محققو الأمم المتحدة أعدوا قوائم بآلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا

تظهر الصورة زنزانة في سجن صيدنايا الذي عُرف بأنه «مسلخ بشري» في عهد نظام الأسد بينما يبحث رجال الإنقاذ السوريون عن أقبية مخفية محتملة في المنشأة في دمشق في 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
تظهر الصورة زنزانة في سجن صيدنايا الذي عُرف بأنه «مسلخ بشري» في عهد نظام الأسد بينما يبحث رجال الإنقاذ السوريون عن أقبية مخفية محتملة في المنشأة في دمشق في 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

محققو الأمم المتحدة أعدوا قوائم بآلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا

تظهر الصورة زنزانة في سجن صيدنايا الذي عُرف بأنه «مسلخ بشري» في عهد نظام الأسد بينما يبحث رجال الإنقاذ السوريون عن أقبية مخفية محتملة في المنشأة في دمشق في 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
تظهر الصورة زنزانة في سجن صيدنايا الذي عُرف بأنه «مسلخ بشري» في عهد نظام الأسد بينما يبحث رجال الإنقاذ السوريون عن أقبية مخفية محتملة في المنشأة في دمشق في 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

وضع محققون تابعون للأمم المتحدة قوائم سرية بأربعة آلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا، آملين مع سقوط الرئيس بشار الأسد بضمان المحاسبة على أعلى المستويات في هذا البلد.

وقالت لينيا أرفيدسون، التي تنسق أعمال لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «من المهم جداً إحالة مرتكبي الجرائم على أعلى المستويات إلى القضاء».

وشددت خلال مقابلة أجرتها معها «وكالة الصحافة الفرنسية» في جنيف، على أنه «يجب التركيز على الذين يتحملون المسؤولية الرئيسية عن الانتهاكات التي ارتكبت على مدى سنوات مديدة، بدل التركيز على مرتكبي (الجرائم) الأدنى مستوى».

وشكّلت «هيئة تحرير الشام»، الثلاثاء، حكومة انتقالية في سوريا بعد فرار الرئيس بشار الأسد من البلاد، الأحد، إثر هجوم خاطف قادته وأطاح بنظامه.

وأدى النزاع الذي اندلع في سوريا عام 2011 مع قيام احتجاجات مطالبة بالديمقراطية قوبلت بحملة قمع عنيفة، إلى سقوط نصف مليون قتيل، فيما فقد عشرات الآلاف أو اعتقلوا وتعرضوا للتعذيب.

وتعهدت السلطات الانتقالية الجديدة محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم ومعاقبة الضالعين في تعذيب المعتقلين.

11 ألف شهادة

وتجمع لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا أدلة على الجرائم المرتكبة في هذا البلد منذ اندلاع النزاع، ووضعت قوائم بأشخاص يشتبه بارتكابهم هذه الجرائم.

وقالت أرفيدسون: «لدينا حتى الآن نحو أربعة آلاف اسم على هذه القوائم».

ولم يكشف حتى الآن عن الأسماء المدرجة على القوائم، لكن المحققين تقاسموا تفاصيل مع المدعين العامين في المحاكم التي حققت وباشرت ملاحقات بحق سوريين يشتبه بارتكابهم جرائم حرب.

وأوضحت المنسقة أن الفريق تعاون حتى الآن «في 170 تحقيقاً جنائياً من هذا النوع»، ما قاد إلى 50 إدانة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.

لكنها أشارت إلى أنه لم يتم حتى الآن الوصول إلى كبار المسؤولين.

وقالت: «هناك الآن فرصة لتحميلهم المسؤولية هم أيضاً».

وبعدما كانت لجنة التحقيق غير مرغوب بها في سوريا في عهد الأسد، تأمل الآن في أن تتمكن من دخول البلد بعد سنوات من التحقيقات عن بُعد.

وأوضحت أرفيدسون: «وثّقنا أكثر من 11 ألف شهادة من سوريين، معظمهم ضحايا... انتهاكات وناجون من الاعتقال» وشهود.

«ظلام حالك»

ومع فتح المعتقلات بعد سقوط النظام، تأكدت المعلومات التي جمعتها لجنة التحقيق عن بعد.

وعلّقت المسؤولة على مقاطع الفيديو التي ترد منذ الدخول إلى سجن «صيدنايا»، المعروف بممارسات التعذيب الوحشية فيه، والتي تظهر «غرفاً تحت الأرض بلا نوافذ ولا نور»، مؤكدة: «هذا تماماً ما نسمعه منذ سنوات مديدة من المعتقلين».

وتابعت: «بعضهم لم يبصر نور الشمس لسنوات طويلة... يَصِفون جميعهم ظلاماً، ظلاماً حالكاً».

ويدعو المحققون الآن إلى الحفاظ على الأرشيف والوثائق والملفات.

وقالت المنسقة بهذا الصدد: «من المهم للغاية الآن حماية هذه (الملفات) والحفاظ عليها، وفي أفضل الأحوال في الموقع الذي عثر عليها فيه، من غير أن يتم نقلها أو تعديلها أو إضاعتها أو المساس بها»، مذكّرة بأن كل ما يدرجه القانون الدولي تحت عنوان جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ارتكب في سوريا، بما في ذلك «الإبادة الجماعية».

وذكرت أن الاختفاءات القسرية ولّدت «صدمة وطنية»، وبالتالي: «من المهم للغاية إحالة الأشخاص على القضاء بسبب ذلك».

وتأمل لجنة التحقيق الآن بقيام آلية محاسبة وطنية، والاعتراف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية للنظر في هذه المسائل.

وشددت أرفيدسون على أنه «من واجبنا عدم إهمال أي شيء في سعينا هذا».


مقالات ذات صلة

لبنان يستكمل تصحيح علاقته مع سوريا بتعيين سفير في دمشق

المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)

لبنان يستكمل تصحيح علاقته مع سوريا بتعيين سفير في دمشق

يمثّل تعيين السفير اللبناني هنري قسطون في دمشق، بعد تقديم أوراق اعتماده للرئيس السوري أحمد الشرع، الأربعاء، خطوة أساسية في استئناف العلاقات الدبلوماسية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية الشرع مصافحاً عبدي عقب توقيع اتفاق دمج «قسد» في الجيش السوري 10 مارس الماضي (إ.ب.أ)

تركيا ستفتح كل المعابر الحدودية مع سوريا بعد تنفيذ اتفاق «10 مارس»

جددت تركيا تمسكها بحل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية عمادها الأساسي، وتنفيذ اتفاق «10 مارس» بشأن اندماجها في الجيش السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية الشيخ موفق طريف (رويترز)

الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل يطالب بضمانات أمنية أميركية للأقليات في سوريا

حث الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف أميركا على توفير الأمن للطائفة الدرزية لمنع تكرار أعمال العنف التي وقعت في وقت سابق من هذا العام.

«الشرق الأوسط» (جنيف )
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت الاثنين (الرئاسة اللبنانية)

لودريان: مؤتمر دعم الجيش اللبناني مرتبط بخطوات لاستكمال حصرية السلاح

علمت «الشرق الأوسط» أن لودريان سمع من الرؤساء الثلاثة تأكيداً بتمسكهم بحصرية السلاح، مبدياً ارتياحه للإنجاز الذي حققه الجيش بشهادة لجنة الـ«ميكانيزم».

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي وزير الخارجية أسعد حسن الشيباني يلقي كلمة خلال فعالية اليوم العالمي لحقوق الإنسان (حساب إكس)

للمرة الأولى في تاريخها... دمشق تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان

تحت شعار «نهج حقوق الإنسان في إعادة الإعمار» دمشق تحدد يوماً للاحتفال بالتعاون بين المفوضية السامية ووزارة الخارجية

«الشرق الأوسط» (دمشق)

سلام: الدولة اللبنانية وحدها يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها

رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
TT

سلام: الدولة اللبنانية وحدها يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها

رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أن لبنان يواجه انهياراً شبه كامل بعد عقود من سوء الإدارة والفساد والطائفية والحروب، مشيراً إلى أن حكومته تعمل على انطلاقة وطنية جديدة تقوم على ركيزتي السيادة والإصلاح لإعادة بناء الدولة والاقتصاد.

في مقال رأي كتبه سلام في صحيفة «فايننشال تايمز»، قال: «عندما انتقلت من رئاسة محكمة العدل الدولية لتولي رئاسة وزراء لبنان، كنت أدرك تماماً حجم التحدي. لم أجد دولة مستقرة، بل بلداً أنهار تقريباً بعد عقود من سوء الإدارة والطائفية والفساد والحروب. من أولوياتي كان استعادة سلطة الدولة وتعزيز سيادتها، بما يشمل احتكار الدولة للسلاح في كل أراضيها، وضمان سيادة القانون، إلى جانب تعزيز الأمن ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، وإعادة بناء المؤسسات لتعزيز الثقة الوطنية والدولية».

«قصة لبنان يجب ألا تنتهي بالانهيار»

وأشار سلام إلى عمق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، قائلاً: «فقدت عملتنا الوطنية أكثر من 98 في المائة من قيمتها منذ عام 2019، وانكمش الاقتصاد بنحو 45 في المائة، وتم تجميد أكثر من 124 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك. ثم جاء انفجار مرفأ بيروت عام 2020 ليودي بحياة أكثر من 200 شخص، ويصيب آلافاً، ويدمر أجزاء واسعة من العاصمة، وهو ما كشف عن فشل مؤسساتي فاضح. كما زادت الأحداث الأخيرة مع إسرائيل من تدهور الوضع الأمني والدمار في البلاد».

وأضاف: «لكن قصة لبنان يجب ألا تنتهي بالانهيار. مستقبلنا يمكن ويجب أن تقوده دولة قوية وحديثة، تدعم روح ريادة الأعمال والابتكار والإصرار التي يشتهر بها اللبنانيون منذ زمن طويل. لذلك، فإن حكومتنا مصممة على انطلاقة وطنية جديدة تستند إلى ركيزتين متلازمتين: السيادة والإصلاح».

السيادة أولاً

وأوضح سلام أن الركيزة الأولى، أي السيادة، تمثل مسألة حاسمة. وقال: «نتمسك بشكل قاطع بأن الدولة اللبنانية وحدها هي التي يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها، وأنها وحدها من تملك السلطة لاتخاذ قرارات الحرب والسلام».

وأضاف أن حكومته أعطت الجيش اللبناني تعليماته في الخامس من أغسطس (آب) الماضي، لوضع خطة شاملة لضمان احتكار الدولة للسلاح في جميع أنحاء البلاد. وبعد شهر واحد، تم إقرار خطة تحدد، كمرحلة أولى، مهلة ثلاثة أشهر لضمان السيطرة الحصرية للدولة على الأسلحة جنوب نهر الليطاني، مع احتواء الأسلحة في بقية المناطق.

وأشار سلام إلى جهود الحكومة لتعزيز الأمن، بما في ذلك مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية، وفكك المئات من مستودعات الأسلحة غير المشروعة وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات وغيرها من البضائع.

الإصلاح الاقتصادي

أما الركيزة الثانية، أي الإصلاح، فهي ضرورية لإعادة بناء الاقتصاد وتعزيز المؤسسات الداعمة له، بحسب سلام الذي أوضح أننا «أقررنا قانوناً تاريخياً برفع السرية المصرفية، وآخر يضع إطاراً حديثاً لإدارة الأزمات المصرفية، ونحن الآن نعمل على قانون طال انتظاره لضمان العدالة للمودعين وتوزيع عادل وشفاف للخسائر الكبيرة الناجمة عن الانهيار المالي».

وأكد أن هذه الإصلاحات ليست مجرد ضرورة أخلاقية، بل هي شرط أساسي لبرنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي، كما ستساعد في تفكيك الاقتصاد النقدي الذي أصبح أرضاً خصبة لغسل الأموال والجريمة المنظمة.

وتابع أن الحكومة تقدمت بمشروع قانون لضمان استقلال القضاء، وشكلت هيئات ناظمة مستقلة لإعادة هيكلة قطاعات الكهرباء والطيران والاتصالات، كما وضعت معايير للجودة والجدارة في التعيينات العامة. وأكد أن مواجهة هذه التحديات تتطلب دعماً متجدداً من الشركاء الدوليين.

الأمن ومواجهة الانتهاكات

وعلى الصعيد الأمني، أشار سلام إلى استمرار لبنان في الوفاء بالتزاماته وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، وإعلان وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل الذي تم التوصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. لكنه أضاف أن إسرائيل تواصل انتهاك سيادة لبنان واحتجاز مواطنين لبنانيين، واحتلال خمسة مواقع على الأقل في الجنوب، وهو ما يهدد الاستقرار ويغذي تجدد الصراعات، ويقوض جهود الحكومة لاستعادة سلطة الدولة.

ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية والانسحاب الكامل من لبنان، وتعزيز دعم القوات المسلحة اللبنانية، باعتبارها المؤسسة الأكثر قدرة على ضمان الاستقرار في البلاد.

إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات

وقال سلام: «بينما نتفاوض مع صندوق النقد الدولي ونسعى لجذب الاستثمارات، لن ندخر جهداً للحصول على التمويل اللازم لإعادة الإعمار والتنمية. ونحن نحث شركاءنا الدوليين على دعمنا، فدون مساعدتهم ستجد المصالح المتجذرة فرصة لملء الفراغ وإعادة البلاد إلى قبضة الزبائنية والفساد والإفلات من العقاب».

وختم سلام مقاله بالقول: «لبنان مهم لاستقرار المنطقة الأوسع. نحن لا نطلب من أشقائنا أو شركائنا الدوليين أن يقوموا بعملنا نيابة عنا، بل أن يقفوا معنا ويساعدونا على النجاح».


المجموعات المناوئة لـ«حماس» تعتزم مواصلة قتالها... والحركة تتوعد

فلسطينيون يركبون عربة تجرها سيارة لعبور شارع غمرته المياه بعد عاصفة في مدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ب)
فلسطينيون يركبون عربة تجرها سيارة لعبور شارع غمرته المياه بعد عاصفة في مدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ب)
TT

المجموعات المناوئة لـ«حماس» تعتزم مواصلة قتالها... والحركة تتوعد

فلسطينيون يركبون عربة تجرها سيارة لعبور شارع غمرته المياه بعد عاصفة في مدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ب)
فلسطينيون يركبون عربة تجرها سيارة لعبور شارع غمرته المياه بعد عاصفة في مدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ب)

أكدت جماعات تعمل في مناطق تسيطر عليها إسرائيل في قطاع غزة أنها رغم مقتل أبرز قادتها، فستواصل القتال ضد «حماس»، كما كشفت معلومات عن تجنيد المزيد من العناصر منذ وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول)، مع تطلعها إلى لعب دور في مستقبل القطاع.

وأدى ظهور هذه الجماعات المناوئة لـ«حماس»، رغم أنها لا تزال صغيرة وتعمل في مناطق محدودة، إلى تفاقم الضغوط على الحركة، وقد يعقد ظهورها أيضاً الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار، وتوحيد قطاع غزة، المنقسم والممزق بسبب الحرب التي دامت عامين.

وأقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يونيو (حزيران) الماضي، بدعم جماعات مناهضة لـ«حماس»، قائلاً إن إسرائيل «نشّطت» بعض الجماعات المرتبطة بالعشائر، على الرغم من أن السلطات الإسرائيلية لم تقدم تفاصيل كثيرة منذ ذلك الحين.

وقالت مصادر في «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن محاربة ما وصفتها بـ«العصابات المسلحة المتعاونة مع إسرائيل» لن تتوقف وستستمر بطرق مختلفة. ورأى أحد المصادر أن «هدف إسرائيل من دعمها ومحاولة منحها أهمية سقط منذ البداية، بعدما فشلت هذه المجموعات في أن تُشكل تحدياً حقيقياً يمكن أن يعتمد عليه للقضاء على الحركة».

وفي الأسبوع الماضي، قُتل ياسر أبو شباب - الرجل الذي كان يُنظر إليه على أنه محور جهود تشكيل قوات مناهضة لـ«حماس» في منطقة رفح جنوب غزة. وأعلنت جماعة (القوات الشعبية) التي كان يتزعمها أنه قُتل في أثناء محاولة التوسط لحل نزاع عائلي، دون أن تُفصح عن هوية قاتله. وتولى نائبه غسان الدهيني زمام الأمور، متعهداً بمواصلة النهج نفسه.

ورفضت «حماس» التي تدير قطاع غزة منذ عام 2007، حتى الآن نزع سلاحها بموجب خطة وقف إطلاق النار، ووصفت الجماعات المناهضة لها بأنهم «عملاء» لإسرائيل، وهو موقف يقول محللون فلسطينيون إنه يحظى بتأييد شعبي واسع.

واتخذت «حماس» إجراءات سريعة ضد الفلسطينيين الذين تحدوا سيطرتها بعد دخول وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة حيز التنفيذ، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما أسفر عن مقتل العشرات، بمن فيهم بعض الذين اتهمتهم الحركة بالتعاون مع إسرائيل.

«حماس» ترسخ سيطرتها

ويعيش جميع سكان غزة تقريباً، البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، في المناطق التي تسيطر عليها «حماس»، حيث تعيد الحركة ترسيخ سيطرتها، وقالت أربعة مصادر في الحركة إنها لا تزال تحتفظ بآلاف المقاتلين رغم الضربات القاسية التي تلقتها خلال الحرب.

وتقول مصادر من الحركة لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل لم تنجح طوال عامين من الحرب في القضاء على «حماس»، موضحة أنها ما زالت تحافظ على عناصرها البشرية والعديد من مقدراتها العسكرية بنسب متفاوتة.

عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

ووفق سكان في مناطق تقع غرب الخط الأصفر، الذي يفصل بين مناطق سيطرة «حماس» وإسرائيل؛ فإن «حماس» تنشر عناصرها الأمنية سواء من الشرطة والأجهزة الأخرى، أو حتى ليلاً من عناصر «كتائب القسام»؛ بهدف ضبط الحالة الأمنية، ومنع تسلل أي قوات إسرائيلية خاصة وغيرها.

وشدد أحد المصادر على أن الحفاظ على قوة الحركة «لا يعني أننا لا نرغب في تسليم حكم القطاع أو الاستمرار في الحرب، فنحن معنيون بإتمام مراحل الاتفاق ضمن توافق وطني فلسطيني».

لكن إسرائيل لا تزال تسيطر على أكثر من نصف القطاع، وهي مناطق ينشط فيها خصوم «حماس» بعيداً عن نطاق سيطرة الحركة. ومع بطء تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن غزة، لا توجد أي بوادر لانسحاب إسرائيلي إضافي في الوقت الراهن.

زيادة في قوة مناهضي «حماس»

وقالت ثلاثة مصادر أمنية وعسكرية مصرية، إن الجماعات المدعومة من إسرائيل كثفت نشاطها منذ وقف إطلاق النار، وقدرت المصادر عدد المسلحين في هذه الجماعات بنحو ألف، بزيادة 400 مسلح منذ بداية وقف إطلاق النار.

وتلعب مصر دوراً محورياً في المفاوضات بشأن إنهاء الصراع. وتوقعت المصادر أن تصعّد هذه الجماعات أنشطتها في ظل غياب اتفاق شامل بشأن مستقبل القطاع.

وقال دبلوماسي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الجماعات المناهضة لـ«حماس» تفتقر إلى أي قاعدة شعبية، لكنه أضاف أن ظهورها يثير مخاوف بشأن استقرار قطاع غزة، ويزيد من مخاطر الصراع بين الفلسطينيين.

ومنذ مقتل أبو شباب، نشرت الجماعة التي كان يتزعمها وجماعتان أخريان مقاطع فيديو تُظهر تجمع العشرات من المسلحين.

وفي السابع من ديسمبر (كانون الأول)، أعلن الدهيني عن إعدام رجلين في أواخر نوفمبر، قائلاً إنهما من مسلحي «حماس»، وأشار إلى أنهما قتلا أحد عناصر (القوات الشعبية).

وقال مسؤول أمني في تحالف الفصائل المسلحة بقيادة «حماس» في غزة: «قتل هذا العميل لعناصر المقاومة واستعراضه بالصور هما نصر وهمي، ولن تغير شيء من الحقائق الراسخة على الأرض».

«أسباب تكتيكية»

وقال شهود إن بعض الفلسطينيين احتفلوا بنبأ مقتل أبو شباب في مدينة خان يونس المجاورة بتوزيع الحلوى.

وقال غسان الخطيب، وهو محاضر في الدراسات الدولية بجامعة بيرزيت في الضفة الغربية المحتلة، إنه في حين تراجعت شعبية «حماس» بسبب تداعيات حرب غزة، فإن الجماعات المناهضة لـ«حماس» ليس لها مستقبل؛ لأن الفلسطينيين ينظرون إليهم على أنهم عملاء. وأضاف: «إسرائيل تستخدمها فقط لأسباب تكتيكية، وخاصة محاولة زعزعة سيطرة (حماس)».

وقال متحدث باسم حركة «فتح» التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي طردتها «حماس» من غزة، إنها ترفض أي جماعات مسلحة مدعومة من إسرائيل، موضحاً أنها لا تمت بصلة «لشعبنا ومؤسساتنا الوطنية الفلسطينية، لا من قريب ولا من بعيد».

تنسيق مع إسرائيل

وقال حسام الأسطل، الذي يتزعم جماعة أخرى مناهضة لـ«حماس» تتمركز في خان يونس، إنه والدهيني اتفقا على ما وصفه «بمواصلة الحرب على الإرهاب»، خلال زيارة لقبر أبو شباب في منطقة رفح. وأضاف: «مشروعنا، غزة الجديدة سيستمر».

وفي اتصال هاتفي منفصل مع «رويترز» في أواخر نوفمبر، قال الأسطل إن الجماعة التي يتزعمها تلقت أسلحة وأموالاً وأشكالاً أخرى من الدعم من «أصدقاء» دوليين، رفض الكشف عن هويتهم.

ونفى تلقي أي دعم عسكري من إسرائيل، لكنه أقر بوجود اتصالات مع إسرائيل بشأن «التنسيق لإدخال طعام، وإدخال كل الإمكانيات اللي احنا نقدر نعتاش منها».

وأوضح أنه يتحدث من داخل غزة، في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل قرب الخط الأصفر الذي انسحبت القوات الإسرائيلية خلفه. وأضاف الأسطل أن الجماعة ضمت عناصر جديدة منذ الهدنة، ويبلغ عدد أعضائها الآن عدة مئات، بمن فيهم مسلحون ومدنيون.

كما قال مصدر مقرب من «القوات الشعبية» إن الجماعة سجلت زيادة كبيرة في عدد عناصرها، دون تحديد عدد معين.

ولم ترد «القوات الشعبية» على طلبات التعليق المرسلة عبر صفحتها على «فيسبوك». وكانت قد نفت في وقت سابق تلقيها أي دعم إسرائيلي.

مجمعات سكنية

إلى جانب نزع سلاح «حماس»، تتضمن خطة ترمب إنشاء سلطة انتقالية، ونشر قوة متعددة الجنسيات، وإعادة الإعمار.

لكن مع غياب الوضوح بشأن الخطوات التالية، تثور مخاوف من تقسيم فعلي للقطاع بين منطقة داخلية تسيطر عليها إسرائيل، ويعيش فيها القليل من السكان، ومنطقة ساحلية مكتظة بالنازحين ومعظمها عبارة عن أنقاض.

وخلال جولة له في غزة، الأحد الماضي، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير إن إسرائيل «تسيطر على أجزاء واسعة من قطاع غزة، وسنبقى على خطوط الدفاع تلك».

وتشمل الأهداف التي ذكرتها الجماعات المناهضة لـ«حماس»، إقامة مناطق آمنة للنازحين من سكان غزة.

في أكتوبر، قال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، وصهر ترمب جاريد كوشنر، إن أموال إعادة الإعمار يمكن أن تتدفق إلى المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل دون انتظار بدء المرحلة التالية من الخطة، وذلك بهدف إنشاء مناطق نموذجية يعيش فيها سكان غزة.

ووفقاً لاثنين من المسؤولين الإسرائيليين، وثلاثة دبلوماسيين غربيين مشاركين في التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، تعد رفح واحداً من أوائل المواقع التي حددها المسؤولون الأميركيون لمثل هذه المجمعات السكنية، والتي توصف بأنها «تجمعات آمنة بديلة»، على الرغم من عدم تحديد أي إطار زمني.

وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة تعمل مع شركائها «لتوفير السكن والخدمات الأخرى لسكان غزة في أسرع وقت ممكن».

وأكد مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة لم تجر أي اتصال رسمي مع الجماعات المناهضة لـ«حماس»: «كما أنها لا تقدم أي تمويل أو دعم». وأضاف: «لا نحدد فائزين أو خاسرين في غزة»، مشيراً إلى أنه «باستثناء عدم وجود دور مستقبلي لـ(حماس)، الأمر سيكون متروكاً لسكان غزة أنفسهم فيما يتعلق بمن سيحكم غزة».


لبنان يستكمل تصحيح علاقته مع سوريا بتعيين سفير في دمشق

الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)
الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)
TT

لبنان يستكمل تصحيح علاقته مع سوريا بتعيين سفير في دمشق

الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)
الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)

يمثّل تعيين السفير اللبناني هنري قسطون في دمشق، بعد تقديم أوراق اعتماده للرئيس السوري أحمد الشرع الأربعاء، خطوة أساسية في استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين لبنان وسوريا بعد 4 سنوات من شغور المنصب، وبداية مرحلة جديدة يُفترض أن تفتح الباب أمام معالجة ملفات عالقة تتصدرها قضية الموقوفين السوريين في لبنان، وملف اللاجئين، والتهريب عبر الحدود، بما يعيد تنظيم العلاقة الثنائية على أسس أكثر وضوحاً.

تمثيل بعد شغور

وأعلنت الرئاسة السورية، الأربعاء، أن الرئيس أحمد الشرع تقبّل في قصر الشعب بدمشق، أوراق اعتماد السفير هنري قسطون، سفير الجمهورية اللبنانية لدى الجمهورية العربية السورية، بحضور وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني.

ويملأ قسطون شغوراً طال 4 سنوات، بعد 17 عاماً على إطلاق التمثيل الدبلوماسي بين البلدين. فقد بدأ التمثيل الدبلوماسي الكامل بين بيروت ودمشق في عام 2008، حين عُيّن ميشال الخوري أول سفير للبنان منذ الاستقلال، في خطوة تاريخية أنهت عقوداً من التمثيل غير المتوازن. واستمر الخوري حتى نهاية 2013، ثم دخل المنصب مرحلة شغور أول حتى 2017، حين تولّى سعد زخيا مهامه سفيراً ثانياً حتى نهاية 2021. ومع انتهاء ولايته، عادت العلاقات إلى فراغ دبلوماسي ثانٍ استمر حتى تعيين قسطون في عام 2025، الأمر الذي يعيد انتظام الحضور الدبلوماسي اللبناني داخل دمشق.

تصحيح العلاقة

وبينما تفتح خطوة التعيين مساراً جديداً في التعامل الرسمي بين البلدين، سبق نائب رئيس الوزراء طارق متري هذه المرحلة بالتأكيد على أنّ التبادل الدبلوماسي «سيتم قريباً»، مشيراً إلى أنّ العقود الخمسة الماضية عرفت علاقة غير متكافئة بين لبنان وسوريا.

وتتيح المرحلة الراهنة فتح صفحة دبلوماسية جديدة قائمة على الندية والاحترام المتبادل، وتلي تعليق المجلس الأعلى في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بالتزامن مع زيارة وزير خارجية دمشق أسعد الشيباني إلى بيروت، وتحدث خلالها عن فرصة تاريخية لتحويل العلاقة من مسار أمني مضطرب إلى شراكة سياسية واقتصادية. يومها، تم الإعلان عن تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني – السوري، وهو المجلس الذي شكّل طوال عقود الآلية المركزية لإدارة الملفات المشتركة خلال مرحلة النفوذ السوري في لبنان، بما يوحي بتحوّل في منهجية التعامل بدل استمرار المؤسسات التقليدية في صورتها السابقة.

ملف السجناء

وبموازاة هذه الخطوة الدبلوماسية، زار وفد قضائي لبناني رفيع دمشق، الأربعاء، لبحث مشروع اتفاقية تتيح تسليم الموقوفين والمحكومين إلى بلادهم، بما لا يتعارض مع القوانين اللبنانية، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.

وترأس الوفد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم، وضمّ القاضيين منى حنقير وجاد معلوف، حيث التقى الوفد وزير العدل السوري مظهر الويس وكبار القضاة.

وأفادت «قناة الجديد» التلفزيونية المحلية بالتوصل إلى مسودة أولية تحتاج إلى تعديلات قبل اعتمادها نهائياً، من دون أن يشمل البحث ملف المحكومين بقضايا مرتبطة بالقتال ضد الجيش اللبناني.