الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

تراجع استهلاك اللحوم 30 % والأنشطة الترفيهية تخرج من الميزانية

مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)
مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)
TT
20

الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)
مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)

دخلت الطبقة الوسطى في مصر مرحلة إعادة ترتيب الأولويات، بعدما لم يعد تقليص الرفاهيات كافياً لاستيعاب الزيادات المستمرة في الأسعار، فتبدلت معيشتها واضطرت إلى التخلي عن كثير من الأشياء. مثلما فعلت فرح عدنان.

استبدلت فرح ذات الـ20 عاماً، وسائل نقل عامة، (ميكروباص ومترو)، بـ«أوبر» عند ذهابها إلى الجامعة في حلوان (جنوب القاهرة)، بينما تقطن في هضبة المقطم ويبعدان عن بعضهما نحو 26 كيلومتراً؛ إذ لم تعد أسرتها قادرة على تحمل أكثر من 200 جنيه في الرحلة الواحدة (الدولار الأميركي 49.66 جنيه).

وارتفعت أسعار وسائل النقل متأثرة بزيادة أسعار المحروقات بنسب تصل إلى 17 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

تحاول فرح التي تدرّس اللغة الفرنسية، مقابل نحو 25 ألف جنيه في العام الواحد، التأقلم مع استهلاكها ضِعف الوقت في الطريق وانتظامها في طابور طويل انتظاراً للميكروباص وعودتها مرهقة.

ويرى الخبير الاقتصادي رشاد عبده، في محاولات فرح وغيرها التأقلم مع الأسعار بحيل مختلفة، إعادة تشكيل للنمط الاستهلاكي للطبقة الوسطى، التي تتكون من «الموظفين وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين وغيرهم من أصحاب المهن».

وتكمن أهمية هذه الطبقة، وفق حديث عبده لـ«الشرق الأوسط»، في أنها ذات قدرة على الاكتفاء في الخدمات، يدرسون في جامعات ومدارس خاصة ويقصدون مستشفيات خاصة، وفي الوقت نفسه هم الطبقة المستهلكة للسلع والخدمات؛ لذا يمكن قياس النمو الاقتصادي للدولة من خلالها، لكن مع «التضخم، أصبحت عُرضة للتآكل».

وسجل التضخم على أساس سنوي في أكتوبر الماضي 26.3 في المائة في ظل صعود له منذ أغسطس (آب) الماضي حين سجل 25.6 في المائة.

وتتراكم الأزمة الاقتصادية بالبلاد منذ سنوات؛ ما دفع الحكومة إلى اقتراض مليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي في عام 2016 ثم في عام 2022، مقابل تحرير سعر الصرف وتقليص الدعم.

وتأزم الموقف أكثر في ظل الأوضاع الإقليمية وخسائر قناة السويس جراء حرب غزة. وأصبح الغلاء وعدم القدرة على مجابهة الأسعار حديث المصريين على «السوشيال ميديا».

وضحّت أسر الطبقة الوسطى، بنمطها السابق في الطعام، فأصبحت سمر أمين (35 عاماً) تكتفي بتقديم البروتين لأسرتها مرة واحدة أسبوعياً. تقول وهي تقيم في المعادي (جنوب القاهرة) لـ«الشرق الأوسط» إنها والأمهات في «غروب الماميز» (خاص بأولياء الأمور)، يتندرن على رفاهية تقديم البيض واللبن لأطفالهن حالياً.

سمر أمين ونجلها حسام (الشرق الأوسط)
سمر أمين ونجلها حسام (الشرق الأوسط)

أما الصحافية نرمين عبد المنعم (اسم مستعار)، فتحاول هي الأخرى أن تنجو من ارتفاع الأسعار بحيل تغيير نوعيته مع الحفاظ على القيمة الغذائية، فاستبدلت الفراخ والأسماك باللحم.

ويبلغ متوسط سعر كيلو اللحم 400 جنيه، مقابل متوسط 100 جنيه للسمك البلطي والمرجان و80 جنيهاً لكيلو الفراخ، حسب بورصة الدواجن. ويشير رئيس شعبة القصابين (الجزارين) في غرفة القاهرة التجارية مصطفى وهبة لـ«الشرق الأوسط»، إلى تراجع استهلاك المصريين للحوم في آخر عامين بنسبة 30 في المائة؛ ما تسبب في ركود بالقطاع.

مائدة الأسر المصرية لم تعُد متنوعة في ظل ارتفاع الأسعار (الشرق الأوسط)
مائدة الأسر المصرية لم تعُد متنوعة في ظل ارتفاع الأسعار (الشرق الأوسط)

الأمهات في الطبقة الوسطى أصبحن على موعد مع عملية حسابية دقيقة بداية كل شهر لوضع خطة للإنفاق، وأملهن مثل سمر، أن تصمد هذه الخطة لنهايته، لكن «مرض طفل واحد كفيل أن يطيح بها». وتشير إلى أن تكلفة زيارة الطبيب بالعلاج 1000 جنيه على الأقل، وهي لا تفضّل الاقتراض فتختار التقشف.

ويشبّه الخبير الاقتصادي رشاد عبده ربة المنزل في الطبقة المتوسطة بـ«وزير المالية»، تحاول تكييف الميزانية على دخل الأسرة الذي يتسم بالثبات عادة.

معيشة على القلق

وتحدد مؤسسة «فيتش سوليوشنز»، إحدى مؤسسات «مجموعة فيتش للتصنيف الائتماني»، الطبقة الوسطى بأنها الطبقة التي يزيد دخل الأسرة فيها على 5 آلاف دولار خلال العام، أي نحو 20 ألفاً و500 جنيه شهرياً.

لدى أسرة إيمان عبد الله دخل يلامس هذا الحد، وليس لديها سوى طفل واحد، فيفترض أن تكون قدرتها على التكييف أفضل من غيرها، لكن بند إيجار المنزل في ميزانيتها يبتلع ثلثها، وينقلها من شقة إلى أخرى بمستوى أقل ومقابل مادي أكبر، في غضون مدد قصيرة، فتعيش قلقاً دائماً.

ينتاب نرمين قلق أيضاً، لكن لعجزها عن اتخاذ أي قرارات طويلة الأمد، مثل نقل نجلها إلى مدرسة أفضل أو الاشتراك له في نشاط ترفيهي؛ خوفاً من أن تخذلها الأسعار مستقبلاً.

ويعدّ القلق، وفق الباحث الاجتماعي عصام فوزي، سمةً أساسية للطبقة المتوسطة ذات الطموح الدائم للصعود الاجتماعي، لكنها تشهد الآن «مرحلة غير مسبوقة من التراجع».

مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)
مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)

طبقة وسطى... حتى حين

ولا يعتبر فوزي، مصطلح الطبقة الوسطى في عمومه دقيقاً، بل يجب وضعه في سياق، فلكل عصر طبقته الوسطى التي ليست بالحتمية، واحدة، مثلاً في الخمسينات، كانت تتشكل من كبار موظفي الدولة وأصحاب الأملاك والمتعلمين من الأساتذة والأطباء، وبعد الانفتاح تراجعت قيمة العلم لصالح «الفهلوة» فبرزت طبقة وسطى من صغار رجال الأعمال، ومن استطاعوا تحقيق مكاسب سريعة.

ويرى الآن موظفي الدولة يتراجعون مع التوجه لتقليص الدولاب الحكومي، وكذلك طبقة أصحاب المشاريع، يقول: «من لديه مبلغ يفضل أن يضعه في البنك ويعيش من فائدته بدلاً من المضاربة به في وضع اقتصادي غير مستقر».

ويصف فوزي هذه الطبقة حالياً بأنها مهلهلة، وعُرضة للهبوط إلى الفقر... ويتفق معه الخبير الاقتصادي رشاد عبده، قائلاً إنها تواجه التآكل بسبب «ارتفاع الأسعار المستمر، وثبات الأجور أو زيادتها بقدر لا يستوعب الزيادة في الأسعار».

وأشار عبده إلى الفارق بين الدخل النقدي والدخل الحقيقي في القدرة الشرائية للأموال، موضحاً أن الزيادة في الأول بقدر لا يقابل الزيادة في أسعار السلع والخدمات، يعني انخفاض الدخل الحقيقي.

ووفق تقرير «فيتش سوليوشنز» في أكتوبر من عام 2023، فإن الطبقة الوسطى، تراجعت نحو 65 في المائة، من 34.2 في المائة من الأسر في 2022 إلى 12.1 في المائة من إجمالي الأسر في 2023.

معرض «وطنية» لبيع اللحوم بأسعار مخفضة في منطقة الهرم جنوب القاهرة (الشرق الأوسط)
معرض «وطنية» لبيع اللحوم بأسعار مخفضة في منطقة الهرم جنوب القاهرة (الشرق الأوسط)

تشبث بـ«التعليم» وهجر لـ«الرياضة»

وأملاً في النجاة؛ تتشبث الطبقة الوسطى بالتعليم. قلّصت سمر من مائدتها، لكنها تحرص على عدم التقصير في مدارس نجليها، فألحقتهما بمدارس قومية، وهي حكومية مميزة بمصاريف تصل إلى 25 ألف جنيه في العام الواحد.

الأمر نفسه بالنسبة لإيمان، رغم أن نجلها دون سن المدرسة، تضطر إلى تركه في حضانة تكلفها 2000 جنيه.

وبخلاف توفير فرص جيدة للتعليم، فشلت الأمهات الثلاث في إلحاق أبنائهن برياضة، رغم إيمانهن بأهميتها لأجسادهم، فأقل رياضة تتكلف 300 جنيه في الشهر للطفل الواحد، بخلاف مصاريف التمرين من مواصلات وملابس وطعام وغيره، حسب سمر.

ومثل كل البنود الأخرى في ميزانية الأسر، تأثر بند الملابس، الذي لا يخضع للفصول السنوية من صيف وشتاء أو الأعياد، لكن للضرورة، وتعتمد الأسرة على تبديل الملابس بين الأطفال، فيستخدم الطفل الأصغر ملابس أخيه أو قريب له لم تعد مناسبة لمقاسه، وهكذا.

الدولة تتدخل

وتحاول الحكومة تخفيف وقع الأزمة، بمبادرات لتوفير السلع بأسعار مخفضة في مواسم معينة، مثل «أهلاً رمضان»، و«أهلاً مدارس»، وأخرى في أماكن معينة على مدار العام، وتشهد إقبالاً متزايداً من طبقات اجتماعية مختلفة ليس الفقراء فقط، حسب ما أكده بائع في منفذ بمنطقة الهرم (شمال محافظة الجيزة).

ويرى أحد الخبراء، أن هذه المبادرات لها هدف اقتصادي في تخفيف العبء على المواطن، وآخر سياسي لاستيعاب الغضب المتصاعد داخل الطبقة الوسطى؛ حرصاً على الاستقرار.


مقالات ذات صلة

بعد تجول السيسي وماكرون فيه... ماذا نعرف عن سوق «خان الخليلي» بالقاهرة؟

شمال افريقيا الرئيسان المصري والفرنسي في «خان الخليلي» (رويترز)

بعد تجول السيسي وماكرون فيه... ماذا نعرف عن سوق «خان الخليلي» بالقاهرة؟

اصطحب الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره ماكرون لتناول العشاء بسوق خان الخليلي التاريخي وتجولا وسط الحشود التي استقبلتهما بحرارة والتقطت الصور التذكارية معهما.

ماري وجدي (القاهرة)
المشرق العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقّع مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في القصر الرئاسي بالقاهرة عدداً من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين (أ.ف.ب) play-circle

اتفاقيات شراكة استراتيجية مصرية - فرنسية... وماكرون يؤكد معارضته لتهجير سكان غزة

أفاد التلفزيون الرسمي المصري بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقّعا على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية منتخب مصر للناشئين يحافظ على أمل التأهل للمونديال (الاتحاد المصري)

«أمم أفريقيا للناشئين»: مصر تهزم الكاميرون وتتمسك بأمل المونديال

حقق منتخب مصر فوزه الأول في كأس أمم أفريقيا للناشئين تحت 17 عاماً المقامة في المغرب بالتغلب على نظيره الكاميروني بنتيجة 2 - 1.

«الشرق الأوسط» (المحمدية)
العالم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أرشيفية - د.ب.أ)

ماكرون يلتقي السيسي في القاهرة

وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر، مساء اليوم الأحد، في زيارة تستغرق ثلاثة أيام لبحث العلاقات الثنائية وتوقيع عدد من الاتفاقات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حفل إفطار جماعي نظمته أمانة الشباب بـ«الحركة المدنية» في شهر رمضان الماضي (الحركة المدنية الديمقراطية)

المعارضة المصرية لتفعيل دور الشباب استعداداً للانتخابات

تشهد مصر حالة من الحراك السياسي الذي يمكن أن يفضي إلى إعادة تشكيل للساحة السياسية، سواء عبر ظهور أحزاب جديدة أو ضخ دماء في أحزاب وحركات قائمة.

رحاب عليوة (القاهرة)

«يُلبي أكبر قدر من الطموحات»... تفاصيل المقترح المصري المعدّل لوقف حرب غزة‎

فلسطينيات ينظرن إلى موقع غارة إسرائيلية على منزل في دير البلح وسط غزة يوم الاثنين (رويترز)
فلسطينيات ينظرن إلى موقع غارة إسرائيلية على منزل في دير البلح وسط غزة يوم الاثنين (رويترز)
TT
20

«يُلبي أكبر قدر من الطموحات»... تفاصيل المقترح المصري المعدّل لوقف حرب غزة‎

فلسطينيات ينظرن إلى موقع غارة إسرائيلية على منزل في دير البلح وسط غزة يوم الاثنين (رويترز)
فلسطينيات ينظرن إلى موقع غارة إسرائيلية على منزل في دير البلح وسط غزة يوم الاثنين (رويترز)

تحدث مصدر مصري مطلع إلى «الشرق الأوسط» عن تفاصيل مقترح معدّل تقدمت به القاهرة لتحقيق اختراق يقود إلى وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة «حماس»، موضحاً أنه يتضمن «إطلاق نحو 8 رهائن أحياء من غزة، مقابل هدنة لوقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين 40 و70 يوماً».

وأشار المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه إلى أن «القاهرة حاولت في التعديل الجديد تلبية أكبر قدر من طموحات كل طرف، حيث إن (حماس) كانت في البداية تريد الإفراج عن رهينتين فقط مقابل هدنة الخمسين يوماً، فيما ترغب إسرائيل في نصف الرهائن».

والتعديل الذي يشير إليه المصدر المصري، جاء تطويراً لمقترح سابق للقاهرة طرحته بعد أيام من خرق إسرائيل اتفاق الهدنة في 18 مارس (آذار) الماضي، وكان يتضمن أن تطلق «حماس» سراح 5 رهائن إسرائيليين دفعة واحدة، مقابل هدنة 50 يوماً، على أن تبدأ إسرائيل تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بعد الأسبوع الأول من الهدنة الجديدة.

ووافقت «حماس» على المقترح السابق، لكنه لم يلقَ قبولاً لدى إسرائيل، التي طلبت بدورها إطلاق نصف الرهائن الأحياء على الأقل دفعة واحدة.

أطفال فلسطينيون يقفون داخل مبنى مدمَّر الاثنين في دير البلح وسط غزة (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يقفون داخل مبنى مدمَّر الاثنين في دير البلح وسط غزة (أ.ف.ب)

ومساء الجمعة الماضي نقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن مصر «تقدمت بمقترح جديد لتسوية بخصوص وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بهدف سد الفجوات». ويقع المقترح الجديد، وفق هيئة البث، «في مكان ما بين العرض الأصلي، الذي تضمن إطلاق سراح 5 أسرى أحياء، وبين العرض الإسرائيلي الذي تضمن إطلاق سراح 11 محتجزاً حياً في غزة».

وحسب التأكيدات الإسرائيلية، لا تزال «حماس» تحتجز 59 شخصاً في قطاع غزة، يقول جيش الاحتلال إن 35 منهم قُتلوا، وتعتقد الاستخبارات الإسرائيلية أن بينهم 22 ما زالوا على قيد الحياة، بينما وضع اثنين آخرين غير معروف. ومن بين المحتجزين 5 أميركيين.

«تطمينات»

وأوضح المصدر أن «قيادات من (حماس) طلبت تطمينات لمدى التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار بعد تسليم الرهائن، فتم التوصل لصيغة تقضي بألا يكون تسليم الرهائن الثمانية دفعة واحدة، بل قد يكون الإفراج عن رهينة كل يوم على مدى أسبوع حتى يكتمل العدد المتفق عليه، وأن توقف إسرائيل القصف وتسمح بإدخال المساعدات مع أول تسليم للرهائن، وكذلك الإفراج عن معتقلين في سجون إسرائيل، وبشكل متزامن يتم استئناف المفاوضات من أجل تنفيذ المراحل المتفق عليها في الهدنة الأصلية».

ونوه المصدر إلى أن «الرد النهائي من (حماس) لم يصل بعد، كما أن الجانب الإسرائيلي يدرس المقترح المعدل، ويبدو أنه سيرد بعد لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن، الاثنين».

ووصل نتنياهو إلى واشنطن، مساء الأحد، وقال في بيان إن محادثاته مع ترمب «ستتناول قضية الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة منذ 18 شهراً، وتحقيق النصر في غزة».

فلسطينيون يشيّعون يوم الاثنين طفلاً قُتل بغارة إسرائيلية في غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يشيّعون يوم الاثنين طفلاً قُتل بغارة إسرائيلية في غزة (أ.ف.ب)

ويرى الخبير الاستراتيجي المصري، سمير راغب، أن «المقترح المصري الجديد قد يكون الفرصة الأقوى حالياً لتحقيق وقف إطلاق النار، وهو ضروري ومهم حتى لو بدا الطريق مسدوداً».

راغب قال لـ«الشرق الأوسط» إن «القاهرة تعوِّل على الدعم الأوروبي الكبير للموقف المصري والعربي، الرافض للتهجير، والمساند لضرورة إدخال المساعدات وإعادة إعمار غزة، وكذلك تبذل القاهرة جهوداً مع الشركاء للضغط من أجل تحقيق اختراق يقود لوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات»، كما أن «هناك تعويلاً كبيراً على إمكانية قيام ترمب بالضغط على نتنياهو لتحقيق التهدئة، خصوصاً بعد الاتصال الأخير بين الرئيس الأميركي والرئيس المصري».

وعقد الرئيس المصري قمة ثلاثية، اليوم الاثنين، مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يزور القاهرة حالياً، والملك الأردني عبد الله الثاني، استجابةً لحالة الطوارئ في غزة، بحسب ما قاله ماكرون. فيما أكد السيسي «أهمية استعادة التهدئة من خلال الوقف الفوري لإطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية»، وفق بيان للرئاسة المصرية.

حراك فلسطيني

في سياق متصل، قال الصحافي المتخصص في الشؤون الفلسطينية، أشرف أبو الهول، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك حراكاً فلسطينياً من أجل حلحلة الخلافات بين السلطة الفلسطينية وحركة (حماس) للوصول إلى صيغة تضمن رؤية واضحة لكيفية إدارة غزة بعد الحرب، من أجل القضاء على حجج الاحتلال بشأن هذا الأمر الذي يتخذه ذريعة لتعطيل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار».

وحسب أبو الهول فإن «وفد حركة (فتح) الفلسطينية الذي التقى وزير الخارجية المصري بدر على العاطي، يوم السبت الماضي، طرح مبادرة لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني تقوم على جعل (حماس) شريكة في إدارة المشهد الفلسطيني عبر إدخالها في منظمة التحرير الفلسطينية، وهي مبادرة ليست جديدة لكنها متكررة وسبق واعترضت عليها (حماس) لأنها تقضي باعتراف الحركة باتفاقات (منظمة التحرير) مع إسرائيل».

لكن أبو الهول أكد أن «القاهرة تعتمد على موافقة (حماس) السابقة على المقترح المصري بتشكيل لجنة إسناد لإدارة غزة من أعضاء تكنوقراط ترشحهم الفصائل، وبالفعل رشحت (حماس) ممثلين لها وقدمتهم لمصر، وتتكون اللجنة عموماً من نحو 15 عضواً».