من إدلب مع القائد أحمد الشرع، والسيارات الأمنية الجوالة، مع المدنيين الذين التفوا حولهم يحاورونهم ويلتقطون الصور معهم، مهللين بالعلم الوطني، والهتاف «حرية... حرية».

صلاة الجمعة

فمنذ الصباح، بدأ آلاف السوريين في التوافد إلى الساحات والميادين العامة في عموم المناطق السورية للاحتفال، بـ«جمعة النصر»، بعد إسقاط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.

وتوافد آلاف السوريين إلى باحة الجامع الأموي في دمشق، قبيل صلاة الجمعة التي شارك فيها قائد «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع المكنى «أبو محمد الجولاني»، الذي يقود فصيله السلطة الجديدة في دمشق، ورئيس الحكومة الموقتة محمد البشير.

وللمرة الأولى في تاريخ سوريا، ألقى رئيس الحكومة، خطبة الجمعة في الجامع الأموي ذي المكانة الدينية التاريخية في العاصمة، بحضور أكثر من 60 ألف مُصلٍّ، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية.

وتحدث البشير عن «تغيير الظلم الذي لحق بالسوريين، والدمشقيين تحديداً»، مشدداً على «الوحدة بين مختلف أطياف الشعب السوري».

وبعد الصلاة، تدفق آلاف السوريين إلى الساحات، في دمشق والمدن الرئيسية، للاحتفال بالتخلص من نظام الأسد، تلبية لدعوات رسمية وشعبية، دعت إلى الالتفاف حول العلم السوري، في مشهد جماهيري عارم وغير مسبوق في تاريخ سوريا منذ تسلم حزب البعث السلطة عام 1963 بانقلاب 8 آذار (مارس). ورغم غياب التنظيم عن التحشد في الساحات، فإن انتظام المحتفلين كان واضحاً: «كل مجموعة في حلقة تغني وتهتف وترقص رافعين الأعلام السورية. ولم تسجل في ساحة الأمويين أكبر ساحات دمشق أي حالة تجاوز أو إطلاق نار، رغم وجود أطياف شديدة التنوع والتباين وانتشار العسكريين والأمنيين بين الجموع».

آلاف السوريين في ساحة الأمويين محتفين بسقوط نظام الأسد (أ.ب)

وكان قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، دعا مساء الخميس الشعب السوري إلى النزول إلى الميادين احتفالاً بـ«انتصار الثورة»، وعلى الفور عمّت الاحتفالات المدن السورية في أول جمعة بعد سقوط نظام بشار الأسد. ووجّه الشرع في فيديو بثّته معرفات القيادة العامة على الإنترنت: «أود أن أبارك للشعب السوري العظيم انتصار الثورة المباركة، وأدعوهم للنزول إلى الميادين للتعبير عن فرحتهم، دون إطلاق الرصاص وترويع الناس، ثم بعد ذلك لنتجه إلى بناء هذا البلد... وكما قلناها منذ البداية: منصورة بعون الله».

سلفي مع ملثم

مجموعة من العسكريين بوجوه مكشوفة في «هيئة تحرير الشام» كانوا في الساحة التقتهم «الشرق الأوسط»، وسألتهم: «بعد أسبوع، كيف ترون الشام (دمشق)؟ فتوافقوا على جواب واحد، مفاده أنها لا تزال تحتاج إلى جهود كثيرة لتتعافى».

مقاتل ملثم، بدا شاباً في مقتبل العمر، متحمساً جداً، قال: «نحن أمة إسلام، ويجب على النساء أن تحتشم». قال كلامه هذا بينما هو محاط بمجموعة من الفتيات يلتقطن معه السلفي دون أن يعرن انتباهاً لكلامه!! وفي الساحة أقبل الأهالي لالتقاط الصور مع المقاتلين وأسلحتهم وعلى السيارات المموهة بطين المعارك.

وفي الساحة التقت «الشرق الأوسط» ندى عزيز، زوجة عمر عزيز، الذي قتل تحت التعذيب في سجون النظام، فقالت: «تمنيت لو كان عمر حياً وعاش هذا الحلم». وأضافت أنها وزوجها كانا يعيشان في المملكة العربية السعودية، وعام 2011 قرّر عمر ترك عمله والعودة إلى سوريا للمساهمة في الحراك السوري السلمي من أجل مستقبل البلاد، وعمل في تأسيس المجالس المحلية في الغوطة وريف دمشق مع فرق من الشباب، وكان يعمل 20 ساعة، وجرى اعتقاله يوم 20 - 11 - 2012 من قبل المخابرات الجوية، ثم أحيل إلى سجن عدرا بعد 3 أشهر ليموت في السجن. ودعت ندى السوريين جميعاً دون استثناء إلى تحمل مسؤولية بناء بلدهم، وهم لديهم القدرة.

سوري يعبر عن فرحه بطريقته في ساحة الأمويين (الشرق الأوسط)

السيدة أم محمد من حي المزة هنّأت، عبر «الشرق الأوسط»، الشعب السوري بالنصر. وقالت إن سوريا للجميع، متمنية أن «تحمل الأيام المقبلة تعويضاً لهم عن أيام الحرمان».

ياسر من حي الميدان عبّر عن أمله بتحسن الأوضاع، موضحاً أن ما يطلبه الشباب هو «مستقبل جيد». وقال: «نريد أن نبني أنفسنا لنبني سوريا»، رفيقه محمد بدوره تمنى على الشعب السوري «التعاون مع حكومة الإنقاذ، وألا ينجر إلى الفوضى».

فريق عمال النظافة في الساحة أكدوا أن عملهم لم يتوقف منذ اليوم الأول لسقوط النظام، وأن الأهالي يتعاونون معهم في تنظيف الأحياء. أحد عمال النظافة عبّر عن سعادته بعودة ابنه الوحيد الذي اضطر إلى تسفيره للعراق، لأنه «اتهم بتهريب كروز دخان وحكم عليه بالسجن مدة عام».

أحلى نهار

ديما قصار من حي القنوات، قالت بفرح كبير: «هذا أحلى نهار، صبرنا ونلنا. يكفينا (أننا) طلعنا من الظلمات إلى النور، والأيام المقبلة أحلى». أبو محمد رجل، مسنّ كان يرتاح على العشب مع عائلته خلف المتجمهرين، قال: «الحمد الله، الآن عشنا... أنا ولدت من جديد».

وطالب المحتشدون بإعدام بشار الأسد. شاب من درعا أكد بحماس أنهم سيأتون بـ«ابن حافظ الأسد ومحاسبته»، متعهداً بتقديم «المليحي»، وهي أكلة شعبية في الساحات تشتهر بها درعا.

نعيم شاب من حي العمارة عبّر عن سعادته، وأن الشباب يأملون بتحسن واقع العمل، وقال: «نريد أن نعمل فقط... كنا محاربين في كل شيء، حلمي أن أعمر بيتاً دون أن تأتي الحكومة وتهدمه، أن آكل سندويشة شاورما دون أن أدفع ضريبة». ماهر معتقل سابق قال إن الوضع أفضل، وأهم مطلب «سحب السلاح»، فيما طالب محمد بـ«وقف الأعمال الانتقامية والتسامح».


مقالات ذات صلة

وزيرا خارجية ودفاع سوريا يلتقيان إردوغان في تركيا

شؤون إقليمية وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يتحدث خلال مؤتمر صحافي في عمّان... 7 يناير 2025 (رويترز)

وزيرا خارجية ودفاع سوريا يلتقيان إردوغان في تركيا

استقبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، في أنقرة اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
خاص مدخل سوق شعبية في منطقة الزاهرة جنوب دمشق ويظهر فيها ازدحام المارة (الشرق الأوسط)

خاص زيادة الرسوم الجمركية تثير مخاوف السوريين من مسلسل ارتفاع الأسعار

بعد انفراجات تدريجية في الأوضاع المعيشية أثار فرض الحكومة السورية المؤقتة رسوماً جمركية جديدة مخاوف المواطنين المنهكين من الفقر.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي مسيَّرة إسرائيلية من طراز «هيرميس 450» (أ.ف.ب)

3 قتلى في سوريا بضربة إسرائيلية استهدفت لأول مرة قوات من السلطة الجديدة

قال «تلفزيون سوريا»، (الأربعاء)، إن طائرة مسيَّرة إسرائيلية استهدفت رتلاً تابعاً لإدارة العمليات العسكرية في بلدة غدير البستان جنوب القنيطرة في جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مقاتلون أكراد في شمال سوريا (أرشيف - رويترز)

الإدارة الذاتية الكردية في سوريا: استمرار «الإعدامات الميدانية» سيؤدي لحرب أهلية

قالت الإدارة الذاتية الديمقراطية الكردية لإقليم شمال وشرق سوريا اليوم الأربعاء في بيان إن استمرار حدوث «جرائم وإعدامات ميدانية» سيؤدي إلى «حرب أهلية» بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي أحمد الشرع خلال استقباله وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق 22 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

إردوغان يُحذر إسرائيل من تأثيرات الاعتداء على سوريا

استبق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مباحثات وفد الإدارة السورية في أنقرة بالإعلان عن أن المباحثات ستركز على سبل دعم سوريا وإعادة الإعمار.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

مسؤول أميركي: التوصل لاتفاق وقف النار في غزة

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

مسؤول أميركي: التوصل لاتفاق وقف النار في غزة

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

أفاد مسؤول أميركي لموقع «أكسيوس» بأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قد تم إنجازه.

وخلال أشهر من المحادثات المتقطعة الرامية للتوصل إلى هدنة في الحرب المدمرة المستمرة منذ 15 شهراً، سبق أن أكد الجانبان (إسرائيل وحماس) أنهما قريبان من وقف إطلاق النار ثم واجها عقبات في اللحظات الأخيرة. والخطوط العريضة للاتفاق الحالي قائمة منذ منتصف عام 2024.

وسيؤدي الاتفاق المرحلي إلى وقف حرب قتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين ودمرت معظم أنحاء قطاع غزة وأجبرت معظم سكانه البالغ عددهم قبل الحرب 2.3 مليون نسمة على النزوح، ولا تزال تقتل العشرات كل يوم.

ومن شأن هذا أن يخفف التوتر في الشرق الأوسط حيث أشعلت الحرب مواجهات في الضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن والعراق، وأثارت مخاوف من اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران.

وشنت إسرائيل هجومها على غزة بعد أن هاجم مقاتلون بقيادة «حماس» بلدات جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، وفقا للإحصاءات الإسرائيلية.

ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن القوات الإسرائيلية قتلت منذ ذلك الحين أكثر من 46700 فلسطيني في غزة.

وبموجب خطة الاتفاق ستستعيد إسرائيل نحو 100 رهينة لا يزالون في غزة وجثث رهائن من بين الذين تم اقتيادهم إلى القطاع في هجوم السابع من أكتوبر.

وفي المقابل ستفرج إسرائيل عن معتقلين فلسطينيين.

وأحدث مسودة للاتفاق معقدة، إذ تتضمن الخطوات الأولى بموجبها وقفا مبدئيا لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع. وتتضمن الخطة أيضا انسحابا تدريجيا للقوات الإسرائيلية من وسط غزة وعودة الفلسطينيين النازحين إلى شمال القطاع. كما سيكون على «حماس» أن تطلق سراح 33 من الرهائن.

وتنص المسودة على بدء المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق بحلول اليوم السادس عشر من المرحلة الأولى. وتتضمن المرحلة الثانية إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين ووقف إطلاق النار بشكل دائم والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية.

وإذا مضت الأمور بسلاسة، سيظل يتعين على الفلسطينيين والدول العربية وإسرائيل الاتفاق على رؤية لغزة ما بعد الحرب، وهي مهمة ثقيلة تشمل توفير ضمانات أمنية لإسرائيل واستثمار مليارات الدولارات لإعادة الإعمار. لكن السؤال الذي لم تتم الإجابة عليه بعد هو من سيتولى إدارة غزة بعد الحرب.

وترفض إسرائيل أي مشاركة من جانب «حماس»، التي كانت تدير غزة قبل الحرب. ولكن إسرائيل عارضت بنفس القدر أن تديره السلطة الفلسطينية، وهي الهيئة التي أنشئت بموجب اتفاقيات أوسلو للسلام قبل ثلاثة عقود وتحظى بسلطات محدودة في الضفة الغربية.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، اليوم، إن السلطة الفلسطينية يجب أن تكون الجهة الحاكمة الوحيدة في غزة بعد الحرب.