عبّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن «أمله» في أن تحظى سوريا بـ«السلام الذي تحلم به منذ 13 عاماً»، معتبراً أن «نظام دمشق (في إشارة إلى حكم الرئيس بشار الأسد) لم يدرك قيمة اليد التي مدتها له أنقرة ولم يفهم مغزاها». وهو كان يشير إلى عروض الحوار التي قدمتها أنقرة في السنتين الماضيتين ورفضتها دمشق. وقال الرئيس التركي في تصريح السبت: «أملنا أن تجد جارتنا سوريا السلام والهدوء اللذين تحلم بهما منذ 13 عاماً»، مؤكداً أن سوريا «تعبت من الحرب والدماء والدموع». وتمنى رؤية بلد تعيش فيه مختلف الهويات جنباً إلى جنب في سلام.
جاء ذلك في وقت أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن ليل الجمعة - السبت، أنه «في المرحلة التي تم الوصول إليها الآن (في إشارة إلى تقدم الفصائل) يجب على الرئيس السوري بشار الأسد أن يتصرف بواقعية، ويقيم حواراً مع المعارضة، ويبدأ عملية سياسية، ويجب على جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة أن تلعب دوراً بناء في هذا الاتجاه».
وقالت مصادر الخارجية التركية إن فيدان وبلينكن بحثا التطورات الأخيرة في سوريا، وإن فيدان أكد أهمية عدم تكرار الأخطاء السابقة في سوريا، وأنه لا ينبغي السماح للتنظيمات الإرهابية مثل «حزب العمال الكردستاني - وحدات حماية الشعب الكردية (المدعومة أميركياً)» و«داعش» بالاستفادة من أجواء الفوضى في سوريا.
وأوضح فيدان أنه سيكون من المفيد اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تحول الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها «النظام السوري» إلى خطر بالنسبة للمنطقة، وأهمية وصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، لافتاً إلى أن تركيا تقدم الدعم اللازم في هذا الصدد.
تركيا وتحديد الهدف
وفي تعليق على التطورات في سوريا، قال رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم» وزير الخارجية التركي الأسبق، علي بابا جان، إن على تركيا أن تحدد رؤيتها، وأن تقرر ما إذا كان «الهدف هو الإطاحة بالرئيس السوري ونظامه ورؤية ما سيحدث بعد ذلك؟ أم هو الضغط عليه لجلبه إلى طاولة المفاوضات، وضمان التوصل إلى حل سياسي نهائي».
وعد باباجان أن قرار تركيا في هذا الصدد مهم للغاية، مضيفاً، في تصريحات السبت: «آمل ألا تضل حكومتنا الطريق بين هذين الخيارين».
ولفت باباجان إلى أن السياسة الخارجية لتركيا تقوم على ركيزتين مهمتين للغاية؛ أولاهما مصالح تركيا والثانية هي اهتماماتنا الإنسانية، مشدداً على ضرورة التصرف وفقاً لهذين المبدأين، مع الوضع في الاعتبار ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا، وضمان تمتع شعبها بالحقوق والحريات الأساسية وحقه في اختيار حكومة تعددية تلبي تطلعاته.
ورأى أن هناك حاجةً لعملية حوار داخلي تشارك فيها المجموعات المختلفة من أجل التوصل إلى حل في سوريا، معتبراً أن إصرار الأسد على رفض الحوار أوصل الأوضاع في سوريا إلى ما هي عليه الآن. كما أكد ضرورة أن تتحدث تركيا مع أميركا وروسيا وإيران.
الحل السياسي
بدوره، عدَّ السفير التركي السابق في دمشق، عمر أونهون، أن طرد «وحدات حماية الشعب» من المنطقة وسيطرة المعارضة على حلب، حيث أتى جزء كبير من اللاجئين إلى تركيا، خلق ميزة كبيرة لأنقرة، التي تعد أولوياتها القصوى في سياق الأزمة السورية إبعاد «وحدات حماية الشعب» الكردية عن حدودها الجنوبية، وضمان أمن الحدود وعودة اللاجئين.
ولفت إلى أن الأسد عندما عاد إلى الجامعة العربية والعالم العربي، تصرف وكأن كل القضايا قد تم حلها، وواصل رفض الحوار مع المعارضة ودعوات التطبيع مع تركيا.
وعد أنه إذا كان هناك قتالٌ ضد المعارضة حتى الآن، فسيكون ذلك من منطلق القلق بشأن ما قد تفعله بهم الجماعات المتشددة في المعارضة، وليس من منطلق الولاء للرئيس السوري.
وعن مسار أستانة، قال أونهون إنه لا يمكن إخفاء الخلافات في الرأي بين أصحاب المصلحة في منصة أستانة، روسيا وإيران وتركيا، لافتاً إلى أن روسيا قد تتدخل لمنع المعارضة من الزحف الفوري نحو دمشق، لأنه إذا سقطت دمشق، فلن يكون لدى روسيا ورقة مساومة للحفاظ على نفوذها في سوريا.
وعد الدبلوماسي التركي السابق أن أفضل طريقة للمضي قدماً من الآن فصاعداً هي العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي مستدام، والأساس المناسب لذلك هو قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي قبله الجميع، بما في ذلك روسيا وحتى الأسد.
مخاوف البنية الكردية
ولفت إلى أنه من الواضح أن «هيئة تحرير الشام» تسعى إلى إيجاد مكان لها في الإدارة المستقبلية لسوريا، بل وحتى أخذ زمام المبادرة في الإدارة، وأن الصورة التي ظهرت من خلال ظهور قائدها، أبو محمد الجولاني، في الإعلام الأميركي، على الرغم من رصد واشنطن 10 ملايين دولار مقابل رأسه، تشير إلى أنه قد يكون هناك اتفاق وترتيب جديد في سوريا، على غرار «طالبان» في أفغانستان.
ورأى أن السيناريو الأسوأ هو أن تنتشر الحرب الأهلية في جميع أنحاء البلاد، واستخدام الأسد الأسلحة الكيميائية مرة أخرى، وهو ما سيؤدي إلى تدفقات جديدة للاجئين وتقسيم سوريا.
وقال إنه من المفهوم أن «وحدات حماية الشعب» قلقة بشأن الخطوات التي قد تتخذها تركيا، كما أن ثقتها في الولايات المتحدة ستكون على المحك في ظل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب.
وأضاف أنه من الواضح أن هناك تبادلاً بين «وحدات حماية الشعب» والأسد، اعتدنا على رؤيته منذ بداية الأزمة، وتترك القوات السورية الأماكن التي اضطرت إلى مغادرتها للوحدات الكردية.
ولفت إلى أنه على الرغم من أن المسؤولين الأتراك رفيعي المستوى يقولون إنهم مستعدون لمواجهة أي تهديد قد ينشأ من جانب الوحدات الكردية والتنظيمات الأخرى، إلا أن هناك أيضاً من يشعرون بالقلق من أن التطورات، التي يُنظر إليها حالياً على أنها مكاسب ستؤدي إلى إطلاق أو حتى تسريع عملية من شأنها أن تؤدي إلى إقامة «بنية كردية» في المنطقة على المديين المتوسط أو الطويل، ولا يمكن القول إن المخاوف لا أساس لها من الصحة على الإطلاق في ظل الفوضى والأجواء السياسية الحالية في سوريا.
في السياق، استمر التصعيد من جانب القوات التركية في منبج، حيث قتل أحد عناصر قوات «الدفاع الذاتي» التابعة لـ«مجلس منبج العسكري» التابع لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وأصيب 3 آخرون بجروح متفاوتة، جراء قصف مدفعي شنته القوات التركية والفصائل الموالية لها على قرية أبو كهف ومعبر التايهة في ريف منبج في شرق حلب. وردت قوات «مجلس منبج العسكري» على مصادر النيران، حسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، السبت.
وقتل 3 مدنيين بقصف مدفعي للقوات التركية والفصائل الموالية لها المتمركزة في مناطق «درع الفرات»، استهدف قرى البوغاز والعوسجلي بريف منبج الغربي شرق حلب ضمن مناطق سيطرة «مجلس منبج العسكري»، الجمعة.
كما انفجرت مسيرة مذخرة تابعة للقوات التركية في نقطة عسكرية تابعة لقوات «مجلس منبج العسكري» في منبج، السبت، ما أدى إلى مقتل عنصرين من قواته.