الجهود الدبلوماسية تنجح باحتواء تجدد التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل

اتفاقية وقف النار ستبقى مضبوطة على الإيقاع الأميركي

مبانٍ مدمَّرة عند الحدود الجنوبية (رويترز)
مبانٍ مدمَّرة عند الحدود الجنوبية (رويترز)
TT

الجهود الدبلوماسية تنجح باحتواء تجدد التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل

مبانٍ مدمَّرة عند الحدود الجنوبية (رويترز)
مبانٍ مدمَّرة عند الحدود الجنوبية (رويترز)

نجحت الجهود والاتصالات الدبلوماسية في احتواء التصعيد الذي شهده جنوب لبنان، ليل الاثنين، وكاد ينذر بتفلّت الأمور مجدداً، وبرز الدور الأكبر للمبعوث الأميركي آموش هوكستين الذي أجرى اتصالات سريعة مع الأطراف المعنيّة خصوصاً مع الجانب الإسرائيلي لمنع انزلاق الوضع نحو التفجير مجدداً.

وجاء ردّ «حزب الله» على الخروقات الإسرائيلية، مفاجئاً ومن خارج التوقعات خصوصاً بعد الاتصالات التي أجرتها الحكومة اللبنانية مع الأميركيين والفرنسيين، وتأكيدها التزام لبنان بالاتفاق، وحتى لا تأخذ تلّ أبيب أي ذريعة للتنصّل من القرار.

ولأول مرّة منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ عند الرابعة من فجر الأربعاء 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قرر «حزب الله»، مساء الاثنين، الخروج عن صمته، وأطلق قذيفتين صاروخيتين على موقع للجيش الإسرائيلي داخل مزارع شبعا اللبنانية المحتلّة، وعدَّه «الإنذار الأول» لتلّ أبيب لوقف خروقاتها.

وأعلن مصدر مقرّب من «حزب الله» أن «المقاومة مارست ضبط النفس إلى أقصى حدّ، وعندما تجاوزت الخروقات الإسرائيلية الـ70 خرقاً وجَّهت رداً أولياً وتحذيرياً»، مشيراً إلى أن الحزب «مارس حقّ الدفاع عن النفس من ضمن ما تنص عليه الاتفاقية». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «إن العملية التحذيرية التي نفذتها المقاومة هي رسالة واضحة بأنها لن تبقى مكتوفة الأيدي حيال الجرائم الإسرائيلية المتمادية سواء بقتل المواطنين اللبنانيين الأبرياء، أو بالاستمرار في جرف الأراضي والقرى على مرأى من قوات (اليونيفيل)».

وزادت عمليات تجريف إسرائيل للأراضي والمنازل في قرى الشريط الحدودي، قلق أبناء هذه البلدات من منعهم من العودة إليها، وتحويلها إلى منطقة عازلة كانت تطالب بها منذ بداية الحرب، ورأى المصدر المقرّب من «حزب الله» أن الحزب «يراقب من كثب كيف ستتعامل اللجنة الخماسية عند مباشرة مهامها، وما إذا كانت ستتصدّى للانتهاكات الإسرائيلية، وتمكن الأهالي من العودة إلى قراهم».

وقال: «ستبقى المقاومة على جاهزيتها للتصدي للجرائم الإسرائيلية، وحتى لو انسحب مقاتلو الحزب إلى شمال الليطاني، فهذا لا يمنعهم من مهاجمة إسرائيل إذا انتهكت اتفاق وقف النار، ولم تنفّذ ما ورد فيه».

ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدرين سياسيين لبنانيين، الثلاثاء، أن «اثنين من كبار المسؤولين اللبنانيين طالبا واشنطن وباريس بالضغط على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار، بعدما شنت عشرات العمليات العسكرية على الأراضي اللبنانية». وقالت إن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه برّي الحليف الوثيق لـ(حزب الله) والذي تفاوض باسم لبنان من أجل التوصل للاتفاق «تحدثا إلى مسؤولين في البيت الأبيض والرئاسة الفرنسية في وقت متأخر، الاثنين، وعبَّرا عن قلقهما بشأن وضع وقف إطلاق النار».

ويحاول الجيش الإسرائيلي الاستفادة من الوقت الذي يفصل عن اليوم الأخير من هذه الهدنة، ويعزز وضعيته على الأرض بما يؤدي إلى فرض شروطه عندما تبدأ اللجنة الخماسية مهامها، ورأى الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية العميد خالد حمادة، أن «إسرائيل تتخذ من مهلة الـ 60 يوماً المحددة لانسحابها من المناطق التي احتلتها مؤخراً، فرصة لتنفيذ هجمات تستهدف ما تعده مواقع عسكرية وأمنية لـ(حزب الله) في العمق اللبناني».

ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «التصعيد الذي شهدته الساعات الماضية يبقى مضبوطاً على الإيقاع الأميركي الراعي لهذه الاتفاقية، لكن ذلك لا يُلغي خطر تفلّت الأمور في أي حسابات خاطئة». وأضاف حمادة: «بغض النظر عن النيات الإسرائيلية، فإن التطور العسكري الذي شهدته الساعات الماضية يضع الدولة اللبنانية أمام مسؤولياتها، ويضعها أمام اختبار فرض سيادتها على كل الأراضي اللبنانية، وعدم السماح لـ(حزب الله) بتنفيذ أي عملية رغم الخروقات الإسرائيلية التي ستعالج عبر اللجنة الخماسيّة التي تبدأ عملها في الساعات المقبلة».

ويُنتظر أن تبدأ لجنة المراقبة عملها، حتى يلمس اللبنانيون تراجع الخروقات وصولاً إلى وقفها نهائياً مع الانسحاب الإسرائيلي النهائي من القرى والبلدات اللبنانية، وشدد العميد خالد حمادة على أن «انتشار الجيش في جنوب الليطاني يتطلّب التعامل بحذر مع أي خرق لاتفاقية وقف النار؛ إذ لا يمكن للجيش أن يكون وسيطاً، بل عليه فرض القانون ومنع أي وجود مسلّح سواء لـ«حزب الله» أو أي تنظيم مسلّح»، مشيراً إلى أنه «لا خصوصية لأحد في ممارسة أي دور عسكري أو أمني لا في جنوب الليطاني ولا في شماله»، وقال: «إذا كانت الحكومة وقفت موقف المتفرّج أو المراقب خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، فلا يجوز أن تتحوّل اليوم إلى وسيط بعد أن وافقت على نص الاتفاقية وتعهّدت بتنفيذها، حتى لا نخسر الهدنة وتخسر مصداقيتها أمام العالم».

جنود إسرائيليون يحضِّرون للانسحاب من القرى التي دخلوا إليها في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وتسببت العودة السريعة للأهالي في قتل عدد من المدنيين على يد القوات الإسرائيلية وأسْر عدد آخر، ورأى حمادة أن «دعوة المواطنين فور دخول وقف النار حيّز التنفيذ للعودة إلى قراهم وبيوتهم التي ما زالت محتلّة من قبل الجيش الإسرائيلي، تعدّ قراراً متسرعاً، وعرَّض حياتهم للخطر»، لافتاً إلى أن «العودة الآمنة لم تتحقق بعد، قبل البدء بالانسحاب الإسرائيلي التدريجي، وانتشار الجيش اللبناني وقوات الـ(يونيفيل) من المواقع والمناطق التي تنسحب منها القوات الإسرائيلية، وبضمانة اللجنة الخماسية المفترَض بها أن تضع حداً للخروقات الإسرائيلية».


مقالات ذات صلة

ميقاتي: حرص أميركي وفرنسي على معالجة الخروقات الإسرائيلية

المشرق العربي الدخان يتصاعد من قرية حولا في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي (إ.ب.أ)

ميقاتي: حرص أميركي وفرنسي على معالجة الخروقات الإسرائيلية

يترقّب لبنان بدء عمل لجنة المراقبة التي يعوّل عليها لبدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتوقف الاختراقات التي تجاوزت المائة حتى الآن.

كارولين عاكوم (بيروت)
خاص أحد مباني «القرض الحسن» المُدمرة في منطقة الشياح (أ.ف.ب)

خاص «القرض الحسن» تستأنف نشاطها بتعويضات للمنازل المتضررة جزئياً

استأنفت مؤسسة «القرض الحسن» التابعة لـ«حزب لله» عملها عبر إعلان الحزب عن «بدء ورشة المسح لإصلاح المنازل المتضررة لترميمها ودفع بدل الإيواء عبر شيكات تصرف منه».

يوسف دياب
المشرق العربي اجتماع لقوى المعارضة في مقر حزب «القوات اللبنانية» (موقع القوات)

المعارضة اللبنانية لتطبيق القرارات الدولية وإسقاط ثلاثية «جيش - شعب - مقاومة»

رفعت المعارضة في لبنان سقف مواقفها مطالبة بنزع سلاح «حزب الله» وإسقاط ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يحملون أغراضهم عائدين إلى إسرائيل بعد اتفاق وقف إطلاق النار (إ.ب.أ) play-circle 00:45

الجيش اللبناني ينتشر جنوباً والإسرائيلي ينسحب من القرى التي دخلها

يستمر التوتر على الحدود الجنوبية للبنان مع الخروقات الإسرائيلية اليومية، في موازاة استكمال الجيش اللبناني انتشاره في الجنوب مع بدء انسحاب الجيش الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة أرشيفية لقصف إسرائيلي على قرية الضهيرة جنوب لبنان في 11 أكتوبر 2023 (رويترز)

مقتل شخص بضربة إسرائيلية على جنوب لبنان رغم سريان وقف النار

قُتل شخص، الثلاثاء، جراء ضربة نفّذتها مسيّرة إسرائيلية على جنوب لبنان، وفق ما أوردت وزارة الصحة اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«الأزمات الدولية» عن الجولاني: حلب ستحكمها هيئة انتقالية

من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
TT

«الأزمات الدولية» عن الجولاني: حلب ستحكمها هيئة انتقالية

من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب

نشرت الباحثة المكلفة بالملف السوري في «مجموعة حل الأزمات الدولية»، دارين خليفة، تصريحات قائد «هيئة تحرير الشام» الجولاني للمجموعة، قال فيها إن حلب «ستحكمها هيئة انتقالية».

وقالت دارين خليفة، على حسابها في «إكس»، إنه على الرغم من أنه من السابق لأوانه أن نقول كيف ستتعامل «هيئة تحرير الشام» والفصائل المعارضة مع تحديات الحكم في حلب، فإنه يبدو أن المناقشات الداخلية جارية بالفعل، داخل تلك التنظيمات.

ونقلت دارين خليفة عن الجولاني، قوله إنه سيتم توجيه المقاتلين، بمَن فيهم المنتمون إلى «هيئة تحرير الشام»، لمغادرة المناطق المدنية في الأسابيع المقبلة، وإنه ستجري دعوة البيروقراطيين لاستئناف وظائفهم. وسيكون هناك احترام للمعايير الاجتماعية والثقافية المتميزة للمدينة، المسلمين والمسيحيين بكل تنوعهم».

ونقلت دارين خليفة عنه قوله إن «هيئة تحرير الشام تفكر حتى في حل نفسها من أجل تمكين ترسيخ البنى المدنية والعسكرية بشكل كامل، في مؤسسات جديدة تعكس اتساع المجتمع السوري».

وأضافت أنه علينا الانتظار لنرى إن كانت «هيئة تحرير الشام»، ستنفذ هذه الأفكار أم ستضغط على فصائل أخرى لتطبيقها. «لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كان سيتم الامتثال له أم لا». الباحثة المكلفة بالملف السوري في «مجموعة حل الأزمات الدولية»، شددت على أنه نظراً لتاريخهم وجذورهم الجهادية، فسوف يواجهون تحدياً هائلاً في معالجة المخاوف المفهومة التي يشعر بها العديد من السوريين فيما يتصل بتوسع هيمنة «هيئة تحرير الشام»، وتداعياتها على حرياتهم الشخصية والدينية.

وكان زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني فد زار قلعة مدينة حلب في شمال سوريا، وفق ما أظهرت لقطات على تطبيق للتنظيم نشرها على «تلغرام»، الأربعاء، حساب للفصائل المعارضة التي تشن هجوماً منذ أسبوع ضد القوات الحكومية في شمال سوريا.

وبثّ الحساب مجموعة لقطات يظهر فيها الجولاني، المقلّ في إطلالاته العامة، وهو يقف على درج أمام قلعة المدينة التاريخية، وأخرى يحيي فيها عدداً من مناصريه اجتمعوا حوله.

وأكد مصدر من الهيئة لوكالة الصحافة الفرنسية أن الزيارة جرت الأربعاء، بعد أيام من خروج المدينة بالكامل عن سيطرة القوات الحكومية للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع عام 2011.