ولي العهد يطلق استراتيجية استدامة البحر الأحمر دعماً للاقتصاد الأزرق

مختصون لـ«الشرق الأوسط»: المملكة تعزز إمكاناتها لتنمية قطاع جاذب للاستثمارات

TT

ولي العهد يطلق استراتيجية استدامة البحر الأحمر دعماً للاقتصاد الأزرق

يعد البحر الأحمر إحدى أكثر مناطق المملكة تميزاً وتنوعاً بيولوجياً (شركة البحر الأحمر)
يعد البحر الأحمر إحدى أكثر مناطق المملكة تميزاً وتنوعاً بيولوجياً (شركة البحر الأحمر)

تتجه السعودية إلى تعزيز قطاع جديد يُعتمد عليه بوصفه ركيزة أساسية في اقتصادها الوطني، وتدعم تحول البلاد إلى اقتصاد أزرق مستدام، بما يحقق التنوع الاقتصادي ويتماشى مع مستهدفات «رؤية 2030»، وذلك بعد إطلاق ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، الهادفة إلى حماية النظام البيئي، وتعزيز أطر التعاون لاستدامته.

وتعمل الاستراتيجية على تمكين المستثمرين في بناء مراكز السياحة البيئية والصناعات الخضراء والتحول نحو الاقتصاد الأزرق، حيث تسهم في بناء الأنظمة البيئية المستدامة في تحقيق مستهدفات الاقتصاد المزدهر.

وقال ولي العهد إن المملكة تستمر في إطلاق العنان لإمكاناتها الاقتصادية والجغرافية والثقافية، وجهودها الرائدة في مجالات الاستدامة والحفاظ على البيئة، مبيناً أنه من خلال هذه الاستراتيجية تعزز البلاد مكانة الاقتصاد الأزرق بوصفه ركيزة أساسية لاقتصادها، وتطمح لأن تصبح منطقة البحر الأحمر مرجعاً لأفضل ممارسات الاقتصاد الأزرق، وأن تصبح السعودية رائداً عالمياً في مجال البحث والتطوير والابتكار في الاقتصاد الأزرق.

وأضاف ولي العهد: «الاستراتيجية تؤكد التزام المملكة بمستقبل مستدام للبحر الأحمر، ونتطلع من الجميع التعاون لحماية سواحلنا والطبيعة والمجتمعات المعتمدة عليه».

والاقتصاد الأزرق هو مفهوم اقتصادي يركز على الاستغلال المستدام للموارد البحرية والمائية لدعم النمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش والحفاظ على صحة الأنظمة البيئية البحرية. ويتضمن مجموعة متنوعة من الأنشطة مثل مصايد الأسماك المستدامة، وتربية الأحياء المائية، والسياحة البحرية، وتوليد الطاقة المتجددة من البحار مثل طاقة الرياح والأمواج، والنقل البحري. ويهدف هذا النهج إلى المحافظة على المحيطات والبحار والموارد المائية مصدراً للرزق والنمو الاقتصادي، مع الأخذ في الاعتبار التحديات البيئية والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المرتبطة بها.

بدوره، علّق وزير المالية محمد الجدعان، على هذه الخطوة قائلًا إن إطلاق ولي العهد الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر يؤكد اهتمام المملكة الخاص بالنظام البيئي والمحافظة عليه، وحرصها على تعزيز مكانة الاقتصاد الأزرق في مستقبل التنمية المستدامة، بما يسهم في صنع تأثير إيجابي للأجيال القادمة.

جذب الاستثمارات

وأكد مختصون لـ«الشرق الأوسط» أن الاستراتيجية الجديدة تمثل تجربة نوعية تطلق من خلالها السعودية الإمكانات كافة لتنمية وازدهار الاقتصاد الأزرق، موضحين أن الخطوة تخلق قطاعاً نوعياً جديداً جاذباً للشركات المحلية والدولية والدخول في مشاريع مستدامة للسياحة الساحلية المتجددة.

وقال المختص في الاقتصاد أحمد الجبير لـ«الشرق الأوسط»، إن الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، ستخلق مزيداً من الاستثمارات في السوق السعودية بالتوازن مع الحفاظ البيئي، مفيداً بأن الوجهات البحرية والسياحة الساحلية تعدان طفرة كبيرة تشهدها المملكة في الوقت الراهن، مستفيدةً من الطبيعة البكر والإقبال على الاستثمارات في تلك المناطق.

وأضاف أن المملكة تبني قطاعاً سياحياً ساحلياً مزدهراً من خلال تبني مفهوم الاستدامة وجذب الاستثمارات، وترويج التجارب السياحية في البحر الأحمر لتشجيع الزوار على اكتشاف الطبيعة والاستمتاع بالفعاليات المتنوعة.

البحث والتطوير

من ناحيته، أفاد المختص في الاقتصاد والمعرفة، فهد بن نايف لـ«الشرق الأوسط»، بأن الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، ستمكّن المملكة في مجال البحث والتطوير والابتكار في الاقتصاد الأزرق، وخلق فرص جديدة متنوعة عبر جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتوليد مزيد من الوظائف للمواطنين.

وتابع أن الاستراتيجية تُعزِّز مكانة الاقتصاد الأزرق ليكون ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني، وتعكس رؤية طموحة لحماية البيئة البحرية وتعظيم فوائدها من جميع النواحي.

وحسب فهد بن نايف، فإن الاستراتيجية تعد خطوة ذكية لربط الحفاظ على الموارد الطبيعية بتنويع الاقتصاد وخلق فرص جديدة، وبالتالي تصبح منطقة البحر الأحمر منطقة نموذجية عالمية للاقتصاد الأزرق.

لقطة من البحر الأحمر (الشركة)

الشعاب المرجانية

ويعد البحر الأحمر إحدى أكثر مناطق المملكة تميزاً وتنوعاً بيولوجياً، فهو منطقة طبيعية تبلغ مساحتها 186 ألف كيلومتر مربع، وخط ساحلي بطول 1800 كيلومتر، ورابع أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم، وموطن لـ6.2 في المائة من الشعاب المرجانية في العالم، وأرخبيل يحتضن مئات الجزر.

وتضع الاستراتيجية إطاراً وطنياً شاملاً يوضح كيفية الحفاظ على الكنوز الطبيعية في البحر الأحمر وإعادة إحيائها، بما يضمن استمتاع المواطنين والمقيمين والزوار بها واستدامتها لأجيال قادمة.

وتوضح الاستراتيجية إسهام حماية البيئة الطبيعية في إطلاق الإمكانات الاقتصادية للمنطقة والبدء في التحول إلى الاقتصاد الأزرق، مما يوجد فرصاً استثمارية للشركات المبتكرة في مختلف القطاعات البحرية، بما في ذلك السياحة البيئية ومصايد الأسماك والطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والشحن البحري، والصناعة.

الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر ستمكّن المملكة بمجال البحث والابتكار في الاقتصاد الأزرق (الشركة)

الطاقة المتجددة

ولدعم الاقتصاد الوطني، تستهدف الاستراتيجية زيادة تغطية المناطق المحمية البحرية والساحلية من 3 إلى 30 في المائة بحلول عام 2030، ودعم وصول مساهمة الطاقة المتجددة إلى 50 في المائة من مزيج الطاقة المستهدف، وتوفير آلاف الفرص الوظيفية المتعلقة بأنشطة الاقتصاد الأزرق، وحماية استثمارات المملكة في المشاريع السياحية في المناطق الساحلية مما يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي.

وتستند الاستراتيجية إلى 5 أهداف، هي: الاستدامة البيئية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والسلامة والأمن، والحوكمة والتعاون، وتضم 48 مبادرة نوعية جرى تطويرها لتحقيق طموحات المملكة في الاقتصاد الأزرق والأنشطة المتعلقة به.

ويوضح إعلان الاستراتيجية الدور المحوري الذي تقوم به المملكة في حماية الموارد الطبيعية في ظل التحديات البيئية والمناخية التي يعيشها العالم اليوم، وترسم مساراً جديداً يجمع بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية.


مقالات ذات صلة

ولي العهد السعودي يطلق استراتيجية لاستدامة البحر الأحمر

الاقتصاد يعد البحر الأحمر إحدى أكثر مناطق المملكة تميزاً وتنوعاً بيولوجياً (شركة البحر الأحمر)

ولي العهد السعودي يطلق استراتيجية لاستدامة البحر الأحمر

أطلق الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، بهدف حماية.

بندر مسلم (الرياض)
عالم الاعمال «أكسيديان» استعرضت أحدث حلولها لأمن الهوية في «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا»

«أكسيديان» استعرضت أحدث حلولها لأمن الهوية في «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا»

أعلنت شركة «أكسيديان»، العاملة في حلول تقنية المعلومات والمصادقة وإدارة أمن الهوية وحلول الوصول الشاملة، عن مشاركتها في معرض «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا».

الاقتصاد صورة للوفود المشاركة في أعمال الدورة الـ15 للمجلس الوزاري العربي للكهرباء (الشرق الأوسط)

السعودية تشارك في أعمال الدورة الـ15 للمجلس الوزاري العربي للكهرباء

شاركت السعودية في أعمال الدورة الـ15 للمجلس الوزاري العربي للكهرباء، والاجتماع الـ39 للمكتب التنفيذي للمجلس، والذي عُقد في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مبنى مصرف الراجحي يظهر في خلفية الصورة في الرياض (أ.ف.ب)

«ألفاريز»: ارتفاع ربحية البنوك السعودية في الربع الثالث إلى 5.4 مليار دولار

نمت ربحية البنوك السعودية في الربع الثالث من العام الحالي وسط تحسن ملحوظ في مستويات كفاءة التكلفة، كما أظهره تقرير شركة «ألفاريز آند مارسال» العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص الرئيس التنفيذي لـ«الهيئة السعودية للبحر الأحمر» محمد آل ناصر يتحدث إلى «الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط)

خاص السعودية تتوقع 22.6 مليار دولار من السياحة الساحلية في 2030

يلعب المستثمرون دوراً محورياً كشركاء رئيسيين في تحقيق الاستدامة، وفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي لـ«الهيئة السعودية للبحر الأحمر» محمد آل ناصر لـ«الشرق الأوسط».

عبير حمدي (الرياض)

278 مليار دولار سنوياً فجوة التمويل لمكافحة التصحر

زوار يتجولون في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
زوار يتجولون في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

278 مليار دولار سنوياً فجوة التمويل لمكافحة التصحر

زوار يتجولون في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
زوار يتجولون في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

في خضم التحديات البيئية المتزايدة التي يواجهها العالم، أشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إلى وجود فجوة تمويلية هائلة تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تقدر مساحتها بمليار هكتار.

وفي تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» على هامش مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «كوب 16»، المقام حالياً في الرياض، سلّط المسؤول عن الآلية العالمية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، بابلو مونيوز، الضوء على أهمية زيادة الاستثمارات لمواجهة هذه التحديات البيئية، مشيراً إلى ضرورة تفعيل تعاون عالمي لمكافحة التصحر، خاصة في ظل الأزمة التمويلية الضخمة التي يواجهها هذا القطاع.

المسؤول عن الآلية العالمية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بابلو مونيوز (الشرق الأوسط)

استعادة الأراضي

وفقاً لتقرير تقييم الاحتياجات المالية الذي تم إطلاقه خلال «كوب 16»، تواجه البلدان الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر تحديات تمويلية هائلة رغم وضعها خططاً استراتيجية طموحة لاستعادة أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030، إلا أن الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030 تقدر بنحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 مليار دولار، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار.

ووفق التقرير، يعادل إجمالي الاستثمارات المطلوبة التي يتعين تحقيقها بين عامي 2016 و2030 نحو 2.6 تريليون دولار.

وتعد أفريقيا أكثر المناطق المتضررة من هذه الفجوة، حيث تمثل نحو 191 مليار دولار سنوياً من العجز العالمي، وذلك بسبب التزاماتها الكبيرة في استصلاح الأراضي.

وأشار التقرير إلى أن التصحر والجفاف يسببان خسائر اقتصادية تقدر بنحو 878 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لبعض البلدان المتأثرة. في الوقت ذاته، تدهور ما لا يقل عن 100 مليون هكتار من الأراضي كل عام، ما يؤثر بشكل كبير على حياة 1.3 مليار شخص حول العالم.

رغم هذه التحديات، يبرز التقرير أيضاً الفوائد الاقتصادية الضخمة التي قد تتحقق من استعادة الأراضي المتدهورة، حيث يمكن أن تولد استثمارات قدرها 1.8 تريليون دولار سنوياً، مما يسهم في تعزيز الاستدامة العالمية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مثل القضاء على الفقر والجوع، وتوفير المياه النظيفة، وتعزيز العمل المناخي.

سيدة تعبر في المنطقة الخضراء ضمن مؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

زيادة الاستثمارات

وأكد مونيوز أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الدول في مواجهة التصحر والجفاف هو توفير التمويل الكافي لدعم الخطط الوطنية والدولية. وأوضح أن التقرير أظهر فجوة تمويلية كبيرة تقدر بنحو 278 مليار دولار، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود لتحفيز الاستثمارات بشكل أكبر. وأضاف: «نحن بحاجة إلى تحفيز استثمارات إضافية بما لا يقل عن 3.5 مرة من المبالغ الحالية لتحقيق الأهداف المنشودة».

ونوّه إلى أن الدول منحت الآلية العالمية مهمة تطوير تقييم لاحتياجات التمويل، لمعرفة ما إذا كانت الاستثمارات الحالية تتم بالطريقة الصحيحة وفي الوقت المناسب. كما أن الحلول المالية المتنوعة ستكون حاسمة في سد هذه الفجوة، والدول يمكن أن تعتمد على استراتيجيات مالية متكاملة لمعرفة فجوتها التمويلية، والتعاون مع الشركاء التنمويين مثل البنوك الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الصناديق العالمية، مثل «الصندوق الأخضر للمناخ»، و«الصندوق العالمي للتنمية».

القطاع الخاص

وبالحديث عن دور القطاع الخاص، شدّد مونيوز على أن الأراضي تعد من الأصول البيئية التي تقدم خدمات ومنتجات حيوية، وهو ما يفرض على الشركات الاستثمار في الحفاظ عليها لضمان استمرارية فوائدها على المدى الطويل. وأضاف أن هناك تمويلات خاصة، مثل «صندوق حياد تدهور الأراضي»، الذي يسهم في دعم مشروعات استعادة الأراضي. كما يمكن للقطاع أن يسهم من خلال استثمار مشاريع ذات عوائد رابحة، وهو ما من شأنه أن يعزز جهود استعادة الأراضي المتدهورة.

ودعا مونيوز إلى ضرورة التعاون العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، مشدداً على أن هذه التحديات ليست محصورة في مناطق معينة أو سياسات خاصة، بل هي قضية عالمية تتطلب من الجميع التكاتف والعمل معاً. وقال: «هذه دعوة للتفكير والمساهمة في هذا التحدي العالمي، حيث إن استعادة الأراضي المتدهورة يمكن أن تسهم في تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية، ما يعزز من جهودنا نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة».

ولفت إلى أن زيادة الاستثمارات والتعاون الدولي هما السبيل الوحيد لتحقيق تلك الأهداف الطموحة في مواجهة تحديات التصحر والجفاف التي باتت تهدد حياة مليارات البشر حول العالم.