ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

رئيس فرنسا يدعو لوقف كافة انتهاكات اتفاق وقف النار وانتخاب «فوري» لرئيس الجمهورية

ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان
TT

ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

عديدة الأسباب التي دفعت فرنسا إلى اتخاذ موقف متساهل إزاء طلب المحكمة الجنائية الدولية توقيف وجلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واعتبار أن قانونها الأساسي يمنحه الحصانة، وهو أمر مشكوك فيه. وبعد أيام من الغموض، اعتمدت باريس المقاربة القانونية للملف وارتكزت على المادة الـ98 من شرعة المحكمة، لتؤكد أن منطوقها يتيح لنتنياهو الإفلات من التوقيف في حال وطئت رجلاه الأراضي الفرنسية. بيد أن وراء القراءة القانونية دوافع سياسية. وترى مصادر فرنسية أن الرئيس ماكرون كان حريصاً على أن تكون باريس حاضرة في لبنان؛ إن في لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار، وإنْ في الاستمرار في لعب دور سياسي. ولذا، دفعت الثمن لنتنياهو الذي رفض بدايةً مشاركة فرنسا قبل أن يعدل موقفه بفضل «الهدية» الفرنسية، التي أثارت انتقادات واسعة وعنيفة لباريس، خصوصاً من أوساط منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان التي رأت فيها نسفاً لمصداقية المحكمة.

والمعروف أن فرنسا كانت من أكثر المتحمسين لوجودها ولدعمها. وبحسب مصادر واسعة الاطلاع، فإن تمسك لبنان بوجود فرنسا وإصرار الرئيس الأميركي جو بايدن على ذلك، بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بينه وبين ماكرون، شكّلا أيضاً عوامل ضاغطة على نتنياهو ودفعته للتنازل. وسارعت باريس إلى تعيين ضابط كبير يمثلها في اللجنة الخماسية، وقد وصل إلى بيروت بالتزامن مع وصول الضابط الأميركي الكبير الذي سيقوم بترؤس اللجنة الخماسية: «الولايات المتحدة وفرنسا و(اليونيفيل) ولبنان وإسرائيل».

بيد أن الرئيس ماكرون الذي يعدّ أن حضور فرنسا مشروع ومبرر بالنظر للجهود التي بذلتها من أجل لبنان طيلة الأشهر الـ14 الماضية، وآخرها تنظيم مؤتمر دولي لمساعدته مالياً، وقد نتجت عنه وعود بتقديم مساعدات قيمتها مليار دولار، أراد الذهاب أبعد من ذلك، واستغلال وقف إطلاق النار للدفع بقوة، وبالتناغم مع واشنطن وأطراف عربية، باتجاه ملء الفراغ المؤسساتي وانتخاب رئيس للجمهورية، ومجيء حكومة كاملة الصلاحيات. من هنا، أتت مسارعته إلى إرسال الوزير السابق جان إيف لودريان إلى بيروت في سادس زيارة له؛ للدفع في هذا الاتجاه واتصاله، الخميس، بالرئيس نجيب ميقاتي ونبيه بري.

ووفق المصادر الفرنسية، فإن الملف اللبناني سيكون على رأس المواضيع التي سيتباحث بها ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بمناسبة «زيارة الدولة» التي سيقوم بها إلى المملكة من الثاني إلى الرابع من شهر ديسمبر (كانون الأول). وسيصطحب معه وفداً رسمياً واقتصادياً كبيراً، كما سيقوم بزيارة محافظة العلا.

جان إيف لودريان المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي مجتمعاً الخميس برئيس مجلس النواب نبيه بري (إ.ب.أ)

خريطة طريق فرنسية

بيد أن ماكرون استبق كل ذلك بكلمة مصورة وجهها إلى اللبنانيين بعد سريان الاتفاق على وقف إطلاق النار. وبالنظر إلى الانتهاكات التي ظهرت منذ اليوم الأول للعمل به، الأمر الذي يثير قلق باريس، فقد حث الرئيس الفرنسي، وفق مصادر الإليزيه، «جميع الأطراف على العمل على التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار هذا» بين لبنان وإسرائيل، مشدداً على أن «جميع الأعمال التي تخالف هذا التطبيق الكامل يجب أن تتوقف فوراً». ولأن باريس ترى أن وقف النار يدشن مرحلة جديدة بالنسبة للبنان، فقد استعاد ماكرون محاولاته السابقة التي طرحها للبنان منذ انفجار المرفأ والزيارتين اللتين قام بهما عقب الانفجار مباشرة في عام 2020، بتفصيل الخطوات التي يفترض باللبنانيين القيام بها لتجنب ما يسميه لودريان «زوال لبنان»، أو ما عدّه مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل «حافة الهاوية». ورغم فشل المساعي الفرنسية السابقة لدفع النواب والطبقة السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية، فقد جدد دعوته بمناسبة الاتصالين بـميقاتي وبري. ونقل عنه الإليزيه تشديده على «ضرورة أن تجد جميع الأطراف اللبنانية السبيل للخروج من الأزمة السياسية» التي تتواصل منذ عامين. وبحسب ماكرون، فإنه «من الجوهري أن تجري انتخابات رئاسية للسماح بتعيين حكومة قادرة على جمع اللبنانيين، وإجراء الإصلاحات الضرورية لاستقرار لبنان وأمنه».

وإذا كان ماكرون قد طالب بانتخاب «فوري» لرئيس الجمهورية، فإن أوساطاً فرنسية تتساءل عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بري إلى تحديد هذا الموعد المتأخر، بينما الوضع الراهن «يستدعي وجود رئيس للدولة في أسرع وقت ممكن».

وقال سفير سابق في المنطقة لـ«الشرق الأوسط»، إن «اللحظة اليوم مناسبة» للسير سريعاً بالانتخابات في ظل ما يشبه «الإجماع الدولي» على إنجاز هذه المهمة. وإذا ما حصل في السابق ما يشبه المنافسة بين باريس وواشنطن، فإن المصادر الفرنسية تؤكد راهناً «العمل يداً بيد» بين الطرفين.

يبقى أن ماكرون يريد مساعدة لبنان أكثر من ذلك، وعلى رأس اهتماماته دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية بسبب الدور الرئيسي المناط بهما. من هنا يأتي تأكيده على «التزام فرنسا بتقديم دعمها للقوات المسلحة اللبنانية، سواء على المستوى الوطني أو في إطار قوات (اليونيفيل)» التابعة للأمم المتحدة. كذلك يريد ماكرون أن يكون الدينامو الذي يستنهض الأسرة الدولية لصالح لبنان، وهو ما لفت إليه في كلمته المصورة من أن فرنسا «ستواصل تعبئة جميع شركائها من أجل لبنان، سواء كانوا أميركيين أو أوروبيين أو عرباً».


مقالات ذات صلة

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

المشرق العربي قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

هناك رأي داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي لتخفيف العقوبات على الشعب السوري و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية».

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي عبد الرحمن القرضاوي (إكس)

لبنان يقرر تسليم القرضاوي للإمارات ويكلّف الأمن العام بالتنفيذ

يتصدّر ملف الناشط المصري عبد الرحمن القرضاوي، نجل الداعية الراحل يوسف القرضاوي، اهتمام القضاء اللبناني.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي الموفد الأميركي آموس هوكستين مع نواب من المعارضة في دارة النائب فؤاد مخزومي (صفحة مخزومي على «إكس»)

زخم خارجي… وحراك داخلي لإنقاذ جلسة انتخاب الرئيس اللبناني الخميس

رغم تكثيف اللقاءات والمشاورات، بين الأفرقاء اللبنانيين فيما بينهم ومع الموفدين الدوليين، قبل ساعات حاسمة على جلسة انتخاب رئيس لبناني، لا تزال الأجواء ضبابية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)

ميقاتي يعتزم زيارة دمشق قريباً

يعتزم رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي زيارة دمشق في وقت قريب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدستور اللبناني لا يفرض على المرشحين لرئاسة الجمهورية تقديم ترشيح رسمي (رويترز) play-circle 02:13

بعد أكثر من عامين على الشغور... جلسة برلمانية الخميس لانتخاب رئيس لبناني

يجتمع مجلس النواب اللبناني الخميس لاختيار رئيس جديد للجمهورية بعد أكثر من عامين على شغور المنصب وحرب مدمّرة أضعفت لاعبا أساسيا هو «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

غارات إسرائيلية تقتل العشرات في غزة وسط مساعٍ أميركية لوقف إطلاق النار

جثامين القتلى نتيجة غارات إسرائيلية على غزة في مستشفى الأهلي المعمداني بالقطاع (رويترز)
جثامين القتلى نتيجة غارات إسرائيلية على غزة في مستشفى الأهلي المعمداني بالقطاع (رويترز)
TT

غارات إسرائيلية تقتل العشرات في غزة وسط مساعٍ أميركية لوقف إطلاق النار

جثامين القتلى نتيجة غارات إسرائيلية على غزة في مستشفى الأهلي المعمداني بالقطاع (رويترز)
جثامين القتلى نتيجة غارات إسرائيلية على غزة في مستشفى الأهلي المعمداني بالقطاع (رويترز)

​أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الأربعاء، أن 51 فلسطينياً قتلوا خلال الـ24 ساعة الماضية، فيما ارتفعت حصيلة القتلى الإجمالية إلى 45936 قتيلاً منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، قبل ستة عشر شهراً. وقالت الوزارة، في بيان، إن الجيش الإسرائيلي «يرتكب 6 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها للمستشفيات 51 شهيداً خلال الـ24 ساعة الماضية»، مشيرة إلى أن «حصيلة العدوان الإسرائيلي ارتفعت إلى 45936 شهيداً و109274 إصابة»، منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وذكر مسعفون أن إحدى الغارات الجوية قتلت 10 أشخاص على الأقل في منزل متعدد الطوابق في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، اليوم الأربعاء، فيما قتلت غارة أخرى خمسة أشخاص في حي الزيتون القريب.

وفي مدينة دير البلح بوسط قطاع غزة، حيث لجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين، أسفرت غارة جوية إسرائيلية عن مقتل ثلاثة أشخاص. وفي جباليا، حيث ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، قال المسعفون إن غارة جوية قتلت أربعة أشخاص.

كما ذكر مسعفون أن الغارات الجوية الإسرائيلية قتلت 24 فلسطينياً على الأقل في أنحاء قطاع غزة، أمس الثلاثاء، وأصابت غارتان جويتان خياماً في المواصي، إلى الغرب من مدينة خان يونس بجنوب القطاع، مما أسفر عن مقتل 18 شخصاً. وكان من بين القتلى عدد من النساء والأطفال.

رجل من أقارب ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة في مستشفى الأهلي المعمداني اليوم (رويترز)

إلى ذلك، كثفت الولايات المتحدة جهودها للتغلب على نقاط الخلاف بين إسرائيل وحركة «حماس» للتوصل إلى وقف لإطلاق النار ينهي الحرب، وفي حين تواصل إسرائيل قصفها، تبذل الولايات المتحدة وقطر ومصر جهوداً حثيثة، هي الأشد كثافة منذ شهور، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وقال مصدر قريب من المحادثات إنها المحاولة الأكثر جدية للتوصل إلى اتفاق حتى الآن، وفق ما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء.

ودعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى دفع الجهود مرة أخيرة للتوصل إلى اتفاق قبل مغادرته منصبه، ويرى كثيرون في المنطقة أن تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني) هو موعد نهائي غير رسمي لتلك المساعي.

وقال المصدر لـ«رويترز»: «الأمور أفضل من أي وقت مضى، لكن لا يوجد اتفاق حتى الآن». لكن مع قرب انتهاء ولاية بايدن، يتهم كل جانب الآخر بعرقلة الاتفاق من خلال التمسك بشروط نسفت كل الجهود السابقة لتحقيق هدنة لما يزيد على عام.

وأمس الثلاثاء، تمسكت «حماس» بمطلبها المتمثل في إنهاء إسرائيل الحرب، وسحب كل قواتها من غزة لإطلاق سراح الرهائن المتبقين. وتقول إسرائيل إنها لن تنهي الحرب حتى تقضي على «حماس» مع تحرير جميع الرهائن. ووصفت «حماس» ترمب بالتهور عندما توعد بأن «أبواب الجحيم ستنفتح على مصراعيها» ما لم يتم الإفراج عن الرهائن بحلول موعد تنصيبه، ورداً على ذلك قال أسامة حمدان، القيادي في «حماس»، خلال مؤتمر صحافي في الجزائر، أمس الثلاثاء: «أظن أن رئيس الولايات المتحدة يجب أن يصدر تصريحات مسؤولة وأكثر دبلوماسية».