شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

التطورات العسكرية قطعت الصلة مع الإعلام الرسمي

وزارة الإعلام السورية
وزارة الإعلام السورية
TT

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

وزارة الإعلام السورية
وزارة الإعلام السورية

شكّلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث، آخرها المعارك التي أطلقتها «هيئة تحرير الشام» وفصائل معارضة في شمال غربي البلاد، ووصلت إلى وسطها بمعركة اقتربت من مدينة حماة، والاطلاع على تفاصيلها، في ظل تأخر الإعلام الرسمي والموالي عن مواكبة الأحداث، وشح المعلومات أو عدم دقتها.

خلال سهرة لمجموعة من أساتذة التعليم الثانوي في أحد البيوت الدمشقية، كانت شاشة التلفاز غير مشغّلة، في حين انهمك الجميع يتابعون من شاشات هواتفهم النقالة الأحداث التي تجري في الشمال عبر منصات «تلغرام» و«إكس» و«فيسبوك» ومواقع تلفزيونات عربية وأجنبية.

مسلحون من «هيئة تحرير الشام» أمام قلعة حلب التاريخية (أ.ف.ب)

وبينما كان أحدهم يشاهد فيديو لسيطرة «تحرير الشام» والفصائل المعارضة على إحدى البلدات، طلب من أصدقائه فتح المنصة (المعارضة) ومشاركته متابعة المعارك من خلالها، وقال: «وسائل إعلامنا الرسمية آخر مَن يبث الخبر والمعلومة عن أي حدث مهم داخل البلاد، بل ربما تنشر بعد يوم أو يومين، ورغم ذلك يكون مقتضباً لا يتضمن تفاصيل تروي غليل المواطن. لقد طارت كل حلب وإعلامنا نائم، كما حصل يوم سقوط بغداد عام 2003».

الصفحة الأولى لصحيفة «تشرين» المحلية

وبحسب تأكيد مصادر خاصة، فقد ساد ارتباك رسمي على كل المستويات، بعد الانتشار الواسع لأخبار المعارك وسرعة تقدمها من ريف حلب إلى وسط البلاد، وتسبب في حالة «حَيْرة شديدة حول كيفية التعامل مع الحدث».

سورية من الرقة تتابع أخبار ابنها المخطوف من «داعش» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وبينما أثارت الأخبار الميدانية المخاوف في أوساط السكان في دمشق وبقية مناطق نفوذ الحكومة، خوفاً من وصول المعارك إلى مناطقهم، فإنهم لم يجدوا في قنوات بلادهم ما يشفي غليلهم، لذا اختاروا منصات «تلغرام» و«إكس» وصفحات «فيسبوك» لمعرفة ما يجري.

تناقض كلي

موظف في أحد المصارف الخاصة في دمشق، وصف ما يجري في شمال البلاد بأنه «خطير للغاية وأحدث (كركبة) لا توصف لدى الناس وأنا منهم. نريد معرفة حقيقة ما يحدث، سريعاً، لذلك نلجأ إلى مواقع إخبارية مدعمة بفيديوهات وصور، في حين أن إعلامنا الرسمي وشبه الرسمي ينتظر التعليمات بشأن المسموح والممنوع نشره، وبالتالي تغيب أجزاء كثيرة من الحقيقة في الأخبار، والمضمون يناقض كلياً ما يشاهده ويسمعه الناس على الفضائيات والمنصات».

قصف لـ«هيئة تحرير الشام» على أطراف حماة (أ.ف.ب)

يرتفع مستوى قلق السوريين كلما اقتربت مناطقهم من زحف المعارك. أوضح طالب جامعي من مدينة حمص، أنه عندما أصبحت المعارك على تخوم ريف حماة (الشمالي)، كان معظم الناس على أعصابهم واندفع أغلبيتهم إلى «تلغرام» و«فيسبوك» لمتابعة آخر التطورات، في ظل تأخر الإعلام الرسمي في نقل الأحداث، وأضاف الطالب: «الأهالي يريدون معرفة ما يجري في البلاد من أجل تدبر أمرهم وأمر أبنائهم».

فقدان القناعة

يقول صحافي مستقل في دمشق إن هجوم «تحرير الشام» والفصائل المعارضة حسم موضوع ثقة السوريين في مناطق نفوذ الحكومة وإعلامها الرسمي أو القريب منها، وقال الصحافي لـ«الشرق الأوسط»: «العالم يعيش في ظل ثورة معلومات لا نلاحقها من شدة تسارعها، ولم يعد بالإمكان إخفاء الحقائق»، متسائلاً كيف يمكن لـ«هيئة تحرير الشام» والفصائل المعارضة أن تكون مجهزة بشكل مدروس إعلامياً بأسلوب وتقنيات، بينما إعلامنا لا يزال يعتمد على أسلوب القرن الماضي في الأخبار، هذا سبب خسارته ثقة المتلقين.

وأضاف: «لقد عمدت (تحرير الشام) والفصائل المعارضة إلى توثيق معظم ما تقوم به، خصوصاً تفاصيل سيطرتها على المدن والأحياء والمقرات الحساسة، بالصور والفيديو، وتقوم ببثها مباشرة عبر ماكينتها الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، على حين أن أخبار وسائل الإعلام الرسمية وبيانات الجيش (السوري الحكومي) تأتي متأخرة وتقتصر على عبارات (عامة) لا تعكس كل الحقيقة».

الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

ويلفت الصحافي إلى أن المواقع الإعلامية السورية المستقلة (البعيدة عن الرقابة الرسمية)، تنقل المتاح من معلومات من جميع الأطراف، فعندما يصدر الجيش بياناً يتم التعامل معه، وعندما تبث «تحرير الشام» والفصائل المعارضة أخباراً وفيديوهات عن سيطرتها على مواقع جديدة، أيضاً يتم التعامل معها، «مع التدقيق بصحة المعلومات من مصادرنا الخاصة»، واصفاً «الماكينة الإعلامية» لـ«تحرير الشام» والفصائل المعارضة بـ«القوية جداً»، على حين كان تعاطي وسائل الإعلام الحكومية متأخرة عنها بأشواط.

غياب الشفافية أمر آخر في الإعلان الرسمي، بحسب صحافي آخر، فمنذ بداية الهجوم في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان الإعلام ينفي صحة الهجوم وتقدمه، مكرراً أن الجيش يتصدى للهجوم ويرسل التعزيزات إلى مناطق التوتر، إلى أن اعترف في بيان أصدره في 30 من الشهر نفسه، أن الفصائل تمكَّنت من دخول أجزاء واسعة من أحياء مدينة حلب ما اضطر الجيش إلى الانسحاب وإعادة الانتشار.

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مدير الاستجابة السريعة في مركز الملك سلمان للإغاثة: «جسر المساعدات إلى سوريا مستمر حتى تحقيق النتائج المرجوة»

فهد العصيمي مدير الإغاثة العاجلة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مع فريق الهلال الأحمر السوري (المركز)
فهد العصيمي مدير الإغاثة العاجلة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مع فريق الهلال الأحمر السوري (المركز)
TT

مدير الاستجابة السريعة في مركز الملك سلمان للإغاثة: «جسر المساعدات إلى سوريا مستمر حتى تحقيق النتائج المرجوة»

فهد العصيمي مدير الإغاثة العاجلة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مع فريق الهلال الأحمر السوري (المركز)
فهد العصيمي مدير الإغاثة العاجلة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مع فريق الهلال الأحمر السوري (المركز)

قال فهد العصيمي، مدير إدارة الإغاثة العاجلة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وقائد فريق المركز في دمشق، إن الجسرين البري والجوي المقدمين من المملكة السعودية للشعب السوري سيستمران حتى تحقيق النتائج المرجوة، وإن المملكة قدمت 730 طناً استجابة سريعة منها للأشقاء السوريين، حتى الآن. كما بحث فريق الإغاثة مع وزير الصحة السوري، ماهر الشرع، الاحتياجات العاجلة للمستشفيات وتقديم الرعاية الصحية، مع إمكانية زيارة فريق طبي سعودي متخصص.

وقال فهد العصيمي في تصريحات لجريدة «الشرق الأوسط»، إن مركز الملك سلمان للإغاثة وبعد عودة سوريا لمحيطها العربي، وبتوجيهات من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، «سيّر الجسرين الجوي والبري بشكل متوازٍ منذ أول يناير (كانون الثاني) الجاري، وغداً (الخميس) تصل الطائرة الثامنة ليكون الإجمالي 189 طناً. كما وصلت 60 شاحنة براً ضمت 541 طناً دخلت عبر الحدود الأردنية السورية من معبر نصيب، ويتم توزيعها على المناطق الأكثر احتياجاً».

جانب من المساعدات السعودية التي تتدفق نحو دمشق عبر مطار دمشق الدولي (واس)

وأعلن مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذراع التنموية والإنسانية للسعودية، إطلاق جسرين جوي وبري إغاثيين إلى سوريا في الأول من يناير الحالي. وبحسب العصيمي، ضمت المساعدات أجهزة طبية وشحنات دوائية وحقائب إيوائية للمناطق الأكثر احتياجاً. وتابع حديثه، قائلاً: «تتضمن المساعدات بشكل رئيسي مادة الطحين والسلال الغذائية والأرز وسلال منظفات، ومواد إيوائية للسكن، بينها أدوات طبخ وأغطية وفرشات، وكل ما يحتاج إليه النازح للعودة لمنزله».

وبحث فريق مركز الملك سلمان للإغاثة السعودي مع وزير الصحة في حكومة تسيير الأعمال السورية، ماهر الشرع، سبل تعزيز العمل الإنساني، وكذلك الطبي، في سوريا وتحديد الأولويات لدعم القطاع الصحي وتحقيق العدالة الصحية لجميع السوريين، وأوضح فهد العصيمي الذي ترأس الوفد السعودي: «نعمل على مسار آخر بالتوازي مع مسار المساعدات، وهو الحملات الطبية التطوعية، وجزء كبير من عمل المركز يتم عبر إرسال أطباء اختصاصيين سعوديين، لتقديم المساعدات الطبية العلاجية والجراحية للمشافي في سوريا، وفقاً للتقارير وتقييم حالة هذه المستشفيات».

فهد العصيمي أثناء توزيع مساعدات في معبر نصيب الحدودي (مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية)

وخصص المركز زيارات ميدانية للمستشفيات والمراكز الصحية في العاصمة دمشق وريفها، للوقوف على الاحتياجات الأساسية والعمل على تأمينها. وأشار العصيمي إلى «أن المركز يعمل على تقديم الدعم الصحي وتقديم المساعدات الطبية للمستشفيات، مثل الأدوية والتجهيزات الطبية والاستشارات العلاجية، لإعادة تأهيلها وتعزيز قدراتها وطاقتها الاستيعابية».

تأتي هذه الجهود تأكيداً للدور الذي تضطلع به المملكة السعودية في مد يد العون للأشقاء السوريين؛ إذ إنه ومنذ اندلاع الأزمة عام 2011 كانت المملكة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة من أولى الجهات التي وقفت إلى جانب الشعب السوري في محنته، عبر تقديم المنح والمساعدات الإغاثية والإنسانية للنازحين في الداخل، وإلى اللاجئين في دول الجوار جراء الصراع الذي استمر 13 عاماً، وكذلك قدمت المساعدات إلى المتضررين جراء الزلزال المدمر الذي طالت أضراره بعض المحافظات الواقعة في شمال غربي سوريا فبراير (شباط) 2023.

جانب من المساعدات السعودية التي تتدفق نحو دمشق عبر مطار دمشق الدولي (واس)

وأوضح العصيمي أنهم يعملون بالتنسيق مع منظمة «الهلال الأحمر السوري» ومنظمات وجهات محلية في المرحلة الأولى، «للتأكد من الاحتياجات الإنسانية العاجلة الآنية. وبعد الانتهاء من هذه المرحلة سنعمل على تقديم الدعم للمنظمات والجهات الإنسانية والشركاء».

وشدّد المسؤول السعودي على أن عدداً من القطاعات، لا سيما الطبية والصحية في سوريا، بحاجة لمساعدات عاجلة، «لأن أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري يتطلعون للحظة عودتهم لبلدهم، حيث إن غالبيتهم من اللاجئين في دول الجوار، وسيعودون عندما يجدون رعاية طبية مناسبة وضمانة صحية لهم ولأولادهم».

فهد العصيمي في معبر نصيب الحدودي بين أطفال سوريين (مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية)

ونوه العصيمي بأن مساعدات الجسرين الجوي والبري وُزعت في قسم من المحافظات السورية، بينها: «محافظة درعا وفي العاصمة دمشق وريفها مثل مدينة دوما، كما أرسلنا الجسر الجوي إلى محافظتي اللاذقية وحمص، وسنقوم بتغطية جميع المحافظات السورية في قادم الأيام»، وأخبر العصيمي بما عايشه الوفد السعودي أثناء وجوده في معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا، وقال: «كنا نشاهد أفواج السوريين وهم يدخلون نحو بلدهم، منهم من ركع لحظة وصوله للأراضي السورية، ومنهم من كان يبكي ودموعه سبقت فرحته، ومنهم من كان يركض لاهثاً لدخول بلده... حقيقة كانت لحظات إنسانية معبرة للغاية».

وعبر مدير إدارة الإغاثة العاجلة في مركز الملك سلمان قائلاً إن رسالتهم للشعب السوري «أن المملكة السعودية قيادة وشعباً تقف إلى جانب الأشقاء السوريين في هذه المرحلة، وأن الوضع سيكون أفضل وسيذهب نحو الاستقرار والإنجاز».

ونوه العصيمي بأن أول ما يلفت الأنظار عند دخول الأراضي السورية: «عندما تقابل السوريين تشاهد الفرحة في عيونهم وابتسامة عريضة مرسومة على وجوههم، هذه فرحة مردها أنهم عادوا لبلدهم بعد 13 عاماً، وطي مأساة الشتات والنزوح القسري، والفرحة الكبرى مشاهدتنا كيف نقف إلى جانبهم ومعهم وبينهم في هذه الظروف التي يمر بها بلدهم العزيز على قلبنا».